يستحضر تعامل الأعلام الخليجي والغربي مع حادثة فرار رئيس الوزراء السوري المقال إلى قطر رياض حجاب، حادثة شبيهة وقعت بعد فوز الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. ففي أثناء المداولات بين المنتصرين بهذه الحرب لتشكيل مجلس الأمن وتسمية الدول الدائمة العضوية،

كان هناك اقتراح من جانب الدول الغربية على الرئيس الروسي جوزف ستالين بإضافة اسم دولة الفاتيكان إلى الدول الخمس المعروفة، فردّ وقتها ستالين عليهم بسؤاله الشهير: "وكم يملك البابا من الدبابات"، فأجابوه: "ولا دبابة"، فضحك ستالين ملء شدقيه من هذا الاقتراح الذي دفن في لحظته.

ليس لدى حجاب دبابات ولا فرق عسكرية، إنما شخصه مع مادة إعلامية سريعة الاستهلاك في وقت تتوالى تطورات الحدث السوري، فأول ما يتبادر إلى الذهن من الطريقة التي تعامل بها الإعلام المناوىء لسوريا مع فرار حجاب، هو اعتماد هذا الإعلام على الجهل المطبق للبعض بهيكلية النظام في دمشق، ووقوع هذا الإعلام ضحية ندرة إطلاعه على كيفية اشتغال مؤسسات هذا النظام، فلا شك، أن سوريا لا تأخذ بالديموقراطية الغربية القائمة على تمكين نخب معينة من الحكم عبر الانتخابات، كما أن سوريا ليست بشفافية هذه الديموقراطيات المذكورة، وبالتالي توزيع النفوذ بين مؤسسات النظام يتباين بشكل كبير عن توزيعه بين مؤسسات الدول الأخرى، لذا حجاب ليس سوى موظف رفيع المستوى في الدولة السورية، خصوصا في ظل الأزمة الحاضرة التي تواجهها هذه الدولة، حيث انتقل القرار استثنائيا إلى أمكنة أخرى بحكم الأحداث.

حادثة حجاب هي قنبلة إعلامية خلبية سيظهر زوال مفعولها قريبا، وتستمد قيمتها من تعاظم حجم الإعلام في المواجهة الدائرة في سوريا، حيث من ضمن ما يناط بهذا الإعلام، تعويض هزائم المعارضة السورية بهذا النوع من الانتصارات الوهمية، فأصحابها يدركون أنها لا تغير إطلاقا من الموازين على الأرض، إنما هي بمثابة محاولة لتفكيك التحالف الدولي والإقليمي الداعم للرئيس بشار الأسد والرافض لأي تدخل في الشؤون الداخلية للدولة السورية، عبر الإيحاء لهذا المعسكر بعدم جدوى الرهان على نظام دمشق، والقول بأن الحلقة القريبة من الرئيس الأسد، بدأت تقفز من مركب حكمه الآيل إلى الغرق.

ما يجب الالتفات إليه، وهو ما حجبته قصة حجاب، الكلفة المالية العالية التي تتكبدها دولتا قطر والسعودية للاستثمار على ما يسمى "لعبة الانشقاقات"، وهي ليست انشقاقات على المعنى السياسي المتعارف عليه، فالانشقاقات تسبقها عادة افتراقات لا تظهر بشكل فجائي، بل هي عبارة عن سمسرات لشراء ذمم عسكريين وأمنيين وسياسيين لقاء مبالغ مالية خيالية، على أن يظهر هؤلاء على وسائل الإعلام ويرددون المعزوفة المملة عن ربط فرارهم من سوريا بممارسات النظام القمعية، وليس مستبعدا، أن تكون بعض الانشقاقات تتوخى الربح المالي الخالص خصوصا إذا كام توظيفها السياسي ضعيفا.

ولا تتوقف الفاتورة المالية للانشقاقات على شراء الشخص المطلوب وكوميسيونات الوسطاء، إنما يدخل من ضمنها مصاريف تهريبه، ولأجل هذه الغاية يجري توظيف أجهزة استخبارية دولية لها محطاتها في سوريا، وتتقاضى من الدوحة والرياض أتعاب خدماتها في هذا المجال، وينقل أن حجاب كانت "مكافأته" خرافية، حيث بلغت خمسين مليون يورو، في حين وصلت تكاليف تهريبه إلى ما يتجاوز العشرة ملايين يورو.

على هذا، ووفق هذه الأرقام المالية للعبة الانشقاقات وضحالة تأثيرها على مجريات الحدث السوري، يصبح هناك تقييم معاكس تماما للاستنتاجات التي يعممها الإعلام الغربي والخليجي من فرار حجاب أوغيره، فهي إضافة للاغتيالات، تدلل من جهة على إفلاس الطرف المتربص بسوريا من تعديل موازين الصراع على الأرض، لذا كان لجوؤه إلى أساليب مكشوفة لا يستطيع الاحتراف الإعلامي حقنها بالـتأثير أو تجميل خساستها ودناءتها عبر شراء الذمم، وهي من جهة ثانية تؤشر إلى مدى صلابة النظام ومتانته وتلاحم مكوناته في ظل الهجمة الكبيرة عليه، وقدرته على احتمال كافة أنواع الضغوط، بما فيها استخدام المغريات المالية بخلاف دول أخرى مرت في الامتحان ذاته وكانت مناعتها ضعيفة، والمثال الليبي حاضرا. بأي حال، لو استعدنا سؤال ستالين، الجواب سيكون ولا دبابة..والنتيجة تسلية إعلامية. 

  • فريق ماسة
  • 2012-08-08
  • 11098
  • من الأرشيف

فرار حجاب..تسليّة إعلامية

يستحضر تعامل الأعلام الخليجي والغربي مع حادثة فرار رئيس الوزراء السوري المقال إلى قطر رياض حجاب، حادثة شبيهة وقعت بعد فوز الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. ففي أثناء المداولات بين المنتصرين بهذه الحرب لتشكيل مجلس الأمن وتسمية الدول الدائمة العضوية، كان هناك اقتراح من جانب الدول الغربية على الرئيس الروسي جوزف ستالين بإضافة اسم دولة الفاتيكان إلى الدول الخمس المعروفة، فردّ وقتها ستالين عليهم بسؤاله الشهير: "وكم يملك البابا من الدبابات"، فأجابوه: "ولا دبابة"، فضحك ستالين ملء شدقيه من هذا الاقتراح الذي دفن في لحظته. ليس لدى حجاب دبابات ولا فرق عسكرية، إنما شخصه مع مادة إعلامية سريعة الاستهلاك في وقت تتوالى تطورات الحدث السوري، فأول ما يتبادر إلى الذهن من الطريقة التي تعامل بها الإعلام المناوىء لسوريا مع فرار حجاب، هو اعتماد هذا الإعلام على الجهل المطبق للبعض بهيكلية النظام في دمشق، ووقوع هذا الإعلام ضحية ندرة إطلاعه على كيفية اشتغال مؤسسات هذا النظام، فلا شك، أن سوريا لا تأخذ بالديموقراطية الغربية القائمة على تمكين نخب معينة من الحكم عبر الانتخابات، كما أن سوريا ليست بشفافية هذه الديموقراطيات المذكورة، وبالتالي توزيع النفوذ بين مؤسسات النظام يتباين بشكل كبير عن توزيعه بين مؤسسات الدول الأخرى، لذا حجاب ليس سوى موظف رفيع المستوى في الدولة السورية، خصوصا في ظل الأزمة الحاضرة التي تواجهها هذه الدولة، حيث انتقل القرار استثنائيا إلى أمكنة أخرى بحكم الأحداث. حادثة حجاب هي قنبلة إعلامية خلبية سيظهر زوال مفعولها قريبا، وتستمد قيمتها من تعاظم حجم الإعلام في المواجهة الدائرة في سوريا، حيث من ضمن ما يناط بهذا الإعلام، تعويض هزائم المعارضة السورية بهذا النوع من الانتصارات الوهمية، فأصحابها يدركون أنها لا تغير إطلاقا من الموازين على الأرض، إنما هي بمثابة محاولة لتفكيك التحالف الدولي والإقليمي الداعم للرئيس بشار الأسد والرافض لأي تدخل في الشؤون الداخلية للدولة السورية، عبر الإيحاء لهذا المعسكر بعدم جدوى الرهان على نظام دمشق، والقول بأن الحلقة القريبة من الرئيس الأسد، بدأت تقفز من مركب حكمه الآيل إلى الغرق. ما يجب الالتفات إليه، وهو ما حجبته قصة حجاب، الكلفة المالية العالية التي تتكبدها دولتا قطر والسعودية للاستثمار على ما يسمى "لعبة الانشقاقات"، وهي ليست انشقاقات على المعنى السياسي المتعارف عليه، فالانشقاقات تسبقها عادة افتراقات لا تظهر بشكل فجائي، بل هي عبارة عن سمسرات لشراء ذمم عسكريين وأمنيين وسياسيين لقاء مبالغ مالية خيالية، على أن يظهر هؤلاء على وسائل الإعلام ويرددون المعزوفة المملة عن ربط فرارهم من سوريا بممارسات النظام القمعية، وليس مستبعدا، أن تكون بعض الانشقاقات تتوخى الربح المالي الخالص خصوصا إذا كام توظيفها السياسي ضعيفا. ولا تتوقف الفاتورة المالية للانشقاقات على شراء الشخص المطلوب وكوميسيونات الوسطاء، إنما يدخل من ضمنها مصاريف تهريبه، ولأجل هذه الغاية يجري توظيف أجهزة استخبارية دولية لها محطاتها في سوريا، وتتقاضى من الدوحة والرياض أتعاب خدماتها في هذا المجال، وينقل أن حجاب كانت "مكافأته" خرافية، حيث بلغت خمسين مليون يورو، في حين وصلت تكاليف تهريبه إلى ما يتجاوز العشرة ملايين يورو. على هذا، ووفق هذه الأرقام المالية للعبة الانشقاقات وضحالة تأثيرها على مجريات الحدث السوري، يصبح هناك تقييم معاكس تماما للاستنتاجات التي يعممها الإعلام الغربي والخليجي من فرار حجاب أوغيره، فهي إضافة للاغتيالات، تدلل من جهة على إفلاس الطرف المتربص بسوريا من تعديل موازين الصراع على الأرض، لذا كان لجوؤه إلى أساليب مكشوفة لا يستطيع الاحتراف الإعلامي حقنها بالـتأثير أو تجميل خساستها ودناءتها عبر شراء الذمم، وهي من جهة ثانية تؤشر إلى مدى صلابة النظام ومتانته وتلاحم مكوناته في ظل الهجمة الكبيرة عليه، وقدرته على احتمال كافة أنواع الضغوط، بما فيها استخدام المغريات المالية بخلاف دول أخرى مرت في الامتحان ذاته وكانت مناعتها ضعيفة، والمثال الليبي حاضرا. بأي حال، لو استعدنا سؤال ستالين، الجواب سيكون ولا دبابة..والنتيجة تسلية إعلامية. 

المصدر : حسن حمية \ الانتقاد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة