دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم يسبق أن كانت إسرائيل جزءا من السجال السياسي في المعركة الرئاسية الأميركية كما كانت في السباق الراهن بين الرئيس باراك أوباما والمرشح الجمهوري ميت رومني. واحتار الكثيرون في وصف أسباب ذلك خصوصاً أن إسرائيل كانت في العقود الأخيرة موضع إجماع من مرشحي الحزبين الكبيرين وهي لم تخرج عن ذلك حتى في المعركة الأخيرة. ورأى البعض أن السبب يكمن في وجود الخطر النووي الإيراني وبلوغه مرحلة الحسم في حمى المعركة الانتخابية، حيث دار الحديث عن خلاف «جوهري» حول الضربة العسكرية سواء كانت إسرائيلية أم أميركية. لكن غالبية المعلقين، بمن فيهم كبار المعلقين الإسرائيليين، أكدوا أن الأمر يتعلق أساساً بشخصية رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
ومعروف أن نتنياهو تربى كأميركي وظل يحمل الجنسية الأميركية إلى أن تخلى عنها عند ترشحه لرئاسة الحكومة الإسرائيلية. ولم يخف نتنياهو، المعجب بالتجربة الأميركية، إيمانه بأفكار الحزب الجمهوري وتعلقه حتى بالجناح الأكثر يمينية فيه. وكتب حامي شاليف في «هآرتس» من نيويورك أن «بنيامين نتنياهو هو جمهوري من الناحيتين الاقتصادية والسياسية على حد سواء وأن الكثير من المحافظين الأميركيين بالتأكيد يتخيلونه بديلاً كاملاً عن رومني المرتبك». وتشير الدراسات التي أجريت في إسرائيل وأميركا إلى أنه لا يقل أهمية عن ذلك واقع أن ممولي نتنياهو وكبار الداعمين الماليين له، وأبرزهم الملياردير اليهودي الأميركي شلدون أدلسون، هم أنفسهم ممولو الحزب الجمهوري الأميركي ومرشحه الرئاسي.
ونظراً لأن إدارة الرئيس أوباما تخطت كل الإدارات السابقة في حجم ونوعية الدعم الاقتصادي والعسكري والاستخباري الذي تقدمه لإسرائيل فإن الموقف العدائي من جانب نتنياهو لم يفسر إلا على أنه مشاركة في الحملة الانتخابية للمرشح الجمهوري ضد المرشح الديموقراطي. ولم تخف إدارة أوباما امتعاضها من التدخل الفظ لنتنياهو في الحملة الانتخابية حيث كان نجماً في العديد من أشرطة الدعاية الجمهورية التي وجدت في خلاف نتنياهو مع أوباما ذخائر لمهاجمة الأخير واتهامه بالتخلي عن إسرائيل وإلقائها «تحت عجلات الحافلة».
وأثار موقف نتنياهو خلافات شديدة ليس فقط في إسرائيل وإنما أيضاً في صفوف اليهود في أميركا الذين رأوا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية ليس فقط «ناكرا للجميل»، وإنما يعرض للخطر مصالح الدولة العبرية ومصالح اليهود في أميركا. ووقف الكثير من الساسة والإعلاميين اليهود الأميركيين علناً ضد نتنياهو ومحاولاته جر اليهود للوقوف خلف رومني. وبلغ الانتقاد ذروته عندما نظم أدلسون لرومني حملة جمع تبرعات لحملته في إسرائيل، مظهراً أن المرشح الجمهوري هو من يقف إلى جانب إسرائيل وليس أوباما. ومن المعروف أن غالبية الناخبين اليهود يصوتون في العادة لمرشح الحزب الديموقراطي، ويميلون في العموم إلى معاداة اليمين الجمهوري الذي بات حليفاً مركزياً للتيار اليميني في إسرائيل. وربما لهذا السبب باءت بالفشل مساعي نتنياهو لتهديد إدارة أوباما بالصوت اليهودي، ولم يفلح في تطويع موقف أوباما من الضربة العسكرية لإيران مثلا.
وفي إسرائيل، تعرض موقف نتنياهو لانتقادات شديدة لأنه للمرة الأولى في العقود الأخيرة يفرض إسرائيل كنقطة خلافية في المعركة الرئاسية ويقف، بشكل مفضوح، إلى جانب أحد المتنافسين ضد الآخر. ووصل الأمر بالموضوع ليغدو نقطة خلاف حتى بين الجيش ونتنياهو، وبينه وبين وزير دفاعه إيهود باراك. وتنافس الكثيرون في إسرائيل على إظهار خطر المقامرة التي يقدم عليها نتنياهو باستعداء الرئيس الديموقراطي خصوصاً وأنه صاحب الفرص الأكبر في الفوز بالرئاسة. بل وصل الأمر بوزير الدفاع الإسرائيلي السابق شاؤول موفاز لاختيار شعار لحملة حزبه الانتخابية «الحفاظ على الأمن من دون مقامرة» في نوع من الوخز لنتنياهو. واضطرت وزارتا الدفاع والخارجية إلى شن حملة إعلامية في أميركا تؤكد أن إسرائيل ليست شريكة في أي تدخلات في المعركة الانتخابية.
وبالرغم من تبادل الضربات تحت الحزام بين نتنياهو وأوباما في الفترة التي سبقت وصول الأول لمقر الأمم المتحدة في نيويورك لحضور دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة ورفض أوباما استقباله، عادت الأمور لتستقر في العلاقة بين الدولتين مؤخراً. وأظهرت المناظرتان الأخيرتان لأوباما ورومني أنه ليس ثمة خلاف جدي بينهما حول إسرائيل التي ينظران إليها «كأكبر حلفائنا في المنطقة». وذهب أوباما أبعد من ذلك ليشدد على أن التعاون في عهده مع إسرائيل «هو الأكبر في التاريخ». وتعهد الاثنان، كل بطريقته، بالحفاظ على أمن إسرائيل وازدهارها. وكان أوباما هو من عمل على إعادة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في برنامج الحزب الديموقراطي الانتخابي بعدما كانت قد أسقطت منه.
عموماً انتقل السجال في الآونة الأخيرة من مستوى الحديث عن ضلوع أو عدم ضلوع نتنياهو في الانتخابات الأميركية إلى مستوى ما سيحدث بعد فوز أوباما في أميركا وفوز اليمين المتطرف في «الليكود بيتنا» في إسرائيل. وفي حين يشكك كثيرون في إمكانية أن تتدهور العلاقات بين الحكومتين، يرى آخرون أن هذه العلاقة راسخة، وأن الطرفين سيجدان سبلاً جديدة لتجاوز الخلافات.
المصدر :
حلمي موسى /السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة