القراءة والتقدير الإسرائيليين لخطط دفاع المقاومة في عام 2006، ثبت عقمهما، وأدّيا إلى فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق مهمة سحق حزب الله. هل استخلصت إسرائيل، في عام 2012، عِبَر الحرب الماضية، وباتت أكثر قدرة على قراءة وتقدير خطط حزب الله الدفاعية؟ سؤال يبقى بانتظار الاختبار العملي، والمفاجآت التي يعد بها حزب الله.

كيف يستعد حزب الله للحرب المقبلة؟ هو السؤال الذي حاول القائد السابق لوحدة الهندسة للمهمات الخاصة في الجيش الاسرائيلي، عاتي شيلح، الإجابة عنه، في العدد الاخير لمجلة "إسرائيل ديفنس" العبرية، المتخصصة في الشؤون العسكرية والامنية.

وأشار الكاتب إلى أن حزب الله، بعد مرور أكثر من ست سنوات على حرب عام 2006، أجرى تغييراً عميقاً في انتشاره الميداني. وهذا التغيير يأتي على خلفية "النظرية القتالية الخاصة بالحزب"، التي تتركز على فهم ما يراه "نقاط ضعف العدو"، وبمصطلحات مهنية: فإن "التصور الهندسي الجديد لحزب الله يندمج في النظرية القتالية المحدثة الشاملة، التي بلورها في أعقاب الحرب".

ويقدّر حزب الله، بحسب الكاتب، أن الجيش الإسرائيلي سيعمد إلى شن مناورة برية سريعة وواسعة النطاق، خلافاً لما حصل عام 2006. وهذا التقدير أدى بدوره، من جهة حزب الله، إلى تغييرين أساسيين في عقيدته القتالية: الانتقال من المناطق المفتوحة، بما في ذلك الخنادق التحت أرضية، إلى داخل القرى والمناطق الحضرية، وفي موازاة ذلك، بناء عدد من خطوط الدفاع، ابتداءً من الخط الحدودي مع إسرائيل، وصولاً إلى المناطق التي تضم قوات حزب الله الكبيرة، في داخل العمق اللبناني.

ويريد حزب الله، بحسب الخبير الاسرائيلي، أن يستنزف إسرائيل عن طريق "الدم والاقتصاد"، أي الحفاظ على قدرات إطلاق صاروخية باتجاه العمق الإسرائيلي، وجباية أثمان بشرية واقتصادية من إسرائيل. ومن أجل تحقيق ذلك، يعمل حزب الله على حماية مراكز إطلاق الصواريخ من أي هجمات. من هنا، يأتي قراره بالانتقال إلى القرى والمدن، التي تتيح له الاحتفاظ بمواقع إطلاق الصواريخ، بشكل أفضل من الماضي.

وأكد الكاتب وجود أربعة خطوط دفاع أنشأها حزب الله في أعقاب حرب عام 2006، وتهدف إلى الحفاظ على مقومات حزب الله الرئيسية، وهي بحسب الكاتب:

الخط الأول، في محاذاة الحدود الدولية، ويستخدم بشكل رئيسي لجمع المعلومات الاستخبارية من داخل القرى. وليست مهمته صد قوات الجيش الإسرائيلي.

الخط الثاني، معني بحماية المساحات حول القرى التي توجد داخلها المراكز القيادية ومنصات إطلاق الصواريخ. ويتضمن هذا الخط عوائق هندسية على محاور التنقل، وفي تخوم القرى التي تخضع لسيطرة الصواريخ ضد الدروع، ونيران القناصة وتشكيلات تحت أرضية، مهمتها القتال والسيطرة والتحكم وتوفير القدرة على نقل القوات.

ويوجد الخط الثالث في محاذاة كل قرية أو مدينة أو منشأة من أي نوع، والهدف منه حماية المنشآت نفسها، مع تغيير في وسائل الحماية، تبعاً للهدف المحمي، ولنوعية التهديد.

أما الخط الرابع، فهو أحد التغييرات الرئيسية على النظرية القتالية الخاصة بالحزب: وهو مساحة قتال تم إنشاءها شمالي نهر الليطاني، وغايتها تأمين حماية للصواريخ البعيدة المدى، كما أن مهمة هذا الخط هي مواجهة خيار الالتفاف العرضي للجيش الإسرائيلي، سواء عبر البحر أو الجو، وكذلك دعم خطوط الدفاع الأمامية، مشيراً إلى أن السيطرة على خطوط الدفاع والانتقال من المساحات المفتوحة إلى المناطق المبنية، يتيحا لحزب الله مواءمة العوائق الهندسية بشكل أفضل مما حصل في الحرب السابقة. وفي كل خط ومساحة تماس، وضع حزب الله وسائل دفاعية خاضعة للسيطرة النارية والبصرية، وفي بعضها، خصوصاً في محاور التنقل، تم زرع عبوات وألغام يجري تشغيلها بواسطة منظومات متطورة موجودة في نقاط الرصد. وهذا هو أسلوب القتال العصاباتي الذي تبنّاه حزب الله، ويمثّل تحدياً كبيراً للجيش الإسرائيلي أثناء محاولته الحفاظ على محاور تنقل "نظيفة".

وعن انتقال تشكيلات حزب الله إلى المناطق المدينية، يرى الكاتب أن هذا الانتقال يؤمن لحزب الله وسائل دفاعية كثيرة، والاستفادة من مزايا المساحات القروية والمدنية، فوق سطح الأرض، مشيراً إلى أن التهديد الهندسي الذي تطور من جهة حزب الله، يركز على إيجاد مساحات مشبعة بالعبوات داخل المناطق المبنية، وخصوصاً تحت محاور التنقل، الأمر الذي يدفع القوات الإسرائيلية المهاجمة إلى التحرك في محاور مرصودة ومشغولة سلفاً، ومزروعة عبوات وألغاماً يجري تشغيلها من داخل المباني، عن طريق منظومات تشغيل متطورة.

وأكد الكاتب أن التشكيلات التحت أرضية الموجودة في المناطق المبنية، موجودة أيضاً في الأراضي الحرجية، وجرت إحاطتها بعبوات متطورة، كما جرى أيضاً تفخيخ مداخلها، وهو جزء أساسي في التكتيك الدفاعي المعتمد من قبل حزب الله، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً من الأبنية خصّص فقط من أجل استخدامه كفخاخ لاستدراج القوات الاسرائيلية وضربها، كما أن عدداً من الابنية الاخرى جرى تخصيصها للتمويه على مداخل الأنفاق والتشكيلات التحت أرضية لحزب الله، مشيراً إلى أن "الكثير من العوائق في الاراضي المفتوحة والجبلية، وضعت أساساً في أماكن ومعابر ضرورية لعبور القوات الاسرائيلية، كما في معابر أخرى، يصعب الالتفاف عليها". وأكد أن "هذه النقاط باتت مشبعة بالعوائق والالغام والعبوات"، أما لجهة محاور التنقل، وخصوصاً في مساحة الدفاع الثانية، "فتحظى في خطة الانتشار الجديدة لحزب الله برقابة وإدارة يقظة، لا تقارن مع ما كان الأمر عليه في عام 2006".

إلى ذلك، أجرى الجيش الاسرائيلي "تدريباً مفاجئاً" في الجولان، لم يُعلن مسبقاً، شمل نقل قوات جواً إلى الهضبة السورية المحتلة. وفي بيان صادر عن الناطق العسكري الاسرائيلي، فإن رئيس أركان الجيش، بني غانتس، أمر ببدء التدريب "من أجل فحص مستوى جهوزية الوحدات العسكرية في قيادتي الجبهة الشمالية والوسطى وفي سلاح الجو ووحدات أخرى". ووفقاً للجيش الإسرائيلي، فإنه "تمّ التخطيط لهذا التدريب منذ فترة، وأن إجراءه اليوم (أمس) لا ينطوي على استنفار في الجيش الإسرائيلي". ويشمل التدريب نقل قوات من قيادة الجبهة الوسطى إلى هضبة الجولان بواسطة مروحيات، والتدرب على إطلاق نيران حية.

 

  • فريق ماسة
  • 2012-09-19
  • 9088
  • من الأرشيف

كيف سيواجه حزب الله التوغّل البري الإسرائيلي؟

القراءة والتقدير الإسرائيليين لخطط دفاع المقاومة في عام 2006، ثبت عقمهما، وأدّيا إلى فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق مهمة سحق حزب الله. هل استخلصت إسرائيل، في عام 2012، عِبَر الحرب الماضية، وباتت أكثر قدرة على قراءة وتقدير خطط حزب الله الدفاعية؟ سؤال يبقى بانتظار الاختبار العملي، والمفاجآت التي يعد بها حزب الله. كيف يستعد حزب الله للحرب المقبلة؟ هو السؤال الذي حاول القائد السابق لوحدة الهندسة للمهمات الخاصة في الجيش الاسرائيلي، عاتي شيلح، الإجابة عنه، في العدد الاخير لمجلة "إسرائيل ديفنس" العبرية، المتخصصة في الشؤون العسكرية والامنية. وأشار الكاتب إلى أن حزب الله، بعد مرور أكثر من ست سنوات على حرب عام 2006، أجرى تغييراً عميقاً في انتشاره الميداني. وهذا التغيير يأتي على خلفية "النظرية القتالية الخاصة بالحزب"، التي تتركز على فهم ما يراه "نقاط ضعف العدو"، وبمصطلحات مهنية: فإن "التصور الهندسي الجديد لحزب الله يندمج في النظرية القتالية المحدثة الشاملة، التي بلورها في أعقاب الحرب". ويقدّر حزب الله، بحسب الكاتب، أن الجيش الإسرائيلي سيعمد إلى شن مناورة برية سريعة وواسعة النطاق، خلافاً لما حصل عام 2006. وهذا التقدير أدى بدوره، من جهة حزب الله، إلى تغييرين أساسيين في عقيدته القتالية: الانتقال من المناطق المفتوحة، بما في ذلك الخنادق التحت أرضية، إلى داخل القرى والمناطق الحضرية، وفي موازاة ذلك، بناء عدد من خطوط الدفاع، ابتداءً من الخط الحدودي مع إسرائيل، وصولاً إلى المناطق التي تضم قوات حزب الله الكبيرة، في داخل العمق اللبناني. ويريد حزب الله، بحسب الخبير الاسرائيلي، أن يستنزف إسرائيل عن طريق "الدم والاقتصاد"، أي الحفاظ على قدرات إطلاق صاروخية باتجاه العمق الإسرائيلي، وجباية أثمان بشرية واقتصادية من إسرائيل. ومن أجل تحقيق ذلك، يعمل حزب الله على حماية مراكز إطلاق الصواريخ من أي هجمات. من هنا، يأتي قراره بالانتقال إلى القرى والمدن، التي تتيح له الاحتفاظ بمواقع إطلاق الصواريخ، بشكل أفضل من الماضي. وأكد الكاتب وجود أربعة خطوط دفاع أنشأها حزب الله في أعقاب حرب عام 2006، وتهدف إلى الحفاظ على مقومات حزب الله الرئيسية، وهي بحسب الكاتب: الخط الأول، في محاذاة الحدود الدولية، ويستخدم بشكل رئيسي لجمع المعلومات الاستخبارية من داخل القرى. وليست مهمته صد قوات الجيش الإسرائيلي. الخط الثاني، معني بحماية المساحات حول القرى التي توجد داخلها المراكز القيادية ومنصات إطلاق الصواريخ. ويتضمن هذا الخط عوائق هندسية على محاور التنقل، وفي تخوم القرى التي تخضع لسيطرة الصواريخ ضد الدروع، ونيران القناصة وتشكيلات تحت أرضية، مهمتها القتال والسيطرة والتحكم وتوفير القدرة على نقل القوات. ويوجد الخط الثالث في محاذاة كل قرية أو مدينة أو منشأة من أي نوع، والهدف منه حماية المنشآت نفسها، مع تغيير في وسائل الحماية، تبعاً للهدف المحمي، ولنوعية التهديد. أما الخط الرابع، فهو أحد التغييرات الرئيسية على النظرية القتالية الخاصة بالحزب: وهو مساحة قتال تم إنشاءها شمالي نهر الليطاني، وغايتها تأمين حماية للصواريخ البعيدة المدى، كما أن مهمة هذا الخط هي مواجهة خيار الالتفاف العرضي للجيش الإسرائيلي، سواء عبر البحر أو الجو، وكذلك دعم خطوط الدفاع الأمامية، مشيراً إلى أن السيطرة على خطوط الدفاع والانتقال من المساحات المفتوحة إلى المناطق المبنية، يتيحا لحزب الله مواءمة العوائق الهندسية بشكل أفضل مما حصل في الحرب السابقة. وفي كل خط ومساحة تماس، وضع حزب الله وسائل دفاعية خاضعة للسيطرة النارية والبصرية، وفي بعضها، خصوصاً في محاور التنقل، تم زرع عبوات وألغام يجري تشغيلها بواسطة منظومات متطورة موجودة في نقاط الرصد. وهذا هو أسلوب القتال العصاباتي الذي تبنّاه حزب الله، ويمثّل تحدياً كبيراً للجيش الإسرائيلي أثناء محاولته الحفاظ على محاور تنقل "نظيفة". وعن انتقال تشكيلات حزب الله إلى المناطق المدينية، يرى الكاتب أن هذا الانتقال يؤمن لحزب الله وسائل دفاعية كثيرة، والاستفادة من مزايا المساحات القروية والمدنية، فوق سطح الأرض، مشيراً إلى أن التهديد الهندسي الذي تطور من جهة حزب الله، يركز على إيجاد مساحات مشبعة بالعبوات داخل المناطق المبنية، وخصوصاً تحت محاور التنقل، الأمر الذي يدفع القوات الإسرائيلية المهاجمة إلى التحرك في محاور مرصودة ومشغولة سلفاً، ومزروعة عبوات وألغاماً يجري تشغيلها من داخل المباني، عن طريق منظومات تشغيل متطورة. وأكد الكاتب أن التشكيلات التحت أرضية الموجودة في المناطق المبنية، موجودة أيضاً في الأراضي الحرجية، وجرت إحاطتها بعبوات متطورة، كما جرى أيضاً تفخيخ مداخلها، وهو جزء أساسي في التكتيك الدفاعي المعتمد من قبل حزب الله، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً من الأبنية خصّص فقط من أجل استخدامه كفخاخ لاستدراج القوات الاسرائيلية وضربها، كما أن عدداً من الابنية الاخرى جرى تخصيصها للتمويه على مداخل الأنفاق والتشكيلات التحت أرضية لحزب الله، مشيراً إلى أن "الكثير من العوائق في الاراضي المفتوحة والجبلية، وضعت أساساً في أماكن ومعابر ضرورية لعبور القوات الاسرائيلية، كما في معابر أخرى، يصعب الالتفاف عليها". وأكد أن "هذه النقاط باتت مشبعة بالعوائق والالغام والعبوات"، أما لجهة محاور التنقل، وخصوصاً في مساحة الدفاع الثانية، "فتحظى في خطة الانتشار الجديدة لحزب الله برقابة وإدارة يقظة، لا تقارن مع ما كان الأمر عليه في عام 2006". إلى ذلك، أجرى الجيش الاسرائيلي "تدريباً مفاجئاً" في الجولان، لم يُعلن مسبقاً، شمل نقل قوات جواً إلى الهضبة السورية المحتلة. وفي بيان صادر عن الناطق العسكري الاسرائيلي، فإن رئيس أركان الجيش، بني غانتس، أمر ببدء التدريب "من أجل فحص مستوى جهوزية الوحدات العسكرية في قيادتي الجبهة الشمالية والوسطى وفي سلاح الجو ووحدات أخرى". ووفقاً للجيش الإسرائيلي، فإنه "تمّ التخطيط لهذا التدريب منذ فترة، وأن إجراءه اليوم (أمس) لا ينطوي على استنفار في الجيش الإسرائيلي". ويشمل التدريب نقل قوات من قيادة الجبهة الوسطى إلى هضبة الجولان بواسطة مروحيات، والتدرب على إطلاق نيران حية.  

المصدر : الاخبار/ يحيى دبوق


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة