ضاق نظام آل خليفة ذرعاً بغالبية أصوات الشعب البحريني المطالبة بالتغيير وبتأمين أبسط حقوق المساواة. هذا الشعب الذي عبّر، ولا يزال، عن مطالبه بأكثر الطرق سلمية بين الثورات كافة، لم يستسلم أمام أنواع القمع والانتهاكات التي يمارسها النظام بحقّه. ولم يعد مستغرباً أي شيء من قبل سلطة تتّخذ قراراً بتجريد مواطنيها من جنسيتهم، ومن سلطة تبقي «نبيل» الثورة البحرينية في السجن لإسكاته، مع غيره من المعتقلين السياسيين الذين يدفعون ثمن المطالبة بحقوقهم.

نبيل رجب، الشخصية الأكثر تأثيراً في البحرين والحقوقي المناضل الذي يقبع في السجن منذ 7 حزيران الماضي، حكم قبل أيام بالسجن لمدة سنتين بعد أن كانت ثلاث سنوات، وذلك بتهمة «التجمهر غير المرخّص». وقد أصبح منذ اعتقاله صوتاً مزعجاً وتهديداً لهيبة السلطة، التي عرّاها بفضحه الدائم للانتهاكات التي ترتكبها.

قبل اعتقال نبيل ببضعة أيام فقط، التقى زملاء في صحيفة «السفير» في منطقة «عشقها كما يعشق البحرين»، في شارع الحمراء في بيروت. واليوم، وبعد محاولات عديدة، استطاعت «السفير»، أن تُسمِع العالمَ صوتَ نبيل رجب، الذي لم يستطع أحد إسكاته، بعد أن خصّها بهذا الكلام من خلف قضبان السجن.

{ لماذا يستمر القضاء بسجنك، في حين أن الأحكام المماثلة لتهمتك تكون عادة أقل بكثير؟

ـ في الحقيقة، الأضرار التي تكبّدها النظام البحريني في سمعته وصورته أمام العالم جراء زجّي في السجن تفوق أضراره من حريّتي، وإبقاء ناشط حقوقي في السجن طوال هذه المدة بسبب مشاركته أو دعوته لتجمع سلمي أو تظاهرة هو أمر لم يعد يقبله العالم المتحضّر اليوم.

في الواقع، لقد صدمت من الحكم الصادر ضدي بسبب تغريدة «تويتر» أو بسبب التجمهر غير المرخّص، إذ لم أكن أتوقع أن تقوم السلطة بسجني لتهم تافهة، في الوقت الذي تحاول فيه أن تظهر وكأنها تحترم حقوق الإنسان.

تزعم السلطة انها لا تمنع ممارسة الحق في التظاهر، ولكن الواقع يكذّب ذلك لأنّ السجون البحرينية تعجّ بمعتقلين تهمتهم الوحيدة هي المشاركة في مسيرات سلمية مناهضة للحكومة، ولكن للأسف قضايا هؤلاء لم تبرز للإعلام كما هي قضيتي.

الأحكام التي صدرت ضدي كشفت حجم الخلل في القضاء البحريني ومدى خضوعه واستسلامه للسلطة التنفيذية، وسلّطت الأضواء العالمية على طبيعة نظام الحكم في البحرين، وأثبتت للعالم انّ السلطة ضاقت ذرعاً من انتقاداتي المستمرة في الإعلام والصحافة، وانّها من أجل إسكاتي مستعدة للقيام بأي انتهاك للقانون الدولي مهما كان حجمه.

{ ولكن هل تشكل خطراً على النظام ليتم سجنك طوال هذه الفترة؟

ـ أنا لا أشكل أي خطر على أي نظام سياسي. أنا حقوقي ولم ولا أطالب بتغيير النظام أو الانقلاب عليه. أنا أدافع عن حق الجميع في التعبير عن آرائهم ومطالباتهم بالطرق السلمية، وحق التعبير مكفول للجميع، سواء لمن طالب بإصلاح النظام أم لمن طالب بتغيير النظام. ولو أن النظام تعامل بنزاهة مع هذه الحقوق لما كانت هناك أي معارضة له اليوم، إلا أن النظام أصيب بالجشع والاستبداد والطغيان، وبات أعمى لا يرى إلا مصلحته.

من هنا أقول، على السلطة أن تعي أن العنف لا يولّد إلا العنف، وقد أثبتت كل التجارب أن العنف لا يصنع حلولاً بل يصنع مزيداً من العنف والقتل، وتجربة السنتين في البحرين خير دليل على ذلك. ولن ينفع، كذلك، الاستمرار في المصادقة على منظومات قوانين وتشريعات مقيدة للحريات.

{ لماذا أعلن النظام الحرب على الناشطين الحقوقيين؟

ـ النشاط الحقوقي ثقافة جديدة في العالم العربي وكذلك في البحرين، وصار لناشطي حقوق الإنسان الكثير من التأثير في الناس لأن كل حراكهم يركّز على المطالبة باحترام معايير ومبادئ وقيم أخلاقية وإنسانية، بعيداً من السعي لمواقع سياسة أو الدعوة لأنظمة سياسية محددة. وللأسف، بدلاً من أن يتعاون النظام مع الناشطين الحقوقيين كخبراء لإصلاح بنيته الحقوقية لخدمة شعبه، اعتبرهم تهديداً مباشراً لوجوده، وقرّر أن يشن الحرب عليهم. والسؤال هنا، هل نجح هذا الاستهداف في وقف المطالبات الحقوقية؟ بالطبع لا، بل بالعكس. أعتقد أنّ النظام أيقن الآن أنّ سجن الناشطين لن يوقف هذه الثقافة، بل ستساهم مظلوميتهم في انتشارها بسرعة أكبر، وبات واضحاً أنّ سجني قد ضاعف النشاط الحقوقي في البحرين ولم يوقفه أو يحدّ منه.

{ هل ستقمع الثورة في البحرين؟ وإلى أي مدى ستستمر؟

ـ ثورة الشعب البحريني من أكثر الثورات مصداقية ونزاهة ووطنية وشعبية. أبهرني هذا الشعب، بقدرته على الصمود والتضحية بالغالي والنفيس من أجل حريّته، فعلى الرغم من العنف المفرط الممارس ضدّه، إلا أنّه التزم بسلميّته إلى اليوم وحافظ على قيمه ومبادئه التي لم يتخلَّ عنها حتّى بالرغم من الضغوط الممارسة عليه. وما يحصل اليوم في سوريا وليبيا من اقتتال أكّد صحّة خيار الشعب البحريني في انتهاج السلمية كعقيدة نضالية في ثورته، وقد التزم شعبنا بالسلمية على الرغم من انه قدّم أكثر من 110 شهداء لغاية الآن، وقدّم الآلاف من الجرحى الذين لن يعود الكثيرون منهم للعيش كأفراد طبيعيين. ثورتنا مستمرة ونضالنا مستمر ومتسارع ومتنامٍ حتى تحقيق المطالب الحقوقية.

{ هل ما زلت تنادي بالحوار؟

ـ بالتأكيد. أنا مع الحوار الشامل والشفاف والصادق الذي يضم كل نقاط الخلاف، والذي لا يراوغ ولا يتلاعب. أنا مع الحوار الذي تشترك فيه كل أطياف المعارضة بمختلف توجّهاتها السياسية والفكرية، كالسادة إبراهيم شريف وحسن مشيمع وعبد الوهاب حسين والشيخ المحفوظ، ممن هم قادة لأطياف سياسية لها جماهير كبيرة في المجتمع البحريني، وأي حوار لا يشملهم هو حوار عديم الجدوى. لذلك لا نؤمن بإمكانية إقامة حوار مثمر وفاعل وقابل لصناعة حلّ شامل من دون الإفراج عنهم، ومشاركة كل رموز المعارضة السياسية. أما الجمعيات السياسية المعارضة فهي تمثّل شريحة كبيرة ولها حضور قوي وفاعل، ويتعرّض قادتها وجماهيرها لشتّى أنواع الإساءات. وتحاول السلطة الآن تقسيم وتشطير المعارضة السياسية عبر التلميح لمحاورة بعضها واستبعاد البعض الآخر، فهذه محاولة لنقل الصراع لساحة المعارضة، وأنا سعيد بأنّ جميع قوى المعارضة واعية لهذه المسألة. وحتّى هذه اللحظة، لا يبدو أنّ النظام يريد الحوار، وإنما يعمل فقط على شراء الوقت مع مزيد من القمع، وقد يضغط النظام على الجمعيات السياسية خصوصاً «جمعية الوفاق» لكي تتخلى عن رفاقها في المعارضة وترضخ لأية تسوية يطرحها. وقد يقوم النظام بفرض جهات لا وزن لها، لا سياسياً ولا شعبياً، تضغط على المعارضة لتتوافق معها. وما سبق يؤكد أنّ هذا النظام ما زال يلف ويضلّل ويتلاعب وهو غير جاد للخروج من الأزمة السياسية.

{ ما هي رسالتك للنظام؟

ـ بعثت الكثير من الرسائل للنظام لعلّه ينتبه للأخطاء التاريخية التي يرتكبها في حق شعبه. أطالبه بوقف العنف فوراً، واحتضان المعارضة السياسية كمكوّن رئيسي من مكوّنات المجتمع وشريك في الحكم وفي صنع القرار السياسي. وأسأله أن يطلق حرية الرأي والتعبير وأن يسمح بحرية التجمّع والتظاهر، وأن يوقف التدهور المتسارع في القضاء ويعيد بناءه بما يضمن استقلاليته الكاملة، وأن يوقف عملية العزل الطائفي ضد الشيعة ويعيد دمجهم في كل أوجه الحياة. كما أن يتوقّف عن عزل وتهميش جمهور المعارضة على جميع الأصعدة والمستويات، والبدء بحوار جاد وحقيقي قائم على المساواة والعدالة بين جميع مكوّنات المجتمع من أجل الخروج من الأزمة. وعندما نرى أنّ النظام جاد في إصلاح نفسه وتغيير منهجيته، سنعمل مع المعارضة لكي يكون الحوار مشروعاً ناجحاً.

{ ما هي الرسالة التي توجهها للشعب البحريني؟

ـ أحياناً أقف عاجزاً أمام نضالات هذا الشعب العظيم، فأنا معجب وفخور بهذا الشعب الذي كافح وناضل وقدّم كل ما يملك من أجل حريّته وكرامته وحقوقه. ولا بد أن أوجه شكري لكل البحرينيين على وقفتهم المشرفة معي ومع كل المعتقلين السياسيين داخل السجون البحرينية.

ما يرفع معنوياتي في السجن، ومعنويات المئات من المعتقلين السياسيين، هو استمرار هذا الشعب في نضاله اليومي وبقاؤه موحدا على الرغم من محاولات النظام تفريقه والتلاعب بنسيجه المذهبي والثقافي والسياسي. ورسالتي له أن يكون يقظا وحذرا من أن يُستدرج لمخططات السلطة من أجل زرع الطائفية داخله ودفعه ليتصادم مع بعضه البعض، لأن النظام يعتقد أنّه سيقوى حين يفرّق شعب البحرين ويدخله في صراعات ونزاعات دينية ومذهبية وعرقية. النظام البحريني لا يهمّه الشيعة ولا السنة، ولا يهمّه العرب والعجم، بل يهمّه مصلحته ومصلحة شخوصه فقط. وأقول لشعب البحرين إن التاريخ أثبت انّ صراع الشعوب مع الظلم والطغيان لا بدّ له أن ينتهي لصالح الشعوب... وثورة الشعب البحريني ستنتصر. إنها سلمية الشعب التي تهزم همجية النظام وقسوته.

{ كيف كانت وقفة المجتمع الدولي مع ثورتكم؟

ـ على الدول الغربية أن توقف مجاملاتها للدول النفطية في الخليج، خصوصاً البحرين والسعودية والإمارات، بل عليها أن تقف على المسافة ذاتها من جميع ثورات الربيع العربي، سواء كانت في سوريا أم ليبيا أم مصر أم البحرين.

الآن يتم شراء الصمت الغربي بصفقات نفط وسلاح هائلة، ولكن هل هذا الموقف سيخدم المصالح الإستراتيجية الغربية في المنطقة على المدى البعيد؟ الجواب: بالطبع لا، لأنّ الغرب يبني إستراتيجيته على أنّ الحكومات الخليجية ستبقى من دون تغيير، وهذا خطأ فادح. ونحن نتوقع من الديموقراطيات الوليدة أن تساعدنا وتساهم في نشر الديموقراطية في بقية العالم العربي، خصوصاً في منطقة الخليج. أنا في الحقيقة مستغرب من الإغفال المتواصل من الرئيس المصري محمد مرسي لذكر نضالات الشعب البحريني وحاجة شعوب الخليج للحرية والديموقراطية كما هو الشعب المصري. نحن للأسف تمنّينا أن يقف معنا الرئيس الأوّل بعد الثورة المصرية بالضبط كما وقفت شعوبنا مع الثورة المصرية.

{ كلمة أخيرة من ناشط حقوقي سجين؟

ـ عفواً... أنا بداخلي حرٌ طليق، لأنّني تحررت منهم ومن استبدادهم، ولكنّهم هم السجناء الذين قيّدوا أنفسهم وسجنوا مصيرهم في سجن طمعهم وجشعهم، ولا أعلم متى سيخرجون من الأزمة التي زجوا أنفسهم فيها. أنا اليوم معزول عن العالم الخارجي، لا يُسمح لي بالاختلاط مع النشطاء الحقوقيين المسجونين ولا السجناء السياسيين. هم يحاولون قدر الإمكان عزلي لكسر عزيمتي ومعنوياتي، ولكنّني أزداد كل يوم إصراراً على الاستمرار والمواصلة. عقارب الساعة تمشي، والوقت ليس في صالحهم كما يعتقدون.

 

  • فريق ماسة
  • 2012-12-13
  • 9113
  • من الأرشيف

نبيل رجب :أنـا حـرّ طليـق... والصمـت الغربـي يُشـترى بصفقـات نفـط وسـلاح

ضاق نظام آل خليفة ذرعاً بغالبية أصوات الشعب البحريني المطالبة بالتغيير وبتأمين أبسط حقوق المساواة. هذا الشعب الذي عبّر، ولا يزال، عن مطالبه بأكثر الطرق سلمية بين الثورات كافة، لم يستسلم أمام أنواع القمع والانتهاكات التي يمارسها النظام بحقّه. ولم يعد مستغرباً أي شيء من قبل سلطة تتّخذ قراراً بتجريد مواطنيها من جنسيتهم، ومن سلطة تبقي «نبيل» الثورة البحرينية في السجن لإسكاته، مع غيره من المعتقلين السياسيين الذين يدفعون ثمن المطالبة بحقوقهم. نبيل رجب، الشخصية الأكثر تأثيراً في البحرين والحقوقي المناضل الذي يقبع في السجن منذ 7 حزيران الماضي، حكم قبل أيام بالسجن لمدة سنتين بعد أن كانت ثلاث سنوات، وذلك بتهمة «التجمهر غير المرخّص». وقد أصبح منذ اعتقاله صوتاً مزعجاً وتهديداً لهيبة السلطة، التي عرّاها بفضحه الدائم للانتهاكات التي ترتكبها. قبل اعتقال نبيل ببضعة أيام فقط، التقى زملاء في صحيفة «السفير» في منطقة «عشقها كما يعشق البحرين»، في شارع الحمراء في بيروت. واليوم، وبعد محاولات عديدة، استطاعت «السفير»، أن تُسمِع العالمَ صوتَ نبيل رجب، الذي لم يستطع أحد إسكاته، بعد أن خصّها بهذا الكلام من خلف قضبان السجن. { لماذا يستمر القضاء بسجنك، في حين أن الأحكام المماثلة لتهمتك تكون عادة أقل بكثير؟ ـ في الحقيقة، الأضرار التي تكبّدها النظام البحريني في سمعته وصورته أمام العالم جراء زجّي في السجن تفوق أضراره من حريّتي، وإبقاء ناشط حقوقي في السجن طوال هذه المدة بسبب مشاركته أو دعوته لتجمع سلمي أو تظاهرة هو أمر لم يعد يقبله العالم المتحضّر اليوم. في الواقع، لقد صدمت من الحكم الصادر ضدي بسبب تغريدة «تويتر» أو بسبب التجمهر غير المرخّص، إذ لم أكن أتوقع أن تقوم السلطة بسجني لتهم تافهة، في الوقت الذي تحاول فيه أن تظهر وكأنها تحترم حقوق الإنسان. تزعم السلطة انها لا تمنع ممارسة الحق في التظاهر، ولكن الواقع يكذّب ذلك لأنّ السجون البحرينية تعجّ بمعتقلين تهمتهم الوحيدة هي المشاركة في مسيرات سلمية مناهضة للحكومة، ولكن للأسف قضايا هؤلاء لم تبرز للإعلام كما هي قضيتي. الأحكام التي صدرت ضدي كشفت حجم الخلل في القضاء البحريني ومدى خضوعه واستسلامه للسلطة التنفيذية، وسلّطت الأضواء العالمية على طبيعة نظام الحكم في البحرين، وأثبتت للعالم انّ السلطة ضاقت ذرعاً من انتقاداتي المستمرة في الإعلام والصحافة، وانّها من أجل إسكاتي مستعدة للقيام بأي انتهاك للقانون الدولي مهما كان حجمه. { ولكن هل تشكل خطراً على النظام ليتم سجنك طوال هذه الفترة؟ ـ أنا لا أشكل أي خطر على أي نظام سياسي. أنا حقوقي ولم ولا أطالب بتغيير النظام أو الانقلاب عليه. أنا أدافع عن حق الجميع في التعبير عن آرائهم ومطالباتهم بالطرق السلمية، وحق التعبير مكفول للجميع، سواء لمن طالب بإصلاح النظام أم لمن طالب بتغيير النظام. ولو أن النظام تعامل بنزاهة مع هذه الحقوق لما كانت هناك أي معارضة له اليوم، إلا أن النظام أصيب بالجشع والاستبداد والطغيان، وبات أعمى لا يرى إلا مصلحته. من هنا أقول، على السلطة أن تعي أن العنف لا يولّد إلا العنف، وقد أثبتت كل التجارب أن العنف لا يصنع حلولاً بل يصنع مزيداً من العنف والقتل، وتجربة السنتين في البحرين خير دليل على ذلك. ولن ينفع، كذلك، الاستمرار في المصادقة على منظومات قوانين وتشريعات مقيدة للحريات. { لماذا أعلن النظام الحرب على الناشطين الحقوقيين؟ ـ النشاط الحقوقي ثقافة جديدة في العالم العربي وكذلك في البحرين، وصار لناشطي حقوق الإنسان الكثير من التأثير في الناس لأن كل حراكهم يركّز على المطالبة باحترام معايير ومبادئ وقيم أخلاقية وإنسانية، بعيداً من السعي لمواقع سياسة أو الدعوة لأنظمة سياسية محددة. وللأسف، بدلاً من أن يتعاون النظام مع الناشطين الحقوقيين كخبراء لإصلاح بنيته الحقوقية لخدمة شعبه، اعتبرهم تهديداً مباشراً لوجوده، وقرّر أن يشن الحرب عليهم. والسؤال هنا، هل نجح هذا الاستهداف في وقف المطالبات الحقوقية؟ بالطبع لا، بل بالعكس. أعتقد أنّ النظام أيقن الآن أنّ سجن الناشطين لن يوقف هذه الثقافة، بل ستساهم مظلوميتهم في انتشارها بسرعة أكبر، وبات واضحاً أنّ سجني قد ضاعف النشاط الحقوقي في البحرين ولم يوقفه أو يحدّ منه. { هل ستقمع الثورة في البحرين؟ وإلى أي مدى ستستمر؟ ـ ثورة الشعب البحريني من أكثر الثورات مصداقية ونزاهة ووطنية وشعبية. أبهرني هذا الشعب، بقدرته على الصمود والتضحية بالغالي والنفيس من أجل حريّته، فعلى الرغم من العنف المفرط الممارس ضدّه، إلا أنّه التزم بسلميّته إلى اليوم وحافظ على قيمه ومبادئه التي لم يتخلَّ عنها حتّى بالرغم من الضغوط الممارسة عليه. وما يحصل اليوم في سوريا وليبيا من اقتتال أكّد صحّة خيار الشعب البحريني في انتهاج السلمية كعقيدة نضالية في ثورته، وقد التزم شعبنا بالسلمية على الرغم من انه قدّم أكثر من 110 شهداء لغاية الآن، وقدّم الآلاف من الجرحى الذين لن يعود الكثيرون منهم للعيش كأفراد طبيعيين. ثورتنا مستمرة ونضالنا مستمر ومتسارع ومتنامٍ حتى تحقيق المطالب الحقوقية. { هل ما زلت تنادي بالحوار؟ ـ بالتأكيد. أنا مع الحوار الشامل والشفاف والصادق الذي يضم كل نقاط الخلاف، والذي لا يراوغ ولا يتلاعب. أنا مع الحوار الذي تشترك فيه كل أطياف المعارضة بمختلف توجّهاتها السياسية والفكرية، كالسادة إبراهيم شريف وحسن مشيمع وعبد الوهاب حسين والشيخ المحفوظ، ممن هم قادة لأطياف سياسية لها جماهير كبيرة في المجتمع البحريني، وأي حوار لا يشملهم هو حوار عديم الجدوى. لذلك لا نؤمن بإمكانية إقامة حوار مثمر وفاعل وقابل لصناعة حلّ شامل من دون الإفراج عنهم، ومشاركة كل رموز المعارضة السياسية. أما الجمعيات السياسية المعارضة فهي تمثّل شريحة كبيرة ولها حضور قوي وفاعل، ويتعرّض قادتها وجماهيرها لشتّى أنواع الإساءات. وتحاول السلطة الآن تقسيم وتشطير المعارضة السياسية عبر التلميح لمحاورة بعضها واستبعاد البعض الآخر، فهذه محاولة لنقل الصراع لساحة المعارضة، وأنا سعيد بأنّ جميع قوى المعارضة واعية لهذه المسألة. وحتّى هذه اللحظة، لا يبدو أنّ النظام يريد الحوار، وإنما يعمل فقط على شراء الوقت مع مزيد من القمع، وقد يضغط النظام على الجمعيات السياسية خصوصاً «جمعية الوفاق» لكي تتخلى عن رفاقها في المعارضة وترضخ لأية تسوية يطرحها. وقد يقوم النظام بفرض جهات لا وزن لها، لا سياسياً ولا شعبياً، تضغط على المعارضة لتتوافق معها. وما سبق يؤكد أنّ هذا النظام ما زال يلف ويضلّل ويتلاعب وهو غير جاد للخروج من الأزمة السياسية. { ما هي رسالتك للنظام؟ ـ بعثت الكثير من الرسائل للنظام لعلّه ينتبه للأخطاء التاريخية التي يرتكبها في حق شعبه. أطالبه بوقف العنف فوراً، واحتضان المعارضة السياسية كمكوّن رئيسي من مكوّنات المجتمع وشريك في الحكم وفي صنع القرار السياسي. وأسأله أن يطلق حرية الرأي والتعبير وأن يسمح بحرية التجمّع والتظاهر، وأن يوقف التدهور المتسارع في القضاء ويعيد بناءه بما يضمن استقلاليته الكاملة، وأن يوقف عملية العزل الطائفي ضد الشيعة ويعيد دمجهم في كل أوجه الحياة. كما أن يتوقّف عن عزل وتهميش جمهور المعارضة على جميع الأصعدة والمستويات، والبدء بحوار جاد وحقيقي قائم على المساواة والعدالة بين جميع مكوّنات المجتمع من أجل الخروج من الأزمة. وعندما نرى أنّ النظام جاد في إصلاح نفسه وتغيير منهجيته، سنعمل مع المعارضة لكي يكون الحوار مشروعاً ناجحاً. { ما هي الرسالة التي توجهها للشعب البحريني؟ ـ أحياناً أقف عاجزاً أمام نضالات هذا الشعب العظيم، فأنا معجب وفخور بهذا الشعب الذي كافح وناضل وقدّم كل ما يملك من أجل حريّته وكرامته وحقوقه. ولا بد أن أوجه شكري لكل البحرينيين على وقفتهم المشرفة معي ومع كل المعتقلين السياسيين داخل السجون البحرينية. ما يرفع معنوياتي في السجن، ومعنويات المئات من المعتقلين السياسيين، هو استمرار هذا الشعب في نضاله اليومي وبقاؤه موحدا على الرغم من محاولات النظام تفريقه والتلاعب بنسيجه المذهبي والثقافي والسياسي. ورسالتي له أن يكون يقظا وحذرا من أن يُستدرج لمخططات السلطة من أجل زرع الطائفية داخله ودفعه ليتصادم مع بعضه البعض، لأن النظام يعتقد أنّه سيقوى حين يفرّق شعب البحرين ويدخله في صراعات ونزاعات دينية ومذهبية وعرقية. النظام البحريني لا يهمّه الشيعة ولا السنة، ولا يهمّه العرب والعجم، بل يهمّه مصلحته ومصلحة شخوصه فقط. وأقول لشعب البحرين إن التاريخ أثبت انّ صراع الشعوب مع الظلم والطغيان لا بدّ له أن ينتهي لصالح الشعوب... وثورة الشعب البحريني ستنتصر. إنها سلمية الشعب التي تهزم همجية النظام وقسوته. { كيف كانت وقفة المجتمع الدولي مع ثورتكم؟ ـ على الدول الغربية أن توقف مجاملاتها للدول النفطية في الخليج، خصوصاً البحرين والسعودية والإمارات، بل عليها أن تقف على المسافة ذاتها من جميع ثورات الربيع العربي، سواء كانت في سوريا أم ليبيا أم مصر أم البحرين. الآن يتم شراء الصمت الغربي بصفقات نفط وسلاح هائلة، ولكن هل هذا الموقف سيخدم المصالح الإستراتيجية الغربية في المنطقة على المدى البعيد؟ الجواب: بالطبع لا، لأنّ الغرب يبني إستراتيجيته على أنّ الحكومات الخليجية ستبقى من دون تغيير، وهذا خطأ فادح. ونحن نتوقع من الديموقراطيات الوليدة أن تساعدنا وتساهم في نشر الديموقراطية في بقية العالم العربي، خصوصاً في منطقة الخليج. أنا في الحقيقة مستغرب من الإغفال المتواصل من الرئيس المصري محمد مرسي لذكر نضالات الشعب البحريني وحاجة شعوب الخليج للحرية والديموقراطية كما هو الشعب المصري. نحن للأسف تمنّينا أن يقف معنا الرئيس الأوّل بعد الثورة المصرية بالضبط كما وقفت شعوبنا مع الثورة المصرية. { كلمة أخيرة من ناشط حقوقي سجين؟ ـ عفواً... أنا بداخلي حرٌ طليق، لأنّني تحررت منهم ومن استبدادهم، ولكنّهم هم السجناء الذين قيّدوا أنفسهم وسجنوا مصيرهم في سجن طمعهم وجشعهم، ولا أعلم متى سيخرجون من الأزمة التي زجوا أنفسهم فيها. أنا اليوم معزول عن العالم الخارجي، لا يُسمح لي بالاختلاط مع النشطاء الحقوقيين المسجونين ولا السجناء السياسيين. هم يحاولون قدر الإمكان عزلي لكسر عزيمتي ومعنوياتي، ولكنّني أزداد كل يوم إصراراً على الاستمرار والمواصلة. عقارب الساعة تمشي، والوقت ليس في صالحهم كما يعتقدون.  

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة