دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في منتصف الشهر الماضي تناقلت وسائل الإعلام السورية خبر قتل الطبيب الفلسطيني عادل الحصان بدم بارد بعدما أجبره مسلحون على الخروج من بيته ووجهوا رصاصاتهم إلى جسده النحيل على مسمع ومرأى أطفاله وزوجته وسكان الأبنية المجاورة في الصباح الباكر. قتل الطبيب الفلسطيني المولود في مخيم درعا خبر عادي في ظل أعداد القتلى الكبير، ولا يشكل سابقة في استهداف الكفاءات الطبية والعلمية، فقبلها تم استهداف أطباء وأساتذة جامعيين في أماكن عدة، كما أن خطر الموت يحدق بأي من سكان سورية في أي ساعة.
الخبر استرعى اهتمامي لجانبين الأول شخصي مرده معرفتي الجيدة بالدكتور عادل، وشعوري بفقدان صديق قريب. والثاني مهني بحكم عملي وطريقة تناول خبر قتله. فبينما نعته تنسيقيات الثورة السورية في محافظة درعا، وأكدت أن الأمن هو من ارتكب الجريمة البشعة. كان شريط الأخبار في التلفزيون السوري يشير إلى أن الدكتور الحصان قتل على أيدي العصابات المسلحة، وفي سطر آخر يعرض نعوة من تنظيم الجبهة الشعبية -القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل تؤكد أن الاستهداف كان لمواقف الطبيب الوطنية.
صدق أي من الروايتين أو كذبها يعرفه القتلة، وربما المقربون من الدكتور عادل. وبين هذا وذاك سمعت قصصا من أبناء درعا عن فترة الحصار شهري أبريل/نيسان ومايو/ أيار 2011 عن أن الطبيب كان يعالج الجرحى بغض النظر عن هويتهم السياسية، وانه بكى بحرقة أشخاصا لم يستطع أن يقدم لهم الكثير بسبب ضعف امكانيات عيادته المتواضعة التي تحولت مشفى ميدانيا، وأن له يدا بيضاء في شفاء آخرين.
لا مسألة فلسطينية في سورية...
تصلح القصة السابقة كمدخل للتأكيد على أن مصير اللاجئين الفلسطينيين لا يختلف كثيرا عن مصير أشقائهم السوريين. فآلة القتل تحصدهم وتستهدفهم في ظل التوجه إلى مزيد من الاحتكام إلى السلاح.
وتعزز هذه القصة قناعاتي بأنه لا توجد مسألة خاصة بالفلسطينيين في سورية كما هو الحال في لبنان والأردن والكويت والعراق وغيرها. وأن التهويل الإعلامي هو الدافع لما تناقلته وسائل الإعلام عن تشكيل لواء فلسطيني ليحارب مع الثوار في إطار الجيش الحر ومواجهة اللجان الشعبية في مخيم اليرموك التي بادر إلى تشكيلها تنظيم الجبهة الشعبية القيادة العامة.
وليس خافيا أن هناك أطرافا كثيرة تسعى إلى استخدام الورقة الفلسطينية في الصراع المحتدم في سورية منذ منتصف مارس/آذار 2011. وبمراجعة لمواقف الفلسطينيين منذ بداية الأزمة السورية تتضح صعوبة خيار النأي بالنفس الذي تبنته التنظيمات الفلسطينية وكثير من مناصريها منذ بداية الأحداث، وأن هناك أطرافا تسعى إلى جرهم إلى الصراع. وحقيقية فإن فلسطينيي سورية اندمجوا في المجتمع الجديد مع احتضان الشعب والحكومات المتعاقبة لهم منذ العام 1948 ، وصدور قوانين وتشريعات أعطت الفلسطينيين حقوقا لا تختلف كثيرا عن حقوق المواطنين.
رفض الانجرار للصراع المسلح ودعوة للعمل الاغاثي الانساني
ويرفض معظم القوى الفلسطينية والفعاليات الشعبية والجماهيرية تشكيل لواء خاص بالفلسطينيين في إطار الجيش الحر للوقوف في وجه اللجان الشعبية التي شكلها تنظيم القيادة العامة.
ويشكك قياديون في حركة حماس بالأنباء عن تشكيل لواء فلسطيني للقتال إلى جانب الجيش الحر، وأكد مصدر قيادي في الحركة لموقع "روسيا اليوم" أنه "في حال صدق الخبر، وأظنه غير صادق، فإن هذا الخيار خيار خطير، وسلوك مشبوه" وشدد على أن "المسؤولية التي سيتحملها هؤلاء لا تقل عن مسؤولية اللجان الأمنية التابعة للقيادة العامة". وأوضح القيادي في حركة حماس التي غادرت سورية وأغلقت معظم مكاتبها منذ فترة أن" فكرة الدفاع عن النفس مختلفة كلياً عما هو مطروح، ومع فقداننا(الفلسطينيين) لأي ألية دفاع عن النفس، إلا أن هذه الطريقة لن تكون سوى مزيداً من الدماء المجانية، فلا يوجد أي مؤشر واحد على أن تشكيل هذا اللواء سيقلل من عدد الضحايا الفلسطينيين مقارنة بما سبق".
ويشير مراقبون إلى أن "واقع المخيمات الفلسطينية في سورية من سيء إلى أسوأ، وفي كل يوم تشهد تصعيداً جديداً". ويؤكد طارق حمود منسق مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية أن "عدد الفلسطينين الشهداء حتى اللحظة وصل إلى 556 شهيداً موثقاً، وآلاف الجرحى، إضافة إلى عدد من المفقودين"، ويشدد على أن "القصف الذي يستهدف المخميات غير مبرر، خاصة مع خلو المخيمات من المسلحين باستثناء التابعين للجان الأمنية الخاصة بالجبهة الشعبية القيادة العامة".
وجدد التأكيد على أن "المخيمات والفلسطينيين ليسوا طرفاً في هذا الصراع" معتبرا أن "محاولة الزج بهم إلى أتون المشهد السوري لن يجلب الخير لأحد، ولن يؤثر دخول الفلسطينيين في المعادلة الميدانية لصالح أحد، سوى مزيداً من الدماء الفلسطينية على الأرض العربية في معركة بعيدة عن معركته الرئيسية".
ورفض حمود رفضا قاطعا "وجود أي سلاح من أي نوع ولصالح أي طرف داخل المخيمات الفلسطينية" ورأى أن أي محاولة "لزج الشعب الفلسطيني في الصراع سواء سميت لجانا شعبية أم أمنية، ومهما كانت مبررات وجود السلاح داخل المخيم فإن النتيجة واحدة، وهي استخدام هذا السلاح لتفجير التناقضات الفلسطينية الداخلية التاريخية". وأوضح أن أفضل دور للمخيمات هو استمرار الدور الانساني الإغاثي للنازحين السوريين، لأن هذا سوف "يخدم الجميع، ويجنب المخيمات ويلات هي في غنى عنها".
ويتفق مع تحييد المخيمات وحصر دورها بإغاثة النازحين والمساعدات الإنسانية معظم الفلسطينيين وممثلي التنظيمات المنضوية تحت لواء منظمة التحرير، إضافة إلى الفعاليات الجماهيرية لدعم حق العودة.
فرادة حالة فلسطينيي سورية والاصطفاف المطلوب
يقارن كثير من الصحفيين والمواطنين العاديين والخبراء بين موقف الفلسطينيين في الكويت والأردن والعراق، وربما غيرها من البلدان العربية والموقف الذي اتخذوه من الأزمة السورية. ويكيل بعضهم اتهامات للفلسطينيين بعد صون العشرة. ويغرق كثيرون في توقع مصير الفلسطينيين بعد انتهاء الأزمة بفوز أحد الطرفين. وإذا كان من المفهوم أن عدم الاطلاع الواسع لكثير من العرب والأجانب على أوضاع الفلسطينيين في سورية يفتح على مثل هذه المقارنات فإن من غير المبرر الهجمات الدورية المغرضة على فلسطينيي سورية وانتقاد مواقفهم، وبعضها يرقى إلى اباحة دمهم من هذا الجانب أوذاك. وأعرض بعض الحقائق والوقائع التي يجب عدم اهمالها في تناول هذا الموضوع.
1- يتراوح عدد الفلسطينيين في سورية ما بين 550 و600 ألف نسمة، جلّهم من اللاجئين في العام 1948، ويوجد كثير من الفلسطينيين الذين لجأوا بعد أحداث أيلول الأسود واستمر أبناؤهم وأحفادهم بالعيش في سورية بدون مشاكل تذكر رغم عدم امتلاك كثير منهم جوازات سفر أردنية أو فلسطينية. ويتوزع الفلسطينيون على تسعة مخيمات رئيسية في درعا ودمشق وحمص وحماة واللاذقية وحلب، ويعيش بعضهم في تجمعات عشوائية. ومع تضاعف أعدادهم استقر كثير منهم في أحياء المدن السورية، وسكنوا في كثير من القرى.
2- يتمتع الفلسطينيون منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي بكافة الحقوق المدنية للمواطن السوري باستثناء الجنسية وحق الانتخاب، ويستطيع الفلسطيني ممارسة جميع الأعمال الحكومية والخاصة دون أي تمييز.
3- يدرس أبناء المخيمات والتجمعات الكبيرة في مرحلة التعليم الأساسي (الابتدائي، والإعدادي) في مدارس وكالة الغوث. ويتابعون تعليمهم الثانوي بفروعه المختلفة في المدارس الحكومية، فيما يدرس من استقر في المدن والقرى في المدارس الحكومية طوال المرحلة الدراسية مجانا دون أي تفريق مع المواطنيين السوريين. ويستطيع الفلسطينيون متابعة تعليمهم الجامعي أو المهني مجانا وفق ذات القواعد المطبقة على نظرائهم السوريين.
4- ينقسم الفلسطينيون في مواقفهم السياسية، ويلاحظ في السنوات الأخيرة ضعف تأثير المنظمات الفلسطينية عموما. وتأثرت مواقف الفلسطينيين من السلطات السورية في مراحل سابقة بالخلافات بين قيادة منظمة التحرير والقيادة السورية التي بلغت ذروتها بدعم الرئيس الراحل حافظ الأسد المنشقين عن صفوف حركة فتح التي كان يقودها الراحل ياسر عرفات، ودعم سورية لجبهة الانقاذ. كما ساعدت سورية تنظيم الصاعقة (جناح حزب البعث الفلسطيني) ودعمته بامكانيات كبيرة، وفي السنوات الأخيرة دعم الرئيس الأسد الأب حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ووطد الأسد الإبن هذه العلاقات التي كانت متينة جدا في إطار ماعرف بمحور الممانعة، ولم تتأثر العلاقات حتى تفاقم المشاكل بين حماس والسلطات على خلفية الموقف من الأحداث الأخيرة. وتدعم سورية تنظيم الجبهة الشعبية- القيادة العامة في شكل لافت ولم تتأثر العلاقة على مدى السنوات الأربعين الماضية بل توطدت على خلفية الموقف من الحراك الحالي.
5- وفي الحياة الاجتماعية سجلت ألوف حالات الزواج المختلط بين لاجئين ولاجئات ومواطنات ومواطنيين سوريين، ويلاحظ زيادة هذه الحالات في العقدين الأخيرين.
6- وتشغل القضية الفلسطينية حيزا واسعا في عقل وضمير السوريين الذين يعتبرون أن جرحهم سوف يبقى مفتوحا حتى تحرير الجزء الجنوبي من بلاد الشام. ومنذ الثلاثينات من القرن الماضي هب كثير من السوريين من الساحل ومختلف المدن للدفاع عن فلسطين وحاربوا ضمن جيش الانقاذ رغم الامكانات المتواضعة لسورية التي كانت قد نالت استقلالها حديثا من الاستعمار الفرنسي. وقضى مئات الشهداء السوريين في صفوف الثورة الفلسطينية المعاصرة في لبنان أو على أرض فلسطين، وانخرط ألوف السوريين في النضال ضمن الفصائل الفلسطينية على اخلاف طوائفهم وقوميتهم ففي معسكرات ومكاتب جميع التنظيمات الفلسطينية ليس مستغربا أن ترى سوريين من المدن المختلفة وعربا وأكرادا علويين ومسيحيين وسنة ودروزا.
7- انقسم الفلسطينيون في آرائهم بين داعم لنظام الرئيس الأسد ومؤيد لمطالب المحتجين منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأحداث في سورية، وقضى كثير منهم في عمليات الاسعاف أو القصف أو حتى بحكم تواجدهم وتوزعهم الجغرافي. وفي البداية كان خيار الفلسطينيين واضحا وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية بين النظام والمعارضة، ورغم صعوبة هذا الخيار فإن الطرفين كانا مع تحييد الفلسطينيين بسبب رمزية قضيتهم لأبناء الشعب السوري كافة، ولم تنتقد الغالبية العظمى من السوريين خيار النأي بالنفس. وفي بداية الأحداث في درعا أذكر تماما أن العسكريين على حواجز قوات الأمن والجيش النظامي كانوا يتهاونون مع الفلسطينيين بسبب هويتهم. فيما تفهم معظم المحتجين موقف الفلسطينيين ولم يمارسوا ضغوطا كبيرة عليهم للمشاركة في الاحتجاجات، على أن الفلسطينيين شاركوا في أعمال الاسعاف والإغاثة منذ الأيام الأولى في درعا واللاذقية وحمص، وقضى بعض الشهداء منهم في أثناء إسعاف الجرحى أو توزيع المؤن على المحتاجين. ولا يلغي ذلك أن بعض المعارضين شنوا هجوما على الفلسطينيين لعدم "رد الجميل" ودعم الشعب، فيما هاجمهم بعض المسؤولين وذهب أحدهم إلى القاء المسؤولية على بعض الجماعات الفلسطينية بالضلوع في "مؤامرة" تستهدف سورية ودورها الممانع. ومع تطور الأحداث دعا مسؤول بارز الفلسطينيين دون تحديدهم بالاسم إلى احترام تقاليد الضيافة.
وتكفي النقاط السابقة لايضاح أن مسألة اصطفاف الفلسطينيين المقيمين في سورية أعقد من أن تختزل بوضع جاليات للعمل كما في الكويت والخليج أو حتى ليبيا. كما تختلف الظروف والوسائل عما جرى في الأردن أهمها وجود إجماع شعبي ورسمي على دعم المقاومة الفلسطينية، وعدم وجود خلاف حول الوسائل في ظل التزام التنظيمات الفلسطينية في سورية بعد فتح جبهة من الجولان. وتجمع مختلف التنظيمات والفعاليات على عدم السماح بتحويل المخيمات إلى جزر أمنية، وضرورة عدم زج المخيمات في الصراع المسلح، والاقتصار على الدور الاغاثي والانساني في دعم المتضررين والنازحين وتوفير اماكن الاقامة لهم ودعمهم ماديا، ومنع انتقال القتال إلى المخيمات.
لا أظن أن معظم فلسطينيي سورية يرغب في حزم حقائبه إلى مغتربات خلف البحار والمحيطات بعيدا عن بلاد الشام، التي احتضنتهم، خصوصا أنهم مازالوا يحلمون بتحقيق حلم العودة بمساعدة اخوانهم السوريين. وأجزم بأن إشراك الفلسطينيين في المعركة لن يغير كثيرا من توازن القوى بين المعارضة والنظام وسوف ينعكس سلبا على أوضاع النازحين والمهجرين، وسوف يصب في خدمة مخططات إسرائيل بتدمير سورية وتهجير الفلسطينيين بعيدا عن دول الطوق باتجاه أقاصي الأرض.
المصدر :
سامر الياس\ روسيا اليوم
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة