ثمة قلق عظيم في سورية وعليها. مردّ القلق الاشتباكاتُ العنيفة التي تعصف بمعظم مناطقها. اخطرها في حلب، عاصمتها الإقتصادية، وفي الشمال الشرقي منها على امتداد الحدود السورية-التركية وصولاً الى محافظة الحسكة حيث معظم الكرد السوريين،

وفي الجنوب الشرقي، ولا سيما بالقرب من معبر اليعربية (ربيعة) على الحدود بين سورية والعراق حيث تجري محاولات لتعبئة عشائر الشمر وزبيد المنتشرة بين البلدين لمقاتلة النظام.

الى ذلك، تقوم «اسرائيل» بحشد المزيد من القوات والمعدات في هضبة الجولان بدعوى التحسب لامكانية انتقال الاسلحة الكيميائية السورية الى «حزب الله» وتنظيم «القاعدة». غير ان محللين سياسيين وعسكريين فسروا تكثيف الحشود بأنه تحسّبٌ لتطورات عسكرية يمكن ان تحدث على طول الحدود السورية-التركية في اعقاب تهديدات رجب طيب اردوغان بملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني (التركي) الى داخل سورية «اذا اقتضت ذلك ضرورات الدفاع».

الواقع ان مرد الخطر والقلق تهديدُ اردوغان بإنشاء منطقة آمنة او عازلة داخل الاراضي السورية للتصدي للمتمردين الاكراد. برر هذا الإجراء بإتهامٍ لدمشق «بوضع خمس محافظات سورية في عهدة الاكراد والمنظمة الإرهابية»، يعني بها حزب العمال الكردستاني.

صحيح ان ثمة وجوداً وازناً للأكراد في المناطق الحدودية، لكن هذا الإنتشار يبقى قاصراً عن ان يشمل محافظاتٍ خمساً. إشارة اردوغان المريبة الى «المحافظات الخمس» حملت بعض المحللين السياسيين على الإعتقاد بأن حديثه عن «المنطقة الآمنة او العازلة» يستبطن استهدافاً لمدينة حلب بالدرحة الاولى. وكانت المعارضة السورية المسلحة قد وصفت معركة حلب بأنها «بنغازي سورية»، وانها معركة فاصلة مع النظام. غني عن البيان ان تعاوناً وثيقاً بين الاتراك والاميركيين يجري في هذه المنطقة. فقد نشرت صحيفة «اكسبرس» المحلية التركية «أن اعداداً كبيرة من الشاحنات تخرج من قاعدة انجرليك (الاطلسية) في اضنة محمّلة بالاسلحة والذخيرة وتوزّع على المعارضة السورية في المناطق الحدودية».

غير ان الصراع في سورية وعليها لا يقتصر على لاعبين اتراك واميركيين واسرائيليين واكراد بل يتعدى هؤلاء الى لاعبين «اسلاميين جهاديين». فقد لاحظت صحيفة «نيويورك تايمز» ان «الادلة تتزايد على تحوّل سورية منطقة جذب للتطرف السّني بما في ذلك الذين ينشطون تحت راية القاعدة»، مشيرةً الى ان «معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا تحوّل مركز تجمع لما يعرف بالجهاديين». الى ذلك، ابرزت قنوات تلفزيونية عربية واجنبية عدّة تصريحات، بالصوت والصورة، لبعض هؤلاء «الجهاديين»، القادمين من باكستان والشيشان واكرانيا وبلدان شمال افريقيا، يعربون فيها عن املهم في اقامة دولة اسلامية سورية-عراقية لكل المسلمين

 

دخول «القاعدة» و»الجهاديين» الى المشهد السوري، وانتشار حزب العمال الكردستاني على طول الحدود السورية-التركية، مثيران للقلق، فضلاً عما يحملانه من مخاطر بالنسبة لاميركا وتركيا والعراق و…المعارضة السورية.

فالولايات المتحدة التي عانت كثيراً من «القاعدة» منذ احداث 11/9/2001 في نيويورك وواشنطن، تجد نفسها اخيراً في خندق واحد مع «الإرهابيين»، وسط كل ما يحمله هذا اللقاء الغريب من حرج ومخاطر. فقد صرح العميد مصطفى الشيخ، الذي يقود المجلس العسكري في «الجيش السوري الحر»، الى موقع «دايلي بيست» الالكتروني ان «تنظيم القاعدة يزداد قوة على الارض»، واصفاً هذا الوضع بأنه «خطير للغاية»، وان «ترك سورية لمصيرها» (…) قد يؤدي الى ان «تصبح افغانستان او عراقاً آخر».

كبيرة الباحثين في برنامج الشرق الاوسط في «معهد كارنيغي للسلام الدولي» مارينا اوتاوي علّقت على ما قاله العميد الشيخ بقولها إن تزايد الحديث عن دور «القاعدة» في سورية يأتي رداً على «معلومات واقعية» في هذا السياق. اضافت : «أشك في انه سيكون لهذا الامر تأثير في سياسة اميركا التي ستبقى تراقب الوضع وتصدر بيانات ولا تفعل شيئا». لماذا ؟ «لأنها ذهبت بعيداً في مواقفها من سورية ولن تتراجع».

تركيا اردوغان ذهبت بعيداً، هي الاخرى، في مواقفها من سورية، فهل تتراجع ؟ لعل اردوغان يشعر بحرج شديد لمرأى الاكراد، بمختلف تياراتهم في تركيا والعراق وسورية، وقد اتحدوا ضد حكومته. انها فرصة تاريخية لن يفوّتوها. فتركيا تعاني من تراجع في النمو والتنمية الامر الذي حمل نحو 80 في المئة من الشعب التركي على معارضة اي مشاركة لحكومته في تدخل عسكري خارجي ضد سورية. فوق ذلك، انتعش تمرد الاكراد في جنوب شرق البلاد، وانتظمت المعارضة الكردية في جبهة واحدة للمطالبة بإطلاق سراح زعيم الاكراد التاريخي عبد الله اوجلان. ثم ان زعيم الاكراد العراقيين، مسعود البرزاني، يبدو مضطراً، ازاء التلاقي الشعبي الكردي في البلدان الثلاثة، الى السكوت وربما التجاوب مع تصعيد حزب العمال الكردستاني عملياته ضد الجيش التركي في الداخل وعلى الحدود مع سورية والعراق.

الى اين سيذهب الاكـراد في تحديهم لتركيا اردوغان ؟ هل يكتفون بالإمساك بالارض في شمال شرق سورية لتحسين مركزهم التفاوضي في الحوار الوطني السوري الذي سيعقب الحرب عاجلاً او آجلاً، ام يتحركون ويقاتلون في منظور اوسع من اجل تحقيق منطقة حكم ذاتي كردي في كل من سورية وتركيا ؟ وهل منطقة اردوغان الآمنة تؤدي الى عزل نظام الرئيس الاسد ام الى وصل بين الاكراد في الدول الثلاث ؟

العراق يبدو محرجاً هو الآخر. ذلك أن خلايا «القاعدة» النائمة استيقطت، وآمرها ابو بكر البغدادي عاد الى النشاط الميداني والظهور الإعلامي مذكّراً العالم بتنظيمات «الصحوة» التي عصفت بالعراق زمناً طويلاً. هل لإستيقاظ خلايا «القاعدة» في العراق واعلانها المدوّي عن مشاركتها في القتال ضد النظام السوري علاقة مع «صحوة» الاكراد «القومية» في تركيا والعراق وسورية وكفاحهم من اجل اقامة دولة كردية مستقلة ؟ ترى هل سكون اميركا واكتفاؤها بإصدار بيانات، على حد قول اوتاوي، يصبّان في مخطط اقليمي يرمي الى اعادة رسم خريطة المنطقة من شرقي المتوسط الى غربي الخليج ؟

 

لعل سورية هي الاكثر شعوراً بالالم والقلق والخطر. هل كان ذوو الإرادات الطيبة، في الحكم والمعارضة، يتخيلون في اسوأ لحظات التشاؤم، وبصرف النظر عمّن يكون المسؤول عن اندلاع الازمة وتداعياتها، ان يؤدي تطور الاحداث الى وضـع سورية على مفترق التفكك والتقسيم ؟ هل تخيّل الموالون والمعارضون يوماً ان ينبري بين «ثوار» الحرية والديمقراطية والكرامة مَن لا يتوانى عن الإبتهاج لإغتيال اثنين من ابرز بناة الصناعة الصاروخية السورية : العماد داود راجحة والدكتور نبيل زغيب؟!

لعل طوني كارون في احدى «نبوءاته» يرسم بدقة سيناريو اعدّه لاعبون غير سوريين لسورية، ويقوم لاعبون سوريون بغباء منقطع النظير بتنفيذه. هكذا تفرح اميركا واسرائيل لمرأى جمهوريات موز طائفية واثنية تعمّ بلاد الشام.

آن اوان اليقظـة يا ناس

  • فريق ماسة
  • 2012-07-29
  • 11874
  • من الأرشيف

«منطقة آمنة» للعزل أم للوصل؟

ثمة قلق عظيم في سورية وعليها. مردّ القلق الاشتباكاتُ العنيفة التي تعصف بمعظم مناطقها. اخطرها في حلب، عاصمتها الإقتصادية، وفي الشمال الشرقي منها على امتداد الحدود السورية-التركية وصولاً الى محافظة الحسكة حيث معظم الكرد السوريين، وفي الجنوب الشرقي، ولا سيما بالقرب من معبر اليعربية (ربيعة) على الحدود بين سورية والعراق حيث تجري محاولات لتعبئة عشائر الشمر وزبيد المنتشرة بين البلدين لمقاتلة النظام. الى ذلك، تقوم «اسرائيل» بحشد المزيد من القوات والمعدات في هضبة الجولان بدعوى التحسب لامكانية انتقال الاسلحة الكيميائية السورية الى «حزب الله» وتنظيم «القاعدة». غير ان محللين سياسيين وعسكريين فسروا تكثيف الحشود بأنه تحسّبٌ لتطورات عسكرية يمكن ان تحدث على طول الحدود السورية-التركية في اعقاب تهديدات رجب طيب اردوغان بملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني (التركي) الى داخل سورية «اذا اقتضت ذلك ضرورات الدفاع». الواقع ان مرد الخطر والقلق تهديدُ اردوغان بإنشاء منطقة آمنة او عازلة داخل الاراضي السورية للتصدي للمتمردين الاكراد. برر هذا الإجراء بإتهامٍ لدمشق «بوضع خمس محافظات سورية في عهدة الاكراد والمنظمة الإرهابية»، يعني بها حزب العمال الكردستاني. صحيح ان ثمة وجوداً وازناً للأكراد في المناطق الحدودية، لكن هذا الإنتشار يبقى قاصراً عن ان يشمل محافظاتٍ خمساً. إشارة اردوغان المريبة الى «المحافظات الخمس» حملت بعض المحللين السياسيين على الإعتقاد بأن حديثه عن «المنطقة الآمنة او العازلة» يستبطن استهدافاً لمدينة حلب بالدرحة الاولى. وكانت المعارضة السورية المسلحة قد وصفت معركة حلب بأنها «بنغازي سورية»، وانها معركة فاصلة مع النظام. غني عن البيان ان تعاوناً وثيقاً بين الاتراك والاميركيين يجري في هذه المنطقة. فقد نشرت صحيفة «اكسبرس» المحلية التركية «أن اعداداً كبيرة من الشاحنات تخرج من قاعدة انجرليك (الاطلسية) في اضنة محمّلة بالاسلحة والذخيرة وتوزّع على المعارضة السورية في المناطق الحدودية». غير ان الصراع في سورية وعليها لا يقتصر على لاعبين اتراك واميركيين واسرائيليين واكراد بل يتعدى هؤلاء الى لاعبين «اسلاميين جهاديين». فقد لاحظت صحيفة «نيويورك تايمز» ان «الادلة تتزايد على تحوّل سورية منطقة جذب للتطرف السّني بما في ذلك الذين ينشطون تحت راية القاعدة»، مشيرةً الى ان «معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا تحوّل مركز تجمع لما يعرف بالجهاديين». الى ذلك، ابرزت قنوات تلفزيونية عربية واجنبية عدّة تصريحات، بالصوت والصورة، لبعض هؤلاء «الجهاديين»، القادمين من باكستان والشيشان واكرانيا وبلدان شمال افريقيا، يعربون فيها عن املهم في اقامة دولة اسلامية سورية-عراقية لكل المسلمين…   دخول «القاعدة» و»الجهاديين» الى المشهد السوري، وانتشار حزب العمال الكردستاني على طول الحدود السورية-التركية، مثيران للقلق، فضلاً عما يحملانه من مخاطر بالنسبة لاميركا وتركيا والعراق و…المعارضة السورية. فالولايات المتحدة التي عانت كثيراً من «القاعدة» منذ احداث 11/9/2001 في نيويورك وواشنطن، تجد نفسها اخيراً في خندق واحد مع «الإرهابيين»، وسط كل ما يحمله هذا اللقاء الغريب من حرج ومخاطر. فقد صرح العميد مصطفى الشيخ، الذي يقود المجلس العسكري في «الجيش السوري الحر»، الى موقع «دايلي بيست» الالكتروني ان «تنظيم القاعدة يزداد قوة على الارض»، واصفاً هذا الوضع بأنه «خطير للغاية»، وان «ترك سورية لمصيرها» (…) قد يؤدي الى ان «تصبح افغانستان او عراقاً آخر». كبيرة الباحثين في برنامج الشرق الاوسط في «معهد كارنيغي للسلام الدولي» مارينا اوتاوي علّقت على ما قاله العميد الشيخ بقولها إن تزايد الحديث عن دور «القاعدة» في سورية يأتي رداً على «معلومات واقعية» في هذا السياق. اضافت : «أشك في انه سيكون لهذا الامر تأثير في سياسة اميركا التي ستبقى تراقب الوضع وتصدر بيانات ولا تفعل شيئا». لماذا ؟ «لأنها ذهبت بعيداً في مواقفها من سورية ولن تتراجع». تركيا اردوغان ذهبت بعيداً، هي الاخرى، في مواقفها من سورية، فهل تتراجع ؟ لعل اردوغان يشعر بحرج شديد لمرأى الاكراد، بمختلف تياراتهم في تركيا والعراق وسورية، وقد اتحدوا ضد حكومته. انها فرصة تاريخية لن يفوّتوها. فتركيا تعاني من تراجع في النمو والتنمية الامر الذي حمل نحو 80 في المئة من الشعب التركي على معارضة اي مشاركة لحكومته في تدخل عسكري خارجي ضد سورية. فوق ذلك، انتعش تمرد الاكراد في جنوب شرق البلاد، وانتظمت المعارضة الكردية في جبهة واحدة للمطالبة بإطلاق سراح زعيم الاكراد التاريخي عبد الله اوجلان. ثم ان زعيم الاكراد العراقيين، مسعود البرزاني، يبدو مضطراً، ازاء التلاقي الشعبي الكردي في البلدان الثلاثة، الى السكوت وربما التجاوب مع تصعيد حزب العمال الكردستاني عملياته ضد الجيش التركي في الداخل وعلى الحدود مع سورية والعراق. الى اين سيذهب الاكـراد في تحديهم لتركيا اردوغان ؟ هل يكتفون بالإمساك بالارض في شمال شرق سورية لتحسين مركزهم التفاوضي في الحوار الوطني السوري الذي سيعقب الحرب عاجلاً او آجلاً، ام يتحركون ويقاتلون في منظور اوسع من اجل تحقيق منطقة حكم ذاتي كردي في كل من سورية وتركيا ؟ وهل منطقة اردوغان الآمنة تؤدي الى عزل نظام الرئيس الاسد ام الى وصل بين الاكراد في الدول الثلاث ؟ العراق يبدو محرجاً هو الآخر. ذلك أن خلايا «القاعدة» النائمة استيقطت، وآمرها ابو بكر البغدادي عاد الى النشاط الميداني والظهور الإعلامي مذكّراً العالم بتنظيمات «الصحوة» التي عصفت بالعراق زمناً طويلاً. هل لإستيقاظ خلايا «القاعدة» في العراق واعلانها المدوّي عن مشاركتها في القتال ضد النظام السوري علاقة مع «صحوة» الاكراد «القومية» في تركيا والعراق وسورية وكفاحهم من اجل اقامة دولة كردية مستقلة ؟ ترى هل سكون اميركا واكتفاؤها بإصدار بيانات، على حد قول اوتاوي، يصبّان في مخطط اقليمي يرمي الى اعادة رسم خريطة المنطقة من شرقي المتوسط الى غربي الخليج ؟   لعل سورية هي الاكثر شعوراً بالالم والقلق والخطر. هل كان ذوو الإرادات الطيبة، في الحكم والمعارضة، يتخيلون في اسوأ لحظات التشاؤم، وبصرف النظر عمّن يكون المسؤول عن اندلاع الازمة وتداعياتها، ان يؤدي تطور الاحداث الى وضـع سورية على مفترق التفكك والتقسيم ؟ هل تخيّل الموالون والمعارضون يوماً ان ينبري بين «ثوار» الحرية والديمقراطية والكرامة مَن لا يتوانى عن الإبتهاج لإغتيال اثنين من ابرز بناة الصناعة الصاروخية السورية : العماد داود راجحة والدكتور نبيل زغيب؟! لعل طوني كارون في احدى «نبوءاته» يرسم بدقة سيناريو اعدّه لاعبون غير سوريين لسورية، ويقوم لاعبون سوريون بغباء منقطع النظير بتنفيذه. هكذا تفرح اميركا واسرائيل لمرأى جمهوريات موز طائفية واثنية تعمّ بلاد الشام. آن اوان اليقظـة يا ناس…

المصدر : البناء / عصام نعمان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة