حمل رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان، في خطبته أمام نواب «حزب العدالة والتنمية» أمس الأول، على الصحافة التركية، متهماً الكتّاب بأنهم «مأجورون» يكتبون عن المنطقة من دون معرفة، ولو كانوا يعرفون الواقع والتاريخ لثبت لهم أن سياسة «العدالة والتنمية» الخارجية صحيحة.

لكن الاتهام الأخطر الذي وجهه اردوغان، والذي لم تعكسه وسائل الإعلام، هو ذلك الذي يحمّل العرب مسؤولية ضياع فلسطين والقدس في الحرب العالمية الأولى، ملمحاً بذلك إلى مسؤولية الثورة العربية الكبرى عن انهيار الدولة العثمانية بتعاون قادتها مع البريطانيين والفرنسيين لدحر الجيش العثماني من المنطقة.

وفي وقت كان أردوغان ووزير خارجيته احمد داود اوغلو يقولان في المسألة الأرمنية إنها يجب أن تترك للمؤرخين وهي ليست من اختصاص السياسيين، نصّب اردوغان نفسه مؤرخاً محمّلاً، بصورة مباشرة، العرب مسؤولية انهيار الدولة العثمانية، عندما قال إن مسؤوليهم آنذاك باعوا القدس بتعاونهم مع الأجنبي.

وبالعودة إلى التاريخ فإن رمز تلك المرحلة كان الشريف حسين، شريف مكة، الذي أعلن الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية دفاعاً عن الهوية العربية، التي رفض عثمانيو «الاتحاد والترقي» العنصريون الاعتراف بها، فكانت الثورة التي سجلت بداية التاريخ السياسي للقومية العربية، برغم غدر البريطانيين والفرنسيين بها. وقد وقع رئيس الحكومة التركية في أخطاء تاريخية وهو الذي اتهم الآخرين بعدم معرفة هذا التاريخ. ولم يفت اردوغان أن يوسع دائرة العودة إلى الماضي بإشارته كعادته إلى التاريخ السلجوقي والعثماني، ومحاولة تنسيب زعماء الدولة الأيوبية من نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي إلى هذا التاريخ، الذي لا علاقة للسلاجقة ولا للعثمانيين به.

وقال أردوغان إن «تاريخ الأمة التركية لم يبدأ في 29 تشرين الأول العام 1923، يوم إعلان الجمهورية، بل إن هذا التاريخ امتداد لما سبقه. وقبل تسعة قرون كان بطل من الأناضول يخوض معركة مكلفة لحماية دمشق والقدس، انه السلطان السلجوقي كيليتش ارسلان الذي بدأ في ازنيق معركة قهر الجيوش المعادية التي كانت تتقدم إلى القدس ودمشق. كان كيليتش ارسلان يرى في القدس ودمشق شرفه وكرامته».

وفي محاولة لتبرير التدخل التركي الحالي بالشأن السوري وإعطائه عمقاً تاريخياً، قال اردوغان إن «ارسلان كان يعمل ليحافظ، من الأناضول وازنيق، على أمن القدس ودمشق». وتحدث عن ملحمة نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي من اجل تحرير القدس ودمشق. وقال «بالنسبة لنا كانت دمشق في العهد السلجوقي والعثماني مدينة مقدسة، مثل القدس ومكة والمدينة المنورة. إن اسطنبول ودمشق مدينتان شقيقتان، تاريخهما وقدرهما ومستقبلهما مثل تاريخ العرب والأتراك والأكراد، واحد. إن الحدود التي رسمت بين سوريا وتركيا لن تكفي لتكون عقبة أمام أخوّة الشعبين التركي والسوري. ووجود سلطة مستبدة على رأس سوريا لن يكفي لتفجير الأخوة القديمة قدم التاريخ بين الشعبين السوري والتركي». واتهم منتقدي سياسته بأنهم «يفتقرون إلى معرفة التاريخ والسلف. ولو عرفوا ذلك لم يكونوا لينتقدوا السياسة الصحيحة لحزب العدالة والتنمية تجاه سوريا».

لكن اردوغان غرف من التاريخ لتعميم الهجوم على العرب، وليس على سوريا فقط، معتبراً أن العرب كانوا سبب ضياع القدس. وقال «قبل مئة عام، اللصوص باعوا روحهم وباعوا القدس من أجل حفنة من الذهب، كما أنهم لم يكونوا يمثلون أخوتنا العرب فإن السلطة في سوريا اليوم لا تمثل أبداً إخوتنا السوريين».

وفي تلميح إلى إيران والشيعة، قال اردوغان إن الإمام علي بن أبي طالب يقول بأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، مضيفاً «نحن لا ننظر إلى البعض في المنطقة الذين يدعمون المجازر في سوريا. نحن دولة كبيرة. ونحن دولة ترفع صوتها بوجه الظلم وتقول أنا موجودة، من دون النظر إلى حساب المصالح والى اليمين والشمال». وأضاف إن «دعمنا سيتواصل للشعب السوري إلى أن يتحرر من الظلم والمجازر ومن الدكتاتور والعصابة الملطخة أيديهم بالدم».

من جهة ثانية، ألقى خطاب اردوغان بظلاله على معظم كتابات الصحف التركية التي أجمعت على أن كلامه عن «التهديد» الذي تشكله سوريا يعني اعتبارها رسمياً عدواً، بعدما كانت قد خرجت من هذه الصفة في وثيقة الأمن القومي التركي في العام 2005.

وفي مقالة في صحيفة «ميللييت» بعنوان «سوريا رسمياً عدو لتركيا» كتب سامي كوهين إن «خطاب اردوغان اعتبر سوريا عنصر تهديد للأمن القومي التركي بعدما كانت إلى ما قبل سنتين فقط شريكاً استراتيجياً. وهذا التطور مهم من زاوية، ليس فقط العلاقات بين البلدين بل الاستراتيجيا الإقليمية».

وقال كوهين «لم يتطرّق اردوغان عندما تحدث عن قواعد اشتباك جديدة عن تفاصيل خريطة الطريق العسكرية، لكنه ترك الباب مفتوحاً أمام شروط أي تدخل عسكري محتمل في المستقبل». وأضاف «المهم الآن مدى تأثير الموقف التركي الجديد، كما موقف حلف شمال الأطلسي، على (الرئيس بشار) الأسد. حتى الآن لا يزال الأسد يأخذ بخفة التحذيرات الخارجية، بسبب اعتماده على الدعم الروسي، وأنه لا تدخل عسكرياً للأطلسي أو الأمم المتحدة. لكن تركيا اليوم مستعدة لترجمة خطط التحرك، والانتقال للعمل على الأرض. فهل سيأخذ الأسد بخفة أيضاً خطاب اردوغان حول هذه الموضوع؟».

وفي سياق متصل، حذّرت الهيئات الاقتصادية من تأثيرات التوتر التركي - السوري على الوضع الاقتصادي لتركيا. وكتبت صحيفة «يني شفق» المقربة من حزب العدالة والتنمية أن «التطورات الأخيرة تقلق رجال الأعمال. إنهم يحذّرون من نشوب الحرب مع سوريا وهم يقولون: الحرب لا تعالج الأزمة الاقتصادية. ونحن راضون عن الخسائر في الاقتصاد، لكن المهم ألا تراق الدماء وتعثر السياسة على حل». وأضافت إن «نشوب أي حرب بين تركيا وسوريا سيمزق كل الهالة التركية لدى العالم الإسلامي وفي الشرق الأوسط. الربيع العربي تحوّل إلى شتاء لنا وللعرب. وسنرتمي كلنا من جديد في حضن الولايات المتحدة والغرب. وسيتراجع الاقتصاد التركي مئة سنة إلى الوراء

  • فريق ماسة
  • 2012-06-27
  • 3831
  • من الأرشيف

أردوغان يتهم العرب ببيع القدس وفلسطين قبل مئة عام!

حمل رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان، في خطبته أمام نواب «حزب العدالة والتنمية» أمس الأول، على الصحافة التركية، متهماً الكتّاب بأنهم «مأجورون» يكتبون عن المنطقة من دون معرفة، ولو كانوا يعرفون الواقع والتاريخ لثبت لهم أن سياسة «العدالة والتنمية» الخارجية صحيحة. لكن الاتهام الأخطر الذي وجهه اردوغان، والذي لم تعكسه وسائل الإعلام، هو ذلك الذي يحمّل العرب مسؤولية ضياع فلسطين والقدس في الحرب العالمية الأولى، ملمحاً بذلك إلى مسؤولية الثورة العربية الكبرى عن انهيار الدولة العثمانية بتعاون قادتها مع البريطانيين والفرنسيين لدحر الجيش العثماني من المنطقة. وفي وقت كان أردوغان ووزير خارجيته احمد داود اوغلو يقولان في المسألة الأرمنية إنها يجب أن تترك للمؤرخين وهي ليست من اختصاص السياسيين، نصّب اردوغان نفسه مؤرخاً محمّلاً، بصورة مباشرة، العرب مسؤولية انهيار الدولة العثمانية، عندما قال إن مسؤوليهم آنذاك باعوا القدس بتعاونهم مع الأجنبي. وبالعودة إلى التاريخ فإن رمز تلك المرحلة كان الشريف حسين، شريف مكة، الذي أعلن الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية دفاعاً عن الهوية العربية، التي رفض عثمانيو «الاتحاد والترقي» العنصريون الاعتراف بها، فكانت الثورة التي سجلت بداية التاريخ السياسي للقومية العربية، برغم غدر البريطانيين والفرنسيين بها. وقد وقع رئيس الحكومة التركية في أخطاء تاريخية وهو الذي اتهم الآخرين بعدم معرفة هذا التاريخ. ولم يفت اردوغان أن يوسع دائرة العودة إلى الماضي بإشارته كعادته إلى التاريخ السلجوقي والعثماني، ومحاولة تنسيب زعماء الدولة الأيوبية من نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي إلى هذا التاريخ، الذي لا علاقة للسلاجقة ولا للعثمانيين به. وقال أردوغان إن «تاريخ الأمة التركية لم يبدأ في 29 تشرين الأول العام 1923، يوم إعلان الجمهورية، بل إن هذا التاريخ امتداد لما سبقه. وقبل تسعة قرون كان بطل من الأناضول يخوض معركة مكلفة لحماية دمشق والقدس، انه السلطان السلجوقي كيليتش ارسلان الذي بدأ في ازنيق معركة قهر الجيوش المعادية التي كانت تتقدم إلى القدس ودمشق. كان كيليتش ارسلان يرى في القدس ودمشق شرفه وكرامته». وفي محاولة لتبرير التدخل التركي الحالي بالشأن السوري وإعطائه عمقاً تاريخياً، قال اردوغان إن «ارسلان كان يعمل ليحافظ، من الأناضول وازنيق، على أمن القدس ودمشق». وتحدث عن ملحمة نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي من اجل تحرير القدس ودمشق. وقال «بالنسبة لنا كانت دمشق في العهد السلجوقي والعثماني مدينة مقدسة، مثل القدس ومكة والمدينة المنورة. إن اسطنبول ودمشق مدينتان شقيقتان، تاريخهما وقدرهما ومستقبلهما مثل تاريخ العرب والأتراك والأكراد، واحد. إن الحدود التي رسمت بين سوريا وتركيا لن تكفي لتكون عقبة أمام أخوّة الشعبين التركي والسوري. ووجود سلطة مستبدة على رأس سوريا لن يكفي لتفجير الأخوة القديمة قدم التاريخ بين الشعبين السوري والتركي». واتهم منتقدي سياسته بأنهم «يفتقرون إلى معرفة التاريخ والسلف. ولو عرفوا ذلك لم يكونوا لينتقدوا السياسة الصحيحة لحزب العدالة والتنمية تجاه سوريا». لكن اردوغان غرف من التاريخ لتعميم الهجوم على العرب، وليس على سوريا فقط، معتبراً أن العرب كانوا سبب ضياع القدس. وقال «قبل مئة عام، اللصوص باعوا روحهم وباعوا القدس من أجل حفنة من الذهب، كما أنهم لم يكونوا يمثلون أخوتنا العرب فإن السلطة في سوريا اليوم لا تمثل أبداً إخوتنا السوريين». وفي تلميح إلى إيران والشيعة، قال اردوغان إن الإمام علي بن أبي طالب يقول بأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، مضيفاً «نحن لا ننظر إلى البعض في المنطقة الذين يدعمون المجازر في سوريا. نحن دولة كبيرة. ونحن دولة ترفع صوتها بوجه الظلم وتقول أنا موجودة، من دون النظر إلى حساب المصالح والى اليمين والشمال». وأضاف إن «دعمنا سيتواصل للشعب السوري إلى أن يتحرر من الظلم والمجازر ومن الدكتاتور والعصابة الملطخة أيديهم بالدم». من جهة ثانية، ألقى خطاب اردوغان بظلاله على معظم كتابات الصحف التركية التي أجمعت على أن كلامه عن «التهديد» الذي تشكله سوريا يعني اعتبارها رسمياً عدواً، بعدما كانت قد خرجت من هذه الصفة في وثيقة الأمن القومي التركي في العام 2005. وفي مقالة في صحيفة «ميللييت» بعنوان «سوريا رسمياً عدو لتركيا» كتب سامي كوهين إن «خطاب اردوغان اعتبر سوريا عنصر تهديد للأمن القومي التركي بعدما كانت إلى ما قبل سنتين فقط شريكاً استراتيجياً. وهذا التطور مهم من زاوية، ليس فقط العلاقات بين البلدين بل الاستراتيجيا الإقليمية». وقال كوهين «لم يتطرّق اردوغان عندما تحدث عن قواعد اشتباك جديدة عن تفاصيل خريطة الطريق العسكرية، لكنه ترك الباب مفتوحاً أمام شروط أي تدخل عسكري محتمل في المستقبل». وأضاف «المهم الآن مدى تأثير الموقف التركي الجديد، كما موقف حلف شمال الأطلسي، على (الرئيس بشار) الأسد. حتى الآن لا يزال الأسد يأخذ بخفة التحذيرات الخارجية، بسبب اعتماده على الدعم الروسي، وأنه لا تدخل عسكرياً للأطلسي أو الأمم المتحدة. لكن تركيا اليوم مستعدة لترجمة خطط التحرك، والانتقال للعمل على الأرض. فهل سيأخذ الأسد بخفة أيضاً خطاب اردوغان حول هذه الموضوع؟». وفي سياق متصل، حذّرت الهيئات الاقتصادية من تأثيرات التوتر التركي - السوري على الوضع الاقتصادي لتركيا. وكتبت صحيفة «يني شفق» المقربة من حزب العدالة والتنمية أن «التطورات الأخيرة تقلق رجال الأعمال. إنهم يحذّرون من نشوب الحرب مع سوريا وهم يقولون: الحرب لا تعالج الأزمة الاقتصادية. ونحن راضون عن الخسائر في الاقتصاد، لكن المهم ألا تراق الدماء وتعثر السياسة على حل». وأضافت إن «نشوب أي حرب بين تركيا وسوريا سيمزق كل الهالة التركية لدى العالم الإسلامي وفي الشرق الأوسط. الربيع العربي تحوّل إلى شتاء لنا وللعرب. وسنرتمي كلنا من جديد في حضن الولايات المتحدة والغرب. وسيتراجع الاقتصاد التركي مئة سنة إلى الوراء

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة