عجيب أمر العرب وممالكهم، تحولوا بقدرة قادر مع أول صاروخ أطلقه المقاومون على المستعمرات الصهيونية من ميادين الثورة إلى ميادين الحكمة والتعقل.

حريصون هم على السلم والاستقرار والهدوء. لذلك سارعوا إلى الطلب من فصائل المقاومة أن توقف إطلاق الصواريخ وأن يتفهموا الوضع المعقد في المنطقة، وأن مصلحتهم تكمن في التهدئة لا في التصعيد، كأن الفلسطينيين في غزة هم من بادروا إلى قتل أطفالهم وتدمير منازلهم. طلبت الممالك من المقاومين أن يتوقفوا ولكنهم لم يجرؤا أن يطلبوا من العدو الإسرائيلي أن يكفّ عدوانه ويرفع الحصار. هم أجبن من أن يوصفوا، بل هم أجبن من على هذه الأرض! اجتمعوا في القاهرة من أجل إسرائيل لا من أجل الدماء البريئة التي تسيل في غزة، اجتمعوا بعد أن جاءت الأوامر الاميركية فهبّوا ملبين النداء. يعملون بجد لإقناع الفصائل أن تلتزم هدنة بشروط أميركية إسرائيلية. لم يفعل العرب شيئاً لغزة ما خلا بعض الزيارات والتمنيات والدموع التي تكشف عن عجز هذه الأنظمة وفشلها في صنع الكرامة لها ولغزّة.

في سورية يُفتى بالثورة ووجوب مدّ المعارضين بالسلاح ولو أدى هذا الأمر إلى قتل الآلاف من المدنيين والأبرياء. لا مشكلة أن يسيل الدم المسلم والمسيحي في سورية، حرمته لا توازي عند الله حرمة الكعبة! لا أصوات من بلاد الممالك بالتعقل والحكمة والتهدئة والحوار وحقن الدماء وإيجاد التسويات ووقف النزف المستمر . لا أصوات من هناك للمساعي الحميدة والوساطات بل بتسليح السوريين ليقاتل بعضهم بعضاً لأن المشروع الأميركي - الصهيوني يريد سورية محطمة ومشرذمة وضعيفة.

في غزة الصورة معاكسة تماماً. بلاد الممالك تحركت سريعاً لأن إسرائيل تألمت وإلا لكانت غارقة في صمت مطبق أمام المجازر والجرائم الإسرائيلية. كما كان الحال أمام كل المجازر السابقة. لم نكن نسمع من بلاد الممالك إلا الخطابات التي لا تغني ولا تسمن من جوع!

أما البلاد التي قيل بثورات حصلت فيها، فما بدا أنْ حصل فيها شيء. ظل الموقف السياسي والعملاني اتجاه الفلسطينيين على حاله كما كان سابقاً. مصر الثورة هي مصر ما قبلها اتجاه الفلسطينيين وغزة. اللهم إلا بعض الخطابات التعبوية التي تطرب الآذان ولكنها لا تستولد نصراً ولا تشفي جراحاً ولا تعيد كرامة.

كنا نتوقع من مصر أكثر من ذلك ولكن خاب ظننا من جديد مع تعاملها مع العدوان الإسرائيلي بهذه الطريقة الديبلوماسية السياسية وكأنها من بلدان الدول الاسكندنافية لا من البلدان العربية الملتزمة الدفاع عن شعب فلسطين والمهتمة بتزويده بكل السلاح المتاح ليدافع عن نفسه. لا ندري كيف يمكن للجمهورية الإسلامية الإيرانية ولسورية وحزب الله مع بعد المسافة أن يمدوا الفلسطينيين بالصواريخ والمال، فيما تعجز مصر الثورة عن ذلك.

لا، ليس بالأمر المقبول هذا الذي يحصل، ولذلك نحن كنا على ريبة من المتغيرات التي حصلت في العالم العربي لأنها حتى الآن لم تعكس مباشرة مصالح الأمة ووحدتها، ولم تضع الدول التي حدثت فيها هذه المتغيرات في أولوياتها القضية الفلسطينية التي يفترض أن تكون الأولوية الأساس على مستوى الأمة وشعوبها. لذلك لم نرَ أمام العدوان الإسرائيلي الجديد على غزّة داعماً للقضية وللشعب الفلسطيني بكل وضوح وجرأة وفخر غير إيران وسورية وحزب الله فيما بقيّة البلدان في العالم العربي والإسلامي والكثير من الحركات لم تقدم شيئاً يذكر بل حتى لم تتحرك في المجالات السياسية والإعلامية والجماهيرية كما يجب.

نحن بالقطع مع التغيير في العالم العربي لكن نريد تغييراً حقيقياً وثورياً وليس تغييراً شكلياً لا يبدل من الأوضاع القديمة شيئاً على الإطلاق. نريد سلطات تحكم بالعدل والمساواة وتعيد الحرية والكرامة والحقوق إلى الشعوب التي كانت مستضعفة لفترات زمنية طويلة. أما أن تنتقل السلطة من شخص إلى آخر ومن فئة إلى أخرى مع بقاء السياسات الظالمة والتحالفات القديمة مع الاستعمار فهذا أمر غير مقبول.

إن أميركا عملت للسيطرة على الأنظمة الجديدة وهذا ما يبدو أنه قد تحقق من خلال المواقف الظاهرة والسياسات القائمة لما يسمى ببلدان الربيع العربي، ومن خلال علاقات مشبوهة مخالفة لمصالح الشعوب التي لم تنزف دماً ولم تنزل شارعاً إلا من أجل حريةٍ حقيقيةٍ ومن أجل وحدةٍ عربيةٍ وقوةٍ عربية لاستعادة فلسطين كلها. لذلك نحن نعتبر أنّ النظام الذي ترضى عنه أميركا لن يكون نظاماً صالحاً للشعب والأمة. ولن يقدم للقضية الفلسطينية شيئاً سوى المزيد من المراوحة والإهمال والتسويف لأنه مضغوط ومكبل بمجموعة من الشروط الخارجية القاسية.

إنّ غزّة انتصرت والمقاومة انتصرت ونحن أمام حلقةٍ جديدة من العزّة ولو كان الوضع العربي الرسمي بهذه الردّة والتخلف والبلادة. مع خيار المقاومة ستكون الأمة أفضل وسيكون مستقبلها أكثر إشراقاً وأكثر حريةً وأكثر عدالة.

  • فريق ماسة
  • 2012-11-23
  • 9234
  • من الأرشيف

ممالك العرب بين غزّة وسورية!

عجيب أمر العرب وممالكهم، تحولوا بقدرة قادر مع أول صاروخ أطلقه المقاومون على المستعمرات الصهيونية من ميادين الثورة إلى ميادين الحكمة والتعقل. حريصون هم على السلم والاستقرار والهدوء. لذلك سارعوا إلى الطلب من فصائل المقاومة أن توقف إطلاق الصواريخ وأن يتفهموا الوضع المعقد في المنطقة، وأن مصلحتهم تكمن في التهدئة لا في التصعيد، كأن الفلسطينيين في غزة هم من بادروا إلى قتل أطفالهم وتدمير منازلهم. طلبت الممالك من المقاومين أن يتوقفوا ولكنهم لم يجرؤا أن يطلبوا من العدو الإسرائيلي أن يكفّ عدوانه ويرفع الحصار. هم أجبن من أن يوصفوا، بل هم أجبن من على هذه الأرض! اجتمعوا في القاهرة من أجل إسرائيل لا من أجل الدماء البريئة التي تسيل في غزة، اجتمعوا بعد أن جاءت الأوامر الاميركية فهبّوا ملبين النداء. يعملون بجد لإقناع الفصائل أن تلتزم هدنة بشروط أميركية إسرائيلية. لم يفعل العرب شيئاً لغزة ما خلا بعض الزيارات والتمنيات والدموع التي تكشف عن عجز هذه الأنظمة وفشلها في صنع الكرامة لها ولغزّة. في سورية يُفتى بالثورة ووجوب مدّ المعارضين بالسلاح ولو أدى هذا الأمر إلى قتل الآلاف من المدنيين والأبرياء. لا مشكلة أن يسيل الدم المسلم والمسيحي في سورية، حرمته لا توازي عند الله حرمة الكعبة! لا أصوات من بلاد الممالك بالتعقل والحكمة والتهدئة والحوار وحقن الدماء وإيجاد التسويات ووقف النزف المستمر . لا أصوات من هناك للمساعي الحميدة والوساطات بل بتسليح السوريين ليقاتل بعضهم بعضاً لأن المشروع الأميركي - الصهيوني يريد سورية محطمة ومشرذمة وضعيفة. في غزة الصورة معاكسة تماماً. بلاد الممالك تحركت سريعاً لأن إسرائيل تألمت وإلا لكانت غارقة في صمت مطبق أمام المجازر والجرائم الإسرائيلية. كما كان الحال أمام كل المجازر السابقة. لم نكن نسمع من بلاد الممالك إلا الخطابات التي لا تغني ولا تسمن من جوع! أما البلاد التي قيل بثورات حصلت فيها، فما بدا أنْ حصل فيها شيء. ظل الموقف السياسي والعملاني اتجاه الفلسطينيين على حاله كما كان سابقاً. مصر الثورة هي مصر ما قبلها اتجاه الفلسطينيين وغزة. اللهم إلا بعض الخطابات التعبوية التي تطرب الآذان ولكنها لا تستولد نصراً ولا تشفي جراحاً ولا تعيد كرامة. كنا نتوقع من مصر أكثر من ذلك ولكن خاب ظننا من جديد مع تعاملها مع العدوان الإسرائيلي بهذه الطريقة الديبلوماسية السياسية وكأنها من بلدان الدول الاسكندنافية لا من البلدان العربية الملتزمة الدفاع عن شعب فلسطين والمهتمة بتزويده بكل السلاح المتاح ليدافع عن نفسه. لا ندري كيف يمكن للجمهورية الإسلامية الإيرانية ولسورية وحزب الله مع بعد المسافة أن يمدوا الفلسطينيين بالصواريخ والمال، فيما تعجز مصر الثورة عن ذلك. لا، ليس بالأمر المقبول هذا الذي يحصل، ولذلك نحن كنا على ريبة من المتغيرات التي حصلت في العالم العربي لأنها حتى الآن لم تعكس مباشرة مصالح الأمة ووحدتها، ولم تضع الدول التي حدثت فيها هذه المتغيرات في أولوياتها القضية الفلسطينية التي يفترض أن تكون الأولوية الأساس على مستوى الأمة وشعوبها. لذلك لم نرَ أمام العدوان الإسرائيلي الجديد على غزّة داعماً للقضية وللشعب الفلسطيني بكل وضوح وجرأة وفخر غير إيران وسورية وحزب الله فيما بقيّة البلدان في العالم العربي والإسلامي والكثير من الحركات لم تقدم شيئاً يذكر بل حتى لم تتحرك في المجالات السياسية والإعلامية والجماهيرية كما يجب. نحن بالقطع مع التغيير في العالم العربي لكن نريد تغييراً حقيقياً وثورياً وليس تغييراً شكلياً لا يبدل من الأوضاع القديمة شيئاً على الإطلاق. نريد سلطات تحكم بالعدل والمساواة وتعيد الحرية والكرامة والحقوق إلى الشعوب التي كانت مستضعفة لفترات زمنية طويلة. أما أن تنتقل السلطة من شخص إلى آخر ومن فئة إلى أخرى مع بقاء السياسات الظالمة والتحالفات القديمة مع الاستعمار فهذا أمر غير مقبول. إن أميركا عملت للسيطرة على الأنظمة الجديدة وهذا ما يبدو أنه قد تحقق من خلال المواقف الظاهرة والسياسات القائمة لما يسمى ببلدان الربيع العربي، ومن خلال علاقات مشبوهة مخالفة لمصالح الشعوب التي لم تنزف دماً ولم تنزل شارعاً إلا من أجل حريةٍ حقيقيةٍ ومن أجل وحدةٍ عربيةٍ وقوةٍ عربية لاستعادة فلسطين كلها. لذلك نحن نعتبر أنّ النظام الذي ترضى عنه أميركا لن يكون نظاماً صالحاً للشعب والأمة. ولن يقدم للقضية الفلسطينية شيئاً سوى المزيد من المراوحة والإهمال والتسويف لأنه مضغوط ومكبل بمجموعة من الشروط الخارجية القاسية. إنّ غزّة انتصرت والمقاومة انتصرت ونحن أمام حلقةٍ جديدة من العزّة ولو كان الوضع العربي الرسمي بهذه الردّة والتخلف والبلادة. مع خيار المقاومة ستكون الأمة أفضل وسيكون مستقبلها أكثر إشراقاً وأكثر حريةً وأكثر عدالة.

المصدر : السفير/ عفيف النابلسي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة