دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
أثار الموقف الأميركي من استبدال المجلس الوطني السوري نقاشاً واسعاً في الأوساط العربية والإقليمية المهتمة بالملف السوري، من دون أن يخطر على بال أحد أن يقول شيئاً عن الدور التركي في كل هذه التطورات المفاجئة. فقد سبقت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان الجميع عندما احتضنت أول لقاء للمعارضة السورية نهاية شهر أيار عام 2011 في مدينة أنطاليا، مفاجئة الجميع بموقفها الاستباقي من الرئيس بشار الأسد. وجاء قرار أنقرة بإقامة مخيمات خاصة باللاجئين السوريين حتى قبل وصولهم إلى تركيا، ليثبت للجميع أن الحكومة التركية كانت متشجعة منذ البداية لأداء دور ريادي في الملف السوري. وجاء التطور الأهم عندما فتحت أنقرة مخيماتها للجنود السوريين المنشقين، ليشكلوا في ما بعد ما يسمى الجيش السوري الحر، الذي جعل من منطقة أنطاكيا معقلاً أساسياً له، ولجميع مخيّماته السرية والعلنية. وتحدثت وسائل الإعلام الغربية والتركية في ما بعد بالتفصيل عن التعاون الإقليمي والدولي عبر تركيا ضد النظام في سوريا من خلال تقديم كافة أنواع الدعم المالي والعسكري واللوجستي للجيش الحر، وكلّ الجماعات المسلحة التي تسلّل عناصرها العرب والأجانب عبر الحدود التركية ــ السورية، والتي حظيت بحماية عسكرية واستخبارية تركية كبيرة، أسهمت في تحقيق التفوق العسكري للجيش السوري الحر في المناطق الشمالية من سوريا، وخاصة حلب وأدلب، حيث سيطر مسلحو الجيش الحر على البوابات الحدودية الرسمية في المنطقة. لكن كل هذا التحرك التركي لم يكن كافياً لتحقيق الهدف الاستراتيجي بإسقاط النظام من خلال تحويل حلب إلى بنغازي جديدة، بعد إقامة حزام أمني تركي في المناطق الشمالية، أو فرض مناطق حظر جوي لحماية الجماعات المسلحة. وفشلت أنقرة في استغلال إسقاط الطائرة التركية في الأجواء السورية يوم 22 حزيران الماضي لكسب العواصم الغربية إلى جانبها، وفشلت أيضاً في استغلال سقوط بعض القذائف السورية على الأراضي التركية؛ إذ رفض الحلف الأطلسي أن يكون طرفاً في التوتر التركي ــ السوري، بحجة أن المبررات التركية غير منطقية وكافية لإعلان الحرب على دمشق. واستمر الموقف التركي المعادي لدمشق عبر التصريحات اليومية لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو، واستنفرا كلّ إمكاناتهما لشحن العداء الشعبي التركي ضد الرئيس الأسد، كما فعلا مع العواصم الغربية قبل أن يتحول أردوغان إلى ضحية المخطط الغربي، الذي ورّط تركيا في المستنقع السوري بكل معادلاته الإقليمية. وأثبتت الدبلوماسية التركية أنها تجهل الكثير من المعطيات المعقدة، وخصوصاً في الشأنين الإيراني والروسي. وهذا ما يفسر سحب البساط من تحت أرجل الثنائي أردوغان ــ داوود أوغلو، بعدما عدّا نفسيهما الممسك الأول والأخير بالورقة السورية. فقد كان المجلس الوطني السوري «محسوباً» على أردوغان ــ داوود أوغلو، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أنه لولا الدعم والتبني التركي لهذا المجلس لما كان له وجود. لكن جاءت تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لتثبت أن أنقرة جاهلة بأساليب اللعبة الدبلوماسية، الخفية والعلنية، في أروقة السياسة الشرق أوسطية. وتشهد هذه الأروقة سلسلة من المنافسات السرية والعلنية المباشرة وغير المباشرة بين عواصمها. وهذا ما يفسر التحرك الأميركي الأخير في ما يتعلق بالمعارضة السورية، التي يبدو أن الرهان عليها لم يعد سهلاً بعد أن أثبت النظام في سوريا تماسكه شعبياً وعسكرياً. ولم يذكر أحد في الداخل السوري وفي واشنطن فضل تركيا، وذلك بسبب رد فعل الشارع التركي على تورط أردوغان في سوريا على حساب المصالح الوطنية والقومية للدولة، وثانياً بسبب الوضع الخطير في المنطقة الكردية السورية، لما لذلك من علاقة مباشرة بالموضوع الكردي داخل تركيا، حيث يسيطر أنصار حزب العمال الكردستاني وأتباعه على الشارع الكردي في سوريا أيضاً. ويبقى السؤال الأهم: ماذا استفادت أنقرة من كل هذا التورط الخطير، ولحساب من؟ يتحدث الإعلام التركي باستمرار عن فشل سياسات وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، ويحمّله الكثيرون مسؤولية هذا الفشل الخطير بكل نتائجه وانعكاسته الخطيرة، بعد استبعاد أنقرة عن اللعبة السورية عبر الدور الذي أعطي لقطر، وتآمر أميرها حمد بن خليفة آل ثاني على صديقه الحميم أردوغان، عندما سبقه في زيارة غزة المحاصرة، بعدما كان أردوغان يخطط لزيارتها كزعيم إسلامي سيقود المنطقة في مرحلة الربيع العربي.
المصدر :
حسن محلي\ الاخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة