لطالما شكلت فلسطين بوصلة للمناضلين ولصدق التزامهم الوطني والقومي والديني، لكنها اليوم، لشدة أصالتها وسمو قضيتها، كبرت مع مجاهديها المقاومين، وباتت أشبه بآلة لكشف كذب المدعين من أصحاب الوجوه المتلونة، الذين يمحو النهار كلام ليلهم، ويقولون الشيء ونقيضه، هؤلاء، كما خبرنا طوال السنوات والعهود الماضية، لطالما تمنوا أن يمحى ذكر فلسطين وتشطب قضيتها من السجلات، لأنها تحرجهم مع أسيادهم من أميركيين وأطلسيين.

فلسطين، بوجهها الغزاوي المضيء صواريخاً وصموداً وشموخاً وتضحيات، لم تجد في ملحمتها المتجددة، من يمد يد المساعدة إليها، لا من جماعات "الربيع العربي"، ولا من أنظمة "الاعتدال العربي"، جل ما وصلها حتى الآن من هؤلاء، مواقف صوتية لا تسمن ولا تغني من جوع، فكيف الحال إذا كان المطلوب سلاحاً يعزز قدرات المواجهة، وهي في هذا الموقف، ليست أحسن حظاً من المقاومة في لبنان التي تعرضت للطعن في الظهر عام 2006، ورغم ذلك، انتصرت.

ما أشبه اليوم بالبارحة، عندما شن العدو الصهيوني عدوانه لسحق المقاومة في لبنان عام 2006، أصدر حكام "الاعتدال العربي" بياناً رباعياً مشهوراً انحازوا فيه إلى "إسرائيل"، ودانوا المقاومة ووصفوها بـ"المغامرة"، كما أن "مصدراً مسؤولاً" سعودياً أصدر بياناً في ذلك الوقت، قال فيه إن "المملكة تود أن تعلن بوضوح أنه لا بد من التفرقة بين المقاومة الشرعية وبين المغامرات غير المحسوبة"، ليضيف باسم المملكة "الوقت قد حان لأن تتحمل هذه العناصر وحدها المسؤولية الكاملة عن هذه التصرفات غير المسؤولة، وأن يقع عليها وحدها عبء إنهاء الأزمة التي أوجدتها".

هذا ما كان عليه موقف المملكة السعودية وحلفائها تجاه "حزب الله"، لكن موقف هؤلاء ليس أحسن حالاً تجاه فلسطين والمقاومة في غزة المحاصرة، فها هو "كبير ملوك العرب" عبدالله آل سعود، لا يجد عبارات يتضامن فيها مع أهالي غزة إلا بالدعوة إلى "تهدئة الأمور وإحكام العقل، وألا يغلب الانفعال على الحكمة والتدبر"، فيما يمعن العدو الإسرائيلي بأسلحته الأميركية قتلاً ودماراً في غزة وأهلها.

وللتذكير، فإن العرب من المحيط إلى الخليج لم يروا هذه "الحكمة" السعودية عندما أرسل الملك جيشه وطيرانه لقتل فقراء اليمن من الحوثيين، ولم نر هذا "التدبر" عندما أُرسل "درع الجزيرة" ليقمع انتفاضة الحرية السلمية في البحرين، كما غاب "إحكام العقل" عندما تحمست السعودية إلى تحريض وتمويل سعاة الفتنة في سورية وتسليحهم وتدريبهم.

حتى إمارة قطر، التي طالما زاودت على الموقف السعودي، رفض رئيس وزارئها حمد بن جاسم فكرة تزويد غزة بالسلاح، وقال لسائليه: "موضوع الأسلحة إلى غزة، لا، نحن نتحدث عن السلام وعن الدعم الإنساني وإعادة ما دُمِّر، موضوع السلاح نحن ضده".

كذلك لم نسمع صوتاً لمن سمّاه العرب "مفتي الناتو"، ذلك القرضاوي الذي أفتى بقتل القذافي، وأحل دماء "ثلث الشعب السوري"، فهل لا تستحق غزة وفلسطين منه "فتوى" بقتال المحتل الغاصب للأرض؟

حتى الذين يدعون أنهم "ثوار"، ممن ركبوا موجة الحركة الشعبية ووصلوا على أكتافها إلى سدة الحكم في مصر الكنانة، يمارسون دور "الوسيط" بين مقاومي غزة والعدو الإسرائيلي، في حين لا تحصل غزة من رئيس وزراء مصر ووزرير خارجية تونس، وغيره من وزراء الخارجية العرب، إلا على زيارات سياحية، يلتقطون خلالها الصور مع جثث الشهداء الأطفال، وها هو وزير خارجية تركيا ينضم إلى لائحة الوسطاء والسائحين على أنقاض البيوت المدمرة في غزة.

ثم ماذا سيقول هؤلاء لإيران التي يقاتل مجاهدو غزة بصواريخها والأسلحة التي أرسلتها لهم هي وسورية وحزب الله؟ هل سيتهمون "حماس" بأنها جيش إيراني كما يفترون على المقاومة في لبنان؟ وهل سيقولون عن أهل غزة إنهم "فرس"؟

مع توالي أيام الصمود البطولي لمجاهدي غزة، تتكشف فضيحة أتباع أميركا من عرب النفط وتجار الدين، هؤلاء الذين شنوا حملة عداء شعواء ضد سورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وكل المقاومين، وبادروا إلى استعداء إيران لأنها أقفلت سفارة "إسرائيل" التي كانت في عهد الشاه، وحوّلتها إلى سفارة لفلسطين، في حين كان "عرب أميركا" يفتتحون سفارات "إسرائيلية في عواصمهم في السر والعلن، وبينما كانت إيران تدعم خط المقاومة والمقاومين، كان هؤلاء يتآمرون على كل من يعادي "إسرائيل" من العرب، ابتداء من جمال عبد الناصر، وصولاً إلى كل فصائل الثورة الفلسطينية، ومبادرة "الأمير فهد" في قمة "فاس" في المغرب عام 1989 كشفت تدافع هؤلاء لشطب القضية الفلسطينية والاعتراف بـ"إسرائيل"، واليوم يسعّر هؤلاء من عدائهم لإيران لأنها تقف موقفاً لا يجرؤون على مجرد التفكير فيه.

جريمة إيران أنها تقول للغرب، إن التوازنات التي أتاحت لكم أن تشطبوا فلسطين وتقيموا "إسرائيل" مكانها قد تبدلت، ولا بد أن تعود فلسطين وتغيب "إسرائيل"، فمن هو الأكثر عروبة وإسلاماً؟

هي فلسطين، كانت وستبقى البوصلة وآلة كشف كذب السائرين في ركاب أميركا والغرب الاستعماري.

  • فريق ماسة
  • 2012-11-22
  • 10011
  • من الأرشيف

ما أشبه اليوم بالبارحة

لطالما شكلت فلسطين بوصلة للمناضلين ولصدق التزامهم الوطني والقومي والديني، لكنها اليوم، لشدة أصالتها وسمو قضيتها، كبرت مع مجاهديها المقاومين، وباتت أشبه بآلة لكشف كذب المدعين من أصحاب الوجوه المتلونة، الذين يمحو النهار كلام ليلهم، ويقولون الشيء ونقيضه، هؤلاء، كما خبرنا طوال السنوات والعهود الماضية، لطالما تمنوا أن يمحى ذكر فلسطين وتشطب قضيتها من السجلات، لأنها تحرجهم مع أسيادهم من أميركيين وأطلسيين. فلسطين، بوجهها الغزاوي المضيء صواريخاً وصموداً وشموخاً وتضحيات، لم تجد في ملحمتها المتجددة، من يمد يد المساعدة إليها، لا من جماعات "الربيع العربي"، ولا من أنظمة "الاعتدال العربي"، جل ما وصلها حتى الآن من هؤلاء، مواقف صوتية لا تسمن ولا تغني من جوع، فكيف الحال إذا كان المطلوب سلاحاً يعزز قدرات المواجهة، وهي في هذا الموقف، ليست أحسن حظاً من المقاومة في لبنان التي تعرضت للطعن في الظهر عام 2006، ورغم ذلك، انتصرت. ما أشبه اليوم بالبارحة، عندما شن العدو الصهيوني عدوانه لسحق المقاومة في لبنان عام 2006، أصدر حكام "الاعتدال العربي" بياناً رباعياً مشهوراً انحازوا فيه إلى "إسرائيل"، ودانوا المقاومة ووصفوها بـ"المغامرة"، كما أن "مصدراً مسؤولاً" سعودياً أصدر بياناً في ذلك الوقت، قال فيه إن "المملكة تود أن تعلن بوضوح أنه لا بد من التفرقة بين المقاومة الشرعية وبين المغامرات غير المحسوبة"، ليضيف باسم المملكة "الوقت قد حان لأن تتحمل هذه العناصر وحدها المسؤولية الكاملة عن هذه التصرفات غير المسؤولة، وأن يقع عليها وحدها عبء إنهاء الأزمة التي أوجدتها". هذا ما كان عليه موقف المملكة السعودية وحلفائها تجاه "حزب الله"، لكن موقف هؤلاء ليس أحسن حالاً تجاه فلسطين والمقاومة في غزة المحاصرة، فها هو "كبير ملوك العرب" عبدالله آل سعود، لا يجد عبارات يتضامن فيها مع أهالي غزة إلا بالدعوة إلى "تهدئة الأمور وإحكام العقل، وألا يغلب الانفعال على الحكمة والتدبر"، فيما يمعن العدو الإسرائيلي بأسلحته الأميركية قتلاً ودماراً في غزة وأهلها. وللتذكير، فإن العرب من المحيط إلى الخليج لم يروا هذه "الحكمة" السعودية عندما أرسل الملك جيشه وطيرانه لقتل فقراء اليمن من الحوثيين، ولم نر هذا "التدبر" عندما أُرسل "درع الجزيرة" ليقمع انتفاضة الحرية السلمية في البحرين، كما غاب "إحكام العقل" عندما تحمست السعودية إلى تحريض وتمويل سعاة الفتنة في سورية وتسليحهم وتدريبهم. حتى إمارة قطر، التي طالما زاودت على الموقف السعودي، رفض رئيس وزارئها حمد بن جاسم فكرة تزويد غزة بالسلاح، وقال لسائليه: "موضوع الأسلحة إلى غزة، لا، نحن نتحدث عن السلام وعن الدعم الإنساني وإعادة ما دُمِّر، موضوع السلاح نحن ضده". كذلك لم نسمع صوتاً لمن سمّاه العرب "مفتي الناتو"، ذلك القرضاوي الذي أفتى بقتل القذافي، وأحل دماء "ثلث الشعب السوري"، فهل لا تستحق غزة وفلسطين منه "فتوى" بقتال المحتل الغاصب للأرض؟ حتى الذين يدعون أنهم "ثوار"، ممن ركبوا موجة الحركة الشعبية ووصلوا على أكتافها إلى سدة الحكم في مصر الكنانة، يمارسون دور "الوسيط" بين مقاومي غزة والعدو الإسرائيلي، في حين لا تحصل غزة من رئيس وزراء مصر ووزرير خارجية تونس، وغيره من وزراء الخارجية العرب، إلا على زيارات سياحية، يلتقطون خلالها الصور مع جثث الشهداء الأطفال، وها هو وزير خارجية تركيا ينضم إلى لائحة الوسطاء والسائحين على أنقاض البيوت المدمرة في غزة. ثم ماذا سيقول هؤلاء لإيران التي يقاتل مجاهدو غزة بصواريخها والأسلحة التي أرسلتها لهم هي وسورية وحزب الله؟ هل سيتهمون "حماس" بأنها جيش إيراني كما يفترون على المقاومة في لبنان؟ وهل سيقولون عن أهل غزة إنهم "فرس"؟ مع توالي أيام الصمود البطولي لمجاهدي غزة، تتكشف فضيحة أتباع أميركا من عرب النفط وتجار الدين، هؤلاء الذين شنوا حملة عداء شعواء ضد سورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وكل المقاومين، وبادروا إلى استعداء إيران لأنها أقفلت سفارة "إسرائيل" التي كانت في عهد الشاه، وحوّلتها إلى سفارة لفلسطين، في حين كان "عرب أميركا" يفتتحون سفارات "إسرائيلية في عواصمهم في السر والعلن، وبينما كانت إيران تدعم خط المقاومة والمقاومين، كان هؤلاء يتآمرون على كل من يعادي "إسرائيل" من العرب، ابتداء من جمال عبد الناصر، وصولاً إلى كل فصائل الثورة الفلسطينية، ومبادرة "الأمير فهد" في قمة "فاس" في المغرب عام 1989 كشفت تدافع هؤلاء لشطب القضية الفلسطينية والاعتراف بـ"إسرائيل"، واليوم يسعّر هؤلاء من عدائهم لإيران لأنها تقف موقفاً لا يجرؤون على مجرد التفكير فيه. جريمة إيران أنها تقول للغرب، إن التوازنات التي أتاحت لكم أن تشطبوا فلسطين وتقيموا "إسرائيل" مكانها قد تبدلت، ولا بد أن تعود فلسطين وتغيب "إسرائيل"، فمن هو الأكثر عروبة وإسلاماً؟ هي فلسطين، كانت وستبقى البوصلة وآلة كشف كذب السائرين في ركاب أميركا والغرب الاستعماري.

المصدر : الثبات/ عدنان الساحلي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة