دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تضاربت المعلومات الميدانية الواردة من العاصمة السورية منذ بداية «غزوة دمشق» الثانية، فتارة نسمع عن إنجازات ضخمة حققها المسلحون، وتارة أخرى تصل أخبار عن كمين محكم أعدّه الجيش السوري للمسلحين أدى إلى إلحاق أضرار فادحة بهم.
وبعد مرور أكثر من أسبوعين على بداية المعارك في ريف دمشق، بدأت الصورة الضبابية التي طغت على وقائع «الغزوة» تتضح بشكل أكبر. وعلى ما يبدو فإن المعارضة المسلحة أو تحديداً «جبهة النصرة» وحلفاءها، قد منيت بخسائر بشرية جسيمة.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «السفير» من مصادر مطلعة على وقائع معركة دمشق، فإن الدولة السورية كانت على علم منذ أسابيع عدة بخطة أعدها المسلحون لاقتحام العاصمة، يشارك فيها عشرات آلاف المقاتلين من الجنسيات كافة. وكانت الخطة تقضي بالسيطرة على حرستا ودوما التي تعتبر العمق الاستراتيجي للهجوم على دمشق، والسيطرة على جرمانا بعد سلسلة تفجيرات استهدفت أحياءها ومحيطها كخطوة لتهجير أهلها.
لكن بناء على نصيحة جهاز استخباري حليف للحكومة السورية، وبالتنسيق مع الجيش السوري، تمّ إعداد خطة استباقية للهجوم الذي كان من المفترض أن يبدأ صباح يوم السبت الأول من كانون الأول الحالي، وكانت النقطة الأساسية في الخطة هي جرّ المسلحين إلى معركة مبكرة وتشتيت صفوفهم حتى تحين اللحظة المناسبة لتوجيه الضربات النوعية.
وكانت صحيفة «أرغومينتي نيديلي» الأسبوعية الروسية، قد كشفت مؤخراً، أن «الجيش السوري قام بتوجيه ضربات مبكرة للمسلحين وتمكن من تشتيتهم بمساعدة الاستخبارات الروسية، التي أعطته المشورة بشأن كيفية القيام بضربة استباقية».
قبل ذلك بأيام، نفذت سوريا مناورة تكتيكية حسب نصيحة الجهاز الاستخباري الصديق وفق السيناريو التالي: إخراج الأسلحة الاستراتيجية من مخابئها والإيحاء بنقلها إلى أماكن أكثر أماناً. أثناء ذلك قامت الأقمار الاصطناعية الأجنبية، والأميركية تحديداً، بتصوير النشاط الاستراتيجي السوري. وبدأ الحديث عن مخاوف دولية من إقدام القوات السورية على استخدام هذا النوع من الأسلحة وتحديداً بعد تسريبات إعلامية أنها أسلحة كيميائية. وساهم أعداء النظام السوري بالترويج لهذا السيناريو، ظناً منهم بأنه سيؤدي إلى التدخل الأجنبي في سوريا أو الضغط على النظام لتحقيق مكاسب سياسية بالحد الأدنى. وبدلا من أن تصب «حملة الكيميائي» لمصلحة المسلحين، أحدثت مفعولاً عكسياً وأثرت في أدائهم القتالي سلبياً.
وتشير المصادر إلى أن الخطة اقتضت ترويج معلومات مضللة عن انشقاقات واسعة في صفوف القوات السورية التي تحمي دمشق، وتصدّعها إلى درجة الانهيار الكامل، فبدأت الأخبار تنتشر عن سقوط مراكز وثكنات في العاصمة وريفها وعمليات فرار في صفوف الجيش.
كل هذا تزامن مع استكمال تجمع المسلحين واستعدادهم للانطلاق نحو قلب العاصمة. فشكلت الشائعات التي بثها النظام حافزاً قوياً للمقاتلين لمهاجمة دمشق فوراً. وما عزّز نظرية انهيار الجيش السوري هو التقدم السريع الذي أحرزه المسلحون في أيام قليلة من دون أي مقاومة تذكر في ظل إخلاء الجيش لعدد من مواقعه العسكرية. هذا التقدم الذي سمحت «الخطة المناورة» بحدوثه، كان الهدف منه إحداث شرخ بين المجموعات المقاتلة وخط إمدادها.
كما كشفت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أن إخلاء القوات السورية لبعض مواقعها هو «تكتيك مبني على استراتيجية جديدة اتبعتها خلال الأسابيع الأخيرة، تقضي بانسحابها من القواعد التي لا يمكن الدفاع عنها من أجل تقوية دفاعاتها في دمشق والمدن الأخرى التي يعتقد بأنها ذات أهمية استراتيجية»، مضيفة أن «العودة للخلف سمحت للجيش السوري بإطلاق هجمات مضادة ناجحة خلال الأسبوع الماضي، ما خفف الضغط العسكري على العاصمة وحسن من موقفها التفاوضي». ونقلت الصحيفة عن مصدر في دمشق قوله إن «الحكومة السورية تبنت خياراً استراتيجياً بعدم الدفاع عن النقاط الصغيرة».
وبالعودة إلى وقائع المعركة، تشير المصادر إلى أن المسلحين ومن يدعمهم اقتنعوا بأن النظام بات قاب قوسين أو أدنى من السقوط، فبدأوا هجومهم قبل يومين من الموعد المقرر، أي صباح الخميس 29 تشرين الثاني الماضي، كما أراد النظام السوري تماماً.
مع بداية الهجوم قطعت الاتصالات بأنواعها كافة عن البلاد، فأصبحت المجموعات المسلحة شبه معزولة ما شكل صدمة أولى لها. كما ضعفت إمكانية التواصل بين المجموعات نفسها، وأصبحت المعلومات حول سير المعارك مجرد شائعات وشبه معلومات عن حقيقة ما يجري.
وبدأت المعركة، التي وصفتها المصادر بأنها الأضخم والأقسى منذ بدء الأزمة السورية، بوقوع المسلحين في فخ محكم أعدّته القوات السورية بعد إجرائها تدريبات مكثفة لأشهر على كيفية مواجهة العصابات المسلحة والقضاء عليها في روسيا وإيران، اللتين تربطهما بسوريا اتفاقيات تعاون استراتيجي وتبادل خبرات تقنية وأمنية. ورافق المعركة قصف عنيف لأماكن تواجد المقاتلين، ما أدى إلى انقسامهم لفرق عدة وتشتتهم على محاور عدة، وأفقدهم قدرة السيطرة على «رأس السهم». كما ساهم انقطاع التواصل بينهم بدفعهم إلى الاشتباك المبكر وفي المناطق المكشوفة.
وقامت القوات السورية بهجوم مضاد من محور شرقي وآخر غربي في الوقت ذاته، بعد استدراج المجموعات باتجاه مناطق تبعد أكثر من 40 كيلومتراً عن العاصمة وأكثر من 20 كيلومتراً عن خط إمدادهم، ما أجبر المسلحين على التوجه إلى حرستا ودوما، حيث جرى إدخالهم بحسب المخطط السوري في عنق الكماشة النارية والعسكرية.
كما كانت المواجهات محتدمة على طول الجبهة في عمق الغوطة الشرقية، وقبل وصول المجموعات إلى مشارف المطار والمعرض كانت قواهم قد استهلكت، وخاصة في حران العواميد والدلبة وسقا ودير العصافير والمليحة وببيلا والضمير والحجيرة وخان الشيخ. واختتمت المعارك بالمواجهات في بلدة داريا التي سقط فيها مئات المسلحين، ومنهم من جنسيات غير سورية. وبحسب المصادر، فإن أعداد القتلى في صفوف المقاتلين تتجاوز بشكل كبير ما تم تداوله في وسائل الإعلام.
أما بالنسبة للأيام المقبلة، فتتحدث المصادر عن مهلة شهر منحتها الولايات المتحدة لمسلحي المعارضة وقيادتهم الجديدة كي يقوموا بـ«غزوة دمشق» الثالثة، علّهم يحققون بعض الانتصارات التي تساهم في تحسين شروط التسوية الروسية ـ الأميركية، التي تدخل حيز التنفيذ الفعلي بعد منتصف كانون الثاني المقبل، وفق شروط اتفاقية «جنيف».
المصدر :
السفير \نادر عز الدين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة