دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تمارس الولايات المتحدة، لعبة مزدوجة لا أخلاقية نحو الشأن السوري؛ إنها تعرف جيداً جداً أن طريق التدخل العسكري المباشر في سورية مغلق بالتوازنات الدولية المستجدة مع روسيا والصين ودول البريكس.
وهو ما يعني أن فرصة إسقاط النظام السوري بالقوة هي فرصة ضعيفة بالنظر إلى
(1) التفوّق الكاسح للجيش العربي السوري على المعارضة المسلحة،
(2) والمساعدات الاقتصادية التي يقدمها الروس والإيرانيون لدمشق
، (3) والتأييد السياسي الذي يلقاه الرئيس بشار الأسد من نصف السوريين على الأقل،
(4) في مقابل معارضة مفككة تتنازعها العواصم وأجهزة الاستخبارات، وانتقل ثقلها الأساسي إلى أيدي الجماعات الأصولية والتكفيرية والإرهابية.
ومع ذلك، لا تكف الولايات المتحدة عن نشر الأوهام حول إمكانية سقوط النظام السوري، بـ"الوسائل المتاحة". وهي تشجّع المسلحين بمن فيهم العناصر الإرهابية، وتدعمهم سياسياً ومالياً واستخبارياً، وتقدم الغطاء للسعودية وقطر وتركيا لتسليحهم وتمويلهم. وهي تفعل ذلك، يحدوها الأمل في أن تحدث " المعجزة" ويسقط النظام المعادي من خلال العمليات الإرهابية المصحوبة بالتهييج السياسي والإعلامي والانشقاقات.
هو مجرد أمل وليس هدفاً. وقد أقرت واشنطن بأن ما تعرفه عن سورية قليل، ولا يسمح لها بتكوين تصوّر عملي وواقعي للمستقبل. ومع ذلك فللأميركيين أهداف عملية وواقعية في سورية تتمثل في إطالة أمد استنزاف البلد وتدمير بناه التحتية واقتصاده واستهلاك قدرات الجيش والمجتمع وترويض السوريين للقبول بالهيمنة الأميركية والصلح مع إسرائيل.
وهذه الأهداف هي التي تفسر عدداً كبيراً من العمليات الإرهابية التي لا تستهدف إضعاف النظام، ولكن قدرات الدولة والجيش، بما في ذلك نسف البنى التحتية والسكك والجسور وخطوط الغاز والنفط والماء والكهرباء والمرافق العامة واغتيال الكادرات العلمية والعسكرية الفنية. (فأي هدف سياسي يكمن ـ مثلاً ـ وراء اغتيال مدير المشروع الصاروخي السوري؟) وقد ثبت مؤخراً، من خلال رصد اتصالات بين ضباط أميركيين وضباط من الجيش الحر، أن تلك الاستهدافات مخططة أميركياً.
لم يعد السجال حول سورية ذا معنى، فقد اتضحت الصورة بدون رتوش ولا ظلال؛ نحن الآن في مواجهة حرب بين الجيش السوري والجماعات المسلحة بكل تلاوينها. والفعل هو اليوم للسلاح وليس للنقاش ولا المظاهرات ولا الهوسات السياسية والإعلامية. ونتيجة الحرب ميدانياً هي التي ستحسم الموقف سياسياً. وبالنسبة للأميركيين، فسيحصدون انتصاراً شاملاً في الشرق الأوسط ، وبلا ثمن، إذا سقط النظام، ولا يوجد ما يمنعهم، بالمقابل، من التفاوض مع دمشق حين تحسم الموقف عسكرياً. في الحالة الأولى سيجد "الخلايجة" أنفسهم في المؤخرة خلف السيد الأميركي، وفي الحالة الثانية سيدفعون ثمن الانتقام الرهيب.
أكبر الخاسرين في الأزمة السورية، بغض النظر عن نتائجها، هي تركيا التي فقدت اليوم مكانتها الإقليمية وعلقت في عداوات مع سورية والعراق وإيران وروسيا، لكن خساراتها الأكبر، تتمثّل في الانفجار الدرامي للقضية الكردية التركية، وبات انفصال الإقليم الكردي الذي يضم حوالي عشرين مليوناً على جدول الأعمال. لقد وجهت دمشق ضربة استراتيجية لأنقرة، حين اعترفت بالقضية الكردية السورية، وسلّحت مقاتلي "العمال الكردستاني" الذين يسعون الآن إلى تحرير منطقة عازلة داخل تركيا تكون بمثابة قاعدة لتحرير الإقليم الكردي كله. إن الدولة الكردية الموحدة تلوح في الأفق. يعني ذلك فتح ملف الاسكندرون والعرب والعلويين والأرمن في تركيا. المغامرة التركية في سورية أحرقت أصابع دولة إقليمية كبرى بحجم تركيا، فما بالك بالأردن؟
نحن لا نتحدث عن ضعف الإمكانيات فقط، ولكن عن عناصر واقعية لمشروع الوطن البديل، سوف تجتمع معاً، وتحدث القفزة النوعية، حالما ننتقل، لا سمح الله، إلى حالة فوضى تتفاعل احتمالاتها في مؤشرات عديدة وصادمة.
المصدر :
ناهض حتر\ العرب اليوم
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة