أحسّ النائب سعد الحريري بجرح كرامته. لم يستطع أن يحتمل التعرّض لصديقه عقاب صقر. لم يستطع أن يزيد من جرح كبريائه بالصمت، فمضى عازماً على المواجهة. ومن دون تلعثم وارتباك المجانب للحقيقة قالها: «عقاب صقر يساعد إنسانياً». فكانت نكتة الموسم

«أبو سعد» غالٍ على سعد. أكرَم  الأول الثاني بتسمية ابنه على اسمه، عرفاناً بجميل. فودّ الثاني ردّ الجميل بالجميل أو بأحسن منه. وربما أراد أن يُجزل له في العطاء علّه يسمي الابن الثاني على اسمه أيضاً. هكذا كانت، فخرج البيان الإعلامي لمكتب الرئيس سعد الحريري يُلمّع صورة الصديق النائب عقاب صقر، ولسان حاله يشدّ من أزره مشجّعاً بأن لا تخف أنا بجانبك. لا يوجد تفسيرٌ منطقي آخر، لا سيما أنه يُتوقّع أن تكون «مفاجأة المساعدات الإنسانية» قد أصابت النائب صقر نفسه. وربما كادت أن تدفعه ليُصدّق أنه تحوّل بين ليلة وضحاها من «قائد ثورة مسلحة» إلى «حمامة سلام».

أمس، خرج سعد الحريري عن صمته، فأعلن مكتبه بياناً يُفيد بأنّ: «صقر مكلّف من الرئيس سعد الحريري متابعة الوضع في سوريا والتنسيق مع القوى السياسية السورية المعارضة في كل ما يتعلق بدعم تيار المستقبل الإعلامي والسياسي للشعب السوري في مواجهة "آلة القتل" .....». ولم يفته التوضيح والإشارة إلى أن الدعم «على وجه خاص يطال تأمين ما أمكن من مساعدات إنسانية للضحايا من جرحى ومشرّدين وأيتام». وعن قصد أو ربما عن غير قصد، فات الرئيس الحريري أنّ صديقه الذي يُعدّ «تاجر السلاح الأوّل» في سوريا، يمتنع عن دفع الأموال لجرحى المعارضة السورية وفق قاعدة أنّ «هذا المال لشراء السلاح، اقصدوا الجمعيات الإنسانية»، علماً أن مصادر في المعارضة السورية تؤكد أنّ في حوزتها تسجيلات توثّق بالصوت والصورة، شهادات مقاتلين يقولون إنهم كانوا يأخذون مال السلاح من النائب صقر، لكن لما قصده أحدهم لطلب تكاليف عملية جراحية، صدّه طالباً منه أن يقصد إحدى الجمعيات الإنسانية. وهنا صقر لم يكذب، فهو ليس جمعية خيرية، إنّما مُكلّف من الحريري. وربما تسارع الأحداث وبياض قلب الحريري، دفعاه إلى الاعتقاد بأنّ رشاش الكلاشنيكوف ورصاصة القنّاص تدخلان في إطار المساعدات الإنسانية. أما التنسيق السياسي مع المعارضين، فربما قصد به أعمال الخطف والتصفيات التي تُنفّذها كتائب مقاتلة مموّلة منه، أطلقت إثنان منها اسمه واسم أبيه على نفسها طمعاً بالإكرامية. (كتيبة سعد الحريري وكتيبة رفيق الحريري).

«المساعدات الإنسانية» التي يتحدث عنها الحريري بالتباس، ليست خافية على أحد. وكذلك هم رجاله القادة. فحمائم السلام هؤلاء ينشطون بين لبنان وسوريا وتركيا. ورغم أن الشعار الذي انطلقوا به كان: «إذا أعطت يدك اليمنى فلا تجعل يدك اليسرى تعلم بذلك»، إلّا أن كثرة الأموال سيّلت لعابهم واقتسام المغانم صدّق المثل القائل: «اختلف السارقون فافتُضح أمرهم». لا تزال فضيحة سرقة أحد المشايخ السوريين مبلغ نصف مليون دولار من العقيد المتقاعد عميد حمود حديث الكثيرين في أوساط مقاتلي المعارضة المنتشرين شمالاً.

وبالعودة إلى حمائم الحريري الناشطة لبنانياً في الثورة السورية، يحتل المسؤول الأمني لتيّار المستقبل العقيد المتقاعد من الجيش اللبناني عميد حمود المرتبة الأولى، علماً أن المعلومات الأمنية تُشير إلى أن حمود افتتح منذ فترة مكتباً لتوزيع الأسلحة وتسليح الشبان وتجنيدهم للقتال في الشمال، وإرسال بعضهم إلى سوريا، لافتة إلى أن هؤلاء يشاركون في كل الاشتباكات التي تشهدها طرابلس، فضلاً عن الدور المحوري الذي تنقل مصادر في المعارضة السورية أنّه أدّاه في استحضار سفينة لطف الله 2 ثمّ فضحها لأسباب لم تُبيّنها تحقيقات استخبارات الجيش اللبناني. وفي سماء "الثورة"، يُحلّق من لبنان النائب اللبناني خالد الضاهر وشقيقه ربيع. ينشط هذان الأخيران على كافة الخطوط، بدءاً باستقدام السلاح وتوزيعه وصولاً إلى تجنيد مقاتلين وإرسالهم للقتال داخل الأراضي السورية. والتقارير الأمنية التي في عهدة الأجهزة الأمنية تزخر بعشرات الأحداث والاجتماعات التي يعقدها الضاهر دورياً مع مقاتلين في الجيش السوري الحر. خالد وربيع وعميد وعقاب يلعبون دور رأس الحربة في الصراع مع الدولة السورية ، لكنهم ليسوا الوحيدين. ينشط إلى جانبهم ميدانياً كل من مصطفى الحجيري والشيخ أبو طاقية والحاج درغام والحاج أبو محمود. يُشكّل هؤلاء القوّة الضاربة على الأرض شمالاً إلى جانب شخص يُدعى علي الحجيري يسيطر على معابر القاع، لكنه غير رئيس البلدية علي محمد الحجيري الذي يدعي علناً أنه يسيطر على الحدود اللبنانية ــ السورية من حمص إلى الزبداني. وللأخير مجموعة تتسلل إلى الأراضي السورية، لكن عملهم ينحصر في تهريب السلاح مقابل المال، وليس بقصد الجهاد.

 

كل ذلك يؤكد أنّ التراجع لم يعد ممكناً. فالقاعدة عُكست وفق صيغة أن عدم إسقاط "النظام السوري"، سيعني حتماً سقوط "حمائم الثورة" اللبنانيين. إذاً، فهي معركة وجود للحريري وصقر ومختلف أنواع الأسلحة مباحة.

  • فريق ماسة
  • 2012-10-19
  • 11857
  • من الأرشيف

حمائم سعد الحريري

أحسّ النائب سعد الحريري بجرح كرامته. لم يستطع أن يحتمل التعرّض لصديقه عقاب صقر. لم يستطع أن يزيد من جرح كبريائه بالصمت، فمضى عازماً على المواجهة. ومن دون تلعثم وارتباك المجانب للحقيقة قالها: «عقاب صقر يساعد إنسانياً». فكانت نكتة الموسم «أبو سعد» غالٍ على سعد. أكرَم  الأول الثاني بتسمية ابنه على اسمه، عرفاناً بجميل. فودّ الثاني ردّ الجميل بالجميل أو بأحسن منه. وربما أراد أن يُجزل له في العطاء علّه يسمي الابن الثاني على اسمه أيضاً. هكذا كانت، فخرج البيان الإعلامي لمكتب الرئيس سعد الحريري يُلمّع صورة الصديق النائب عقاب صقر، ولسان حاله يشدّ من أزره مشجّعاً بأن لا تخف أنا بجانبك. لا يوجد تفسيرٌ منطقي آخر، لا سيما أنه يُتوقّع أن تكون «مفاجأة المساعدات الإنسانية» قد أصابت النائب صقر نفسه. وربما كادت أن تدفعه ليُصدّق أنه تحوّل بين ليلة وضحاها من «قائد ثورة مسلحة» إلى «حمامة سلام». أمس، خرج سعد الحريري عن صمته، فأعلن مكتبه بياناً يُفيد بأنّ: «صقر مكلّف من الرئيس سعد الحريري متابعة الوضع في سوريا والتنسيق مع القوى السياسية السورية المعارضة في كل ما يتعلق بدعم تيار المستقبل الإعلامي والسياسي للشعب السوري في مواجهة "آلة القتل" .....». ولم يفته التوضيح والإشارة إلى أن الدعم «على وجه خاص يطال تأمين ما أمكن من مساعدات إنسانية للضحايا من جرحى ومشرّدين وأيتام». وعن قصد أو ربما عن غير قصد، فات الرئيس الحريري أنّ صديقه الذي يُعدّ «تاجر السلاح الأوّل» في سوريا، يمتنع عن دفع الأموال لجرحى المعارضة السورية وفق قاعدة أنّ «هذا المال لشراء السلاح، اقصدوا الجمعيات الإنسانية»، علماً أن مصادر في المعارضة السورية تؤكد أنّ في حوزتها تسجيلات توثّق بالصوت والصورة، شهادات مقاتلين يقولون إنهم كانوا يأخذون مال السلاح من النائب صقر، لكن لما قصده أحدهم لطلب تكاليف عملية جراحية، صدّه طالباً منه أن يقصد إحدى الجمعيات الإنسانية. وهنا صقر لم يكذب، فهو ليس جمعية خيرية، إنّما مُكلّف من الحريري. وربما تسارع الأحداث وبياض قلب الحريري، دفعاه إلى الاعتقاد بأنّ رشاش الكلاشنيكوف ورصاصة القنّاص تدخلان في إطار المساعدات الإنسانية. أما التنسيق السياسي مع المعارضين، فربما قصد به أعمال الخطف والتصفيات التي تُنفّذها كتائب مقاتلة مموّلة منه، أطلقت إثنان منها اسمه واسم أبيه على نفسها طمعاً بالإكرامية. (كتيبة سعد الحريري وكتيبة رفيق الحريري). «المساعدات الإنسانية» التي يتحدث عنها الحريري بالتباس، ليست خافية على أحد. وكذلك هم رجاله القادة. فحمائم السلام هؤلاء ينشطون بين لبنان وسوريا وتركيا. ورغم أن الشعار الذي انطلقوا به كان: «إذا أعطت يدك اليمنى فلا تجعل يدك اليسرى تعلم بذلك»، إلّا أن كثرة الأموال سيّلت لعابهم واقتسام المغانم صدّق المثل القائل: «اختلف السارقون فافتُضح أمرهم». لا تزال فضيحة سرقة أحد المشايخ السوريين مبلغ نصف مليون دولار من العقيد المتقاعد عميد حمود حديث الكثيرين في أوساط مقاتلي المعارضة المنتشرين شمالاً. وبالعودة إلى حمائم الحريري الناشطة لبنانياً في الثورة السورية، يحتل المسؤول الأمني لتيّار المستقبل العقيد المتقاعد من الجيش اللبناني عميد حمود المرتبة الأولى، علماً أن المعلومات الأمنية تُشير إلى أن حمود افتتح منذ فترة مكتباً لتوزيع الأسلحة وتسليح الشبان وتجنيدهم للقتال في الشمال، وإرسال بعضهم إلى سوريا، لافتة إلى أن هؤلاء يشاركون في كل الاشتباكات التي تشهدها طرابلس، فضلاً عن الدور المحوري الذي تنقل مصادر في المعارضة السورية أنّه أدّاه في استحضار سفينة لطف الله 2 ثمّ فضحها لأسباب لم تُبيّنها تحقيقات استخبارات الجيش اللبناني. وفي سماء "الثورة"، يُحلّق من لبنان النائب اللبناني خالد الضاهر وشقيقه ربيع. ينشط هذان الأخيران على كافة الخطوط، بدءاً باستقدام السلاح وتوزيعه وصولاً إلى تجنيد مقاتلين وإرسالهم للقتال داخل الأراضي السورية. والتقارير الأمنية التي في عهدة الأجهزة الأمنية تزخر بعشرات الأحداث والاجتماعات التي يعقدها الضاهر دورياً مع مقاتلين في الجيش السوري الحر. خالد وربيع وعميد وعقاب يلعبون دور رأس الحربة في الصراع مع الدولة السورية ، لكنهم ليسوا الوحيدين. ينشط إلى جانبهم ميدانياً كل من مصطفى الحجيري والشيخ أبو طاقية والحاج درغام والحاج أبو محمود. يُشكّل هؤلاء القوّة الضاربة على الأرض شمالاً إلى جانب شخص يُدعى علي الحجيري يسيطر على معابر القاع، لكنه غير رئيس البلدية علي محمد الحجيري الذي يدعي علناً أنه يسيطر على الحدود اللبنانية ــ السورية من حمص إلى الزبداني. وللأخير مجموعة تتسلل إلى الأراضي السورية، لكن عملهم ينحصر في تهريب السلاح مقابل المال، وليس بقصد الجهاد.   كل ذلك يؤكد أنّ التراجع لم يعد ممكناً. فالقاعدة عُكست وفق صيغة أن عدم إسقاط "النظام السوري"، سيعني حتماً سقوط "حمائم الثورة" اللبنانيين. إذاً، فهي معركة وجود للحريري وصقر ومختلف أنواع الأسلحة مباحة.

المصدر : الاخبار/رضوان مرتضى -


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة