ظنّ أبو مازن أنّه يملك الشعب الفلسطيني وخياراته. وصلت به درجة التزلف الى الاحتلال حدّ التمني برؤية قريته صفد، أرض آبائه وأجداده التي حضنته صغيراً. لا يريد أن يعيش فيها. جلّ ما يريده أن يراها، أن تطأ قدمه ترابها زائراً، لا عائداً. أعطى نفسه الحق بالتخلّي عن فلسطين نيابة عن كلّ الفلسطينيين. ذهب الى أكثر من ذلك. وعد بمنع أي انتفاضة ثالثة ما بقي رئيساً. الى محمود عباس، توجه الفلسطينيون بالقول «لا يشرّفنا أن تكون فلسطينياً». لكن الردّ الأكثر إذلالاً له جاء على لسان أحد متحدثي سلطة الاحتلال: «إذا كان يريد ان يرى صفد... سيسعدنا أن نريه أي مكان، لكن نحن نتفق على أنه ليس له الحق في أن يعيش في اسرائيل»

في مثل يوم أمس عام 1917 أصدر آرثر جيمس بلفور، وزير خارجية بريطانيا، وعد «بلفور» المشؤوم فلسطينياً، وعُرف في ما بعد باسمه. وبموجبه قطع وعداً يمثل حكومة الانتداب البريطاني، ويقضي بمنح اليهود وطناً قومياً في فلسطين. وفي حينها شهدت فلسطين موجات من الهجرة، وصفت بريطانيا بعضها بالشرعي والبعض الآخر بغير الشرعي، وانتهت بإحلال المهاجرين مكان الشعب الفلسطيني الذي طُرد من أرضه، قبل 95 عاماً.

وبعد قرابة قرن على هذه الفاجعة، التي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، سُئل الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في نشرة أخبار التلفزيون الإسرائيلي عما إذا كان يريد أن يعيش في صفد بمنطقة الجليل، وهي البلدة التي عاش فيها طفولته، عندما كانت فلسطين تخضع للانتداب البريطاني. ردّ عباس: «لقد زرت صفد مرّة من قبل، لكنني أريد أن أرى صفد، من حقي أن أراها، لا أن أعيش فيها». وتابع «فلسطين الآن في نظري هي حدود 67 والقدس الشرقية عاصمة لها، هذا هو الوضع الآن وإلى الأبد. هذه هي فلسطين في نظري. إنني لاجئ لكنني أعيش في رام الله، واعتقد أن الضفة الغربية وغزّة هي فلسطين، والأجزاء الأخرى هي إسرائيل». اذاً، حسمها الرئيس الفلسطيني وقرّر التخلّي عن أرضه وتاريخه للاحتلال، وكأنّه يملك هذا الحق عن الشعب الفلسطيني.

ليس هذا فقط. وعد عباس بحماية الاحتلال من أي انتفاضة ثالثة. أكد أنه ما دام في السلطة «لن تكون هناك أبداً انتفاضة مسلحة ثالثة (ضد إسرائيل)». وقال «لا نريد أن نستخدم الإرهاب. لا نريد ان نستخدم القوة. لا نريد ان نستخدم الأسلحة. نريد ان نستخدم الدبلوماسية. نريد ان نستخدم السياسة. نريد ان نستخدم المفاوضات. نريد ان نستخدم المقاومة السلمية».

تصريحات أثارت ردوداً فلسطينية غاضبة، أكان على المستوى الرسمي، أم الشعبي، الذي توجه الى مواقع التواصل الاجتماعي من «فايسبوك» و«توتير» للتعبير عن احتقاره لمواقف عباس، الذي خوّل نفسه حق التنازل عن فلسطين وقراها. ورأى عيسى رشماوي أنّه «لا يجب علينا تضخيم الموضوع على الأقل لمصلحة الجانب الفلسطيني الضعيف، نعم إنها تصريحات غير مرغوب فيها، وإن كانت فعلاً هي الخيار الفلسطيني وأشك في ذلك، هذه الوعود أصلاً هي مشكلة الجانب الفلسطيني في المفاوضات، فهو لا يملك القدرة الفعلية على التصريحات المسؤولة والتي تنبع من صلب منظمة التحرير». وقال رشماوي «لقد تعودنا على تصريحات انهزامية من كثير من المسؤولين الفلسطينيين، ولكن ما لا يريحني هو أنها صدرت هذه المرة من رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، فعلى أعضائها مناقشة ما صدر عن رئيسهم فوراً، إن كان هذا هو خيارهم أو خياره الفردي».

أما سامي عوض فقال إن «الشعب الفلسطيني في هذا اليوم يتذكّر أول خيانة عالمية (وعد بلفور) باتجاهه التي لحقتها خيانات ومؤامرات لم تتوقف حتى هذا الوقت»؛ فالواجب الآن على الشعب والقيادة أن لا تتنازل أكثر لكي يتبقى القليل المتبقي، ويجب العمل «حتى لو كنا في وضع الطرف الأضعف» على خلق رؤية مستقبليه جديدة وشامله تلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، «وبنفس الوقت تستقطب جماهير الشعب الإسرائيلي للشراكة الكاملة في تحقيق السلام والعدالة والمساواة والاستقرار كأرضية تسبق أي حديث عن حلول سياسية لن تدوم».

اللاجئ هيثم أبو عطية اعتبر أن «وعد بلفور الذي حصل عام 1917 يكرّر نفسه، من لا يملك أرض فلسطين يعطي لمن لا يستحقها (في اشارة الى عباس). هو وعد لا يزال ينفذ منذ ذلك التاريخ وبرعاية الأنظمة العربية خصوصاً والتي تدّعي الممانعة تحديداً». وأضاف «الرئيس عباس لا يختلف عن غيره من زعماء العرب، فهو الآن يعطي وعداً بأن لا انتفاضة ثالثة ضدّ اسرائيل ويصفها بالإرهاب، ويعطي وعداً صريحاً لإسرائيل أن لا عودة للاجئين، عندما قال إن دولة فلسطين حدودها 67 وأن ما تبقى هي اسرائيل، وليس لأي فلسطيني هجر أرضه أن يعود ليعيش بها وبأحسن الأحوال زيارة مكان كان له سابقاً وهو الآن اسرائيلي»، وبالتالي «هما وعدان لا يختلفان بالمضمون».

فادي عاروري فضل كتابة رسالة للرئيس قال فيها «سيدي الرئيس لن أطيل، أنا لست بلاجئ، ولم أذق مرارة اللجوء، أنا لم أعانق القدس إلا مرتين، لم أر أي مدينة فلسطينية أخرى في حياتي، لكن لن أتخلى عن حقي الكامل بمعانقة كامل تراب الوطن رغم الاحتلال، فلماذا يا سيدي الرئيس تقول ليس من حقك أن تعيش في صفد؟ بل حقك وأكثر، وحقي وحق أولادي وأولاد أولادي أن يعيشوا في كل فلسطين». وأضاف «منذ 1948 ونحن نفاوض وحتى اليوم لم يعترف بنا أحد. نحن نعيش أصلاً من فتات انتفاضتنا الأخيرة، فلماذا أتنازل عن أراضي 1948 والاحتلال لم يعطني الـ1967».

لكن الإعلامي وليد بطراوي طلب التريث فكتب يقول «لم نسمع أو نشاهد المقابلة المفترضة مع الرئيس. سربت الصحافة الاسرائيلية بعضاً مما جاء فيها. لاحظوا سُربت القضايا الأكثر تعقيداً. ثارت ردود الفعل قبل أن نشاهد المقابلة كاملة. اسرائيل حققت الهدف. لنشاهد المقابلة كاملة ونضعها في سياقها الكامل قبل أن نثور ونشتم».

الصحافي الفلسطيني اللاجئ في لبنان، قاسم قاسم، كتب يسخر من عباس «عباس: من حقّي أن أرى صفد لا أن أعيش فيها.. قاسم: الله يطفي النور اللي بعيونك حتى لا تعيش ولا تشوف». أما زميله الذي يعيش في غزة رائد لافي فكتب «أنا مش من صفد، بس لن أتنازل عن صفد التي تحمل ابنتي اسمها، وسأعود لها يوماً زائراً وربما مقيماً كرمال عيون حبيبتي صفد الابنة».

تصريحات عبّاس كان لها أيضاً ردّ اسرائيلي ليزيدها خزياً. وعلّق المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية، بول هيرشسون، على مقابلة عباس بالقول «إذا كان يريد ان يرى صفد أو أي مكان آخر في اسرائيل، فانه في ما يتعلق بذلك سيسعدنا أن نريه أي مكان». وأضاف أنه نظراً لأن عباس ليس مواطناً اسرائيلياً «فانه ليس له الحق في أن يعيش في اسرائيل. نحن نتفق على هذا».

  • فريق ماسة
  • 2012-11-02
  • 8119
  • من الأرشيف

من وعد بلفور إلى وعد عبّاس

ظنّ أبو مازن أنّه يملك الشعب الفلسطيني وخياراته. وصلت به درجة التزلف الى الاحتلال حدّ التمني برؤية قريته صفد، أرض آبائه وأجداده التي حضنته صغيراً. لا يريد أن يعيش فيها. جلّ ما يريده أن يراها، أن تطأ قدمه ترابها زائراً، لا عائداً. أعطى نفسه الحق بالتخلّي عن فلسطين نيابة عن كلّ الفلسطينيين. ذهب الى أكثر من ذلك. وعد بمنع أي انتفاضة ثالثة ما بقي رئيساً. الى محمود عباس، توجه الفلسطينيون بالقول «لا يشرّفنا أن تكون فلسطينياً». لكن الردّ الأكثر إذلالاً له جاء على لسان أحد متحدثي سلطة الاحتلال: «إذا كان يريد ان يرى صفد... سيسعدنا أن نريه أي مكان، لكن نحن نتفق على أنه ليس له الحق في أن يعيش في اسرائيل» في مثل يوم أمس عام 1917 أصدر آرثر جيمس بلفور، وزير خارجية بريطانيا، وعد «بلفور» المشؤوم فلسطينياً، وعُرف في ما بعد باسمه. وبموجبه قطع وعداً يمثل حكومة الانتداب البريطاني، ويقضي بمنح اليهود وطناً قومياً في فلسطين. وفي حينها شهدت فلسطين موجات من الهجرة، وصفت بريطانيا بعضها بالشرعي والبعض الآخر بغير الشرعي، وانتهت بإحلال المهاجرين مكان الشعب الفلسطيني الذي طُرد من أرضه، قبل 95 عاماً. وبعد قرابة قرن على هذه الفاجعة، التي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، سُئل الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في نشرة أخبار التلفزيون الإسرائيلي عما إذا كان يريد أن يعيش في صفد بمنطقة الجليل، وهي البلدة التي عاش فيها طفولته، عندما كانت فلسطين تخضع للانتداب البريطاني. ردّ عباس: «لقد زرت صفد مرّة من قبل، لكنني أريد أن أرى صفد، من حقي أن أراها، لا أن أعيش فيها». وتابع «فلسطين الآن في نظري هي حدود 67 والقدس الشرقية عاصمة لها، هذا هو الوضع الآن وإلى الأبد. هذه هي فلسطين في نظري. إنني لاجئ لكنني أعيش في رام الله، واعتقد أن الضفة الغربية وغزّة هي فلسطين، والأجزاء الأخرى هي إسرائيل». اذاً، حسمها الرئيس الفلسطيني وقرّر التخلّي عن أرضه وتاريخه للاحتلال، وكأنّه يملك هذا الحق عن الشعب الفلسطيني. ليس هذا فقط. وعد عباس بحماية الاحتلال من أي انتفاضة ثالثة. أكد أنه ما دام في السلطة «لن تكون هناك أبداً انتفاضة مسلحة ثالثة (ضد إسرائيل)». وقال «لا نريد أن نستخدم الإرهاب. لا نريد ان نستخدم القوة. لا نريد ان نستخدم الأسلحة. نريد ان نستخدم الدبلوماسية. نريد ان نستخدم السياسة. نريد ان نستخدم المفاوضات. نريد ان نستخدم المقاومة السلمية». تصريحات أثارت ردوداً فلسطينية غاضبة، أكان على المستوى الرسمي، أم الشعبي، الذي توجه الى مواقع التواصل الاجتماعي من «فايسبوك» و«توتير» للتعبير عن احتقاره لمواقف عباس، الذي خوّل نفسه حق التنازل عن فلسطين وقراها. ورأى عيسى رشماوي أنّه «لا يجب علينا تضخيم الموضوع على الأقل لمصلحة الجانب الفلسطيني الضعيف، نعم إنها تصريحات غير مرغوب فيها، وإن كانت فعلاً هي الخيار الفلسطيني وأشك في ذلك، هذه الوعود أصلاً هي مشكلة الجانب الفلسطيني في المفاوضات، فهو لا يملك القدرة الفعلية على التصريحات المسؤولة والتي تنبع من صلب منظمة التحرير». وقال رشماوي «لقد تعودنا على تصريحات انهزامية من كثير من المسؤولين الفلسطينيين، ولكن ما لا يريحني هو أنها صدرت هذه المرة من رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، فعلى أعضائها مناقشة ما صدر عن رئيسهم فوراً، إن كان هذا هو خيارهم أو خياره الفردي». أما سامي عوض فقال إن «الشعب الفلسطيني في هذا اليوم يتذكّر أول خيانة عالمية (وعد بلفور) باتجاهه التي لحقتها خيانات ومؤامرات لم تتوقف حتى هذا الوقت»؛ فالواجب الآن على الشعب والقيادة أن لا تتنازل أكثر لكي يتبقى القليل المتبقي، ويجب العمل «حتى لو كنا في وضع الطرف الأضعف» على خلق رؤية مستقبليه جديدة وشامله تلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، «وبنفس الوقت تستقطب جماهير الشعب الإسرائيلي للشراكة الكاملة في تحقيق السلام والعدالة والمساواة والاستقرار كأرضية تسبق أي حديث عن حلول سياسية لن تدوم». اللاجئ هيثم أبو عطية اعتبر أن «وعد بلفور الذي حصل عام 1917 يكرّر نفسه، من لا يملك أرض فلسطين يعطي لمن لا يستحقها (في اشارة الى عباس). هو وعد لا يزال ينفذ منذ ذلك التاريخ وبرعاية الأنظمة العربية خصوصاً والتي تدّعي الممانعة تحديداً». وأضاف «الرئيس عباس لا يختلف عن غيره من زعماء العرب، فهو الآن يعطي وعداً بأن لا انتفاضة ثالثة ضدّ اسرائيل ويصفها بالإرهاب، ويعطي وعداً صريحاً لإسرائيل أن لا عودة للاجئين، عندما قال إن دولة فلسطين حدودها 67 وأن ما تبقى هي اسرائيل، وليس لأي فلسطيني هجر أرضه أن يعود ليعيش بها وبأحسن الأحوال زيارة مكان كان له سابقاً وهو الآن اسرائيلي»، وبالتالي «هما وعدان لا يختلفان بالمضمون». فادي عاروري فضل كتابة رسالة للرئيس قال فيها «سيدي الرئيس لن أطيل، أنا لست بلاجئ، ولم أذق مرارة اللجوء، أنا لم أعانق القدس إلا مرتين، لم أر أي مدينة فلسطينية أخرى في حياتي، لكن لن أتخلى عن حقي الكامل بمعانقة كامل تراب الوطن رغم الاحتلال، فلماذا يا سيدي الرئيس تقول ليس من حقك أن تعيش في صفد؟ بل حقك وأكثر، وحقي وحق أولادي وأولاد أولادي أن يعيشوا في كل فلسطين». وأضاف «منذ 1948 ونحن نفاوض وحتى اليوم لم يعترف بنا أحد. نحن نعيش أصلاً من فتات انتفاضتنا الأخيرة، فلماذا أتنازل عن أراضي 1948 والاحتلال لم يعطني الـ1967». لكن الإعلامي وليد بطراوي طلب التريث فكتب يقول «لم نسمع أو نشاهد المقابلة المفترضة مع الرئيس. سربت الصحافة الاسرائيلية بعضاً مما جاء فيها. لاحظوا سُربت القضايا الأكثر تعقيداً. ثارت ردود الفعل قبل أن نشاهد المقابلة كاملة. اسرائيل حققت الهدف. لنشاهد المقابلة كاملة ونضعها في سياقها الكامل قبل أن نثور ونشتم». الصحافي الفلسطيني اللاجئ في لبنان، قاسم قاسم، كتب يسخر من عباس «عباس: من حقّي أن أرى صفد لا أن أعيش فيها.. قاسم: الله يطفي النور اللي بعيونك حتى لا تعيش ولا تشوف». أما زميله الذي يعيش في غزة رائد لافي فكتب «أنا مش من صفد، بس لن أتنازل عن صفد التي تحمل ابنتي اسمها، وسأعود لها يوماً زائراً وربما مقيماً كرمال عيون حبيبتي صفد الابنة». تصريحات عبّاس كان لها أيضاً ردّ اسرائيلي ليزيدها خزياً. وعلّق المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية، بول هيرشسون، على مقابلة عباس بالقول «إذا كان يريد ان يرى صفد أو أي مكان آخر في اسرائيل، فانه في ما يتعلق بذلك سيسعدنا أن نريه أي مكان». وأضاف أنه نظراً لأن عباس ليس مواطناً اسرائيلياً «فانه ليس له الحق في أن يعيش في اسرائيل. نحن نتفق على هذا».

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة