أفهم أن تصريحات مسؤول سوري بمستوى فاروق الشرع وموقعه ستكون محط اهتمام. ومضمون ما قاله سوف يثير بالتأكيد نقاشاً واسعاً. لكن يبدو أن المهتمين لا يتوقفون هذه المرة عند مضمون الكلام. بل هم يهتمون بالشكل أيضاً. والأسئلة التي وردت تبدأ بالسؤال عمّا إذا كان هناك حوار أو مقابلة أصلاً، ومن طلبها؟ وكيف تم ترتيبها؟ وكيف وأين كان اللقاء؟ ثم موجة أخرى من الأسئلة حول سبب عدم حصول المقابلة بشكل تقليدي، أي على طريقة سؤال وجواب. ولماذا لم يكن هناك صورة من المقابلة للشرع نفسه؟ أو للشرع ومحاوره؟ وهل جرت مراقبة اللقاء أو تمت مراقبة النص والحديث؟ وهل من طرف ثالث من النظام أو من خارجه تولّى الترتيبات، بما فيها الإشراف أو المشاركة في الحديث؟

بعد ذلك تأتي موجة جديدة من الأسئلة: هل كان الرجل مرتاحاً في الاجتماع؟ هل هو حاضر ذهنياً؟ هل هو فعلاً حر، أم في إقامة جبرية؟ هل الطريق إليه تتم مباشرة أو بواسطة عناصر أو مسؤولين من الأمن السوري؟ وهل يوجد حيث يقيم إجراءات تدل على أنه حر أو العكس؟ ثم كيف تبدو معنوياته؟ هل هو على اتصال وعلى اطلاع وثيق على ما يجري في سوريا؟ أصلاً كيف يبدو صحياً؟

الغريب، أن مصدر الأسئلة ليس زملاء فقط، بل دبلوماسيون من دول عدة، مع تشديد على اهتمام أميركي وفرنسي وتركي وسعودي، إلى جانب رجال استخبارات، الله وحده يعلم مع كم جهاز يعملون. ثم تزداد الأسئلة، في اليوم التالي، بعد مراقبة كيفية تعامل النظام في سورية مع التصريحات. لماذا نشرت وكالة "سانا" الرسمية المقابلة ولم ينشرها التلفزيون الرسمي؟ لماذا تعاملت معها المحطات التلفزيونية والإذاعية القريبة من النظام وتجاهلتها الصحافة السورية الرسمية تماماً؟ أصلاً، هل سمح بدخول عدد "الأخبار" الذي تضمن الحديث؟

منذ مدة غير قصيرة، وطلبات وسائل الإعلام لمقابلة نائب الرئيس السوري لم تتوقف. أدرك كثيرون أن الرجل لا يريد الكلام. وعندما وافق أو قرر الحديث، بدا لي أنه يحتاج إلى جعل الحديث واضحاً من دون مشوقات صحافية. وهو أمر ممكن، خصوصاً أن مجرد المقابلة يمثّل حدثاً إعلامياً قبل أن يكون سياسياً. وعندما جرت الترتيبات، كانت في بساطتها التي تشبه طريقة التواصل مع غالبية المسؤولين السوريين: اتصال هاتفي واتفاق مبدئي على موعد، ثم الاتفاق على نقطة لقاء في العاصمة السورية قبل الانتقال الى حيث يقيم الرجل. وفي حضرة صديق له دور دائم في مساعدة الإعلاميين والمثقفين للتواصل مع قيادات سورية، بدأ الحديث. كان الشرع هادئاً كعادته. كلامه مدروس وعباراته منتقاة. مرتاح أكثر، لأنه لا وجود لآلة تسجيل ولا لكاميرا، علماً بأنه مجرد خطأ لم يكن بالإمكان استلحاقه منع التقاط صورة حديثة له. ولم يجر التداول في إمكان التشكيك في اللقاء، علماً بأن الشرع نفسه، وللأمانة، قال إنه سوف يطلب من المكتب الصحافي في مقر نائب الرئيس إصدار بيان مقتضب يشير إلى أنه استقبل الصحافي "فلان الفلاني"، وأجرى معه حديثاً حول تطورات الأزمة السورية.

في الشكل أيضاً، لم يكن يخطر ببالي أنا، ولا ببال الرجل، أن هناك حاجة إلى مقابلة على طريقة سؤال وجواب، علماً بأن النقاش كله وما نشر كان نتيجة أسئلة وأجوبة. لكن، وللدقة، قلت له إن العبارات التي سوف تنسب إليه، سوف تجري صياغتها بطريقة مختلفة. ولأجل الدقة، سوف أرسل له نسخة تتضمن الفقرات التي ترد فيها عبارات منسوبة إليه لأجل مراجعتها، منعاً لإضافة في غير مكانها، أو نقصاً في شرح الفكرة. وهذا ما حصل واستغرق وقتاً قصيراً، هو الوقت الذي يحتاج فيه المرء إلى إرسال بريد إلكتروني ويحصل على جواب عليه بعد وقت غير طويل. ثم كان النشر.

"الأخبار" دخلت كالعادة في اليوم التالي الى سورية. صحيح أن الرقيب السوري لا يعمل بالوتيرة الماضية نفسها، لكنه في حالة هذا العدد لم يحل دون توزيع الجريدة في السوق. وهي فقدت سريعاً، مع العلم بأن الكمية المرسلة قلّت كثيراً بعد اندلاع الأزمة في سورية. ووصلت الجريدة إلى من يطلبها يومياً وإلى المشتركين من المسؤولين في الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة.

في المضمون، لم تكن مهمتي التأكد من مسألة تشغل بال المتابعين: هل ينطق الشرع باسمه أو باسم النظام؟ المسألة هنا تتعلق بالموقف الذي يطلقه الشرع. وأنا أزعم أن حديثه فيه ثلاثة مستويات: واحد شخصي يعكس تقييمه للأحداث وطريقة تعامل السلطة، وآخر يعكس النقاشات القائمة داخل الهيئات القيادية، وثالث جوهري، وهو محل السؤال، أي ما يتعلق بتصوره للحل، علماً بأن الجميع يعرف أن الروس كما الصين، كما إيران، كما الأخضر الإبراهيمي، وأيضاً موفدين معلنين وغير معلنين، سمعوا من الرئيس بشار الأسد شخصياً ومن مسؤولين سوريين آخرين، أن الحكم مستعد فعلياً لا شكلياً لحوار متكامل وواقعي ولا شروط فيه، وأنه رغم وجود فريق داخل الحكم يتوهم أن ينتهي الوضع على بقاء الأمور كما هي، إلا أن الغالبية العظمى، وخصوصاً على مستوى من بيدهم القرار، يعرفون أن ما كان قبل اندلاع الأزمة لم يعد سوى حكاية من الماضي، وأن أي قوة في العالم غير قادرة على إعادة الأمور الى الوراء. وحتى السجال الضمني الذي يخفي هواجس البعض من أن يدفع ثمن أي تسوية تاريخية، أو أولئك الذين تلفظهم التسويات عادة، فهو سجال لا يغير في واقع الأمر شيئاً. حتى الذين يعملون الى جانب الرئيس من قيادات عسكرية وأمنية على وجه الخصوص، والذين يعملون الآن تحت عنوان المواجهة النارية الحاسمة مع المعارضة المسلحة، إنما يعرفون أن الهدف الفعلي من هذه العملية ـــ الدفاعية كما يقولون ـــ هو الاستعداد لحوار لا بد أن ينتج تسوية تحمل متغيرات على مستوى إدارة الدولة بكل مؤسساتها وشؤونها وناسها.

هذا يعني ببساطة أن الشرع قال كلاماً يعكس الفهم المباشر، من رجل يعيش في قلب الحكم، وله دوره المباشر منذ ثلاثة عقود على الأقل، في الموقف الاستراتيجي. أما ما يجري الحديث عنه من مناورة وغير ذلك، فليس من واجبي أنا التدقيق فيه. وأعتقد أن في الخارج القريب والبعيد من يبالغ في التحليل عندما يقارب هذه المسألة.

في ردود الفعل، كان هناك اهتمام خارجي يقصد منه محاولة فهم أبعاد حديث الشرع عن التسوية التاريخية، وخلفية الانتقادات التي وجهها إلى الحكم في سورية. واضح أن الأميركيين يعتبرون الشرع متمرداً، بينما يرى الفرنسيون أنه مناور يهدف إلى إعداد نفسه لدور انتقالي، بينما يرفض السعوديون كل ما يصدر عن هذا الرجل الذي يكرهونه منذ سنوات طويلة جداً. أما الأتراك، فيرون فيه خصماً عنيداً، حتى ولو كان يملك موقفاً نقدياً.

على مستوى المعارضين السوريين، ثمة "غياب عن الوعي" يجعل غالبية من ينطقون باسم المعارضة في الخارج يعتقدون أن كل ما يصدر عن السلطات في سورية، ومن أي مستوى، ما هو إلا كلام للتمويه. وبعضهم رأى في حديث الشرع إشارة إلى ضعف النظام، بينما لم تتابع المجموعات المسلحة الحديث من أصله، وهي مشغولة في فرض قوانين "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، أو في سرقة أحلام السوريين وآمالهم من خلال التورط في مزيد من المجازر تحت عنوان الثورة والحرية.

أما المراقبون من "جماعتنا نحن الصحافيين"، فهؤلاء يرون ما يريدون أن يروه، ويكفي أن يتطوع مختص في الأرشيف والتقييم لإعادة مراجعة كل النصوص التي كتبت خلال عامين من الأزمة، ليقدم للناس صورة عن حفلة جنون تمارس باسم السلطة الرابعة. عدا عن أولئك المثقفين الذين وجدوا في الأزمة السورية مناسبة ليتحولوا نجوماً على شاشات التلفزيون.

لكن داخل سورية، كانت هناك ردود فعل متفاوتة. المعلن منها، قاله لبنانيون يعملون في حقل الإعلام والدعاية. وأكثرهم جدية النائب السابق ناصر قنديل الذي انتقد حديث الشرع، وبدا لكثيرين أنه يعبّر عن وجهة ما داخل الحكم في سورية. أما البقية، فغالبيتهم من أزلام رامي مخلوف الذي توقف زمن سورية عندهم مع هذا الرجل ودولاراته وأفلامه العبثية.

في سورية أيضاً، احتج معارضون من هيئة التنسيق وبعثيون من على شاشات الإعلام السوري على تجاهل الحديث من قبل الإعلام الرسمي. انتقدوا الأمر بقسوة، بينما تردد أن الشرع رفض نشر حديثه تلفزيونياً بنحو مجتزأ. وفي ذلك إشارة إلى تعدد وجهات النظر داخل القيادة بشأن كيفية التعامل مع تصريحاته. أما على مستوى أركان الدولة، فثمة من قال إنه لا يحق للشرع قول ملاحظاته النقدية علناً، لأنها سوف تنعكس سلباً على معنويات الجيش، وآخرون قالوا إن من الضروري قول ما قيل للتأكيد أن النقاش في سورية لا يقتصر على العسكريين، بينما لاذ قسم ثالث بالصمت، ربما بانتظار التأكد ما إذا كان الشرع قد نسّق حديثه مع الرئيس الأسد، أو العكس!

  • فريق ماسة
  • 2012-12-19
  • 3201
  • من الأرشيف

عن فاروق الشرع أيضاً وأيضاً ..

أفهم أن تصريحات مسؤول سوري بمستوى فاروق الشرع وموقعه ستكون محط اهتمام. ومضمون ما قاله سوف يثير بالتأكيد نقاشاً واسعاً. لكن يبدو أن المهتمين لا يتوقفون هذه المرة عند مضمون الكلام. بل هم يهتمون بالشكل أيضاً. والأسئلة التي وردت تبدأ بالسؤال عمّا إذا كان هناك حوار أو مقابلة أصلاً، ومن طلبها؟ وكيف تم ترتيبها؟ وكيف وأين كان اللقاء؟ ثم موجة أخرى من الأسئلة حول سبب عدم حصول المقابلة بشكل تقليدي، أي على طريقة سؤال وجواب. ولماذا لم يكن هناك صورة من المقابلة للشرع نفسه؟ أو للشرع ومحاوره؟ وهل جرت مراقبة اللقاء أو تمت مراقبة النص والحديث؟ وهل من طرف ثالث من النظام أو من خارجه تولّى الترتيبات، بما فيها الإشراف أو المشاركة في الحديث؟ بعد ذلك تأتي موجة جديدة من الأسئلة: هل كان الرجل مرتاحاً في الاجتماع؟ هل هو حاضر ذهنياً؟ هل هو فعلاً حر، أم في إقامة جبرية؟ هل الطريق إليه تتم مباشرة أو بواسطة عناصر أو مسؤولين من الأمن السوري؟ وهل يوجد حيث يقيم إجراءات تدل على أنه حر أو العكس؟ ثم كيف تبدو معنوياته؟ هل هو على اتصال وعلى اطلاع وثيق على ما يجري في سوريا؟ أصلاً كيف يبدو صحياً؟ الغريب، أن مصدر الأسئلة ليس زملاء فقط، بل دبلوماسيون من دول عدة، مع تشديد على اهتمام أميركي وفرنسي وتركي وسعودي، إلى جانب رجال استخبارات، الله وحده يعلم مع كم جهاز يعملون. ثم تزداد الأسئلة، في اليوم التالي، بعد مراقبة كيفية تعامل النظام في سورية مع التصريحات. لماذا نشرت وكالة "سانا" الرسمية المقابلة ولم ينشرها التلفزيون الرسمي؟ لماذا تعاملت معها المحطات التلفزيونية والإذاعية القريبة من النظام وتجاهلتها الصحافة السورية الرسمية تماماً؟ أصلاً، هل سمح بدخول عدد "الأخبار" الذي تضمن الحديث؟ منذ مدة غير قصيرة، وطلبات وسائل الإعلام لمقابلة نائب الرئيس السوري لم تتوقف. أدرك كثيرون أن الرجل لا يريد الكلام. وعندما وافق أو قرر الحديث، بدا لي أنه يحتاج إلى جعل الحديث واضحاً من دون مشوقات صحافية. وهو أمر ممكن، خصوصاً أن مجرد المقابلة يمثّل حدثاً إعلامياً قبل أن يكون سياسياً. وعندما جرت الترتيبات، كانت في بساطتها التي تشبه طريقة التواصل مع غالبية المسؤولين السوريين: اتصال هاتفي واتفاق مبدئي على موعد، ثم الاتفاق على نقطة لقاء في العاصمة السورية قبل الانتقال الى حيث يقيم الرجل. وفي حضرة صديق له دور دائم في مساعدة الإعلاميين والمثقفين للتواصل مع قيادات سورية، بدأ الحديث. كان الشرع هادئاً كعادته. كلامه مدروس وعباراته منتقاة. مرتاح أكثر، لأنه لا وجود لآلة تسجيل ولا لكاميرا، علماً بأنه مجرد خطأ لم يكن بالإمكان استلحاقه منع التقاط صورة حديثة له. ولم يجر التداول في إمكان التشكيك في اللقاء، علماً بأن الشرع نفسه، وللأمانة، قال إنه سوف يطلب من المكتب الصحافي في مقر نائب الرئيس إصدار بيان مقتضب يشير إلى أنه استقبل الصحافي "فلان الفلاني"، وأجرى معه حديثاً حول تطورات الأزمة السورية. في الشكل أيضاً، لم يكن يخطر ببالي أنا، ولا ببال الرجل، أن هناك حاجة إلى مقابلة على طريقة سؤال وجواب، علماً بأن النقاش كله وما نشر كان نتيجة أسئلة وأجوبة. لكن، وللدقة، قلت له إن العبارات التي سوف تنسب إليه، سوف تجري صياغتها بطريقة مختلفة. ولأجل الدقة، سوف أرسل له نسخة تتضمن الفقرات التي ترد فيها عبارات منسوبة إليه لأجل مراجعتها، منعاً لإضافة في غير مكانها، أو نقصاً في شرح الفكرة. وهذا ما حصل واستغرق وقتاً قصيراً، هو الوقت الذي يحتاج فيه المرء إلى إرسال بريد إلكتروني ويحصل على جواب عليه بعد وقت غير طويل. ثم كان النشر. "الأخبار" دخلت كالعادة في اليوم التالي الى سورية. صحيح أن الرقيب السوري لا يعمل بالوتيرة الماضية نفسها، لكنه في حالة هذا العدد لم يحل دون توزيع الجريدة في السوق. وهي فقدت سريعاً، مع العلم بأن الكمية المرسلة قلّت كثيراً بعد اندلاع الأزمة في سورية. ووصلت الجريدة إلى من يطلبها يومياً وإلى المشتركين من المسؤولين في الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة. في المضمون، لم تكن مهمتي التأكد من مسألة تشغل بال المتابعين: هل ينطق الشرع باسمه أو باسم النظام؟ المسألة هنا تتعلق بالموقف الذي يطلقه الشرع. وأنا أزعم أن حديثه فيه ثلاثة مستويات: واحد شخصي يعكس تقييمه للأحداث وطريقة تعامل السلطة، وآخر يعكس النقاشات القائمة داخل الهيئات القيادية، وثالث جوهري، وهو محل السؤال، أي ما يتعلق بتصوره للحل، علماً بأن الجميع يعرف أن الروس كما الصين، كما إيران، كما الأخضر الإبراهيمي، وأيضاً موفدين معلنين وغير معلنين، سمعوا من الرئيس بشار الأسد شخصياً ومن مسؤولين سوريين آخرين، أن الحكم مستعد فعلياً لا شكلياً لحوار متكامل وواقعي ولا شروط فيه، وأنه رغم وجود فريق داخل الحكم يتوهم أن ينتهي الوضع على بقاء الأمور كما هي، إلا أن الغالبية العظمى، وخصوصاً على مستوى من بيدهم القرار، يعرفون أن ما كان قبل اندلاع الأزمة لم يعد سوى حكاية من الماضي، وأن أي قوة في العالم غير قادرة على إعادة الأمور الى الوراء. وحتى السجال الضمني الذي يخفي هواجس البعض من أن يدفع ثمن أي تسوية تاريخية، أو أولئك الذين تلفظهم التسويات عادة، فهو سجال لا يغير في واقع الأمر شيئاً. حتى الذين يعملون الى جانب الرئيس من قيادات عسكرية وأمنية على وجه الخصوص، والذين يعملون الآن تحت عنوان المواجهة النارية الحاسمة مع المعارضة المسلحة، إنما يعرفون أن الهدف الفعلي من هذه العملية ـــ الدفاعية كما يقولون ـــ هو الاستعداد لحوار لا بد أن ينتج تسوية تحمل متغيرات على مستوى إدارة الدولة بكل مؤسساتها وشؤونها وناسها. هذا يعني ببساطة أن الشرع قال كلاماً يعكس الفهم المباشر، من رجل يعيش في قلب الحكم، وله دوره المباشر منذ ثلاثة عقود على الأقل، في الموقف الاستراتيجي. أما ما يجري الحديث عنه من مناورة وغير ذلك، فليس من واجبي أنا التدقيق فيه. وأعتقد أن في الخارج القريب والبعيد من يبالغ في التحليل عندما يقارب هذه المسألة. في ردود الفعل، كان هناك اهتمام خارجي يقصد منه محاولة فهم أبعاد حديث الشرع عن التسوية التاريخية، وخلفية الانتقادات التي وجهها إلى الحكم في سورية. واضح أن الأميركيين يعتبرون الشرع متمرداً، بينما يرى الفرنسيون أنه مناور يهدف إلى إعداد نفسه لدور انتقالي، بينما يرفض السعوديون كل ما يصدر عن هذا الرجل الذي يكرهونه منذ سنوات طويلة جداً. أما الأتراك، فيرون فيه خصماً عنيداً، حتى ولو كان يملك موقفاً نقدياً. على مستوى المعارضين السوريين، ثمة "غياب عن الوعي" يجعل غالبية من ينطقون باسم المعارضة في الخارج يعتقدون أن كل ما يصدر عن السلطات في سورية، ومن أي مستوى، ما هو إلا كلام للتمويه. وبعضهم رأى في حديث الشرع إشارة إلى ضعف النظام، بينما لم تتابع المجموعات المسلحة الحديث من أصله، وهي مشغولة في فرض قوانين "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، أو في سرقة أحلام السوريين وآمالهم من خلال التورط في مزيد من المجازر تحت عنوان الثورة والحرية. أما المراقبون من "جماعتنا نحن الصحافيين"، فهؤلاء يرون ما يريدون أن يروه، ويكفي أن يتطوع مختص في الأرشيف والتقييم لإعادة مراجعة كل النصوص التي كتبت خلال عامين من الأزمة، ليقدم للناس صورة عن حفلة جنون تمارس باسم السلطة الرابعة. عدا عن أولئك المثقفين الذين وجدوا في الأزمة السورية مناسبة ليتحولوا نجوماً على شاشات التلفزيون. لكن داخل سورية، كانت هناك ردود فعل متفاوتة. المعلن منها، قاله لبنانيون يعملون في حقل الإعلام والدعاية. وأكثرهم جدية النائب السابق ناصر قنديل الذي انتقد حديث الشرع، وبدا لكثيرين أنه يعبّر عن وجهة ما داخل الحكم في سورية. أما البقية، فغالبيتهم من أزلام رامي مخلوف الذي توقف زمن سورية عندهم مع هذا الرجل ودولاراته وأفلامه العبثية. في سورية أيضاً، احتج معارضون من هيئة التنسيق وبعثيون من على شاشات الإعلام السوري على تجاهل الحديث من قبل الإعلام الرسمي. انتقدوا الأمر بقسوة، بينما تردد أن الشرع رفض نشر حديثه تلفزيونياً بنحو مجتزأ. وفي ذلك إشارة إلى تعدد وجهات النظر داخل القيادة بشأن كيفية التعامل مع تصريحاته. أما على مستوى أركان الدولة، فثمة من قال إنه لا يحق للشرع قول ملاحظاته النقدية علناً، لأنها سوف تنعكس سلباً على معنويات الجيش، وآخرون قالوا إن من الضروري قول ما قيل للتأكيد أن النقاش في سورية لا يقتصر على العسكريين، بينما لاذ قسم ثالث بالصمت، ربما بانتظار التأكد ما إذا كان الشرع قد نسّق حديثه مع الرئيس الأسد، أو العكس!

المصدر : الأخبار / ابراهيم الأمين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة