يسمع العالم كله بتنظيم سري مسلح يدعى "جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام" للمرة الأولى إلا في 14 شباط 2005؛ عند ظهور الفلسطيني أحمد أبو عدس في شريط فيديو متبنياً جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في محلة عين المريسة،

لمثم غُيّب هذا التنظيم عن الساحة الإعلامية بطريقة غير مألوفة في التعاطي مع كل الجماعات المنتمية إلى تنظيم "القاعدة"، أو تلك التي تربطها علاقة وجودية به، أو لها صلة ما بأفكاره وتطلعاته، وذلك لإبعاد الاتهام المباشر له باغتيال الحريري، وتسهيل توجيه أصابع الاتهام إلى سواه، وتحديداً إلى سورية والضباط الأربعة، قبل أن يستقر مطاف تسييس المحكمة الخاصة بلبنان على "حزب الله".

 

وبعد سبع سنوات نزع هذا التنظيم صفة السرية عن نفسه، ونزل إلى الميدان بشكل علني في الأحداث الأمنية في سورية، من خلال بيانه الأول الصادر في 24 كانون الثاني 2012، والذي مهّد فيه الطريق أمام نفسه لنشر الرعب والإرهاب، وتنفيذ عمليات انتحارية وتفجيرات، استهدفت المدنيين والعسكريين على حد سواء، ومنها على سبيل المثال تفجير مبنى قيادة الأركان في دمشق في تشرين الأول 2012، ومبنى المخابرات الجوية في حرستا، وذبح عشرات الأطفال والنساء والرجال والمسنين في أكثر من قرية وبلدة، صادف مكانها ضمن تحركاته العسكرية.

على أن تكاثر الحديث عن هذا التنظيم أخذ يتفاقم مع إعلان الولايات المتحدة الأميركية وضعه على قائمة الإرهاب الدولي، ليتبادر سؤال بديهي إلى الذهن مفاده: هل حان وقت التخلص من هذا التنظيم المتطرف على نحو واسع، والتبرؤ منه على الأقل، وإلا كيف توفق الولايات المتحدة الأميركية بين إيراده على لائحة الإرهاب ودعمها الخفي والمستمر له ولسواه من الطامحين بالإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد؟

بغض النظر عن الجواب، فإن تسمية أميركا لهذه الجبهة بالإرهابية، قد تعيد خلط الأوراق في الاتهامات القائمة في قضية اغتيال الحريري، إذ بات على المدعي العام الدولي في المحكمة الخاصة بلبنان القاضي الكندي نورمان فاريل، أن يراجع حساباته ويدقق أكثر في فحوى القرار الاتهامي الذي ورثه من مواطنه القاضي دانيال بيلمار، بما فيه من أخطاء وعثرات ووقائع مغلوطة سهلت الطريق أمام المرتكب الحقيقي للفرار بعيداً عن العقاب.

ففي القرار الاتهامي الصادر في 30 حزيران 2011، وفي معرِض حديثه عن "جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام"، ادعى القاضي بيلمار أنها "جماعة أصولية وهمية"، من دون أن يقول كيف توصل إلى أنها وهمية وغير موجودة ولا أساس من الصحة لحضورها ولو سراً، مغيباً الأدلة الحسية التي تؤكد صحة ادعائه، على غرار تغييبه القسري للقرائن الملموسة التي تؤكد تورط "حزب الله" في اغتيال الحريري في القرار الاتهامي نفسه.

ولم تَستبعد كل مسارات التحقيق لدى لجنة التحقيق الدولية، التي كان بيلمار رئيسها الثالث والأخير، وجود هذه الجماعة أو الجبهة من مفكرتها، لكنها لم تُعرْها الاهتمام اللازم والجدي، بما في ذلك عند تحقيق الرئيس الثاني لهذه اللجنة (القاضي البلجيكي سيرج برامرتز) مع أعضاء ما عرف بـ"مجموعة الـ13" التابعة لأحد فروع تنظيم "القاعدة" في بلاد الشام، وهو على الأرجح، وكما يتبدى مع مرور الأيام، "جبهة أو جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام"، مع الإشارة إلى أنها ليست مصادفة على الإطلاق أن يكون بعض أفراد هذه المجموعة على صداقة وعلاقة تنظيمية بـ"أبو عدس"، ومنهم على سبيل المثال خالد طه، الذي أُخرج من مسرح الأحداث بطريقة استخباراتية مكشوفة لم تمرّ على أحد.

ولا بد من ملاحظة أخيرة، وهي أنه لم تسجل حالات قيام جماعة ما بعمل أمني ما، ثم نشوء جماعة مماثلة تحمل الاسم نفسه، إلا إذا كانت هي نفسها، ولذلك: هل إماطة اللثام عن وجه هذا التنظيم ورفع الغطاء عنه، هو بداية أفوله للتستر على معلومات ومعطيات أخرى في ملف اغتيال الحريري؟ وهل تثبت المحكمة الخاصة بلبنان حياديتها، ويُلزم قاضي الإجراءات التمهيدية القاضي البلجيكي دانيال فرانسين، المدعي العام فاريل، بإعداد قرار اتهامي جديد يستند إلى حيثيات جدية ودامغة متوافرة في ملفات القضية، تذهب إلى اتهام "جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام" باغتيال رفيق الحريري؟ وعندها ماذا سيكون موقف "تيار المستقبل" ورئيسه سعد الدين الحريري، الذي لا يكف عن تأمين الدعم المالي واللوجستي لهذه الجبهة وإمدادها، مواربة، بالمقاتلين من لبنان؟

  • فريق ماسة
  • 2012-12-12
  • 12309
  • من الأرشيف

أميركا وضعتها على لائحة الإرهاب للتبرؤ منها "جبهة النصرة" اغتالت الحريري.. وتقتل السوريين

 يسمع العالم كله بتنظيم سري مسلح يدعى "جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام" للمرة الأولى إلا في 14 شباط 2005؛ عند ظهور الفلسطيني أحمد أبو عدس في شريط فيديو متبنياً جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في محلة عين المريسة، لمثم غُيّب هذا التنظيم عن الساحة الإعلامية بطريقة غير مألوفة في التعاطي مع كل الجماعات المنتمية إلى تنظيم "القاعدة"، أو تلك التي تربطها علاقة وجودية به، أو لها صلة ما بأفكاره وتطلعاته، وذلك لإبعاد الاتهام المباشر له باغتيال الحريري، وتسهيل توجيه أصابع الاتهام إلى سواه، وتحديداً إلى سورية والضباط الأربعة، قبل أن يستقر مطاف تسييس المحكمة الخاصة بلبنان على "حزب الله".   وبعد سبع سنوات نزع هذا التنظيم صفة السرية عن نفسه، ونزل إلى الميدان بشكل علني في الأحداث الأمنية في سورية، من خلال بيانه الأول الصادر في 24 كانون الثاني 2012، والذي مهّد فيه الطريق أمام نفسه لنشر الرعب والإرهاب، وتنفيذ عمليات انتحارية وتفجيرات، استهدفت المدنيين والعسكريين على حد سواء، ومنها على سبيل المثال تفجير مبنى قيادة الأركان في دمشق في تشرين الأول 2012، ومبنى المخابرات الجوية في حرستا، وذبح عشرات الأطفال والنساء والرجال والمسنين في أكثر من قرية وبلدة، صادف مكانها ضمن تحركاته العسكرية. على أن تكاثر الحديث عن هذا التنظيم أخذ يتفاقم مع إعلان الولايات المتحدة الأميركية وضعه على قائمة الإرهاب الدولي، ليتبادر سؤال بديهي إلى الذهن مفاده: هل حان وقت التخلص من هذا التنظيم المتطرف على نحو واسع، والتبرؤ منه على الأقل، وإلا كيف توفق الولايات المتحدة الأميركية بين إيراده على لائحة الإرهاب ودعمها الخفي والمستمر له ولسواه من الطامحين بالإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد؟ بغض النظر عن الجواب، فإن تسمية أميركا لهذه الجبهة بالإرهابية، قد تعيد خلط الأوراق في الاتهامات القائمة في قضية اغتيال الحريري، إذ بات على المدعي العام الدولي في المحكمة الخاصة بلبنان القاضي الكندي نورمان فاريل، أن يراجع حساباته ويدقق أكثر في فحوى القرار الاتهامي الذي ورثه من مواطنه القاضي دانيال بيلمار، بما فيه من أخطاء وعثرات ووقائع مغلوطة سهلت الطريق أمام المرتكب الحقيقي للفرار بعيداً عن العقاب. ففي القرار الاتهامي الصادر في 30 حزيران 2011، وفي معرِض حديثه عن "جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام"، ادعى القاضي بيلمار أنها "جماعة أصولية وهمية"، من دون أن يقول كيف توصل إلى أنها وهمية وغير موجودة ولا أساس من الصحة لحضورها ولو سراً، مغيباً الأدلة الحسية التي تؤكد صحة ادعائه، على غرار تغييبه القسري للقرائن الملموسة التي تؤكد تورط "حزب الله" في اغتيال الحريري في القرار الاتهامي نفسه. ولم تَستبعد كل مسارات التحقيق لدى لجنة التحقيق الدولية، التي كان بيلمار رئيسها الثالث والأخير، وجود هذه الجماعة أو الجبهة من مفكرتها، لكنها لم تُعرْها الاهتمام اللازم والجدي، بما في ذلك عند تحقيق الرئيس الثاني لهذه اللجنة (القاضي البلجيكي سيرج برامرتز) مع أعضاء ما عرف بـ"مجموعة الـ13" التابعة لأحد فروع تنظيم "القاعدة" في بلاد الشام، وهو على الأرجح، وكما يتبدى مع مرور الأيام، "جبهة أو جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام"، مع الإشارة إلى أنها ليست مصادفة على الإطلاق أن يكون بعض أفراد هذه المجموعة على صداقة وعلاقة تنظيمية بـ"أبو عدس"، ومنهم على سبيل المثال خالد طه، الذي أُخرج من مسرح الأحداث بطريقة استخباراتية مكشوفة لم تمرّ على أحد. ولا بد من ملاحظة أخيرة، وهي أنه لم تسجل حالات قيام جماعة ما بعمل أمني ما، ثم نشوء جماعة مماثلة تحمل الاسم نفسه، إلا إذا كانت هي نفسها، ولذلك: هل إماطة اللثام عن وجه هذا التنظيم ورفع الغطاء عنه، هو بداية أفوله للتستر على معلومات ومعطيات أخرى في ملف اغتيال الحريري؟ وهل تثبت المحكمة الخاصة بلبنان حياديتها، ويُلزم قاضي الإجراءات التمهيدية القاضي البلجيكي دانيال فرانسين، المدعي العام فاريل، بإعداد قرار اتهامي جديد يستند إلى حيثيات جدية ودامغة متوافرة في ملفات القضية، تذهب إلى اتهام "جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام" باغتيال رفيق الحريري؟ وعندها ماذا سيكون موقف "تيار المستقبل" ورئيسه سعد الدين الحريري، الذي لا يكف عن تأمين الدعم المالي واللوجستي لهذه الجبهة وإمدادها، مواربة، بالمقاتلين من لبنان؟

المصدر : علي الموسوي\ الثبات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة