شكّل موقف رئيس الحكومة التركي رجب طيب اردوغان الموافق على تشكيل لجنة ثلاثية تضم الى جانب تركيا وإيران، دولة ثالثة - إما مصر أو روسيا - لبحث الأزمة السورية، نوعاً من المفاجأة في طريقة تعاطي أنقرة مع الأزمة السورية، ذلك ان حكومة اردوغان بهذا الموقف، إنما تعترف أولاً بدور رئيسي لإيران في حل الأزمة، خلافا لما كان عليه الحال حين تم استبعاد طهران عن كل المؤتمرات والاجتماعات التي كانت تعقد برعاية تركية أو من دونها. والثاني هو ما بدا لبعض المحللين انه بداية تحوّل في الموقف التركي من سوريا، الذي كان قد سار على نفس المنوال منذ البداية من أجل إسقاط النظام السوري بالقوة عبر دعم المعارضة بكل أنواع الأسلحة السياسية والاقتصادية والعسكرية.

ومع ان المقارنة مع مسار الموقف من تركيا لا تشجع على التفاؤل بتحول في الموقف التركي، ذلك لأن أنقرة لم تحد على امتداد الفترة الماضية عن التشدد في رفض أي حل يبقي على "النظام السوري" والرئيس بشار الأسد شخصيا، فإن البعض يرى تحوّلاً، ولو خجولا، في طريقة التعاطي التركية مع الأزمة.

من مؤشرات ذلك ان وزير الخارجية التركية احمد داود أوغلو اقترح اسم نائب الرئيس السوري فاروق الشرع لقيادة مرحلة انتقالية بدلا من الأسد. وهو اقتراح رفضته المعارضة السورية، فبدا كما لو أن أنقرة باتت تلعب في غير ملعب المعارضة، بالرغم من ان اقتراح اسم الشرع لهذه المهمة يهدف الى تحقيق انجاز ولو شخصي لأردوغان، وهو الإطاحة بالأسد، وبعدها يخلق الله ما لا تعلمون.

والمؤشر الثاني هو موافقة اردوغان على تشكيل لجنة ثلاثية بعد اجتماعه مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في العاصمة الأذرية باكو. وفي كلتا الحالتين بدأت تشعر أنقرة بوطأة الأزمة السورية عليها من كل النواحي من دون استثناء، في ما يشبه إعلان فشل سياستها في سوريا وضرورة إعادة النظر في مجمل هذه السياسة.

في هذا المنحى يذهب محلل السياسة الخارجية في صحيفة «ميللييت» سامي كوهين الذي كتب عن «معيار جديد» في السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا، ويقول ان «لا لزوم لعدّ قائمة المشاكل التي سببتها المسألة السورية لتركيا. من الناحية الأمنية تحوّلت الحدود الى منطقة صدام ساخن، وظهرت مخاطر نشوب حرب بين البلدين مع الدعم الكثيف المسلح لأنقرة للمعارضة السورية».

هذا من الناحية العسكرية، أما سياسياً واقتصادياً، فيقول كوهين «سياسياً انقطعت الخيوط مع دمشق بسبب سعي تركيا للقضاء على الأسد. في المقابل استخدم الأسد ورقة حزب العمال الكردستاني. والسياسة التي اتبعتها تركيا أفضت الى توتر مع إيران وروسيا أيضا. واقتصاديا تعرضت تركيا لخسائر تجارية كبيرة بسبب الأزمة السورية وأنفقت أكثر من 300 مليون دولار على قضية اللاجئين. وهذه الكلفة ستزيد مع استمرار تدفق أعداد جديدة من اللاجئين. جانب من هذه السلبيات كان خارج سيطرة تركيا لكنها تحمّلت هذه النتائج. وعلى الحكومة ان تعترف بأن جزءا كبيرا من هذه النتائج هو محصلة سياساتها تجاه سوريا».

ويقول الكاتب ان «النقطة التي وصلت إليها الأوضاع كانت تتطلب إعادة نظر في هذه السياسة. هذا لا يتطلب التخلي عن الوقوف الى جانب الشعب السوري، لكن إعادة النظر بسلوك يؤدي الى قيام مخاطر حرب أهلية والعمل على نهج يفضي الى حل بدلا من الصدام. واستطلاعات الرأي التي تعكس معارضة الأتراك للحرب على سوريا، كما المواقف المتحفظة لحلف شمال الأطلسي، والولايات المتحدة تحديدا، كانت تدعو الى اعتماد النهج السلمي لحل الأزمة بدلا من الصراع المسلح».

ويشير الكاتب الى انه «ربما اقتنعت أنقرة مؤخرا بضرورة تغيير نهجها تجاه سوريا. وقد أعطت الى جانب علامات إظهار القوة إشارات لضرورة المشاركة في بحث لحل الأزمة سلميا. ومن ذلك مؤشران: الأول إعطاء الدعم لمهمة المبعوث الأخضر الإبراهيمي، والثاني لقاء اردوغان مع احمدي نجاد. فلقاء باكو أسفر عن مفاجأة هي تشكيل آلية ثلاثية من أجل حل سلمي في سوريا تضم تركيا وإيران ومصـر او روسيا. وهذا يعني اتباع سياسة أكثر ليونة بالنسبة "للإطاحة بالأسـد" والقبول بالتعاون مع إيران شريكة الأسد ..».

ويختم كوهين بأنه «حتى الآن لم يعرف أساس ومعايير هذا التفاهم، لكن هذه الخطوة تظهر ان حكومة اردوغان تفكر الآن بطريقة جدية لوضع معيار جديد في سياسة خارجية، فتحت على تركيا مشاكل لا حصر لها، كتلك التي أشرنا إليها من قبل».

  • فريق ماسة
  • 2012-10-19
  • 7502
  • من الأرشيف

هل بدأ موسم التحوّل التركي تجاه سورية؟

  شكّل موقف رئيس الحكومة التركي رجب طيب اردوغان الموافق على تشكيل لجنة ثلاثية تضم الى جانب تركيا وإيران، دولة ثالثة - إما مصر أو روسيا - لبحث الأزمة السورية، نوعاً من المفاجأة في طريقة تعاطي أنقرة مع الأزمة السورية، ذلك ان حكومة اردوغان بهذا الموقف، إنما تعترف أولاً بدور رئيسي لإيران في حل الأزمة، خلافا لما كان عليه الحال حين تم استبعاد طهران عن كل المؤتمرات والاجتماعات التي كانت تعقد برعاية تركية أو من دونها. والثاني هو ما بدا لبعض المحللين انه بداية تحوّل في الموقف التركي من سوريا، الذي كان قد سار على نفس المنوال منذ البداية من أجل إسقاط النظام السوري بالقوة عبر دعم المعارضة بكل أنواع الأسلحة السياسية والاقتصادية والعسكرية. ومع ان المقارنة مع مسار الموقف من تركيا لا تشجع على التفاؤل بتحول في الموقف التركي، ذلك لأن أنقرة لم تحد على امتداد الفترة الماضية عن التشدد في رفض أي حل يبقي على "النظام السوري" والرئيس بشار الأسد شخصيا، فإن البعض يرى تحوّلاً، ولو خجولا، في طريقة التعاطي التركية مع الأزمة. من مؤشرات ذلك ان وزير الخارجية التركية احمد داود أوغلو اقترح اسم نائب الرئيس السوري فاروق الشرع لقيادة مرحلة انتقالية بدلا من الأسد. وهو اقتراح رفضته المعارضة السورية، فبدا كما لو أن أنقرة باتت تلعب في غير ملعب المعارضة، بالرغم من ان اقتراح اسم الشرع لهذه المهمة يهدف الى تحقيق انجاز ولو شخصي لأردوغان، وهو الإطاحة بالأسد، وبعدها يخلق الله ما لا تعلمون. والمؤشر الثاني هو موافقة اردوغان على تشكيل لجنة ثلاثية بعد اجتماعه مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في العاصمة الأذرية باكو. وفي كلتا الحالتين بدأت تشعر أنقرة بوطأة الأزمة السورية عليها من كل النواحي من دون استثناء، في ما يشبه إعلان فشل سياستها في سوريا وضرورة إعادة النظر في مجمل هذه السياسة. في هذا المنحى يذهب محلل السياسة الخارجية في صحيفة «ميللييت» سامي كوهين الذي كتب عن «معيار جديد» في السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا، ويقول ان «لا لزوم لعدّ قائمة المشاكل التي سببتها المسألة السورية لتركيا. من الناحية الأمنية تحوّلت الحدود الى منطقة صدام ساخن، وظهرت مخاطر نشوب حرب بين البلدين مع الدعم الكثيف المسلح لأنقرة للمعارضة السورية». هذا من الناحية العسكرية، أما سياسياً واقتصادياً، فيقول كوهين «سياسياً انقطعت الخيوط مع دمشق بسبب سعي تركيا للقضاء على الأسد. في المقابل استخدم الأسد ورقة حزب العمال الكردستاني. والسياسة التي اتبعتها تركيا أفضت الى توتر مع إيران وروسيا أيضا. واقتصاديا تعرضت تركيا لخسائر تجارية كبيرة بسبب الأزمة السورية وأنفقت أكثر من 300 مليون دولار على قضية اللاجئين. وهذه الكلفة ستزيد مع استمرار تدفق أعداد جديدة من اللاجئين. جانب من هذه السلبيات كان خارج سيطرة تركيا لكنها تحمّلت هذه النتائج. وعلى الحكومة ان تعترف بأن جزءا كبيرا من هذه النتائج هو محصلة سياساتها تجاه سوريا». ويقول الكاتب ان «النقطة التي وصلت إليها الأوضاع كانت تتطلب إعادة نظر في هذه السياسة. هذا لا يتطلب التخلي عن الوقوف الى جانب الشعب السوري، لكن إعادة النظر بسلوك يؤدي الى قيام مخاطر حرب أهلية والعمل على نهج يفضي الى حل بدلا من الصدام. واستطلاعات الرأي التي تعكس معارضة الأتراك للحرب على سوريا، كما المواقف المتحفظة لحلف شمال الأطلسي، والولايات المتحدة تحديدا، كانت تدعو الى اعتماد النهج السلمي لحل الأزمة بدلا من الصراع المسلح». ويشير الكاتب الى انه «ربما اقتنعت أنقرة مؤخرا بضرورة تغيير نهجها تجاه سوريا. وقد أعطت الى جانب علامات إظهار القوة إشارات لضرورة المشاركة في بحث لحل الأزمة سلميا. ومن ذلك مؤشران: الأول إعطاء الدعم لمهمة المبعوث الأخضر الإبراهيمي، والثاني لقاء اردوغان مع احمدي نجاد. فلقاء باكو أسفر عن مفاجأة هي تشكيل آلية ثلاثية من أجل حل سلمي في سوريا تضم تركيا وإيران ومصـر او روسيا. وهذا يعني اتباع سياسة أكثر ليونة بالنسبة "للإطاحة بالأسـد" والقبول بالتعاون مع إيران شريكة الأسد ..». ويختم كوهين بأنه «حتى الآن لم يعرف أساس ومعايير هذا التفاهم، لكن هذه الخطوة تظهر ان حكومة اردوغان تفكر الآن بطريقة جدية لوضع معيار جديد في سياسة خارجية، فتحت على تركيا مشاكل لا حصر لها، كتلك التي أشرنا إليها من قبل».

المصدر : السفير /محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة