تركيا تسير بخط مستقيم وثابت نحو الحرب الأهلية، وهذا المسار أتى نتيجة المغامرة الصعبة والغير مدروسة التي يقامر بلعبها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ومنظر سياسته وزير الخارجية التركي داوود اوغلو.

البوادر القوية للحرب الأهلية القادمة في تركيا ظهرت جليا في معارك هذا الأسبوع التي شهدتها مدينة رأس العين السورية الواقعة على الحدود مع تركيا بين الأكراد ومقاتلين سلفيين اتوا من تركيا، ما استدعى تدخل قوات خاصة تركيا وتدخل المدفعية التركية مرتين هذا الأسبوع:

الأولى، يوم الأربعاء لإنقاذ المقاتلين السلفيين في هروبهم امام اكراد رأس العين في معركة طاحنة.

الثانية، ظهر أمس الخميس عندما تدخلت الدبابات التركية مع المقاتلين في هجوم على المدينة، لكنها اضطرت للتراجع امام ثبات الأكراد الذين كانوا مستعدين على ما يبدو. وقد انتقلت المعارك الى بعض القرى التركية ذات الأغلبية الكردية المواجهة لرأس العين عندما تحرك مقاتلون اكراد في تركيا بعد دخول الفلول الهاربة من الجماعات السلفية الى قراهم جراء هزيمتهم في معركة يوم امس الخميس امام مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي السوري القوة الكردية الرئيسية في راس العين .

ماذا حصل في رأس العين؟

بعد انسحاب القوات السورية من المدينة جراء مطالبة الأكراد لها بعدم إعطاء الحجة للسلفيين لمهاجمة المدينة بداية الأسبوع الماضي، حاولت تركيا الدخول لهذه المدينة عبر جماعاتها في المعارضة السورية وذلك لتحقيق هدفين:

تحقيق منطقة عازلة خالية من الأكراد بعمق 5 كلم وطول 100 كلم بين عامودا ورأس العين.

شق المناطق الكردية لتسهيل عزل عفرين وعين عرب وفتح ممر للوصول الى بلدة تل التمر حيث الطريق السريع الى مدينة حلب.

وبحسب المصادر، فإن مخطط اجتياح المدينة تم الإعداد له منذ 4 أشهر أثناء اجتماع مشترك لنواف البشير أحد وجهاء عشيرة البقارة مع مسؤولين في الميت "جهاز الاستخبارت القومي التركي" وضباط من الجيش التركي حيث تم تخصيص مبلغ 2 مليون دولار كدفعة أولى لهذه العملية، ووعد الضباط الأتراك في هذا الاجتماع بمساعدة المجموعات المسلحة وعدم السماح للطيران الحربي السوري بضرب مواقعهم والتدخل السريع من خلال وحداتهم الخاصة إذا احتاج الأمر. كما وعدوا بفتح الطريق للمجموعات المسلحة ليتسنى لهم المرور من خلال الأراضي التركية من منطقة إعزاز وتل رفعت وتل ابيض.

وقبل العملية، تم توزيع أسلحة وأموال على بعض التنسيقيات الكردية والعربية، وغالبية أفراد تلك التنسيقيات من منطقة غويران في الحسكة ومن مدينة القامشلي ومنطقة الغاب في ريف حماه.

وقام كل من حزب آزادي الكردي القريب من تركيا، وصلاح بدر الدين القيادي الكردي السوري القريب من برزاني والذي يعمل مع المخابرات التركية بجمع المعلومات الاستخباراتية اللازمة لاجتياح مدينة رأس العين السورية على الحدود مع تركيا ومن ثم التمدد نحو المدن. وقبل الهجوم بثلاثة أيام في الثامن عشر من الشهر الجاري اجتمع نواف البشير مع قيادات في كتيبة غرباء الشام "الشيخ عمر" وقيادات من "تنظيم جبهة النصرة" بهدف إخلاء المنطقة من الأكراد وإنزال الأعلام الكردية، ومنع التظاهرة التي دعت إليها الهيئة الكردية العليا تحت شعار "تظاهرة العودة إلى الديار..".

صبيحة يوم الاثنين، شنت جماعات "غرباء الشام" التي تضم مقاتلين أفغان وعرب وصوماليين بمؤازرة مقاتلين من "جبهة النصرة" التابعة كليا لـ"جماعة الإخوان المسلمون في سورية" والتي يقودها مباشرة فاروق طيفور نائب المراقب العام للجماعة والقائد العسكري الفعلي لها والذي كان مسؤولا عسكريا في معارك حماه مع الجيش السوري عام 1982. وشهدت المنطقة معارك طاحنة بين مقاتلي لجان الدفاع الشعبي الكردي في مدينة رأس العين السورية والمقاتلين الآتين من تركيا، ومن ثم تراجع المهاجمون وطلبوا تعزيزات إضافية وشنوا هجوما كبيرا.

يوم الأربعاء 21 الشهر الحالي، شهد معركة كبرى شهدت هزيمة ساحقة للمسلحين السلفيين الذين تركوا البلدة وفروا باتجاه تركيا تاركين وراءهم عشرات القتلى، فيما بدا ان الطرفان يستعدان لخوض معركة طويلة وحاسمة ويتخضران فيها لاستخدام كافة الأسلحة والإمكانيات، وتعتقد تركيا أنها سوف تقرر مصير مشروعها التوسعي في المنطقة كما يعتبر الأكراد هذه المعركة مصيرية بالنسبة لهم حيث أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي أن الأكراد يخوضون معركة حياة أو موت في رأس العين التي يطلق عليها الأكراد (سريه كانيه..).

مصادر قيادية كردية، قالت أن معركة يوم الأربعاء أصابت المجموعات المسلحة بخسائر فادحة نتيجة مقاومة وحدات حماية الشعب، وبعدها ألتجأ نواف البشير إلى مدينة "سريه كانيه سرختي – جيلان بينار" في تركيا، حيث يقيم في فندق جيلان بينار مع عناصر من "الميت" التركي، وقائد المنطقة العسكرية للجيش التركي، ووالي مدينة أورفة التركية، وقيادات من المجموعات المسلحة للتحضير للقيام بعملية أخرى في رأس العين من خلال تأمين الطريق عبر تركيا لجلب مجموعات مسلحة من حلب وطرابلس.

خطوة الجيش السوري الذكية

بانسحابه من المناطق الكردية دون مشاكل مع الأكراد، وفي ما يبدو أنه اتفاق ضمني معهم حقق الجيش السوري أكثر من هدف استراتيجي:

*وضع تركيا في مواجهة مباشرة مع الاكراد في تركيا اولا، وفي سورية ثانيا خصوصا ان المناطق الكردية متلاصقة بين طرفي الحدود.

*وضع الجماعات المسلحة السورية وبعض من يساندها من القبائل العربية في مواجهة سكان المنطقة الأصليين الأكراد كون غالبية القبائل العربية اتت جراء خطة الحزام العربي في سبعينات القرن الماضي .

*إدخال آلاف المقاتلين من سكان المدن والقرى في مواجهة المسلحين الذين سوف يكون من الصعب عليهم مواجهة ملايين الأكراد في المنطقة.

*تفرغ الجيش السوري لحلب وقد بدأت بوادر مبكرة لتفرغ الجيش عبر استعادة سيطرته مساء أمس الخميس على دوار الليرمون الاستراتيجي في حلب الذي يؤمن الإمدادات للجيش في المدينة.

صبيحة اليوم الجمعة تجددت الاشتباكات بين الطرفين بشكل عنيف في مدينة رأس العين..

  • فريق ماسة
  • 2012-11-23
  • 10565
  • من الأرشيف

معركة رأس العين وانزلاق تركيا نحو الحرب

تركيا تسير بخط مستقيم وثابت نحو الحرب الأهلية، وهذا المسار أتى نتيجة المغامرة الصعبة والغير مدروسة التي يقامر بلعبها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ومنظر سياسته وزير الخارجية التركي داوود اوغلو. البوادر القوية للحرب الأهلية القادمة في تركيا ظهرت جليا في معارك هذا الأسبوع التي شهدتها مدينة رأس العين السورية الواقعة على الحدود مع تركيا بين الأكراد ومقاتلين سلفيين اتوا من تركيا، ما استدعى تدخل قوات خاصة تركيا وتدخل المدفعية التركية مرتين هذا الأسبوع: الأولى، يوم الأربعاء لإنقاذ المقاتلين السلفيين في هروبهم امام اكراد رأس العين في معركة طاحنة. الثانية، ظهر أمس الخميس عندما تدخلت الدبابات التركية مع المقاتلين في هجوم على المدينة، لكنها اضطرت للتراجع امام ثبات الأكراد الذين كانوا مستعدين على ما يبدو. وقد انتقلت المعارك الى بعض القرى التركية ذات الأغلبية الكردية المواجهة لرأس العين عندما تحرك مقاتلون اكراد في تركيا بعد دخول الفلول الهاربة من الجماعات السلفية الى قراهم جراء هزيمتهم في معركة يوم امس الخميس امام مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي السوري القوة الكردية الرئيسية في راس العين . ماذا حصل في رأس العين؟ بعد انسحاب القوات السورية من المدينة جراء مطالبة الأكراد لها بعدم إعطاء الحجة للسلفيين لمهاجمة المدينة بداية الأسبوع الماضي، حاولت تركيا الدخول لهذه المدينة عبر جماعاتها في المعارضة السورية وذلك لتحقيق هدفين: تحقيق منطقة عازلة خالية من الأكراد بعمق 5 كلم وطول 100 كلم بين عامودا ورأس العين. شق المناطق الكردية لتسهيل عزل عفرين وعين عرب وفتح ممر للوصول الى بلدة تل التمر حيث الطريق السريع الى مدينة حلب. وبحسب المصادر، فإن مخطط اجتياح المدينة تم الإعداد له منذ 4 أشهر أثناء اجتماع مشترك لنواف البشير أحد وجهاء عشيرة البقارة مع مسؤولين في الميت "جهاز الاستخبارت القومي التركي" وضباط من الجيش التركي حيث تم تخصيص مبلغ 2 مليون دولار كدفعة أولى لهذه العملية، ووعد الضباط الأتراك في هذا الاجتماع بمساعدة المجموعات المسلحة وعدم السماح للطيران الحربي السوري بضرب مواقعهم والتدخل السريع من خلال وحداتهم الخاصة إذا احتاج الأمر. كما وعدوا بفتح الطريق للمجموعات المسلحة ليتسنى لهم المرور من خلال الأراضي التركية من منطقة إعزاز وتل رفعت وتل ابيض. وقبل العملية، تم توزيع أسلحة وأموال على بعض التنسيقيات الكردية والعربية، وغالبية أفراد تلك التنسيقيات من منطقة غويران في الحسكة ومن مدينة القامشلي ومنطقة الغاب في ريف حماه. وقام كل من حزب آزادي الكردي القريب من تركيا، وصلاح بدر الدين القيادي الكردي السوري القريب من برزاني والذي يعمل مع المخابرات التركية بجمع المعلومات الاستخباراتية اللازمة لاجتياح مدينة رأس العين السورية على الحدود مع تركيا ومن ثم التمدد نحو المدن. وقبل الهجوم بثلاثة أيام في الثامن عشر من الشهر الجاري اجتمع نواف البشير مع قيادات في كتيبة غرباء الشام "الشيخ عمر" وقيادات من "تنظيم جبهة النصرة" بهدف إخلاء المنطقة من الأكراد وإنزال الأعلام الكردية، ومنع التظاهرة التي دعت إليها الهيئة الكردية العليا تحت شعار "تظاهرة العودة إلى الديار..". صبيحة يوم الاثنين، شنت جماعات "غرباء الشام" التي تضم مقاتلين أفغان وعرب وصوماليين بمؤازرة مقاتلين من "جبهة النصرة" التابعة كليا لـ"جماعة الإخوان المسلمون في سورية" والتي يقودها مباشرة فاروق طيفور نائب المراقب العام للجماعة والقائد العسكري الفعلي لها والذي كان مسؤولا عسكريا في معارك حماه مع الجيش السوري عام 1982. وشهدت المنطقة معارك طاحنة بين مقاتلي لجان الدفاع الشعبي الكردي في مدينة رأس العين السورية والمقاتلين الآتين من تركيا، ومن ثم تراجع المهاجمون وطلبوا تعزيزات إضافية وشنوا هجوما كبيرا. يوم الأربعاء 21 الشهر الحالي، شهد معركة كبرى شهدت هزيمة ساحقة للمسلحين السلفيين الذين تركوا البلدة وفروا باتجاه تركيا تاركين وراءهم عشرات القتلى، فيما بدا ان الطرفان يستعدان لخوض معركة طويلة وحاسمة ويتخضران فيها لاستخدام كافة الأسلحة والإمكانيات، وتعتقد تركيا أنها سوف تقرر مصير مشروعها التوسعي في المنطقة كما يعتبر الأكراد هذه المعركة مصيرية بالنسبة لهم حيث أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي أن الأكراد يخوضون معركة حياة أو موت في رأس العين التي يطلق عليها الأكراد (سريه كانيه..). مصادر قيادية كردية، قالت أن معركة يوم الأربعاء أصابت المجموعات المسلحة بخسائر فادحة نتيجة مقاومة وحدات حماية الشعب، وبعدها ألتجأ نواف البشير إلى مدينة "سريه كانيه سرختي – جيلان بينار" في تركيا، حيث يقيم في فندق جيلان بينار مع عناصر من "الميت" التركي، وقائد المنطقة العسكرية للجيش التركي، ووالي مدينة أورفة التركية، وقيادات من المجموعات المسلحة للتحضير للقيام بعملية أخرى في رأس العين من خلال تأمين الطريق عبر تركيا لجلب مجموعات مسلحة من حلب وطرابلس. خطوة الجيش السوري الذكية بانسحابه من المناطق الكردية دون مشاكل مع الأكراد، وفي ما يبدو أنه اتفاق ضمني معهم حقق الجيش السوري أكثر من هدف استراتيجي: *وضع تركيا في مواجهة مباشرة مع الاكراد في تركيا اولا، وفي سورية ثانيا خصوصا ان المناطق الكردية متلاصقة بين طرفي الحدود. *وضع الجماعات المسلحة السورية وبعض من يساندها من القبائل العربية في مواجهة سكان المنطقة الأصليين الأكراد كون غالبية القبائل العربية اتت جراء خطة الحزام العربي في سبعينات القرن الماضي . *إدخال آلاف المقاتلين من سكان المدن والقرى في مواجهة المسلحين الذين سوف يكون من الصعب عليهم مواجهة ملايين الأكراد في المنطقة. *تفرغ الجيش السوري لحلب وقد بدأت بوادر مبكرة لتفرغ الجيش عبر استعادة سيطرته مساء أمس الخميس على دوار الليرمون الاستراتيجي في حلب الذي يؤمن الإمدادات للجيش في المدينة. صبيحة اليوم الجمعة تجددت الاشتباكات بين الطرفين بشكل عنيف في مدينة رأس العين..

المصدر : المنار/ نضال حمادة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة