كانت معركة "جالديران" في 23 آب عام 1514م، آخر المعارك بين الصفويين في إيران، والعثمانيين السلاجقة على المستويين العسكري والعقائدي، وتم بعدها تطبيع العلاقات على مبدأ حفظ مصالح الطرفين الاقتصادية والأمنية، وعدم التدخل في شؤون بعضهما البعض حتى القرن التاسع عشر؛ حيث تطورت العلاقات بين البلدين بعد انهيار الدولة العثمانية ووصول كمال أتاتورك وشاه إيران رضا بهلوي، وانضوى الاثنان تحت العباءة الأميركية ـ الغربية وحلف بغداد "السنتو" في منتصف الخمسينات، ومجلس التعاون الاقتصادي "الإبكو" الذي يضم باكستان وأفغانستان ودول آسيا الوسطى وتركيا وإيران، واعترفت تركيا بـ"إسرائيل" عام1949 وتبعتها إيران.

 

بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، عاد الافتراق السياسي بين تركيا وإيران، بسبب خروج إيران من التحالف الأميركي ـ الغربي، وإعلان الجمهورية الإسلامية التي قطعت علاقاتها مع "إسرائيل" وفتحت أول سفارة لفلسطين في العام1979، بينما بقيت تركيا في حلف الناتو وحليفاً استراتيجياً لـ"إسرائيل"، وفق النظام العلماني المحاصر للإسلام في تركيا، لكن هذا التمايز والاختلاف لم يتطور إلى مستوى الصراع العسكري أو قطع العلاقات السياسية والاقتصادية.

من جهة أخرى، تشترك الدولتان في إرهاصات المشكلة الكردية، والمطالب الكردية بتشكيل دولة كردستان الكبرى في أجزاء من (تركيا - إيران - العراق - سورية)، مع تمايز الواقع الكردي في العراق وتركيا، والذي يتصف بالعنف والعمل المسلح منذ عقود، أكثر مما تشهده الساحة الإيرانية، وانعدامه على الساحة السورية، مع الإشارة إلى أن "حزب الله" التركي قد أسسته المخابرات التركية ضد حزب العمال الكردستاني من جهة، ولتوتير العلاقة بين الحزب وإيران، وإثارته للعمل المسلح في الداخل الإيراني من جهة أخرى.

بعد وصول حزب العدالة والتنمية بقيادة الثنائي أردوغان - غول بعد انقلابهما على أستاذهما نجم الدين أربكان، الذي مثل الأب المعاصر للإسلام السياسي في تركيا، فُتحت الأبواب أمام أردوغان - غول، في لعبة ذكية قادتها أميركا و"إسرائيل"، لصناعة قوة إقليمية تمثل "الإسلام السُّني السياسي"، مقابل إيران التي تمثل "الإسلام الشيعي السياسي"، وذلك ضمن استراتيجية ضرب الإسلام الحركي والفاعل، وتدمير قواه من الداخل، للتخلص من آخر القوى العادية للإمبراطورية الأميركية، وفسح المجال أمام التكفيريين والوهابية الساذجة المهجنة فكرياً، والقائمة على بعض القشور الفكرية والسلوكية الغريبة، والتي تفتقر إلى الفقهاء المفكرين والعناصر الواعية، وتنهج مبدأ الذبح والقتل الأعمى لكل من يخالفها الرأي أو من توعز إليها أجهزة المخابرات بقتله.

وفي لحظة مفصلية تسمى مجازاً "الربيع العربي"، تم برعاية أميركية التزاوج بين الوهابيين والإسلام العلماني "تركيا" لحصار الإسلام الأصيل (المذاهب الخمسة)، ومحور المقاومة والممانعة، ولتفجير الفتنة المذهبية والطائفية لتقسيم المنطقة إلى إمارات وكيانات ضعيفة ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد، بعدما سقط المشروع في حرب لبنان الثانية عام 2006.

ظهرت نقطة الخلاف الثانية بين إيران وتركيا في هذه المرحلة بشكل حاد في الموضوع السوري، وسبقه الخلاف حول نشر الدرع الصاروخية لحلف الناتو على الأراضي التركية، بما يهدد الأمن القومي الإيراني والروسي، ويوفر الإنذار الإستباقي لـ"إسرائيل" من الصواريخ الإيرانية. وبعد غياب الدور السعودي والمصري على مستوى القيادة لـ"الإسلام السُّني السياسي"، شمّرت تركيا عن سواعدها وأعلنت نفسها "القائد" الميداني "للسنية السياسية" المرتبطة بأميركا والمشروع الغربي والمتحالفة مع "إسرائيل"، وفي خداع للرأي العام العربي والإسلامي واختراق للوعي ومسح الذاكرة، عبرت تركيا وبشكل سريع من النافذة الفلسطينية ومسرحية "سفينة مرمرة" الهوليوودية، والتي كانت "المفتاح" التركي للدخول إلى غرف النوم العربية.

 

انقلبت تركيا على تحالفاتها، وكشفت عن وجهها التآمري على المستوى السياسي والمذهبي بأمر أميركي، فتدخلت في العراق مطالبة بحقوق "أهل السنة" وحماية طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي، المتهم بالإرهاب، وتحالفت مع البرازاني في تركيا، ودعمت العمل المسلح في سورية انطلاقاً من قاعدة مذهبية ضد العلويين، وبدأ أردوغان باستخدام المصطلحات والألفاظ المذهبية المباشرة دون حرج، واستمال حركة "حماس" لإخراجها من سورية والاستعانة بإمكانياتها للعمل ضد النظام في سورية، والانفصال عن إيران بتحريض مذهبي، ويُخشى من انخراط "حماس" في هذا المشروع، الذي سيكون بمنزلة إعدام سياسي لها وللقضية الفلسطينية، لاسيما أن رئيس المجلس التشريعي؛ الدكتور عزيز دويك، تمنى أن يكون العيد عيدين في سورية: عيد الفطر وعيد إسقاط بشار الأسد، ناسياً عيد تحرير القدس!

إن العلاقة الإيرانية - التركية تسير على شفير الهاوية، ويعمل الأميركي و"الإسرائيلي" لإيقاع الصدام بينهما لتحقيق هدفين أساسيين:

- تدمير قوة الإسلام السياسي بجناحيه "السني والشيعي"، في تكرار للحرب الإيرانية - العراقية والغزو العراقي للكويت.

- إشعال الفتنة المذهبية بين "السنة والشيعة"، والتي تمثل آخر حلقات الحرب الأميركية.

إن إرهاصات التوتر التركي - الإيراني بدأت بالظهور من النافذة السورية، مع حرص الطرفين على تفادي الصدام حفظاً لمصلحة الطرفين، لكن إن تجاوز الأتراك التدخل السياسي والدعم العسكري والمذهبي واللوجستي والمادي للمسلحين، فسيبادر الإيرانيون إلى تطبيق معاهدة الدفاع المشترك مع سورية، وضرب الجيش التركي؛ العضو في حلف الناتو، الذي ستُفتح له الأبواب للتدخل الخارجي خارج إطار مجلس الأمن بحجة مساعدة تركيا، وهذا ما سيشعل النار في كل المنطقة، وليس في ذلك مبالغة أو تهويل، بل واقع، لأن سقوط سورية هو الخطوة الأولى لإسقاط العراق، ثم إسقاط إيران، وصولاً إلى إسقاط روسيا والصين؛ في عملية "دومينو" سياسي متسلسل، لكن السؤال المطروح: هل أميركا والغرب جاهزون لهذه الحرب الشاملة؟ الوقائع والإمكانيات تؤكد عجزهم عن ذلك، فهم في مرحلة الضعف العسكري والأزمة المادية، ولذا فإن تركيا ستدفع ثمن تهورها واندفاعها المشبوه في سورية، وستلحق بها قطر والسعودية، فأول الإنذارات الإيرانية كانت تحميل تركيا وقطر والسعودية مسؤولية خطف الزوار الإيرانيين في دمشق، وهذا أول اتهام للبلدان الثلاثة بمسؤولية إشعال المنطقة، ومن يشعل النار لا بد أن يكون مسؤولاً عن تداعياتها، وستصيبه كما أصابت الأخرين، وستكون القواعد الأميركية في قطر وتركيا والخليج ومصافي النفط أعواد الثقاب لإحراق من يريد إسقاط محور الممانعة ابتداء من سورية.. فهل يكون المخطوفون الإيرانيون والحراك الكردي بداية اشتعال المنطقة في آب 2012.. أم بداية التفاوض الساخن من أجل التسوية التي تحفظ الجميع؟

 

  • فريق ماسة
  • 2012-08-08
  • 7979
  • من الأرشيف

إيران ـ تركيا.. صراع أم هدنة؟

كانت معركة "جالديران" في 23 آب عام 1514م، آخر المعارك بين الصفويين في إيران، والعثمانيين السلاجقة على المستويين العسكري والعقائدي، وتم بعدها تطبيع العلاقات على مبدأ حفظ مصالح الطرفين الاقتصادية والأمنية، وعدم التدخل في شؤون بعضهما البعض حتى القرن التاسع عشر؛ حيث تطورت العلاقات بين البلدين بعد انهيار الدولة العثمانية ووصول كمال أتاتورك وشاه إيران رضا بهلوي، وانضوى الاثنان تحت العباءة الأميركية ـ الغربية وحلف بغداد "السنتو" في منتصف الخمسينات، ومجلس التعاون الاقتصادي "الإبكو" الذي يضم باكستان وأفغانستان ودول آسيا الوسطى وتركيا وإيران، واعترفت تركيا بـ"إسرائيل" عام1949 وتبعتها إيران.   بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، عاد الافتراق السياسي بين تركيا وإيران، بسبب خروج إيران من التحالف الأميركي ـ الغربي، وإعلان الجمهورية الإسلامية التي قطعت علاقاتها مع "إسرائيل" وفتحت أول سفارة لفلسطين في العام1979، بينما بقيت تركيا في حلف الناتو وحليفاً استراتيجياً لـ"إسرائيل"، وفق النظام العلماني المحاصر للإسلام في تركيا، لكن هذا التمايز والاختلاف لم يتطور إلى مستوى الصراع العسكري أو قطع العلاقات السياسية والاقتصادية. من جهة أخرى، تشترك الدولتان في إرهاصات المشكلة الكردية، والمطالب الكردية بتشكيل دولة كردستان الكبرى في أجزاء من (تركيا - إيران - العراق - سورية)، مع تمايز الواقع الكردي في العراق وتركيا، والذي يتصف بالعنف والعمل المسلح منذ عقود، أكثر مما تشهده الساحة الإيرانية، وانعدامه على الساحة السورية، مع الإشارة إلى أن "حزب الله" التركي قد أسسته المخابرات التركية ضد حزب العمال الكردستاني من جهة، ولتوتير العلاقة بين الحزب وإيران، وإثارته للعمل المسلح في الداخل الإيراني من جهة أخرى. بعد وصول حزب العدالة والتنمية بقيادة الثنائي أردوغان - غول بعد انقلابهما على أستاذهما نجم الدين أربكان، الذي مثل الأب المعاصر للإسلام السياسي في تركيا، فُتحت الأبواب أمام أردوغان - غول، في لعبة ذكية قادتها أميركا و"إسرائيل"، لصناعة قوة إقليمية تمثل "الإسلام السُّني السياسي"، مقابل إيران التي تمثل "الإسلام الشيعي السياسي"، وذلك ضمن استراتيجية ضرب الإسلام الحركي والفاعل، وتدمير قواه من الداخل، للتخلص من آخر القوى العادية للإمبراطورية الأميركية، وفسح المجال أمام التكفيريين والوهابية الساذجة المهجنة فكرياً، والقائمة على بعض القشور الفكرية والسلوكية الغريبة، والتي تفتقر إلى الفقهاء المفكرين والعناصر الواعية، وتنهج مبدأ الذبح والقتل الأعمى لكل من يخالفها الرأي أو من توعز إليها أجهزة المخابرات بقتله. وفي لحظة مفصلية تسمى مجازاً "الربيع العربي"، تم برعاية أميركية التزاوج بين الوهابيين والإسلام العلماني "تركيا" لحصار الإسلام الأصيل (المذاهب الخمسة)، ومحور المقاومة والممانعة، ولتفجير الفتنة المذهبية والطائفية لتقسيم المنطقة إلى إمارات وكيانات ضعيفة ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد، بعدما سقط المشروع في حرب لبنان الثانية عام 2006. ظهرت نقطة الخلاف الثانية بين إيران وتركيا في هذه المرحلة بشكل حاد في الموضوع السوري، وسبقه الخلاف حول نشر الدرع الصاروخية لحلف الناتو على الأراضي التركية، بما يهدد الأمن القومي الإيراني والروسي، ويوفر الإنذار الإستباقي لـ"إسرائيل" من الصواريخ الإيرانية. وبعد غياب الدور السعودي والمصري على مستوى القيادة لـ"الإسلام السُّني السياسي"، شمّرت تركيا عن سواعدها وأعلنت نفسها "القائد" الميداني "للسنية السياسية" المرتبطة بأميركا والمشروع الغربي والمتحالفة مع "إسرائيل"، وفي خداع للرأي العام العربي والإسلامي واختراق للوعي ومسح الذاكرة، عبرت تركيا وبشكل سريع من النافذة الفلسطينية ومسرحية "سفينة مرمرة" الهوليوودية، والتي كانت "المفتاح" التركي للدخول إلى غرف النوم العربية.   انقلبت تركيا على تحالفاتها، وكشفت عن وجهها التآمري على المستوى السياسي والمذهبي بأمر أميركي، فتدخلت في العراق مطالبة بحقوق "أهل السنة" وحماية طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي، المتهم بالإرهاب، وتحالفت مع البرازاني في تركيا، ودعمت العمل المسلح في سورية انطلاقاً من قاعدة مذهبية ضد العلويين، وبدأ أردوغان باستخدام المصطلحات والألفاظ المذهبية المباشرة دون حرج، واستمال حركة "حماس" لإخراجها من سورية والاستعانة بإمكانياتها للعمل ضد النظام في سورية، والانفصال عن إيران بتحريض مذهبي، ويُخشى من انخراط "حماس" في هذا المشروع، الذي سيكون بمنزلة إعدام سياسي لها وللقضية الفلسطينية، لاسيما أن رئيس المجلس التشريعي؛ الدكتور عزيز دويك، تمنى أن يكون العيد عيدين في سورية: عيد الفطر وعيد إسقاط بشار الأسد، ناسياً عيد تحرير القدس! إن العلاقة الإيرانية - التركية تسير على شفير الهاوية، ويعمل الأميركي و"الإسرائيلي" لإيقاع الصدام بينهما لتحقيق هدفين أساسيين: - تدمير قوة الإسلام السياسي بجناحيه "السني والشيعي"، في تكرار للحرب الإيرانية - العراقية والغزو العراقي للكويت. - إشعال الفتنة المذهبية بين "السنة والشيعة"، والتي تمثل آخر حلقات الحرب الأميركية. إن إرهاصات التوتر التركي - الإيراني بدأت بالظهور من النافذة السورية، مع حرص الطرفين على تفادي الصدام حفظاً لمصلحة الطرفين، لكن إن تجاوز الأتراك التدخل السياسي والدعم العسكري والمذهبي واللوجستي والمادي للمسلحين، فسيبادر الإيرانيون إلى تطبيق معاهدة الدفاع المشترك مع سورية، وضرب الجيش التركي؛ العضو في حلف الناتو، الذي ستُفتح له الأبواب للتدخل الخارجي خارج إطار مجلس الأمن بحجة مساعدة تركيا، وهذا ما سيشعل النار في كل المنطقة، وليس في ذلك مبالغة أو تهويل، بل واقع، لأن سقوط سورية هو الخطوة الأولى لإسقاط العراق، ثم إسقاط إيران، وصولاً إلى إسقاط روسيا والصين؛ في عملية "دومينو" سياسي متسلسل، لكن السؤال المطروح: هل أميركا والغرب جاهزون لهذه الحرب الشاملة؟ الوقائع والإمكانيات تؤكد عجزهم عن ذلك، فهم في مرحلة الضعف العسكري والأزمة المادية، ولذا فإن تركيا ستدفع ثمن تهورها واندفاعها المشبوه في سورية، وستلحق بها قطر والسعودية، فأول الإنذارات الإيرانية كانت تحميل تركيا وقطر والسعودية مسؤولية خطف الزوار الإيرانيين في دمشق، وهذا أول اتهام للبلدان الثلاثة بمسؤولية إشعال المنطقة، ومن يشعل النار لا بد أن يكون مسؤولاً عن تداعياتها، وستصيبه كما أصابت الأخرين، وستكون القواعد الأميركية في قطر وتركيا والخليج ومصافي النفط أعواد الثقاب لإحراق من يريد إسقاط محور الممانعة ابتداء من سورية.. فهل يكون المخطوفون الإيرانيون والحراك الكردي بداية اشتعال المنطقة في آب 2012.. أم بداية التفاوض الساخن من أجل التسوية التي تحفظ الجميع؟  

المصدر : د. نسيب حطيط\ الثبات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة