كتب توماس فريدمان في" ذي نيويورك تايمز" قائلاً :" سورية هي العراق" لكن " ما من قوة عظمى ومسلحة بشكل كبير تجرؤ على لعب دور القابلة القانونية والدخول في المعركة السورية".

لا الولايات المتحدة ولا روسيا يمكنهما ذلك. لكن هناك مَن يوهم الأردن، وهناك في الأردن من يتوهّم أن التدخل الأردني في الحريق السوري سيكون سريعاً وناجحاً وبلا كلفة ومفيداً. طبعاً. سيكون مفيداً لأولئك الذين كوّنوا الثروات من الحرب على الخليج، لكن الشعب الأردني سيدفع ثمناً باهظاً.

هناك رؤوس حامية في الشارع وأخرى تبحث عن أدوار وأموال في المكاتب، ما يجعل الأردن مرشحاً لإحراق يديه في سورية أكثر من الولايات المتحدة التي تعتمد على جهود استخبارية مكثفة و" مليئة بالثغرات"، غير أنها تخشى التورّط المباشر في عراق جديدة.

أخشى أن هناك نوعاً من التكاذب بين واشنطن وعمّان، الأولى حائرة وتتعلّق بأية فرصة لإدارة اليوم التالي للأسد، والثانية تستعرض عضلات وهمية. ولو كانت الفرضية تنحصر في ضبط الأسلحة الكيماوية فقط، فإن التقديرات الأميركية تتحدث عن عشرات آلاف الجنود للقيام بالمهمة. الأميركيون لن يرسلوا جندياً واحداً، بل سيقدمون وسائل النقل والمعلومات.

ذهبت السكرة وجاءت الفكرة.

سورية ليست العراق، بل هي العراق مضاعفا. لدينا هنا سنّة وعلويون وشيعة واسماعيليون ومسيحيون ودروز وأكراد وبدو وفلاحون وحضر متمدنون وقوى حزبية متجذرة. وكل هؤلاء سينخرطون في حرب مديدة طاحنة حالما يسقط نظام الأسد. وهو حدث يبدو اليوم كالكابوس لدى القوى الدولية والإقليمية التي تعمل مستميتة، منذ عام ونصف العام ، على إنجازه من خلال تسليح تمرد بلا قيادة واستجلاب الجهاديين وتمويل الهدم من دون أن تكون هناك أية لحظة تفكير في اليوم التالي.

لعل هذا هو السر في القوة السياسية للنظام السوري. إن أغلبية السوريين من الأقليات والسنّة المتمدنين، فكروا ويفكرون، واقعياً، بما بعد الأسد، أكثر مما يفكرون في أفعاله. من جهتهم، الوطنيون والقوميون العرب من الناقدين التقليديين للنظام البعثي السوري، أصبحوا مضطرين للتمسك بهذا النظام لأن التمرد المسلح الذي موّله الخليج بصورة مهووسة بلا رؤية ولا برنامج ولا قوة وازنة يمكنها الحفاظ على وحدة البلد وسلامه وقدراته. القوى الوحيدة التي أيّدت وتؤيّد التمرد المسلح في سورية بلا تحفظ، تتمثل في التيارات الأصولية والسلفية الجهادية وحلفائها من الليبراليين المزيفين. حسناً، تأمل هذه القوى بالحصول على ساحة للتقاتل فيما بينها.

حتى الإخوان المسلمون ليست لهم مصلحة في القتال، بل بالبحث عن صيغة تفاهم واقعية مع الأسد. فهم ليسوا قادرين على توحيد سورية، وسينحصر وجودهم في المناطق السنية العربية، وسيدخلون في نزاع عنيف خاسر مع السلفية الجهادية والقاعدة. وهذه هي القوى ستتقاتل فيما بينها حتى الموت وحتى يفوز أكثرها تطرفاً، ويوسّع نشاطه نحو الدول المجاورة.

كل الذين تورّطوا في جريمة التمرد المسلح والنشاط الإرهابي في سورية، عليهم أن يتمنوا اليوم الهزيمة أمام الأسد، فهي أهون ألف مرة مما سيصيبهم من نيران انتصارهم

العرب اليوم

  • فريق ماسة
  • 2012-07-29
  • 10094
  • من الأرشيف

سورية ... هي العراق مضاعفا

  كتب توماس فريدمان في" ذي نيويورك تايمز" قائلاً :" سورية هي العراق" لكن " ما من قوة عظمى ومسلحة بشكل كبير تجرؤ على لعب دور القابلة القانونية والدخول في المعركة السورية". لا الولايات المتحدة ولا روسيا يمكنهما ذلك. لكن هناك مَن يوهم الأردن، وهناك في الأردن من يتوهّم أن التدخل الأردني في الحريق السوري سيكون سريعاً وناجحاً وبلا كلفة ومفيداً. طبعاً. سيكون مفيداً لأولئك الذين كوّنوا الثروات من الحرب على الخليج، لكن الشعب الأردني سيدفع ثمناً باهظاً. هناك رؤوس حامية في الشارع وأخرى تبحث عن أدوار وأموال في المكاتب، ما يجعل الأردن مرشحاً لإحراق يديه في سورية أكثر من الولايات المتحدة التي تعتمد على جهود استخبارية مكثفة و" مليئة بالثغرات"، غير أنها تخشى التورّط المباشر في عراق جديدة. أخشى أن هناك نوعاً من التكاذب بين واشنطن وعمّان، الأولى حائرة وتتعلّق بأية فرصة لإدارة اليوم التالي للأسد، والثانية تستعرض عضلات وهمية. ولو كانت الفرضية تنحصر في ضبط الأسلحة الكيماوية فقط، فإن التقديرات الأميركية تتحدث عن عشرات آلاف الجنود للقيام بالمهمة. الأميركيون لن يرسلوا جندياً واحداً، بل سيقدمون وسائل النقل والمعلومات. ذهبت السكرة وجاءت الفكرة. سورية ليست العراق، بل هي العراق مضاعفا. لدينا هنا سنّة وعلويون وشيعة واسماعيليون ومسيحيون ودروز وأكراد وبدو وفلاحون وحضر متمدنون وقوى حزبية متجذرة. وكل هؤلاء سينخرطون في حرب مديدة طاحنة حالما يسقط نظام الأسد. وهو حدث يبدو اليوم كالكابوس لدى القوى الدولية والإقليمية التي تعمل مستميتة، منذ عام ونصف العام ، على إنجازه من خلال تسليح تمرد بلا قيادة واستجلاب الجهاديين وتمويل الهدم من دون أن تكون هناك أية لحظة تفكير في اليوم التالي. لعل هذا هو السر في القوة السياسية للنظام السوري. إن أغلبية السوريين من الأقليات والسنّة المتمدنين، فكروا ويفكرون، واقعياً، بما بعد الأسد، أكثر مما يفكرون في أفعاله. من جهتهم، الوطنيون والقوميون العرب من الناقدين التقليديين للنظام البعثي السوري، أصبحوا مضطرين للتمسك بهذا النظام لأن التمرد المسلح الذي موّله الخليج بصورة مهووسة بلا رؤية ولا برنامج ولا قوة وازنة يمكنها الحفاظ على وحدة البلد وسلامه وقدراته. القوى الوحيدة التي أيّدت وتؤيّد التمرد المسلح في سورية بلا تحفظ، تتمثل في التيارات الأصولية والسلفية الجهادية وحلفائها من الليبراليين المزيفين. حسناً، تأمل هذه القوى بالحصول على ساحة للتقاتل فيما بينها. حتى الإخوان المسلمون ليست لهم مصلحة في القتال، بل بالبحث عن صيغة تفاهم واقعية مع الأسد. فهم ليسوا قادرين على توحيد سورية، وسينحصر وجودهم في المناطق السنية العربية، وسيدخلون في نزاع عنيف خاسر مع السلفية الجهادية والقاعدة. وهذه هي القوى ستتقاتل فيما بينها حتى الموت وحتى يفوز أكثرها تطرفاً، ويوسّع نشاطه نحو الدول المجاورة. كل الذين تورّطوا في جريمة التمرد المسلح والنشاط الإرهابي في سورية، عليهم أن يتمنوا اليوم الهزيمة أمام الأسد، فهي أهون ألف مرة مما سيصيبهم من نيران انتصارهم العرب اليوم

المصدر : ناهض حتر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة