الجوار ليست طرابلس. لم يكن ميشال سماحة ينتظر هبةً من مكتب وزير حين كمن له جهازٌ أمني ليلقي القبض عليه. كان في سريره حين اقتحم أكثر من 40 عنصراً من «القوّة الضاربة» في فرع المعلومات بيته.

بقايا الخشب المتناثر والقفل المخلوع على أرض المدخل. حطّم الأمنيون الباب الرّئيسي. لم يلتفتوا إلى أنّ جينا، مدبّرة البيت، قد فتحت باب المطبخ المطلّ على الحديقة، قبل أن تشرق الشّمس. غلاديس، لم تسقِ ورودها صباح أمس. بقيت مذهولة، مذ هدّدها ضابطٌ بأن يضعها في السّيارة ويكمّ فمها، حسب قولها، إن هي اعترضت على تفتيش الغرف والزوايا وخزائن الملابس الداخليّة، و«كرافاتات» زوجها، وصولاً إلى قوارير العصير والنبيذ.

الثامنة إلا عشر دقائق، حضر المختار جورج سماحة ليأخذ سيّارة الوزير السابق ويحضر إخراج قيد عائليّ من دائرة النّفوس. الثامنة وعشر دقائق، كانت البنادق الآليّة والعناصر العالية التدريب توجّه الفوّهات إلى وجه ميشال. نهض ميشال من نومه. طلب أن يغيّر ثيابه، ثمّ تفرغ رجال الأمن لملء صناديق الأدلّة الجنائيّة الأربعة التي أحضروها بأغراض سماحة. جمعوا الهواتف النّقالة (حتى تلفون جينا)؛ جهازي تشغيل الـ«d.v.d»؛ جهازي استقبال للصحون اللاقطة وأجهزة التحكّم بها عن بعد؛ بضع أوراق كتب عليها سماحة بخطّ يده؛ بضعة كتب ورشّاش كلاشنيكوف قديم يقبع في أسفل «خزانة الصّرامي» منذ أكثر من ثلاثين عاماً.

كان سماحة ينوي قضاء الصيف في بلدته. عاد وعائلته من باريس قبل أسبوعين. هو وغلاديس في الجوار، وبناته في الأشرفيّة. بيت الأشرفيّة دُهِم أيضاً. غلاديس انتظرت طويلاً حتى تمكّنت من سماع صوت بناتها. منعها الأمنيّون من التواصل معهنّ. رنّ هاتف المختار عند الثامنة، قال له أحد أبناء القرية، «عجّل، العسكر مطوّق بيت الوزير». جاء المختار على عجل. كان الوزير قد رحل. يعود المختار بذاكرته إلى عام 1979، حين جاء عناصر من الحزب السوري القومي الاجتماعي لاعتقال سماحة، الذي كان يومها عضواً في المكتب السياسي لحزب الكتائب وعريساً جديداً. دقّ القوميّون باب البيت. خرجت والدته، هزّأت القوميين ولم ينبس أحدهم ببنت شفة. لم يرحلوا، قال لها ميشال «ما بيأثّر يا أمي، سأذهب لساعات ثمّ أعود». يذكر المختار كيف حاول ضابط المعلومات إقناعه بأن يوقّع على إفادة بأن الباب لم يُخلع، وأن التوقيف تمّ بحضوره. يسرد المختار القصّتين ليقارن: بين من «يقولون عنهم ميليشيات» وبين «ولاد الدّولة». يسمع أحد الأقارب قصّة المختار. يضحك، يهزأ، ثمّ يخبّر عن «الـ 12 دبّابة ميركافا» التي صادرها فرع المعلومات من القبو. الأقارب لا يصدّقون كلمة ممّا قيل في الإعلام، لو أن فرع المعلومات أخبرهم بأن ميشال سماحة هو ابن بلدة الجوار لكذّبوه. وسط زحمة التعليقات، يهرع المختار «والجواريّون» لاستقبال المدير العام الأسبق للأمن العام اللواء جميل السيّد. يدخل السيّد الصالون، يواسي غلاديس، ثمّ يتنقّل بين بثّ مباشر وآخر. أقلّ كلمة يقولها «زعران»، يلعن الرئيس سعد الحريري والقاضي سعيد ميرزا والعميد وسام الحسن. كلّما ارتفع صوته أمام الميكروفون، صفّق له المتنيّون. عند الباب، ينصح غلاديس بالانتقال إلى بيروت، «الشغل تحت أحسن، هونيك الإعلام أقرب عليكِ». تسأله عن توقعاته بشأن مدة التوقيف، يقول أحدهم إن مصادر قالت قبل قليل بأنّها ساعات، يردّ السيّد «نحن قالوا لنا ساعات وأيام، وبقينا أربع سنين».

حتى كتائبيّو الجوار لم يصدّقوا أن ميشال سماحة موقوف. بين هؤلاء وبضعة من شباب المتن من يهمس: لو كان سماحة إرهابيّاً لقطع مناصروه الطرقات واعتصموا في الساحات العامّة، بغضّ النظر عن براءته أو تورّطه. لو لم يكن سماحة «مسيحيّاً حيطه واطي» لما تجرّأ أحدٌ على توقيفه.

  • فريق ماسة
  • 2012-08-09
  • 12594
  • من الأرشيف

صباح القبض على الوزير السابق

الجوار ليست طرابلس. لم يكن ميشال سماحة ينتظر هبةً من مكتب وزير حين كمن له جهازٌ أمني ليلقي القبض عليه. كان في سريره حين اقتحم أكثر من 40 عنصراً من «القوّة الضاربة» في فرع المعلومات بيته. بقايا الخشب المتناثر والقفل المخلوع على أرض المدخل. حطّم الأمنيون الباب الرّئيسي. لم يلتفتوا إلى أنّ جينا، مدبّرة البيت، قد فتحت باب المطبخ المطلّ على الحديقة، قبل أن تشرق الشّمس. غلاديس، لم تسقِ ورودها صباح أمس. بقيت مذهولة، مذ هدّدها ضابطٌ بأن يضعها في السّيارة ويكمّ فمها، حسب قولها، إن هي اعترضت على تفتيش الغرف والزوايا وخزائن الملابس الداخليّة، و«كرافاتات» زوجها، وصولاً إلى قوارير العصير والنبيذ. الثامنة إلا عشر دقائق، حضر المختار جورج سماحة ليأخذ سيّارة الوزير السابق ويحضر إخراج قيد عائليّ من دائرة النّفوس. الثامنة وعشر دقائق، كانت البنادق الآليّة والعناصر العالية التدريب توجّه الفوّهات إلى وجه ميشال. نهض ميشال من نومه. طلب أن يغيّر ثيابه، ثمّ تفرغ رجال الأمن لملء صناديق الأدلّة الجنائيّة الأربعة التي أحضروها بأغراض سماحة. جمعوا الهواتف النّقالة (حتى تلفون جينا)؛ جهازي تشغيل الـ«d.v.d»؛ جهازي استقبال للصحون اللاقطة وأجهزة التحكّم بها عن بعد؛ بضع أوراق كتب عليها سماحة بخطّ يده؛ بضعة كتب ورشّاش كلاشنيكوف قديم يقبع في أسفل «خزانة الصّرامي» منذ أكثر من ثلاثين عاماً. كان سماحة ينوي قضاء الصيف في بلدته. عاد وعائلته من باريس قبل أسبوعين. هو وغلاديس في الجوار، وبناته في الأشرفيّة. بيت الأشرفيّة دُهِم أيضاً. غلاديس انتظرت طويلاً حتى تمكّنت من سماع صوت بناتها. منعها الأمنيّون من التواصل معهنّ. رنّ هاتف المختار عند الثامنة، قال له أحد أبناء القرية، «عجّل، العسكر مطوّق بيت الوزير». جاء المختار على عجل. كان الوزير قد رحل. يعود المختار بذاكرته إلى عام 1979، حين جاء عناصر من الحزب السوري القومي الاجتماعي لاعتقال سماحة، الذي كان يومها عضواً في المكتب السياسي لحزب الكتائب وعريساً جديداً. دقّ القوميّون باب البيت. خرجت والدته، هزّأت القوميين ولم ينبس أحدهم ببنت شفة. لم يرحلوا، قال لها ميشال «ما بيأثّر يا أمي، سأذهب لساعات ثمّ أعود». يذكر المختار كيف حاول ضابط المعلومات إقناعه بأن يوقّع على إفادة بأن الباب لم يُخلع، وأن التوقيف تمّ بحضوره. يسرد المختار القصّتين ليقارن: بين من «يقولون عنهم ميليشيات» وبين «ولاد الدّولة». يسمع أحد الأقارب قصّة المختار. يضحك، يهزأ، ثمّ يخبّر عن «الـ 12 دبّابة ميركافا» التي صادرها فرع المعلومات من القبو. الأقارب لا يصدّقون كلمة ممّا قيل في الإعلام، لو أن فرع المعلومات أخبرهم بأن ميشال سماحة هو ابن بلدة الجوار لكذّبوه. وسط زحمة التعليقات، يهرع المختار «والجواريّون» لاستقبال المدير العام الأسبق للأمن العام اللواء جميل السيّد. يدخل السيّد الصالون، يواسي غلاديس، ثمّ يتنقّل بين بثّ مباشر وآخر. أقلّ كلمة يقولها «زعران»، يلعن الرئيس سعد الحريري والقاضي سعيد ميرزا والعميد وسام الحسن. كلّما ارتفع صوته أمام الميكروفون، صفّق له المتنيّون. عند الباب، ينصح غلاديس بالانتقال إلى بيروت، «الشغل تحت أحسن، هونيك الإعلام أقرب عليكِ». تسأله عن توقعاته بشأن مدة التوقيف، يقول أحدهم إن مصادر قالت قبل قليل بأنّها ساعات، يردّ السيّد «نحن قالوا لنا ساعات وأيام، وبقينا أربع سنين». حتى كتائبيّو الجوار لم يصدّقوا أن ميشال سماحة موقوف. بين هؤلاء وبضعة من شباب المتن من يهمس: لو كان سماحة إرهابيّاً لقطع مناصروه الطرقات واعتصموا في الساحات العامّة، بغضّ النظر عن براءته أو تورّطه. لو لم يكن سماحة «مسيحيّاً حيطه واطي» لما تجرّأ أحدٌ على توقيفه.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة