دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
«ليس بذي لبّ من طلب الإنصاف من غيره لنفسه،
ولم ينصف من نفسه غيره»
العارف ذو النون المصري
في ذكرى مرور ثلاثين سنة على مجزرة صبرا وشاتيلا، لا يسع الضمير، أي ضمير، مسيحياً كان أم إسلامياً، ان يتجاهل ذلك الظلم الذي حل بمئات الضحايا العزّل في المخيم الفلسطيني في بيروت التي حج إليها البابا بنديكتوس السادس عشر غداة المجزرة التي ارتُكبت فيها في 15 أيلول 1982 حاملاً إلى اللبنانيين والعرب رسالة سلام وشراكة وطمأنينة بعيداً من الخوف والمذلّة، كما ورد في الإرشاد الرسولي «شركة وشهادة» الذي وجهه إلى مسيحيي الشرق الأوسط. وحبذا لو كان في دائرة البابا من لفته إلى ان الأرض التي «اختارها الله»، وسار عليها الأنبياء، قد تعرض شعب فيها لظلم كبير بفعل ما وصفه في الإرشاد بـ«العمى البشري»، وان هذا الشعب قد تعرض للقتل والتهجير، كما احتُلت أرضه وجرى تغيير معالمها بالقوة، وأن أهل هذه الأرض كانوا في حاجة إلى رفة عين من البابا علّها توقظ ضمير اللبنانيين الذين شاركوا في تلك المقتلة التي لم توفّر الشيوخ والنساء والأطفال، وتدفعهم إلى الندم والتوبة على ما ارتكبته أيديهم، مما يقي المسيحيين ويلات التعصّب والاضطهاد، ويؤهّلهم لتقاسم الحياة مع المسلمين، فيعيشون بطمأنينة وسلام. ذلك ان الذين ارتكبوا هذه المجزرة قبل ثلاثين سنة، برعاية الجيش الإسرائيلي الذي غزا لبنان في حزيران 1982، لا يجوز ان ينجوا بفعلتهم.
لقد جاء البابا ليعرض على مسيحيي الشرق الأوسط، والأصح على العرب المسيحيين، نوعاً من الشراكة المفتقدة إلى الآن بين المسيحيين من جهة، وبين هؤلاء ومواطنيهم المسلمين من جهة أخرى، ما جعل فكرة «تقاسم الحياة» أمراً شبه مستحيل في ظل الهيمنة الغربية على المنطقة، وعدم التردد في التضحية بالمسيحيين من أجل وجود دولة إسرائيل التي اغتصبت في فلسطين، مهد المسيحية، حقوق أهلها المسيحيين والمسلمين، وشرّدت الملايين منهم، كما حللت قتلهم وذبحهم حتى إبادتهم. والشاهد على ذلك مذبحة صبرا وشاتيلا التي تلطخت بها أيدي مسيحيين، الأمر الذي يخالف تعاليم المسيحي وإرشادات روما.
والصحوة المسيحية المطلوبة، والتي يبقى الإرشاد الرسولي الثاني حبراً على ورق في حال عدم تحققها، هي إدراك الهوية العربية الجامعة للمسيحيين والمسلمين، هذه الهوية التي قال الإرشاد إن المسيحيين هم شركاء في صنعها للمنطقة كلها.
وهذه الهوية العربية تجعل المسيحيين متقدمين في الوعي الوطني على المسلمين الذين يجاهرون بأنهم مسلمون عرب، بينما المسيحيون هم في الواقع عرب مسيحيون، ووجودهم في المنطقة العربية، وليس في الشرق الأوسط فحسب، أصيل ومتجذّر، وليس وجوداً عارضاً، كما انهم سابقون للإسلام بقرون.
ان المسيحيين عرب قبل ان يكونوا مسيحيين. وهم لا يستطيعون أن ينكروا أصلهم ولا «عروبتهم لغة، وعرقاً، وتراثاً، وتاريخا»، على ما ذكر المؤرخ كمال الصليبي في كتابه «بيت بمنازل كثيرة»، معتبراً ان الهوية اللبنانية وحدها لا تكفي، وكذلك الهوية الدينية لأنها نوع من «الخصوصية العشائرية».
واننا لا نعجب، في غياب الوعي المسيحي للهوية الوطنية أو القومية، ونعني بها العربية التي أغناها مفكروهم وكتّابهم قبل الإسلام وبعده، ألا تحظى مجزرة صبرا وشاتيلا باهتمام من مسيحيي لبنان وكنائسهم، وهم الذين كان عليهم ان يسعوا إلى محو هذا العار من تاريخهم، والتكفير عنه وإن بقداس وجناز على أرواح الضحايا، ما يشكل مشاركة بالروح في الألم.
ومع ان الرئيس ميشال سليمان، أثار مشكوراً، أمام البابا في الاستقبال الذي نُظّم له في بعبدا الأحد الماضي، قضية فلسطين، داعياً إلى «فرض حل عادل وشامل لكل أوجه الصراع العربي ـ الإسرائيلي ولقضية فلسطين (...) ما يحول دون تكريس أي أمر واقع يهدف إلى إقامة المستوطنات غير الشرعية وتهويد القدس وتكريس الاحتلال»، إلا أن الشراكة التي دعا البابا المسيحيين إلى تكريسها شهادة مع المسلمين، وكان سبقه إليها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، كانت تقتضي التعبير عنها بإشراك الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي في مخاطبة البابا بدلاً من جعلهما تلويناً للمشهد الاستعراضي الذي شابه الكثير من الشخصانية سواء في الخطب المطولة أو في تركيبة المدعوين، فضلاً عن الوجاهات.
ذلك ان المسلمين العرب يشعرون بأنهم أخوة مع بقية المسلمين عن طريق الدين، في حين ان المسيحيين العرب يشعرون بالمساواة مع المسلمين العرب عن طريق الانتماء الواحد إلى العروبة.
لقد كانت فرصة، وضاعت!
«ليس بذي لبّ من طلب الإنصاف من غيره لنفسه،
ولم ينصف من نفسه غيره»
العارف ذو النون المصري
في ذكرى مرور ثلاثين سنة على مجزرة صبرا وشاتيلا، لا يسع الضمير، أي ضمير، مسيحياً كان أم إسلامياً، ان يتجاهل ذلك الظلم الذي حل بمئات الضحايا العزّل في المخيم الفلسطيني في بيروت التي حج إليها البابا بنديكتوس السادس عشر غداة المجزرة التي ارتُكبت فيها في 15 أيلول 1982 حاملاً إلى اللبنانيين والعرب رسالة سلام وشراكة وطمأنينة بعيداً من الخوف والمذلّة، كما ورد في الإرشاد الرسولي «شركة وشهادة» الذي وجهه إلى مسيحيي الشرق الأوسط. وحبذا لو كان في دائرة البابا من لفته إلى ان الأرض التي «اختارها الله»، وسار عليها الأنبياء، قد تعرض شعب فيها لظلم كبير بفعل ما وصفه في الإرشاد بـ«العمى البشري»، وان هذا الشعب قد تعرض للقتل والتهجير، كما احتُلت أرضه وجرى تغيير معالمها بالقوة، وأن أهل هذه الأرض كانوا في حاجة إلى رفة عين من البابا علّها توقظ ضمير اللبنانيين الذين شاركوا في تلك المقتلة التي لم توفّر الشيوخ والنساء والأطفال، وتدفعهم إلى الندم والتوبة على ما ارتكبته أيديهم، مما يقي المسيحيين ويلات التعصّب والاضطهاد، ويؤهّلهم لتقاسم الحياة مع المسلمين، فيعيشون بطمأنينة وسلام. ذلك ان الذين ارتكبوا هذه المجزرة قبل ثلاثين سنة، برعاية الجيش الإسرائيلي الذي غزا لبنان في حزيران 1982، لا يجوز ان ينجوا بفعلتهم.
لقد جاء البابا ليعرض على مسيحيي الشرق الأوسط، والأصح على العرب المسيحيين، نوعاً من الشراكة المفتقدة إلى الآن بين المسيحيين من جهة، وبين هؤلاء ومواطنيهم المسلمين من جهة أخرى، ما جعل فكرة «تقاسم الحياة» أمراً شبه مستحيل في ظل الهيمنة الغربية على المنطقة، وعدم التردد في التضحية بالمسيحيين من أجل وجود دولة إسرائيل التي اغتصبت في فلسطين، مهد المسيحية، حقوق أهلها المسيحيين والمسلمين، وشرّدت الملايين منهم، كما حللت قتلهم وذبحهم حتى إبادتهم. والشاهد على ذلك مذبحة صبرا وشاتيلا التي تلطخت بها أيدي مسيحيين، الأمر الذي يخالف تعاليم المسيحي وإرشادات روما.
والصحوة المسيحية المطلوبة، والتي يبقى الإرشاد الرسولي الثاني حبراً على ورق في حال عدم تحققها، هي إدراك الهوية العربية الجامعة للمسيحيين والمسلمين، هذه الهوية التي قال الإرشاد إن المسيحيين هم شركاء في صنعها للمنطقة كلها.
وهذه الهوية العربية تجعل المسيحيين متقدمين في الوعي الوطني على المسلمين الذين يجاهرون بأنهم مسلمون عرب، بينما المسيحيون هم في الواقع عرب مسيحيون، ووجودهم في المنطقة العربية، وليس في الشرق الأوسط فحسب، أصيل ومتجذّر، وليس وجوداً عارضاً، كما انهم سابقون للإسلام بقرون.
ان المسيحيين عرب قبل ان يكونوا مسيحيين. وهم لا يستطيعون أن ينكروا أصلهم ولا «عروبتهم لغة، وعرقاً، وتراثاً، وتاريخا»، على ما ذكر المؤرخ كمال الصليبي في كتابه «بيت بمنازل كثيرة»، معتبراً ان الهوية اللبنانية وحدها لا تكفي، وكذلك الهوية الدينية لأنها نوع من «الخصوصية العشائرية».
واننا لا نعجب، في غياب الوعي المسيحي للهوية الوطنية أو القومية، ونعني بها العربية التي أغناها مفكروهم وكتّابهم قبل الإسلام وبعده، ألا تحظى مجزرة صبرا وشاتيلا باهتمام من مسيحيي لبنان وكنائسهم، وهم الذين كان عليهم ان يسعوا إلى محو هذا العار من تاريخهم، والتكفير عنه وإن بقداس وجناز على أرواح الضحايا، ما يشكل مشاركة بالروح في الألم.
ومع ان الرئيس ميشال سليمان، أثار مشكوراً، أمام البابا في الاستقبال الذي نُظّم له في بعبدا الأحد الماضي، قضية فلسطين، داعياً إلى «فرض حل عادل وشامل لكل أوجه الصراع العربي ـ الإسرائيلي ولقضية فلسطين (...) ما يحول دون تكريس أي أمر واقع يهدف إلى إقامة المستوطنات غير الشرعية وتهويد القدس وتكريس الاحتلال»، إلا أن الشراكة التي دعا البابا المسيحيين إلى تكريسها شهادة مع المسلمين، وكان سبقه إليها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، كانت تقتضي التعبير عنها بإشراك الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي في مخاطبة البابا بدلاً من جعلهما تلويناً للمشهد الاستعراضي الذي شابه الكثير من الشخصانية سواء في الخطب المطولة أو في تركيبة المدعوين، فضلاً عن الوجاهات.
ذلك ان المسلمين العرب يشعرون بأنهم أخوة مع بقية المسلمين عن طريق الدين، في حين ان المسيحيين العرب يشعرون بالمساواة مع المسلمين العرب عن طريق الانتماء الواحد إلى العروبة.
لقد كانت فرصة، وضاعت!
المصدر :
السفير /ادمون صعب
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة