دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
أعطى "مؤتمر أصدقاء سوريا " في مراكش، الأربعاء، دفعاً لـ"الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" بإعلان 130 دولة مشاركة في أعماله اعترافها به ممثلاً شرعياً للشعب السوري، بالتزامن مع تصاعد وتيرة العنف في ريف دمشق، إلى هجمات أمنية وتفجيرات متنقلة، أوحت بقرب أوان معركة دمشق. بيد أن هذا الدفع لا يزال يقف عند أبواب الأمم المتحدة التي تكرّس وحدها ـــ كما تنزع وحدها ـــ الشرعية القانونية لنظام الرئيس بشّار الأسد.
ومع أن الاعتراف الأكبر عدداً في يوم واحد حمل تواقيع نصف دول العالم أو أكثر، إلا أن مفاعيله القانونية تظلّ قليلة الحظوظ وعديمة الجدوى من دون اقترانه بقرار من الجمعية العمومية ومجلس الأمن بتعليق عضوية سوريا لدى الأمم المتحدة، أو نزع اعترافها بشرعية النظام ممثلاً للدولة السورية. الأمر الذي لم يحصل إلى الآن، ولا تزال سوريا ـــ ممثلة للنظام ـــ تحتل مقعدها في نيويورك. أو على الأقل ذلك هو موقف الأمم المتحدة التي لم تذهب بعد إلى خيارات الغرب والعرب المناوئة لنظام الأسد، ولم تسحب شرعيتها عن النظام.
بل قد يكون من المفارقة أن أياً من الدول الداعمة الائتلاف لم ترفع، بعد، إلى المنظمة الدولية طلباً بانعقادها لنزع الشرعية الدولية عن نظام الأسد، والدعوة إلى إبدالها بأخرى يتسابق المجتمع الدولي إلى الجهر بتأييده اياها والاعتراف بها ومحضها لقوى الائتلاف.
ليست تلك الشكوك الأولى التي يُثيرها ديبلوماسيون أوروبيون يتحدّثون دورياً مع مسؤولين رسميين. كانوا قد أبرزوا هذا الجانب من مغزى الاعتراف بالائتلاف على أثر إعلانه في 11 تشرين الثاني، واعتراف مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية وفرنسا فوراً به، ثم كرّت سبحة دول اوروبية أخرى. عُدّ الاعتراف حينذاك توطئة لمرحلة جديدة من المواجهة مع النظام في محاولة لإحداث تغيير في موازين القوى العسكرية بينه وبين المعارضة المسلحة.
ويرسم الديبلوماسيون الأوروبيون أمام محدّثيهم اللبنانيين لوحة رمادية عن مآل أحداث سوريا، من غير أن يكون في وسع أي منهم الجزم بالمصير الذي سيؤول إليه الإفراط في العنف، ولا كذلك مصير النظام والائتلاف في آن معاً. ويُبدون أمام محدّثيهم المسؤولين الرسميين بضعة استنتاجات:
أولها، أن الأهمية التي يُكسبها اعتراف الغرب بالائتلاف المعارض تكمن على صعيد العلاقات الثنائية بينه وبين كل من تلك الدول. أقرب إلى تفاهم ثنائي منه إلى تكريس أمر واقع قانوني. لم تُسلّم دولة أوروبية، ولا عربية ما خلا ليبيا منذ الأشهر الأولى لأحداث سوريا، سفارة النظام على أراضيها إلى ممثلي المعارضة، في أيام المجلس الوطني ثم في أيام خلفه الحالي، واكتفت بالحديث عن ممثليات رغم وجود السفارة على أراضي الدول تلك، موصدة الأبواب ومهجورة باستثناء بضعة ديبلوماسيين لتسيير المعاملات في بعضها.
والواضح وفق الطريقة الحذرة التي يتعامل فيها الغرب مع الائتلاف المعارض ـــ على وفرة التعاطف الذي يقدّمه له واستعداده لدعمه مالياً وسهّل له مؤازرة سياسية غير مسبوقة وغير مشروطة ـــ أن الإنتقال من شرعية إلى أخرى لا يقتصر على موقف سياسي وردّ فعل ليس إلا، بل يستمد مرجعيته من الأمم المتحدة حاملة لائحة الدول الشرعية المعتمدة لديها.
من دون أن تتخذ المنظمة الدولية قراراً جدّياً وقانونياً بتجريد نظام الأسد من شرعيته، لن تُعطى سفارة سورية في بلد غربي، وخصوصاً أوروبي، بكل ما فيها من أرشيف ومحفوظات سرّية وأموال وأملاك تُعد ملك الدولة السورية، لممثل الائتلاف الذي لا يزال يفتقر إلى صفة قانونية في لائحة الأمم المتحدة. إلا إذا تغاضت الدولة المضيفة عن احتلال السفارة على نحو مشابه لما شهدته السفارة الأميركية في طهران عندما احتلها طلاب إسلاميون في 4 تشرين الثاني 1979 طوال 444 يوماً.
غير أن اعتراف مراكش، كما من قبل المؤتمرات الثلاثة لأصدقاء سوريا باعترافها بالمجلس الوطني آنذاك، لا يعدو كونه محاولة لإرباك النظام وعرقلة تحرّكه في الخارج وقطع التعاون والتبادل معه ومضاعفة حصاره.
ثانيها، من المبكر للغاية توقّع حسم عسكري يُحرزه النظام أو معارضوه المسلحون الآن، أو في مدى قريب. ويلاحظ الديبلوماسيون الأوروبيون أن الأسد يملك من القوة العسكرية ما يمكّنه من الصمود في مناطق أساسية وواسعة من البلاد لا يزال يسيطر عليها وأبرزها المدن الكبرى والعاصمة خصوصاً، لكنها قوة لا تساعده في أي حال على استرجاع مقدرته على الحكم. بدورها المعارضة المسلحة تملك من القوة العسكرية ما يمكّنها من استمرار ضغوطها على النظام ومهاجمة مفاتيح سلطته، ريف دمشق، وصولاً إلى طريق المطار شأن ما حصل في الأسابيع المنصرمة.
ثالثها، لن يسهل كذلك توقع التوصّل إلى حلّ سياسي في ظلّ موازين القوى العسكرية الحالية بين الرئيس الأسد ومعارضيه التي تقتضي موافقة الرئيس على هذا الحلّ. تحت وطأة قدرات غير متكافئة مع خصومه تجعل آلته العسكرية تطاول كل المناطق السورية بلا استثناء، بما فيها استخدام سلاح الجوّ وشتى أسلحته الأخرى من غير أن يصطدم بمنطقة محظّرة، سيبقى الرئيس الأسد قادراً على رفض أي حلّ سياسي لا يرضيه.
وتبعاً لبندين ـــ يقول الديبلوماسيون الأوروبيون ـــ أثيرا في أوقات متفاوتة قد يشكّلان أرضية تسوية محتملة، لا يزال الرئيس السوري يرفضهما. وهما تسمية رئيس للحكومة بصلاحيات واسعة، وتنحّيه. لا يقلّل ذلك من اعتقاد الديبلوماسيين الأوروبيين أمام محدّثيهم اللبنانيين بأن الرئيس السوري أضحى بلا مستقبل، ولم يعد يمثّل في رأي العرب والغرب على السواء مشروعاً مستقبلياً لبلاده.
رابعها، إلحاق قيادة عسكرية بقيادة سياسية جديدة لمعارضة الخارج هي الائتلاف، قدّمتا في الظاهر للمجتمع الدولي صورة عن سلطة سورية بديلة يسهل إلباسها الشرعية: يحلّ الائتلاف محل الرئيس الأسد، وتخلف القيادة العسكرية الجيش في مرحلة انتقالية كي تندمج فيه ـــ أو يندمج هو فيها ـــ عندما يحين أوان سقوط النظام. على الأقل بحسب ما يتوقعه الائتلاف ومؤيدوه الغربيون.
غير أن الديبلوماسيين الأوروبيين ـــ وهم ينظرون بخيبة إلى حظوظ معدومة للحلّ السياسي ـــ يرون الحلّين العسكري والأمني أكثر تعثّراً، إلا أن ذلك يشير في رأيهم إلى خيار رابع مروّع هو الأكثر إقلاقاً: استمرار العنف والقتل المتبادل بلا هوادة.
ورغم ارتياحهم إلى ثنائية القيادة السياسية والعسكرية للائتلاف، وأهميتها في مضاعفة الضغوط على نظام الأسد، إلا أن تأليف حكومة موقتة في المنفى لا يزال يمثّل الهدف الأفضل للوصول إلى تجريد النظام كلياً من شرعيته.
المصدر :
نقولا ناصيف\ الأخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة