تقارب إيران الملف السوري هذه الأيام من زاويتين: الأولى داخلية، ميزتها الاطمئنان إلى سيطرة النظام وقدرته على حسم معركة حلب،التي تعتبرها مفصلية. والثانية خارجية عبر الضغط باتجاه تحصين سوريا من أي تدخل خارجي، وخاصة تركي بلغ حد التهديد بتجميد العلاقات التجارية مع أنقرة، وعبر تمهيد الأرضية لمفاوضات إقليمية دولية تتوقع طهران أن تنطلق بعد استعادة الرئيس بشار الأسد لسيطرته على ثاني أكبر مدينة في البلاد

إيران لا تزال على موقفها: حل الأزمة السورية لن يكون إلا سورياً، ومستنداً إلى حوار الأطراف المتصارعة. هدفها: إقناع العدد الأكبر من الدول بدعم هذا الخيار. حراك تريده موازياً لتجمع المتورطين في سفك الدماء في هذا البلد. الغاية الاستراتيجية من وراء ذلك تحضير الأجواء لمرحلة ما بعد «انتصار» الدولة  في حلب. وقتها، تعتقد طهران، أنه لن يكون هناك بديل من التفاوض بين الدول التي تقف إلى جانب هذا الطرف وذاك. تركيا وضعها حساس في هذا الإطار. دورها مؤثر بلا شك إن هي قررت التدخل ميدانياً في معركة حلب. وعليه، يبدو جلياً لماذا تشنجت الأجواء فجأة على خط أنقرة ــــ طهران التي توعدت بتجميد العلاقات التجارية البينية، في خطوة يُرجح أن تحذو بغداد حذوها.

وتفيد المعلومات الورادة من طهران بأن المؤتمر، الذي يُعقد اليوم تحت عنوان «الاجتماع التشاوري حول سوريا»، تحضّر له الجمهورية الإسلامية منذ نحو 15 يوماً، ويجري تحت إشراف وزارة الخارجية الإيرانية التي ركزت اتصالاتها على «الدول غير المتورطة مباشرة بالأزمة السورية، باستثناء تركيا التي وجهت لها دعوة». وتضيف إن «المدعوين الأساسيين هم الصين وروسيا والمبعوث الدولي السابق كوفي أنان. كانت النية في دعوة هذا الأخير وضعه تحت الأمر الواقع وإقناعه بالبقاء في منصبه، أو توديعه بما يليق به، لكنه قرر عدم الحضور، على ما يبدو بفعل الضغوط الكثيرة التي تعرض لها». وتشير إلى أن عدد الدول التي أكدت حضور مؤتمر اليوم يبلغ 20 دولة، تتقدمها روسيا والصين وتركيا وباكستان والهند وموريتانيا والجزائر والكويت وعمان والإمارات والعراق وتونس، لافتة إلى أن ثماني دول ستتمثل بوزراء خارجيتها، فيما البقية بمستويات أدنى.

ومعروف أن لبنان قرر عدم حضور المؤتمر انسجاماً مع سياسة النأي بالنفس التي يتبعها. وتفيد مصادر عراقية وثيقة الاطلاع بأن العراق سيتمثل بوفد رفيع المستوى، غير وزير الخارجية هوشيار زيباري الذي «يمثل الوجه الأميركي في النظام العراقي». وتؤكد مصادر إيرانية معنية بهذا الملف أن المعلومات الموجودة بحوزة طهران تؤكد «ممارسة ضغوط هائلة على هذه الدول إما لمقاطعة المؤتمر، أو على الأقل تخفيض مستوى المشاركة فيه، كما حصل مع أنان الذي كان قد تعهد بالحضور».

أما الهدف الأساسي من المؤتمر، بحسب المصادر نفسها، فهو «جمع المعارضة والنظام السوريين إلى طاولة حوار بهدف التوصل إلى حل سوري للأزمة التي تعصف ببلاد الشام، وخاصة أننا (الإيرانيون) قد نجحنا في أن نأخذ تعهداً من عدد لا بأس به من قوى المعارضة بقبول الحوار»، مشيرة إلى أن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي أبلغ ذلك إلى الرئيس السوري بشار الأسد في خلال اللقاء بينهما، والذي حصل فيه جليلي على موافقة الأسد على أمر كهذا». وتتابع المصادر أن طهران «تريد من هذا المؤتمر أن يكون الرد المقابل على مؤتمر أعداء سوريا («أصدقاء سوريا») الذي يهدف إلى التسليح والتعنيف والتطييف. الأمل في إقناع العدد الأكبر من الدول بالتشجيع والمساهمة بحل سوري سوري».

وتكشف المصادر عن أن الإيرانيين «يعتقدون أن سوريا ستكسب معركة حلب قطعاً، وأنه بعد هذه المرحلة سيأتي دور التفاوض بين القوى التي أرادت تدمير الدولة السورية وإسقاط نظامها وبين الدول التي تريد إنجاح الحل السياسي وإيجاد مخرج سوري للأزمة»، مشيرة إلى أن مؤتمر اليوم «سيكون بمثابة تحضير للأرضية لمفاوضات كهذه». وتوضح «بدت لهجة هيلاري كلينتون جلية عندما أعربت عن مخاوفها من أن تتحول سوريا إلى مرتع لتنظيم القاعدة. هذا يعني أن الأميركيين، ورغم دعمهم للمسلحين، يحضّرون تحت الطاولة لما بعد حلب». والدليل على ذلك، بحسب هذه المصادر، «حضور تركيا والكويت وسلطنة عمان والإمارات وتونس مؤتمر طهران، على الرغم من أنها تنتمي إلى المعسكر المقابل. وهذا الأمر ليس سهلاً، أخذاً بالاعتبار أن حضورها، وخاصة الكويت وسلطنة عمان، سيكون على مستوى وزير أو وكيل وزارة. إنه أبرز مؤشر على تصدع الجبهة المقابلة، وعلى استعدادها للدخول في حوار ما أن ينجلي غبار معركة حلب».

 

ويُفترض أن يُفتتح مؤتمر اليوم بكلمة لوزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، تليها كلمات موفدي الدول المشاركة، في جلسة ستكون مفتوحة للإعلام، يتبعها جلسة مغلقة، فمؤتمر صحافي ومن ثم إفطار، يتوقع أن يشهد في نهايته لقاء مع مسؤول إيراني رفيع المستوى، ترجح التكهنات أنه قد يكون المرشد علي خامنئي.

جليلي: لن نقف مكتوفي الأيدي

ويأتي المؤتمر في ختام جولة إقليمية بالغة الأهمية قام بها جليلي على كل من لبنان وسوريا والعراق، أكد في خلالها وجهة نظر إيران في موضوع الحوار السوري ـــ السوري، وفي الوقت نفسه على أن دمشق جزء أساسي من محور المقاومة و«لن نقبل بكسر هذا المحور». وتفيد مصادر إيرانية مطلعة على كواليس هذه الجولة بأن «الأسد شكر جليلي على هذا الموقف الإيراني الحازم، وأكد له أن السوريين قادرون بقواهم الذاتية على كسر هجمة المعتدين وصد الحرب الكونية التي تُشن عليهم»، فرد جليلي بأن «هذا أمن قومي إيراني، بل أمن قومي إقليمي ودولي. وفي حال تطور الأمور، لن نقف مكتوفي الأيدي. سنمنع أي تدخل من خارج الحدود السورية. داخل الحدود، نحن واثقون من أنكم قادرون على السيطرة وتجاوز الأزمة».

واللافت في زيارة جليلي لسوريا كان اجتماعه بوزير الحوار الوطني علي حيدر، الذي ناقش معه تفاصيل مؤتمر طهران. صحيح أن حيدر سبق أن زار موسكو حيث بحث ملف الحوار السوري، لكنها المرة الأولى التي يذهب فيها مبعوث رفيع المستوى إلى دولة مؤثرة في الملف السوري ويناقش معه تفاصيل موضوع كهذا.

أما بالنسبة إلى زيارة جليلي للعراق يوم أمس، فقد استهدفت «تعزيز الموقف الحالي للقيادة العراقية الداعم لسوريا والذي تحاول الولايات المتحدة، عبر بعض أدواتها في المنطقة والعراق نفسه، تقويضه، على غرار الضغوط التي تمارسها أنقرة على إقليم كردستان والذي تم التعبير عنها بالزيارة الأخيرة لوزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو لإربيل وكركوك». وتضيف المصادر إن أحد الأهداف الأساسية لجولة جليلي أيضاً يتمثل في «احتضان الأكراد جميعاً في المنطقة، والدفع باتجاه المزيد من التفهم لموضوعهم الإنساني».

وتفيد مصادر متقاطعة في طهران وبغداد ودمشق بأن هذا التفهم للموضوع الكردي قد أثمر «اتفاقاً عملياتياً بين جميع فروع حزب العمال الكردستاني التي تدين بالولاء للزعيم التركي عبد الله أوجلان في تركيا وإيران والعراق وسوريا، وتعهداً بعدم القيام بأي عملية في أراضي إيران والعراق وسوريا، بل حماية الحدود الشمالية لهذه الأخيرة من أي هجوم تركي». وتضيف إن «عناصر حزب العمال تسلموا بالفعل أربع محافظات سورية شمالية، حيث كلفوا أنفسهم بحمايتها من أي عدوان تركي. في المقابل، فإن الجهود التركية كلها، من أردوغان إلى داوود أوغلو، والتي بلغت حد طلب وساطة روسيا لإقناع الأكراد بهدنة ولو في شهر رمضان، قد باءت بالفشل. الأتراك يتوسلون الروس و(رئيس إقليم كردستان العراق مسعود) البرزاني لإقناع حزب العمال بوقف هجماته من دون جدوى. الهجمات مستمرة، ومعها تهديد الحزب لأنقرة بإحراق الأخضر واليابس في تركيا». ولعل ما يعزز هذه المعلومات تأكيد مسؤول عراقي كردي بأن البرزاني «بعث أخيراً موفداً إلى الأسد لطمأنته وليؤكد له أن أراضي كردستان لن تكون ممراً ولا مقراً لأي هجوم على سوريا».

 

صالحي يتوعد أنقرة

وترافقت الجولة الإقليمية لجليلي مع زيارة خاطفة قام بها صالحي لأنقرة، حيث كان له «لقاء عاصف جداً مع داوود أوغلو، أكد له فيه أنه ليس بإمكان إيران ولا قوى الممانعة أن تقبل بإسقاط الأسد أو تدمير سوريا. هذا خط أحمر». لقاء انعكس في بيان تركي عنيف جداً ضد طهران، صدر بينما كان صالحي لا يزال في أنقرة.

وتقول مصادر إيرانية قريبة من صالحي إن الأخير حذر الأتراك من الإتيان بأي حركة تهدد سوريا أو نظامها، مرفقة بتهديد بأن طهران تفكر جدياً في تجميد العلاقات التجارية مع تركيا.

ومعروف أن الأزمة السورية تحولت إلى أزمة حكم في الداخل التركي مع توقع مصادر إيرانية رفيعة المستوى بأن «داوود أوغلو سيعتزل الحياة السياسية بعد معركة حلب»، مشيرة إلى أن «الرد الشعبي في العراق ولبنان على تركيا يمكن أن يزيد من مأزق الأتراك». وتساءلت «ماذا ستفعل أنقرة لو قرر أحدهم في لبنان استضافة الكتيبة التركية في اليونيفيل على غرار استضافة المسلحين السوريين المدعومين من تركيا اللبنانيين الـ 11؟»، مشيرة إلى وجود «نقاش جدي في جنوب العراق بطرد كل المصالح التركية».

وتقول المصادر إن زيارة صالحي لتركيا استهدفت تحقيق أمرين: تغيير السلوك التركي حيال الأزمة السورية وإطلاق الإيرانيين الـ 48 المختطفين في هذا البلد، والذين حمّلت الجمهورية الإسلامية أنقرة والرياض والدوحة مسؤولية اختطافهم.

ويتوقع أن تحيّد إيران السعودية في تصريحات مسؤوليها خلال الأيام المقبلة بطلب من الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي سيشارك في قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في مكة في 14 و15 الجاري، بناءً على تعهد من قبله بإقناع الملك السعودي عبد الله بالمشاركة في قمة عدم الانحياز في طهران.

وتشير المعلومات إلى أن كلاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي عبد الله غول سيكونان ضيفي شرف في قمة منظمة دول عدم الانحياز التي ستنعقد في طهران في نهاية هذا الشهر. واللافت أن روسيا وتركيا ليستا عضوين في هذه المنظمة. وإذا كانت دعوة بوتين بديهية باعتباره النصير الأكبر لمحور الممانعة، فإن في دعوة غول مناكفة إيرانية مقصودة لأردوغان الذي عادةً هو من يشارك في مناسبات كهذه.

تجدر الإشارة إلى أن موقف إيران بأنها لن تسمح بتدمير الدولة السورية أو بإسقاط نظامها قد أبلغ إلى الرئيس المصري محمد مرسي، وذلك في خلال زيارة نائب الرئيس الإيراني حميد بقائي للقاهرة، حيث سلمه الدعوة إلى المشاركة في قمة عدم الانحياز، التي وعد بتلبيتها، علماً بأن الموقف المعلن لمرسي يؤكد أنه ضد العنف ومع الحل السياسي في سوريا، وإن كان يحمل الطرفين مسؤولية الأزمة.

  • فريق ماسة
  • 2012-08-08
  • 11697
  • من الأرشيف

مؤتمر طهران اليوم تحضير لما بعد حلب

تقارب إيران الملف السوري هذه الأيام من زاويتين: الأولى داخلية، ميزتها الاطمئنان إلى سيطرة النظام وقدرته على حسم معركة حلب،التي تعتبرها مفصلية. والثانية خارجية عبر الضغط باتجاه تحصين سوريا من أي تدخل خارجي، وخاصة تركي بلغ حد التهديد بتجميد العلاقات التجارية مع أنقرة، وعبر تمهيد الأرضية لمفاوضات إقليمية دولية تتوقع طهران أن تنطلق بعد استعادة الرئيس بشار الأسد لسيطرته على ثاني أكبر مدينة في البلاد إيران لا تزال على موقفها: حل الأزمة السورية لن يكون إلا سورياً، ومستنداً إلى حوار الأطراف المتصارعة. هدفها: إقناع العدد الأكبر من الدول بدعم هذا الخيار. حراك تريده موازياً لتجمع المتورطين في سفك الدماء في هذا البلد. الغاية الاستراتيجية من وراء ذلك تحضير الأجواء لمرحلة ما بعد «انتصار» الدولة  في حلب. وقتها، تعتقد طهران، أنه لن يكون هناك بديل من التفاوض بين الدول التي تقف إلى جانب هذا الطرف وذاك. تركيا وضعها حساس في هذا الإطار. دورها مؤثر بلا شك إن هي قررت التدخل ميدانياً في معركة حلب. وعليه، يبدو جلياً لماذا تشنجت الأجواء فجأة على خط أنقرة ــــ طهران التي توعدت بتجميد العلاقات التجارية البينية، في خطوة يُرجح أن تحذو بغداد حذوها. وتفيد المعلومات الورادة من طهران بأن المؤتمر، الذي يُعقد اليوم تحت عنوان «الاجتماع التشاوري حول سوريا»، تحضّر له الجمهورية الإسلامية منذ نحو 15 يوماً، ويجري تحت إشراف وزارة الخارجية الإيرانية التي ركزت اتصالاتها على «الدول غير المتورطة مباشرة بالأزمة السورية، باستثناء تركيا التي وجهت لها دعوة». وتضيف إن «المدعوين الأساسيين هم الصين وروسيا والمبعوث الدولي السابق كوفي أنان. كانت النية في دعوة هذا الأخير وضعه تحت الأمر الواقع وإقناعه بالبقاء في منصبه، أو توديعه بما يليق به، لكنه قرر عدم الحضور، على ما يبدو بفعل الضغوط الكثيرة التي تعرض لها». وتشير إلى أن عدد الدول التي أكدت حضور مؤتمر اليوم يبلغ 20 دولة، تتقدمها روسيا والصين وتركيا وباكستان والهند وموريتانيا والجزائر والكويت وعمان والإمارات والعراق وتونس، لافتة إلى أن ثماني دول ستتمثل بوزراء خارجيتها، فيما البقية بمستويات أدنى. ومعروف أن لبنان قرر عدم حضور المؤتمر انسجاماً مع سياسة النأي بالنفس التي يتبعها. وتفيد مصادر عراقية وثيقة الاطلاع بأن العراق سيتمثل بوفد رفيع المستوى، غير وزير الخارجية هوشيار زيباري الذي «يمثل الوجه الأميركي في النظام العراقي». وتؤكد مصادر إيرانية معنية بهذا الملف أن المعلومات الموجودة بحوزة طهران تؤكد «ممارسة ضغوط هائلة على هذه الدول إما لمقاطعة المؤتمر، أو على الأقل تخفيض مستوى المشاركة فيه، كما حصل مع أنان الذي كان قد تعهد بالحضور». أما الهدف الأساسي من المؤتمر، بحسب المصادر نفسها، فهو «جمع المعارضة والنظام السوريين إلى طاولة حوار بهدف التوصل إلى حل سوري للأزمة التي تعصف ببلاد الشام، وخاصة أننا (الإيرانيون) قد نجحنا في أن نأخذ تعهداً من عدد لا بأس به من قوى المعارضة بقبول الحوار»، مشيرة إلى أن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي أبلغ ذلك إلى الرئيس السوري بشار الأسد في خلال اللقاء بينهما، والذي حصل فيه جليلي على موافقة الأسد على أمر كهذا». وتتابع المصادر أن طهران «تريد من هذا المؤتمر أن يكون الرد المقابل على مؤتمر أعداء سوريا («أصدقاء سوريا») الذي يهدف إلى التسليح والتعنيف والتطييف. الأمل في إقناع العدد الأكبر من الدول بالتشجيع والمساهمة بحل سوري سوري». وتكشف المصادر عن أن الإيرانيين «يعتقدون أن سوريا ستكسب معركة حلب قطعاً، وأنه بعد هذه المرحلة سيأتي دور التفاوض بين القوى التي أرادت تدمير الدولة السورية وإسقاط نظامها وبين الدول التي تريد إنجاح الحل السياسي وإيجاد مخرج سوري للأزمة»، مشيرة إلى أن مؤتمر اليوم «سيكون بمثابة تحضير للأرضية لمفاوضات كهذه». وتوضح «بدت لهجة هيلاري كلينتون جلية عندما أعربت عن مخاوفها من أن تتحول سوريا إلى مرتع لتنظيم القاعدة. هذا يعني أن الأميركيين، ورغم دعمهم للمسلحين، يحضّرون تحت الطاولة لما بعد حلب». والدليل على ذلك، بحسب هذه المصادر، «حضور تركيا والكويت وسلطنة عمان والإمارات وتونس مؤتمر طهران، على الرغم من أنها تنتمي إلى المعسكر المقابل. وهذا الأمر ليس سهلاً، أخذاً بالاعتبار أن حضورها، وخاصة الكويت وسلطنة عمان، سيكون على مستوى وزير أو وكيل وزارة. إنه أبرز مؤشر على تصدع الجبهة المقابلة، وعلى استعدادها للدخول في حوار ما أن ينجلي غبار معركة حلب».   ويُفترض أن يُفتتح مؤتمر اليوم بكلمة لوزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، تليها كلمات موفدي الدول المشاركة، في جلسة ستكون مفتوحة للإعلام، يتبعها جلسة مغلقة، فمؤتمر صحافي ومن ثم إفطار، يتوقع أن يشهد في نهايته لقاء مع مسؤول إيراني رفيع المستوى، ترجح التكهنات أنه قد يكون المرشد علي خامنئي. جليلي: لن نقف مكتوفي الأيدي ويأتي المؤتمر في ختام جولة إقليمية بالغة الأهمية قام بها جليلي على كل من لبنان وسوريا والعراق، أكد في خلالها وجهة نظر إيران في موضوع الحوار السوري ـــ السوري، وفي الوقت نفسه على أن دمشق جزء أساسي من محور المقاومة و«لن نقبل بكسر هذا المحور». وتفيد مصادر إيرانية مطلعة على كواليس هذه الجولة بأن «الأسد شكر جليلي على هذا الموقف الإيراني الحازم، وأكد له أن السوريين قادرون بقواهم الذاتية على كسر هجمة المعتدين وصد الحرب الكونية التي تُشن عليهم»، فرد جليلي بأن «هذا أمن قومي إيراني، بل أمن قومي إقليمي ودولي. وفي حال تطور الأمور، لن نقف مكتوفي الأيدي. سنمنع أي تدخل من خارج الحدود السورية. داخل الحدود، نحن واثقون من أنكم قادرون على السيطرة وتجاوز الأزمة». واللافت في زيارة جليلي لسوريا كان اجتماعه بوزير الحوار الوطني علي حيدر، الذي ناقش معه تفاصيل مؤتمر طهران. صحيح أن حيدر سبق أن زار موسكو حيث بحث ملف الحوار السوري، لكنها المرة الأولى التي يذهب فيها مبعوث رفيع المستوى إلى دولة مؤثرة في الملف السوري ويناقش معه تفاصيل موضوع كهذا. أما بالنسبة إلى زيارة جليلي للعراق يوم أمس، فقد استهدفت «تعزيز الموقف الحالي للقيادة العراقية الداعم لسوريا والذي تحاول الولايات المتحدة، عبر بعض أدواتها في المنطقة والعراق نفسه، تقويضه، على غرار الضغوط التي تمارسها أنقرة على إقليم كردستان والذي تم التعبير عنها بالزيارة الأخيرة لوزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو لإربيل وكركوك». وتضيف المصادر إن أحد الأهداف الأساسية لجولة جليلي أيضاً يتمثل في «احتضان الأكراد جميعاً في المنطقة، والدفع باتجاه المزيد من التفهم لموضوعهم الإنساني». وتفيد مصادر متقاطعة في طهران وبغداد ودمشق بأن هذا التفهم للموضوع الكردي قد أثمر «اتفاقاً عملياتياً بين جميع فروع حزب العمال الكردستاني التي تدين بالولاء للزعيم التركي عبد الله أوجلان في تركيا وإيران والعراق وسوريا، وتعهداً بعدم القيام بأي عملية في أراضي إيران والعراق وسوريا، بل حماية الحدود الشمالية لهذه الأخيرة من أي هجوم تركي». وتضيف إن «عناصر حزب العمال تسلموا بالفعل أربع محافظات سورية شمالية، حيث كلفوا أنفسهم بحمايتها من أي عدوان تركي. في المقابل، فإن الجهود التركية كلها، من أردوغان إلى داوود أوغلو، والتي بلغت حد طلب وساطة روسيا لإقناع الأكراد بهدنة ولو في شهر رمضان، قد باءت بالفشل. الأتراك يتوسلون الروس و(رئيس إقليم كردستان العراق مسعود) البرزاني لإقناع حزب العمال بوقف هجماته من دون جدوى. الهجمات مستمرة، ومعها تهديد الحزب لأنقرة بإحراق الأخضر واليابس في تركيا». ولعل ما يعزز هذه المعلومات تأكيد مسؤول عراقي كردي بأن البرزاني «بعث أخيراً موفداً إلى الأسد لطمأنته وليؤكد له أن أراضي كردستان لن تكون ممراً ولا مقراً لأي هجوم على سوريا».   صالحي يتوعد أنقرة وترافقت الجولة الإقليمية لجليلي مع زيارة خاطفة قام بها صالحي لأنقرة، حيث كان له «لقاء عاصف جداً مع داوود أوغلو، أكد له فيه أنه ليس بإمكان إيران ولا قوى الممانعة أن تقبل بإسقاط الأسد أو تدمير سوريا. هذا خط أحمر». لقاء انعكس في بيان تركي عنيف جداً ضد طهران، صدر بينما كان صالحي لا يزال في أنقرة. وتقول مصادر إيرانية قريبة من صالحي إن الأخير حذر الأتراك من الإتيان بأي حركة تهدد سوريا أو نظامها، مرفقة بتهديد بأن طهران تفكر جدياً في تجميد العلاقات التجارية مع تركيا. ومعروف أن الأزمة السورية تحولت إلى أزمة حكم في الداخل التركي مع توقع مصادر إيرانية رفيعة المستوى بأن «داوود أوغلو سيعتزل الحياة السياسية بعد معركة حلب»، مشيرة إلى أن «الرد الشعبي في العراق ولبنان على تركيا يمكن أن يزيد من مأزق الأتراك». وتساءلت «ماذا ستفعل أنقرة لو قرر أحدهم في لبنان استضافة الكتيبة التركية في اليونيفيل على غرار استضافة المسلحين السوريين المدعومين من تركيا اللبنانيين الـ 11؟»، مشيرة إلى وجود «نقاش جدي في جنوب العراق بطرد كل المصالح التركية». وتقول المصادر إن زيارة صالحي لتركيا استهدفت تحقيق أمرين: تغيير السلوك التركي حيال الأزمة السورية وإطلاق الإيرانيين الـ 48 المختطفين في هذا البلد، والذين حمّلت الجمهورية الإسلامية أنقرة والرياض والدوحة مسؤولية اختطافهم. ويتوقع أن تحيّد إيران السعودية في تصريحات مسؤوليها خلال الأيام المقبلة بطلب من الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي سيشارك في قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في مكة في 14 و15 الجاري، بناءً على تعهد من قبله بإقناع الملك السعودي عبد الله بالمشاركة في قمة عدم الانحياز في طهران. وتشير المعلومات إلى أن كلاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي عبد الله غول سيكونان ضيفي شرف في قمة منظمة دول عدم الانحياز التي ستنعقد في طهران في نهاية هذا الشهر. واللافت أن روسيا وتركيا ليستا عضوين في هذه المنظمة. وإذا كانت دعوة بوتين بديهية باعتباره النصير الأكبر لمحور الممانعة، فإن في دعوة غول مناكفة إيرانية مقصودة لأردوغان الذي عادةً هو من يشارك في مناسبات كهذه. تجدر الإشارة إلى أن موقف إيران بأنها لن تسمح بتدمير الدولة السورية أو بإسقاط نظامها قد أبلغ إلى الرئيس المصري محمد مرسي، وذلك في خلال زيارة نائب الرئيس الإيراني حميد بقائي للقاهرة، حيث سلمه الدعوة إلى المشاركة في قمة عدم الانحياز، التي وعد بتلبيتها، علماً بأن الموقف المعلن لمرسي يؤكد أنه ضد العنف ومع الحل السياسي في سوريا، وإن كان يحمل الطرفين مسؤولية الأزمة.

المصدر : إيلي شلهوب\ الاخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة