خليل اينالجيق اسم ارتبط بالتاريخ العثماني، فهو أكبر وأهم مؤرخ تركي، والأكبر سناً، حيث أنه سيلامس المئة عام بعد ثلاث سنوات.

وأجرت معه صحيفة «زمان» التركية أمس الأول، حواراً هو المُقل في حواراته وإطلالاته الصحافية، بعد سنوات طويلة قضاها في الولايات المتحدة أقنعه أصدقاؤه بالعودة إلى تركيا في العام 1992 مع مكتبته حينها ذات العشرة آلاف كتاب. في منزله لكل دولة أو قضية أو حتى سلطان غرفة خاصة به. واحدة للكتب الخاصة بالسلطان محمد الفاتح، وأخرى خاصة بروسيا التي ينكب حالياً على دراسة تاريخها وعلاقتها بالدولة العثمانية وتركيا، ويأمل أن ينتهي من كتابة تاريخها خلال سنتين أو ثلاث سنوات.

ويرى اينالجيق أن المؤرخ الجيد يجب أن يعرف جيداً ست لغات، العربية، والفارسية، والعثمانية، والانكليزية، والفرنسية والألمانية، فضلاً أن عليه أن يعرف كل شيء من علم الاجتماع والاقتصاد والثقافة والجغرافيا. وهناك فائدة كبرى بأن يكون على دراية بالأدب لكي يستطيع أن يكتب بأسلوب مشوّق.

 

لكن المؤرخ الذي كان لاعب كرة قدم في شبابه، فضلاً عن كونه شاعرا، لم يوفر التطورات الحالية من تعليقاته من سوريا إلى روسيا، ومن إيران إلى أوروبا، راسما صورة قاتمة لمستقبل تركيا.

يقول اينالجيق إنه «ليس من دولة ينقطع تاريخها، هناك استمرارية. فالتاريخ لا يتكرر لكن ثقافة الأمة بخطوطها الأساسية تستمر»، مضيفاً «روسيا مثلاً تعمل على تطويق تركيا تماماً كما في زمن روسيا القيصرية، فتصريحات (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين حول القضية السورية تهديدية للغاية، وعلاقاتنا تبدو صميمية، لكن السياسة التقليدية لروسيا هي خضوع المضائق لسيطرتها قبل أي شيء آخر». وأوضح أن «تركيا هي في موقع الموازنة بين روسيا والغرب، وحين ينقلب التوازن لصالح روسيا تكون تركيا في دائرة الخطر.اليوم أخذت الولايات المتحدة مكان بريطانيا، لكن هذا الوضع اهتز مؤخرا»، مشيراً إلى أن «المسألة الرئيسية في الغرب هي المسألة الاقتصادية فيما انضمت الصين إلى روسيا».

وبالتالي بحسب اينالجيق، فإن «الإستراتيجية العالمية تعمل ضد تركيا، فقبل سنتين كنا أصدقاء مع جيراننا، وكانت الديبلوماسية غاية في النجاح». لكن المؤرخ يلقي اللوم على روسيا، فهي «اتبعت سياسة ثعلبية، وعملت على تطويق تركيا من الجنوب… يتم بحث مستقبل تركيا بين أوروبا وروسيا، فمصير البلاد بين القوتين العظمتين».

ويواصل اينالجيق كلامه قائلاً «هناك تغيير كبير في الإستراتيجية العالمية بدأ منذ سنتين»، موضحاً أنه «عندما تضع روسيا تحت سيطرتها الكرسي التركي تنتهي أوروبا، فهي قوية جداً في مواجهة الغرب»، متسائلاً «لماذا تتصارع الدول الكبرى في أفغانستان؟»، ليجيب «لأنها سقف آسيا، ومنها يمكن السيطرة على الصين وباكستان والهند وإيران». وانطلاقاً من هذا السبب، يختصر المؤرخ الصراع في آسيا الوسطى، فهو يرى في أفغانستان «مركزاً للسياسة العالمية». ويشرح أنه «سابقاً حاولت الصين وروسيا السيطرة عليها، ولكن اليوم يريد المحور الغربي ذلك، فالصين وروسيا تريدان طرد الغرب من أفغانستان». أما أهمية ذلك، فهي أن تركيا في الجبهة الغربية، وبالتالي ستخسر، لأن «روسيا والصين تحالفتا ضد الغرب، وبوتين له نفوذ قوي جداً، هذه هي سياسة روسيا، وللأسف تركيا محاطة بالأعداء من كل الجهات».

وحول نظرته إلى القضية السورية، قال اينالجيق إن «سوريا لا يمكن أن تكون يوماً صديقة، كان هناك مجرد استراحة»، مشيراً إلى أنه «يوجد عندنا قادة حكماء، فقادة تركيا من حزب العدالة والتنمية (الحاكم) إلى حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، يتحتم عليهم أن يتبصروا في هذا الوضع الخطير». لكن المشكلة في نظره أن «همّهم هو مضاعفة أصواتهم الانتخابية»، والذكرى المئة لحرب البلقان يجب أن تشكل مثالاً لهم، حيث أن وقتها «كان همهم (قادة الاتحاد والترقي) أن يزيدوا من شعبيتهم (قبل أن تنهار الدولة)».

 

وفي ما يتعلق بتقييمه لسياسة تركيا الخارجية اليوم، لفت اينالجيق إلى أن «تركيا اليوم تمر في أزمة، وبالتالي يتحتم على رجال الدولة عندنا أن يفكروا قبل أي شيء آخر بمستقبل الدولة»، شارحاً أن «سياستنا الخارجية دائماً موضع تحريض، يجب أن نتصرف بحذر شديد وبنظرة بعيدة المدى. فسياستنا في الجنوب أي تجاه العراق ليست جيدة على المدى الطويل. كما لا يمكن الوثوق بإيران، فهي لم تكن يوماً دولة موثوق بها».

وعن علاقة تركيا بالغرب اعتبر المؤرخ أن «الغرب لم ينس أبدا فتح اسطنبول و(كنيسة) آيا صوفيا، فالنظرة الصليبية لأوروبا لا تزال مستمرة عبر البابوية. والشبّان المثاليون لأوروبا يعملون ضد تركيا»، مضيفاً أن «دولتنا القومية تطابقت مع السياسة الغربية، لقد دخلت تركيا بعد حرب البلقان في مرحلة تأسيس الحاكمية القومية المستندة على العرق التركي في الأناضول»، حيث أن «الإيديولوجية التي اعتنقها شبّان الدستور هي انه ما أن خسرت تركيا تراقيا (القسم الأوروبي من الدولة العثمانية) انتهت الخلافة العثمانية. و(الزعيم الراحل مصطفى كمال) أتاتورك كان واحدا من هؤلاء».

وختاماً، دعا اينالجيق إلى أن يتضمن الدستور التركي الجديد ضمانات مكتوبة لكل الاثنيات، في إشارة ضمنية إلى الأكراد.

  • فريق ماسة
  • 2012-11-05
  • 8617
  • من الأرشيف

المؤرخ التركي خليل اينالجيق: نحن في أزمة والإستراتيجية الدولية ليست في صالحنا

  خليل اينالجيق اسم ارتبط بالتاريخ العثماني، فهو أكبر وأهم مؤرخ تركي، والأكبر سناً، حيث أنه سيلامس المئة عام بعد ثلاث سنوات. وأجرت معه صحيفة «زمان» التركية أمس الأول، حواراً هو المُقل في حواراته وإطلالاته الصحافية، بعد سنوات طويلة قضاها في الولايات المتحدة أقنعه أصدقاؤه بالعودة إلى تركيا في العام 1992 مع مكتبته حينها ذات العشرة آلاف كتاب. في منزله لكل دولة أو قضية أو حتى سلطان غرفة خاصة به. واحدة للكتب الخاصة بالسلطان محمد الفاتح، وأخرى خاصة بروسيا التي ينكب حالياً على دراسة تاريخها وعلاقتها بالدولة العثمانية وتركيا، ويأمل أن ينتهي من كتابة تاريخها خلال سنتين أو ثلاث سنوات. ويرى اينالجيق أن المؤرخ الجيد يجب أن يعرف جيداً ست لغات، العربية، والفارسية، والعثمانية، والانكليزية، والفرنسية والألمانية، فضلاً أن عليه أن يعرف كل شيء من علم الاجتماع والاقتصاد والثقافة والجغرافيا. وهناك فائدة كبرى بأن يكون على دراية بالأدب لكي يستطيع أن يكتب بأسلوب مشوّق.   لكن المؤرخ الذي كان لاعب كرة قدم في شبابه، فضلاً عن كونه شاعرا، لم يوفر التطورات الحالية من تعليقاته من سوريا إلى روسيا، ومن إيران إلى أوروبا، راسما صورة قاتمة لمستقبل تركيا. يقول اينالجيق إنه «ليس من دولة ينقطع تاريخها، هناك استمرارية. فالتاريخ لا يتكرر لكن ثقافة الأمة بخطوطها الأساسية تستمر»، مضيفاً «روسيا مثلاً تعمل على تطويق تركيا تماماً كما في زمن روسيا القيصرية، فتصريحات (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين حول القضية السورية تهديدية للغاية، وعلاقاتنا تبدو صميمية، لكن السياسة التقليدية لروسيا هي خضوع المضائق لسيطرتها قبل أي شيء آخر». وأوضح أن «تركيا هي في موقع الموازنة بين روسيا والغرب، وحين ينقلب التوازن لصالح روسيا تكون تركيا في دائرة الخطر.اليوم أخذت الولايات المتحدة مكان بريطانيا، لكن هذا الوضع اهتز مؤخرا»، مشيراً إلى أن «المسألة الرئيسية في الغرب هي المسألة الاقتصادية فيما انضمت الصين إلى روسيا». وبالتالي بحسب اينالجيق، فإن «الإستراتيجية العالمية تعمل ضد تركيا، فقبل سنتين كنا أصدقاء مع جيراننا، وكانت الديبلوماسية غاية في النجاح». لكن المؤرخ يلقي اللوم على روسيا، فهي «اتبعت سياسة ثعلبية، وعملت على تطويق تركيا من الجنوب… يتم بحث مستقبل تركيا بين أوروبا وروسيا، فمصير البلاد بين القوتين العظمتين». ويواصل اينالجيق كلامه قائلاً «هناك تغيير كبير في الإستراتيجية العالمية بدأ منذ سنتين»، موضحاً أنه «عندما تضع روسيا تحت سيطرتها الكرسي التركي تنتهي أوروبا، فهي قوية جداً في مواجهة الغرب»، متسائلاً «لماذا تتصارع الدول الكبرى في أفغانستان؟»، ليجيب «لأنها سقف آسيا، ومنها يمكن السيطرة على الصين وباكستان والهند وإيران». وانطلاقاً من هذا السبب، يختصر المؤرخ الصراع في آسيا الوسطى، فهو يرى في أفغانستان «مركزاً للسياسة العالمية». ويشرح أنه «سابقاً حاولت الصين وروسيا السيطرة عليها، ولكن اليوم يريد المحور الغربي ذلك، فالصين وروسيا تريدان طرد الغرب من أفغانستان». أما أهمية ذلك، فهي أن تركيا في الجبهة الغربية، وبالتالي ستخسر، لأن «روسيا والصين تحالفتا ضد الغرب، وبوتين له نفوذ قوي جداً، هذه هي سياسة روسيا، وللأسف تركيا محاطة بالأعداء من كل الجهات». وحول نظرته إلى القضية السورية، قال اينالجيق إن «سوريا لا يمكن أن تكون يوماً صديقة، كان هناك مجرد استراحة»، مشيراً إلى أنه «يوجد عندنا قادة حكماء، فقادة تركيا من حزب العدالة والتنمية (الحاكم) إلى حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، يتحتم عليهم أن يتبصروا في هذا الوضع الخطير». لكن المشكلة في نظره أن «همّهم هو مضاعفة أصواتهم الانتخابية»، والذكرى المئة لحرب البلقان يجب أن تشكل مثالاً لهم، حيث أن وقتها «كان همهم (قادة الاتحاد والترقي) أن يزيدوا من شعبيتهم (قبل أن تنهار الدولة)».   وفي ما يتعلق بتقييمه لسياسة تركيا الخارجية اليوم، لفت اينالجيق إلى أن «تركيا اليوم تمر في أزمة، وبالتالي يتحتم على رجال الدولة عندنا أن يفكروا قبل أي شيء آخر بمستقبل الدولة»، شارحاً أن «سياستنا الخارجية دائماً موضع تحريض، يجب أن نتصرف بحذر شديد وبنظرة بعيدة المدى. فسياستنا في الجنوب أي تجاه العراق ليست جيدة على المدى الطويل. كما لا يمكن الوثوق بإيران، فهي لم تكن يوماً دولة موثوق بها». وعن علاقة تركيا بالغرب اعتبر المؤرخ أن «الغرب لم ينس أبدا فتح اسطنبول و(كنيسة) آيا صوفيا، فالنظرة الصليبية لأوروبا لا تزال مستمرة عبر البابوية. والشبّان المثاليون لأوروبا يعملون ضد تركيا»، مضيفاً أن «دولتنا القومية تطابقت مع السياسة الغربية، لقد دخلت تركيا بعد حرب البلقان في مرحلة تأسيس الحاكمية القومية المستندة على العرق التركي في الأناضول»، حيث أن «الإيديولوجية التي اعتنقها شبّان الدستور هي انه ما أن خسرت تركيا تراقيا (القسم الأوروبي من الدولة العثمانية) انتهت الخلافة العثمانية. و(الزعيم الراحل مصطفى كمال) أتاتورك كان واحدا من هؤلاء». وختاماً، دعا اينالجيق إلى أن يتضمن الدستور التركي الجديد ضمانات مكتوبة لكل الاثنيات، في إشارة ضمنية إلى الأكراد.

المصدر : السفير /محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة