دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
"الأخبار الطيبة" من الشام لم تصل. مجريات المعارك ميدانياً، وغلبة الجيش السوري النظامي، بالقرب من العاصمة دمشق، منعا عن المعارضة المسلحة في سوريا، انتصارها، وبالتالي منع عن المنتظرين، استقبال هذا الانتصار، وتداعياته الطيبة. كان الامل لدى المنتظرين، في الاسبوعين الاخيرين، كبيرا جدا، بأن يتحقق ما طال انتظاره، وما الهجمة الغربية ــــ العربية ــــ الاسرائيلية الواسعة النطاق، على خلفية التحذير والتهديد من استخدام النظام للسلاح الكيميائي، الا دليل على وجود قراءة كادت ان تكون قطعية، بإقبال النظام على السقوط.
تراجعت حملة السلاح الكيميائي، مع خسارة المعارضة المسلحة للمعركة حول دمشق وباتجاهها. وبعد ان كادت اصبع الرئيس بشار الاسد، تضغط على زناد السلاح الكيميائي، وارساله في اقصى الاتجاهات، شمالا وجنوبا، بات هذا السلاح، كما اكد رئيس الدائرة السياسية الامنية في وزارة الدفاع الاسرائيلية، اللواء عاموس غلعاد، "محمياً جيداً". اما نائب رئيس الحكومة الاسرائيلية، الوزير موشيه يعلون، فأكد ايضا ان "لا وجود لمؤشرات دالة على ان النظام السوري سيستخدم هذا السلاح".
مع ذلك، الوضع الميداني على حاله. صد هجوم عسكري مخطط له، لا يعني ان المهاجمين لن يعمدوا الى التخطيط لهجوم آخر. المعركة تبقى قائمة، الى حين تجد الاطراف الخارجية الفاعلة والمؤثرة، في استمرار المعارك او في ايقافها، بأن ما لديهم من اوراق تفاوض، هي اقصى ما يمكن ان يحصلوا عليه، للبدء بتسوية يريدها الجميع، لكن كل بحسب مصلحته.
التطلع يجب ان ينصب في هذه المرحلة، باتجاه الطرف الاميركي، ومعاينة ما لديه من رؤى وتطلعات للآتي. هل اكتفى بما لديه، ام انه يريد مزيداً من اوراق الضغط، التي تتطلب بدورها، مزيداً من السماح للميدان بتوليد هجمات ومحاولات انتصار عسكرية ميدانية؟
الحراك الروسي ــــ الاميركي الاخير، تتوالى مؤشراته الايجابية، بل يشير الى اتجاه ما لجدية اميركية بالتوصل الى صيغة تسوية ما، تجري فيها مراعاة الموقف الروسي، والمرتكز اساسا على ابقاء هيكلية النظام، وتثبت موقع الرئاسة الحالية فيه.
لكن هل بلغ الاميركي فعلا هذا الموقف؟ يوجد في تطورات الساحة السورية، في المرحلة الاخيرة، ما من شأنه ان يفهم الادارة الاميركية ان العمل على زيادة اوراق الضغط المحمّلة الى طاولة التفاوض المقبلة، باتت محفوفة بالمخاطر، وبالتالي اي ورقة ضغط جديدة تسعى اليها واشنطن، من بوابة الميدان والمعارك العسكرية، قد تؤدي بدورها الى تداعيات لا تريدها. وما مشهد السلاح الكيميائي الاخير، الا دليل على ذلك.
في موازاة ذلك، السؤال الذي من شأنه ان يضغط على الجانب الاميركي، هو في إمكان اسقاط النظام، بلا تداعيات سلبية واسعة النطاق. فهل بلغ الاميركي مرحلة اليأس من امكان اسقاط النظام بلا تداعيات؟ اذا كانت الاجابة بنعم، فإن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة تحسين شكلي لاوراق التفاوض، تمهيدا للتفاوض نفسه، واذا كانت الاجابة بلا، فان المعارك الميدانية ستتجدد، مع قساوة اكبر بكثير من ذي قبل.
لكن من الصعب الجزم بين الاتجاهين. علما ان اليوم الذي يلي مرحلة الاسقاط القسري للنظام في سوريا، على فرض إمكان التوصل اليه، يشكل ايضا عامل ضغط على الطرف الاميركي، وتحديدا بما يتعلق بتنظيمات القاعدة وملحقاتها، وايضا تداعيات هذا السقوط على المحيط المباشر، حيث المصلحة الاميركية لا تقبل اي إضرار فيه.
وتداعيات اليوم الذي يلي السقوط المفترض، كما اليوم الذي يسبقه، منقسمة في اتجاهين اثنين. الاول هو تداعيات قسرية، غير مخطط لها، وتتداخل فيها عوامل متشعبة ومختلفة المصادر، ومن الصعب احتواؤها، وهي لازمة ونتيجة مؤكدة، لسقوط قهري للنظام. اما الثاني فيتمثل في تداعيات، قد يلجأ اليها النظام نفسه، كجزء من الضغط المسبق والمواكب لمحاولة اسقاطه، بما يوجع الطرف والاطراف المهاجمة، إن كانت في الداخل او في الخارج.
المؤكد حتى الآن، ان الامور، في كل السيناريوهات الممكن تصورها، محفوفة بالاخطار والتهديدات الكبيرة والواسعة، وباتجاه كل الاطراف المعنية. وقد يكون من المبكر، رغم كل ذلك، ورغم كل المؤشرات الجدية التي تصدر اخيرا، القول ان الاميركي قد بلغ بالفعل مرحلة اليأس من اسقاط النظام والتسليم ببقائه، حتى مع احداث تغييرات فيه. والى ان يحين ذلك، تستمر المعارك بين اخذ ورد، وقد تشهد مستويات اشد واقسى من ذي قبل، اما الخاسر الاكبر في كل ما يجري وسيجري، فهي سوريا كدولة وككيان سياسي، وايضا قبل كل ذلك، الشعب السوري الذي يدفع الثمن غاليا.
المصدر :
يحيى دبوق\ الاخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة