يعطي الانتماء القومي للأخضر الإبراهيمي وخبرته الدبلوماسية نوعاً من الطمأنينة، لعدم انخراطه في مشروع تدمير سورية، والخضوع للضغوط، كما هو حال أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي. فالأخضر الإبراهيمي هو ابن الجزائر؛ المذبوحة بالسكين الفرنسية التي قتلت مليون شهيد جزائري، والذين لم تجف دماؤهم بعد، ولا بد أن تكون ذاكرته حية، حتى لا ينخدع بالشعارات الفرنسية والأميركية والبريطانية بأنهم مع حرية الشعوب، وهم الذين تشهد أفعالهم على موقفهم الحقيقي وأهدافهم الاستعمارية.

الأخضر الإبراهيمي ليس كالمستأجَرة دبلوماسياً لتندب وتتباكى على الدم السوري، فواجب الإبراهيمي العربي والنضالي أن يكون "الثكلى" التي ترى دماء أشقائها وبني أمتها تجري في سورية بتحريض وفعل خارجييْن أشعلا المحرقة السورية، كما أشعلا محرقة لبنان عام1975، وكما أشعلا محرقة العراق في2003، وكما أشعلا المحرقة الفلسطينية التي ما زالت مشتعلة منذ عام1948.

مهمة الإبراهيمي ليست سهلة وليست مستحيلة، صعوبتها تكمن أن رعاة الإرهاب والفتن الطائفية والمذهبية بقيادة أميركية لم يقرروا بعد ضرورة وقف الدعم والتسليح للمعارضات السورية المسلحة، ولم يقتنعوا بعد بفشل مشروعهم التقسيمي المسمى "مشروع الشرق الأوسط الجديد"، ولذا فقد أفشلوا مهمة الجامعة العربية برئاسة مصطفى الدابي، لأنه رفض تزوير الحقائق، ولم يقايض أو يبع مبادءه، وأفشلوا مهمة كوفي أنان، لأنهم كانوا يراهنون على قدرة المعارضات على إسقاط النظام، بناء على ما قدموه لها من دعم سياسي وعسكري ومالي، عبر الدول المجاورة، والفتاوى الجاهزة من "وعّاظ" الملوك والأمراء.

لكنهم رضوا بإعادة تعيين مبعوث جديد كورقة احتياطية يلجأون إليها في حال فشلهم الكامل في الساحة العربية عبر الأمم المتحدة، للحفاظ على بعض مكاسبهم، وتحقيق بعض أهدافهم، "بتلقيح" النظام ببعض المعارضة، ورعايتها،علها تستطيع بعد سنوات قليلة الانقلاب على النظام من الداخل، وتفكيك ثلاثية الصمود السوري المؤسساتية (الجيش والاقتصاد والدبلوماسية)، والتي يحتضنها إطار شعبي لا يزال مع النظام، لأن ما عاناه الناس خلال الأشهر الماضية مع ما يسمى المعارضات المسلحة من سلفيين وجهاديين وعلمانيين وإخوان مسلمين وتكفيريين أجانب وعرب لم تكن مشجعة، بل كانت قاسية ومريرة، حيث غطت على عيوب النظام وممارساته، وأظهرته بشكل أفضل من المستقبل القادم، فتمسك الشعب به، ورأى فيه قارب النجاة لسورية وشعبها من البرابرة الجدد المتدثرين بعباءات إسلامية ذات صناعة أميركية، وبمعارضة أعلنت حاجتها لـ"إسرائيل"، وبقيادة تركية مخادعة، والأسوأ من ذلك والمثير للضحك أن الملوك والأمراء يدعمون التعددية السياسية وتداول السلطة.

إن مهمة الإبراهيمي رهينة نتائج المعارك الميدانية من جهة، وبانتظار الانتخابات الأميركية القادمة، فالميدان سيحدد سقوف المعارضة والنظام على طاولة الحوار، ويحدد أوراق القوة بيد كل منهما، مع مفارقة أساسية؛ أن أوراق النظام ستكون لصالح الوطن والشعب، وأوراق المعارضين لصالح رعاتهم وأولياء أمورهم؛ من أميركا وتركيا وعرب الخليج، لأنهم أدوات ميدانية وبربارات سياسية للذئاب الأميركية والعربية، ومن سيسيطر على الميدان سيكون الأكثر قوة في الحوار، والأكثر قدرة على المناورة والتحكم بالتنازلات، أو فرض الشروط.

أما الانتخابات الأميركية فإنها أساس في مهمة الإبراهيمي، لأن الإدارة الروسية تنتظر من سيحكم أميركا في الأشهر المقبلة حتى يمكنها التفاوض معه، فإن عاد أوباما، فستكون إمكانية التفاوض معه حول سورية وبعض الملفات الإقليمية والدولية ممكنة، لأن أوباما يتمتع بحرية أكبر في ولايته الثانية والأخيرة، وكذلك فإنه سيستكمل استراتيجيته السابقة بإطفاء بؤر الاستنزاف الأميركية خارج الحدود، لإعادة التقاط الأنفاس اقتصادياً وعسكرياً، خصوصاً بعد التقدم الذي أحرزته روسيا والصين على المستوى الدولي والإقليمي، لأن تعنت الأميركيين في مواقفهم وفق أُحادية القرار، ستزيد من خساراتهم التي بدأت منذ انسحابهم من العراق، والفشل في ترويض إيران أو ضربها عسكرياً، وفشلهم حتى الآن بإسقاط النظام في سورية، وبداية اهتزاز الأنظمة الحليفة لها في تركيا أو السعودية أو قطر، مما سيدفع الأميركي إلى الجلوس على طاولة المفاوضات لحماية ما تبقى من مصالحه، ولتأكيد الشراكة في إعادة رسم المنطقة، قبل أن يستيقظوا هاربين، كما حدث في فيتنام، أومستنزفين في أفغانستان منذ عقد من الزمن.

ستبقى الأحداث الدموية في سورية مستمرة بفعل خارجي، بعيداً عن إرادة الشعب السوري المصادرة خياراته ورغباته عبر كتائب "المارينز التكفيري" الذي صنعته أميركا منذ السبعينات مع بداية الغزو السوفياتي لأفغانستان، وعلى النظام والشعب السوري التصدي له مهما كانت الأثمان، وعلى كل الوطنيين والقوميين والإسلاميين غير المصنّعين أميركياً مساندة سورية، لأن المعركة في سورية هي معركة الأمة وفلسطين على الساحة السورية، كما كانت المقاومة في لبنان، التي كانت تخوض حربها ضد "إسرائيل" نيابة عن الأمة جمعاء.

إنما النصر صبر ساعة، فلنصبر جميعاً، فإن فشل الإبراهيمي، ستنجح إرادة الوطنيين المقاومين في سورية، وستنهزم أميركا وحلفاؤها مرة أخرى، ولا تخافوا التضحيات، فإما أن نكون شهداء كراماً، أو نكون مذبوحين على الطريقة التكفيرية باسم "الإسلاميين الجدد" المصنعين أميركياً.

  • فريق ماسة
  • 2012-09-12
  • 11889
  • من الأرشيف

الإبراهيمي.. بين نار الميدان والانتخابات الأميركية

يعطي الانتماء القومي للأخضر الإبراهيمي وخبرته الدبلوماسية نوعاً من الطمأنينة، لعدم انخراطه في مشروع تدمير سورية، والخضوع للضغوط، كما هو حال أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي. فالأخضر الإبراهيمي هو ابن الجزائر؛ المذبوحة بالسكين الفرنسية التي قتلت مليون شهيد جزائري، والذين لم تجف دماؤهم بعد، ولا بد أن تكون ذاكرته حية، حتى لا ينخدع بالشعارات الفرنسية والأميركية والبريطانية بأنهم مع حرية الشعوب، وهم الذين تشهد أفعالهم على موقفهم الحقيقي وأهدافهم الاستعمارية. الأخضر الإبراهيمي ليس كالمستأجَرة دبلوماسياً لتندب وتتباكى على الدم السوري، فواجب الإبراهيمي العربي والنضالي أن يكون "الثكلى" التي ترى دماء أشقائها وبني أمتها تجري في سورية بتحريض وفعل خارجييْن أشعلا المحرقة السورية، كما أشعلا محرقة لبنان عام1975، وكما أشعلا محرقة العراق في2003، وكما أشعلا المحرقة الفلسطينية التي ما زالت مشتعلة منذ عام1948. مهمة الإبراهيمي ليست سهلة وليست مستحيلة، صعوبتها تكمن أن رعاة الإرهاب والفتن الطائفية والمذهبية بقيادة أميركية لم يقرروا بعد ضرورة وقف الدعم والتسليح للمعارضات السورية المسلحة، ولم يقتنعوا بعد بفشل مشروعهم التقسيمي المسمى "مشروع الشرق الأوسط الجديد"، ولذا فقد أفشلوا مهمة الجامعة العربية برئاسة مصطفى الدابي، لأنه رفض تزوير الحقائق، ولم يقايض أو يبع مبادءه، وأفشلوا مهمة كوفي أنان، لأنهم كانوا يراهنون على قدرة المعارضات على إسقاط النظام، بناء على ما قدموه لها من دعم سياسي وعسكري ومالي، عبر الدول المجاورة، والفتاوى الجاهزة من "وعّاظ" الملوك والأمراء. لكنهم رضوا بإعادة تعيين مبعوث جديد كورقة احتياطية يلجأون إليها في حال فشلهم الكامل في الساحة العربية عبر الأمم المتحدة، للحفاظ على بعض مكاسبهم، وتحقيق بعض أهدافهم، "بتلقيح" النظام ببعض المعارضة، ورعايتها،علها تستطيع بعد سنوات قليلة الانقلاب على النظام من الداخل، وتفكيك ثلاثية الصمود السوري المؤسساتية (الجيش والاقتصاد والدبلوماسية)، والتي يحتضنها إطار شعبي لا يزال مع النظام، لأن ما عاناه الناس خلال الأشهر الماضية مع ما يسمى المعارضات المسلحة من سلفيين وجهاديين وعلمانيين وإخوان مسلمين وتكفيريين أجانب وعرب لم تكن مشجعة، بل كانت قاسية ومريرة، حيث غطت على عيوب النظام وممارساته، وأظهرته بشكل أفضل من المستقبل القادم، فتمسك الشعب به، ورأى فيه قارب النجاة لسورية وشعبها من البرابرة الجدد المتدثرين بعباءات إسلامية ذات صناعة أميركية، وبمعارضة أعلنت حاجتها لـ"إسرائيل"، وبقيادة تركية مخادعة، والأسوأ من ذلك والمثير للضحك أن الملوك والأمراء يدعمون التعددية السياسية وتداول السلطة. إن مهمة الإبراهيمي رهينة نتائج المعارك الميدانية من جهة، وبانتظار الانتخابات الأميركية القادمة، فالميدان سيحدد سقوف المعارضة والنظام على طاولة الحوار، ويحدد أوراق القوة بيد كل منهما، مع مفارقة أساسية؛ أن أوراق النظام ستكون لصالح الوطن والشعب، وأوراق المعارضين لصالح رعاتهم وأولياء أمورهم؛ من أميركا وتركيا وعرب الخليج، لأنهم أدوات ميدانية وبربارات سياسية للذئاب الأميركية والعربية، ومن سيسيطر على الميدان سيكون الأكثر قوة في الحوار، والأكثر قدرة على المناورة والتحكم بالتنازلات، أو فرض الشروط. أما الانتخابات الأميركية فإنها أساس في مهمة الإبراهيمي، لأن الإدارة الروسية تنتظر من سيحكم أميركا في الأشهر المقبلة حتى يمكنها التفاوض معه، فإن عاد أوباما، فستكون إمكانية التفاوض معه حول سورية وبعض الملفات الإقليمية والدولية ممكنة، لأن أوباما يتمتع بحرية أكبر في ولايته الثانية والأخيرة، وكذلك فإنه سيستكمل استراتيجيته السابقة بإطفاء بؤر الاستنزاف الأميركية خارج الحدود، لإعادة التقاط الأنفاس اقتصادياً وعسكرياً، خصوصاً بعد التقدم الذي أحرزته روسيا والصين على المستوى الدولي والإقليمي، لأن تعنت الأميركيين في مواقفهم وفق أُحادية القرار، ستزيد من خساراتهم التي بدأت منذ انسحابهم من العراق، والفشل في ترويض إيران أو ضربها عسكرياً، وفشلهم حتى الآن بإسقاط النظام في سورية، وبداية اهتزاز الأنظمة الحليفة لها في تركيا أو السعودية أو قطر، مما سيدفع الأميركي إلى الجلوس على طاولة المفاوضات لحماية ما تبقى من مصالحه، ولتأكيد الشراكة في إعادة رسم المنطقة، قبل أن يستيقظوا هاربين، كما حدث في فيتنام، أومستنزفين في أفغانستان منذ عقد من الزمن. ستبقى الأحداث الدموية في سورية مستمرة بفعل خارجي، بعيداً عن إرادة الشعب السوري المصادرة خياراته ورغباته عبر كتائب "المارينز التكفيري" الذي صنعته أميركا منذ السبعينات مع بداية الغزو السوفياتي لأفغانستان، وعلى النظام والشعب السوري التصدي له مهما كانت الأثمان، وعلى كل الوطنيين والقوميين والإسلاميين غير المصنّعين أميركياً مساندة سورية، لأن المعركة في سورية هي معركة الأمة وفلسطين على الساحة السورية، كما كانت المقاومة في لبنان، التي كانت تخوض حربها ضد "إسرائيل" نيابة عن الأمة جمعاء. إنما النصر صبر ساعة، فلنصبر جميعاً، فإن فشل الإبراهيمي، ستنجح إرادة الوطنيين المقاومين في سورية، وستنهزم أميركا وحلفاؤها مرة أخرى، ولا تخافوا التضحيات، فإما أن نكون شهداء كراماً، أو نكون مذبوحين على الطريقة التكفيرية باسم "الإسلاميين الجدد" المصنعين أميركياً.

المصدر : الثبات/ د.نسيب حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة