دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
قبيل خلعه جاكيتته في ساحة الشهداء، أفرغ سعد الحريري من جيوبها المدارس والمراكز الاستشفائية في أقضية الشمال، هاتفاً:
انتخبوني أعلّمكم. أوهم الحريري الرأي العام وغالبية نوابه، وحتى عمته بهيّة، بوهبه وزارة التربية 82 مدرسة من ماله الخاص. أما فعلياً، فيتبيّن أن الحريري سجل في محاضر مجلس الوزراء وعوداً انتخابية، دفع غيره ثمنها
ليس أسهل من الضحك على الناخبين بالوعود الإنمائية عشية الانتخابات النيابية. عام 2005، وعد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ناخبيه بمعرفة تفاصيل اغتيال النظام السوري للرئيس رفيق الحريري والاقتصاص منه. بعدها بأربع سنوات، كانت وعود الحريري الانتخابية من قصر المهاجرين الدمشقي أقرب، شكلاً ومضموناً، إلى وعود والده: ربيع اقتصادي، خبز للجميع ومدارس. كان الحريري يقيم في بيروت يومها، وكان في جيبه الكثير من المال. وفي ظل انشغاله بالشركات الأمنية في تلك المرحلة (السابقة لـ7 أيار) ألحّت عمته النائبة بهية الحريري عليه، بحسب أحد النافذين في تيار المستقبل، ليوازن بين شغفه الأمني المستجد وشغف والده التربوي عبر إنشاء بعض المدارس الرسمية.
لم ينتظر رئيس كتلة المستقبل يومها إعداد دراسة تحدّد الأولويات الإنمائية في مناطق نفوذه، وعدم وجود مشروع اقتصادي إنتاجي واحد، زراعي أو صناعي، في منطقة مثل عكار، ولم يأخذ في الاعتبار اضطرار بعض المدارس الرسمية في عكار والهرمل إلى الإقفال بسبب ندرة التلامذة. فأعلن الحريري إغداقه المدارس على بعض المناطق. ولم تكد انتخابات تلك الدورة النيابية تحمى، حتى أطلت وزيرة التربية يومها بهية الحريري لتعلن شمول «هبة الحريري التربوية» 82 مدرسة. أما المراسيم التي قبلت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بموجبها الهبات فتشمل «تحديث الدراسات الموضوعة سابقاً وتنفيذ الإنشاءات والإشراف على التنفيذ وتجهيز تلك المدارس»، إضافة إلى «تقديم عقارات» أو «تجهيزات ومفروشات» في مناطق أخرى، فضلاً عن المراكز الصحية.
غالبية ذلك لم يكن صحيحاً. لم يهب الحريري ولو ربع المدارس التي وعد اللبنانيين بوهبهم إياها. في الطريق إلى عكار، التي نالت الحصة الأكبر من الكرم الحريري، لم يسمع رئيس بلدية البترون مرسلينو الحرك بالمرسوم 1198 (18 آذار 2008) الذي ينص على «وهب النائب سعد الحريري الدولة اللبنانية ممثلة بوزارة التربية والتعليم العالي، إنشاء مركز صحي في بلدة البترون». وبصرف النظر عن مفارقة وهب المركز الصحي لوزارة التربية بدل وزارة الصحة (!)، لم يطرق أحد ــــ بعد أكثر من أربع سنوات على صدور المرسوم ــــ باب الحرك ليطالب البلدية بعقار يشيّد عليه المركز المذكور. وفي معلومات الحرك أن العشب بات أعلى من القرميد في مركز تيار المستقبل في المدينة، و«المركز الصحي كان مجرد إشاعة انتخابية». أما مدرسة تنورين الفوقا التي سجّل الحريري في الدوائر الحكومية تبرّعه بجميع تكاليفها فلا أثر لها بعد، والاتصال برئيس بلدية تنورين منير وديع طربيه لسؤاله عنها متعذر، لأن «الريس» لا يردّ على هاتفه الخلوي.
بين البترون وطرابلس، فوق تلة توازي في العلو عن سطح البحر تلال مار أنطونيوس ومار جرجس ومار عبدا، ثمة حجر منسيّ يعرف بـ«مستشفى رفيق الحريري الجامعي» في جامعة البلمند. لم يُبنَ طابق واحد بعد من الطوابق السبعة التي وعد الحريري بها، ولم يُفرش سرير من أسرّة المستشفى المئتين. أما في طرابلس، فلا يزال البحث جارياً عن الحجر الأساس الذي لم يزر مسؤول سياسي المدينة من دون أن يبلّ يديه فيه. فقبل الرئيس سعد الحريري، وعد والده الرئيس رفيق الحريري الشماليين بتوفير الهبات لإنشاء المجمع الجامعي، وبينهما الرئيس إميل لحود، وبعدهما الرئيس ميشال سليمان... رغم ذلك كله، لم تقم للمجمّع قيامة بعد. حاله في ذلك حال جامعة المنية التي حرص الرئيس السنيورة في 21 حزيران 2009 على وضع الحجر الأساس لها بنفسه وسط حشد تجاوز عدد الشخصيات الرسمية فيه مئتي شخصية.
أما في طرابلس، فيمكن اكتشاف عشرات المراسيم الحكومية التي تقضي بقبول هبات حريرية لمشاريع من نوعية الـ«حبر على ورق». في منطقة محرم، الحدادين العقارية، من العبث السؤال عن العقارات التي اشتراها الحريري ونقل ملكيتها إلى وزارة التربية ليشيد عليها المدرسة المنتظرة كما ينص المرسوم رقم 1125 (18 آذار 2008). وفي حال وُفّق الباحث في العثور على إحدى مدارس «المكرمات» الحريرية، فسيكتشف أنه ليس لرئيس الحكومة السابق علاقة بتمويل إنشائها... على ذمّة التقارير الدورية لمجلس الإنماء والإعمار. ففيما تنسب الدعاية الحريرية إلى الرئيس المهجّر فضل تجهيز المعهد الفندقي في الميناء بكلفة 800 ألف دولار ومدرسة أبي سمراء الفنية العالية ومهنية البداوي وغيرها، تؤكد تقارير المجلس أن تمويل هذه المشاريع بالكامل تم على نفقة صندوق التمويل العربي، حالها حال مهنية البترون التي موّل الصندوق ــــ لا الحريري ــــ كلفة إنشائها. أما مدرستا بزيزا ودوما فتكفّلت المملكة العربية السعودية ــــ لا الحريري أيضاً ــــ بتمويل تجهيزهما، فيما بنيت مدرسة بخعون الرسمية بتمويل من الصندوق السعودي للتنمية بلغت قيمته 1.195.721 دولاراً... ومرة أخرى لم تكن لرئيس تيار المستقبل علاقة بالأمر. وبالبحث، يتبيّن أن لا تمويل حريرياً مثبتاً إلا في إنشاء مدرسة النبي يوشع الرسمية في المنية بقيمة 982.613 دولاراً، إضافة الى تجهيزها بقيمة280 ألف دولار. وفي المنية أيضاً، لا تكف الدعاية الحريرية عن الاتجار بـ«المستشفى»، فيما تشير جداول مجلس الإنمار والإعمار إلى أن الهلال الأحمر الكويتي موّل إنشاء المستشفى وتجهيزه بكلفة6.500.000 دولار.
بالوصول إلى عكار يظهر الأخطر في القضية. ففي المرسوم الحكومي 1121 بتاريخ 18 آذار، وافق مجلس الوزراء على «الهبة المقدمة من النائب سعد الحريري لصالح الدولة اللبنانية بإنشاء مدارس رسمية (...)، في البلدات التالية: رحبة، السنديانة، عكار العتيقة، زوق الحصنية، القرقف، تكريت، تل عباس الغربي، البيرة، برقايل والمجدل»، فيما يؤكّد مجلس الإنماء والإعمار أن مدرستي تكريت والسنديانة مُوّلتا بهبة سعودية، وليس مفهوماً، بالتالي، لماذا سُجّلتا رسمياً على لائحة «المكرمات» الحريرية.
بدوره، يروي رئيس بلدية زوق الحصنية محمد أحمد السيّد عن تبرعه وبعض وجهاء قريته بكلفة طريق يوصل المقاولين إلى الأرض التي خصّصتها وزارة التربية لإنشاء مدرسة حريرية. هنا صدقت الوعود الحريرية، فالمدرسة شُيّدت بالفعل، لكن المقاول رفض تسليمها الى وزارة التربية قبل تسديد الحريري الفاتورة المستحقة عليه. والأمر نفسه حصل أيضاً في البيرة. وفي مقابل إبصار مدرستي برقايل ورحبة النور من مال الحريري رغم رئاسة مدير مؤسسة الرئيس عصام فارس سجيع عطية مجلس بلدية رحبة، لم يصل أبناء بلدة تل بيرة السهلية بعد خبر إنشاء الحريري مدرسة في بلدتهم. ويقول رئيس البلدية عبد الحميد سقر إن مهندسين «من عند الحريري زارونا قبل 3 سنوات، متحدثين عن مكرمة سموّه لكنها لم تصلنا بعد». وبحدة يتابع: «لا ننتظر عودتهم ولا نريد شيئاً منهم. فليكفّوا فقط شرّهم عنّا».
المصدر :
الاخبار/غسان سعود
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة