يحفظ التاريخ في ذاكرته الطويلة أن مدينة دمشق هي أقدم مدينة مأهولة في العالم. ومع إختلاف الرؤى حول التاريخ الذي بنيت فيه هذه المدينة العريقة إلا أنه يذكر أن أول جدار بني في الأرض بعد الطوفان كان على تربة هذه المدينة التي احيطت في العهد الروماني بسور كبير وسبعة أبواب مطلة على كل الجهات.

ومع مرور الزمن وامتداد السور كثرت ابواب المدينة ومن ثم أغلق قسم منها إلا أنها بقيت حافظة لتقاليد وعادات أهلها المضيافين بأبوابها المشرعة دائما أمام حاملي رايات السلام والنوايا الطيبة ومغلقة أمام أصحاب الخناجر المسمومة والرايات السوداء.

دمشق التي عرفت كل حضارات البشر ومر عليها الكثير الكثير من المحن وشهدت اسوارها وأحجارها آلاف المعارك لم تكن مفاتيح أبوابها سهلة المنال لطالبيها لا في التاريخ القديم ولا الحديث وبقيت رافضة للضيم شامخة حافظة لمكانتها المرموقة في العلوم والثقافة والفنون والأدب وحتى السياسة وربما لم يخطئ الشاعر ياقوت الحموي عندما قال " ما وُصفت الجنّة بشيئ، إلا وفي دمشق مثله"فلماذا جار عليك الدهر يا دمشق وعليك أيها الشعب السوري في يومنا هذا؟

منذ بداية الأزمة السورية لم تغف عين ولم يهدأ بال لا للقريب ولا البعيد بحثا عن مفاتيح ابواب دمشق تحت ذريعة إنقاذ الشعب السوري من محنته الحالية.أول الفاتحين والساهرين على حل الأزمة السورية بعد إصابتها بعدوى "الربيع العربي" كانوا من جامعة العرب التي اشهرت سيوفها وهددت وأرعدت وحمّلت النظام السوري كل الأوزار ووصمته بأنه خارج عن الشرعية لعدم انصياعه لمطالب شعبه، بينما هم المعنيون لا غيرهم بالحفاظ على مصير هذا الشعب بحكم التاريخ والدين واللغة المشتركة وبحكم أن عاصمة الدولة الأموية استبيحت دون حسيب أو رقيب، فقررو استنادا الى مخططات فاتحهم العربي الكبير واستشارة أقرب مساعديه صناعة سبعة مفاتيح لأبواب المدينة المنهكة، فسهروا سبع ليال بطولها متفحصين كتب الجن ووجدوا أن مقارعة اقوام الحن والبن لن تكون سهلة على الفاتحين فاصدروا القرار تلو الآخر وأدلو بدلوهم الذي يزخر بالتهم الموجهة لرئيس البلاد  موكلين لقنواتهم نقل الصورة والخبر بسرعة خارقة وبدون تحريف أو تركيب للجمل والحركات، لكن جهود جامعة العرب الملهمة للتغيير لم تأت بشيئ فقرروا تعليق عضوية هذا البلد وفرضوا عقوباتهم جوا وبرا وبحرا وارسلوا مراقبيهم مدججين بكل مفاتيحهم القديمة والجديدة علها تصلح لفتح أبواب العاصمة السورية، اراء المراقبين بعد ايام قليلة من بداية عملهم لم ترق للفاتحين العرب فبدلا سماع الهدير في تقاريرهم حّمل المراقبون المسؤولية لما يجري على الأرض لكلا الطرفين ولإنقاذ الطبخة قبل أن تشوط وتفسد وليمة الربيع العربي قرر الفاتحون سحب مراقبيهم وتحويل الملف السوري لكل المنظمات الدولية في العالم.

مجلس الأمن لم يستطع تلبية طموحات العرب الملتهبة بالتغيير السريع ولم تنجح محاولات أعضائه الغربيين ليّ الأيدي الصينية ولا الروسية لتمرير قرار صغير فاكتفوا بإرسال مراقبيهم بقبعاتهم الزرقاء على متن قارب مبعوثهم الإفريقي ذا الشراع المكسور الذي لم يستطع مواجهة الرياح السورية العاتية وعاد بخفي حنين تاركا وصيته بنقاطها الست لمن سيقود من بعده مهمة البحث في بلاد الله الواسعة عن مفاتيح جديدة لأبواب المدينة العجيبة .صراخ وضربات قبضات الفاتحين العرب أمام كاميرات العالم ذهبت مع الريح ولم تلق آذانا صاغية لدى القيادة السورية ولا لدى قيادات المعارضة التي لم يستطع احد حصرها وعربها كونها كالفطر البري كانت تنبت مع كل رعد جديد في سماء المدن السورية وبقيت دون سلة تجمعها كون المسموم منها كثير العدد كريه الرائحة ولا يمكن المخاطرة بطبخها لتعدد الوصفات وكثرة الطباخين وبنتيجة دخول الحابل بالنابل ضاعت مطالب الشعب المسالم وذهبت حقوقه مهب الريح بعد أن خرجت الأمور عن السيطرة نتيجة الإقتتال المستمر.

نتيجة المعارك الداخلية لم ترض السلطان العثماني الجديد فأستدعى أصدقائه المقربين من العرب للإستشارة وأخبرهم سرا أنه وجد تحت وسادة جده مفاتيح المدن السورية كلها وأنها منذ انهيار الدولة العثمانية لا تزال أمانة في عنقه وهو سيكون الفاتح الجديد بعد فشل الجميع بفتح ولو باب واحد من ابواب دمشق العصية.

هلل الجميع وصفقوا لإقتراب نهاية المحن وامتطى السلطان الجديد حصان الربيع العربي وقاد جيوشه براياتهم مختلفة الألوان والاسود يطغى على أكثرها وخطب بهم بكل لغات العالم كي يفهموا واستعان بكبير شيوخ العرب ليقرضه فتوى لجيوشه المتشوقة للفتح المبين فأفتى الأخير بكل مالديه واقسم بكل شعرة في لحيته البيضاء بأن النصر سيكون على يد الفاتح الجديد وأن مفاتيحه لن تخطئ وعلق على سيف السلطان الجديد ثماني مفاتيح إخرى إحتياطا فالزيادة أفضل من النقصان وأثنى بأخر الكلمات وبالله المستعان موصيا الجميع بعدم إضاعة المفاتيح كونها صالحة لأبواب الجنة .

 

أم المعارك لم تأت بالمرجو وعاد السلطان مكسور العنق لاعنا حلفاءه المقربين والبعيدين لأنهم كذبوا ولأن مفاتيحه كلها مزورة وهي أساسا ليست من وصايا جده بل هدية سيده في البيت الأبيض وأنه لم يستطع فتح باب واحد فكل الأبواب السورية بقيت مغلقة بوجهه وأنه إضطر لترك جيوشه وسط الركام وأنه كل ما استطاع فعله هو كتابته على جدران المدن المهدمه جملة ملطخة بالدم السوري هي /الإسلام هو الحل/.

سيد البيت الأبيض الذي ينتظر بفارغ الصبر ولاية جديدة ليقرر كيف سيكون الحل أدهش حلفاءه بإختراع جديد مفاده أن الجماعات المتطرفة التي تقاتل على الأراضي السورية تحاول إستغلال الوضع الحالي لخدمة أجندة تخدم مصالحها المستقبلية واعتبر الأمرسابقة خطيرة، وأمر من جديد ببغاءته الشقراء ألا تنس تكرار جملته المفعمة بمحبة السوريين بأن أيام الأسد معدودة ولم يبق إلا القليل، يبدو أن سيد البيت الأبيض ضلّ في الأرقام وحسابات الأيام الباقية لهذا الرئيس العنيد ولايزال يبحث يإستخدام كل تقنياته عن أسرار الجدار السوري وسبب فشله في البحث عن المفاتيح. لكن يبدو أنه لم يقرأ التاريخ فأبواب دمشق مشرعة لمن يأتيها مسالما وموصدة أمام جحافل المعتدين.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2012-10-20
  • 11283
  • من الأرشيف

أبواب دمشق السبع والجدار العالي!

يحفظ التاريخ في ذاكرته الطويلة أن مدينة دمشق هي أقدم مدينة مأهولة في العالم. ومع إختلاف الرؤى حول التاريخ الذي بنيت فيه هذه المدينة العريقة إلا أنه يذكر أن أول جدار بني في الأرض بعد الطوفان كان على تربة هذه المدينة التي احيطت في العهد الروماني بسور كبير وسبعة أبواب مطلة على كل الجهات. ومع مرور الزمن وامتداد السور كثرت ابواب المدينة ومن ثم أغلق قسم منها إلا أنها بقيت حافظة لتقاليد وعادات أهلها المضيافين بأبوابها المشرعة دائما أمام حاملي رايات السلام والنوايا الطيبة ومغلقة أمام أصحاب الخناجر المسمومة والرايات السوداء. دمشق التي عرفت كل حضارات البشر ومر عليها الكثير الكثير من المحن وشهدت اسوارها وأحجارها آلاف المعارك لم تكن مفاتيح أبوابها سهلة المنال لطالبيها لا في التاريخ القديم ولا الحديث وبقيت رافضة للضيم شامخة حافظة لمكانتها المرموقة في العلوم والثقافة والفنون والأدب وحتى السياسة وربما لم يخطئ الشاعر ياقوت الحموي عندما قال " ما وُصفت الجنّة بشيئ، إلا وفي دمشق مثله"فلماذا جار عليك الدهر يا دمشق وعليك أيها الشعب السوري في يومنا هذا؟ منذ بداية الأزمة السورية لم تغف عين ولم يهدأ بال لا للقريب ولا البعيد بحثا عن مفاتيح ابواب دمشق تحت ذريعة إنقاذ الشعب السوري من محنته الحالية.أول الفاتحين والساهرين على حل الأزمة السورية بعد إصابتها بعدوى "الربيع العربي" كانوا من جامعة العرب التي اشهرت سيوفها وهددت وأرعدت وحمّلت النظام السوري كل الأوزار ووصمته بأنه خارج عن الشرعية لعدم انصياعه لمطالب شعبه، بينما هم المعنيون لا غيرهم بالحفاظ على مصير هذا الشعب بحكم التاريخ والدين واللغة المشتركة وبحكم أن عاصمة الدولة الأموية استبيحت دون حسيب أو رقيب، فقررو استنادا الى مخططات فاتحهم العربي الكبير واستشارة أقرب مساعديه صناعة سبعة مفاتيح لأبواب المدينة المنهكة، فسهروا سبع ليال بطولها متفحصين كتب الجن ووجدوا أن مقارعة اقوام الحن والبن لن تكون سهلة على الفاتحين فاصدروا القرار تلو الآخر وأدلو بدلوهم الذي يزخر بالتهم الموجهة لرئيس البلاد  موكلين لقنواتهم نقل الصورة والخبر بسرعة خارقة وبدون تحريف أو تركيب للجمل والحركات، لكن جهود جامعة العرب الملهمة للتغيير لم تأت بشيئ فقرروا تعليق عضوية هذا البلد وفرضوا عقوباتهم جوا وبرا وبحرا وارسلوا مراقبيهم مدججين بكل مفاتيحهم القديمة والجديدة علها تصلح لفتح أبواب العاصمة السورية، اراء المراقبين بعد ايام قليلة من بداية عملهم لم ترق للفاتحين العرب فبدلا سماع الهدير في تقاريرهم حّمل المراقبون المسؤولية لما يجري على الأرض لكلا الطرفين ولإنقاذ الطبخة قبل أن تشوط وتفسد وليمة الربيع العربي قرر الفاتحون سحب مراقبيهم وتحويل الملف السوري لكل المنظمات الدولية في العالم. مجلس الأمن لم يستطع تلبية طموحات العرب الملتهبة بالتغيير السريع ولم تنجح محاولات أعضائه الغربيين ليّ الأيدي الصينية ولا الروسية لتمرير قرار صغير فاكتفوا بإرسال مراقبيهم بقبعاتهم الزرقاء على متن قارب مبعوثهم الإفريقي ذا الشراع المكسور الذي لم يستطع مواجهة الرياح السورية العاتية وعاد بخفي حنين تاركا وصيته بنقاطها الست لمن سيقود من بعده مهمة البحث في بلاد الله الواسعة عن مفاتيح جديدة لأبواب المدينة العجيبة .صراخ وضربات قبضات الفاتحين العرب أمام كاميرات العالم ذهبت مع الريح ولم تلق آذانا صاغية لدى القيادة السورية ولا لدى قيادات المعارضة التي لم يستطع احد حصرها وعربها كونها كالفطر البري كانت تنبت مع كل رعد جديد في سماء المدن السورية وبقيت دون سلة تجمعها كون المسموم منها كثير العدد كريه الرائحة ولا يمكن المخاطرة بطبخها لتعدد الوصفات وكثرة الطباخين وبنتيجة دخول الحابل بالنابل ضاعت مطالب الشعب المسالم وذهبت حقوقه مهب الريح بعد أن خرجت الأمور عن السيطرة نتيجة الإقتتال المستمر. نتيجة المعارك الداخلية لم ترض السلطان العثماني الجديد فأستدعى أصدقائه المقربين من العرب للإستشارة وأخبرهم سرا أنه وجد تحت وسادة جده مفاتيح المدن السورية كلها وأنها منذ انهيار الدولة العثمانية لا تزال أمانة في عنقه وهو سيكون الفاتح الجديد بعد فشل الجميع بفتح ولو باب واحد من ابواب دمشق العصية. هلل الجميع وصفقوا لإقتراب نهاية المحن وامتطى السلطان الجديد حصان الربيع العربي وقاد جيوشه براياتهم مختلفة الألوان والاسود يطغى على أكثرها وخطب بهم بكل لغات العالم كي يفهموا واستعان بكبير شيوخ العرب ليقرضه فتوى لجيوشه المتشوقة للفتح المبين فأفتى الأخير بكل مالديه واقسم بكل شعرة في لحيته البيضاء بأن النصر سيكون على يد الفاتح الجديد وأن مفاتيحه لن تخطئ وعلق على سيف السلطان الجديد ثماني مفاتيح إخرى إحتياطا فالزيادة أفضل من النقصان وأثنى بأخر الكلمات وبالله المستعان موصيا الجميع بعدم إضاعة المفاتيح كونها صالحة لأبواب الجنة .   أم المعارك لم تأت بالمرجو وعاد السلطان مكسور العنق لاعنا حلفاءه المقربين والبعيدين لأنهم كذبوا ولأن مفاتيحه كلها مزورة وهي أساسا ليست من وصايا جده بل هدية سيده في البيت الأبيض وأنه لم يستطع فتح باب واحد فكل الأبواب السورية بقيت مغلقة بوجهه وأنه إضطر لترك جيوشه وسط الركام وأنه كل ما استطاع فعله هو كتابته على جدران المدن المهدمه جملة ملطخة بالدم السوري هي /الإسلام هو الحل/. سيد البيت الأبيض الذي ينتظر بفارغ الصبر ولاية جديدة ليقرر كيف سيكون الحل أدهش حلفاءه بإختراع جديد مفاده أن الجماعات المتطرفة التي تقاتل على الأراضي السورية تحاول إستغلال الوضع الحالي لخدمة أجندة تخدم مصالحها المستقبلية واعتبر الأمرسابقة خطيرة، وأمر من جديد ببغاءته الشقراء ألا تنس تكرار جملته المفعمة بمحبة السوريين بأن أيام الأسد معدودة ولم يبق إلا القليل، يبدو أن سيد البيت الأبيض ضلّ في الأرقام وحسابات الأيام الباقية لهذا الرئيس العنيد ولايزال يبحث يإستخدام كل تقنياته عن أسرار الجدار السوري وسبب فشله في البحث عن المفاتيح. لكن يبدو أنه لم يقرأ التاريخ فأبواب دمشق مشرعة لمن يأتيها مسالما وموصدة أمام جحافل المعتدين.    

المصدر : حسن نصر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة