يكاد ذلك الديبلوماسي الاوروبي أن يقول، أو هو قال فعلاً، أن أميركا، لا روسيا، هي التي حالت دون سقوط النظام في سورية. واذ يؤكد « ان ثمة معلومات حساسة لدينا في هذا الخصوص»، يشير إلى أن الاميركيين يدمجون عادة بين العملية الديبلوماسية والعملية الاستخباراتية، مضيفا أن الأزمة السورية تدار، وإلى حد بعيد، بالأزرار الاميركية...

الديبلوماسي يقول إن واشنطن تعلمت من طهران ديبلوماسية حياكة السجاد. الأصابع السحرية، لا الأصابع الغليظة، هي التي تعمل الآن، فالايرانيون اذا ما خسروا نظام الرئيس بشار الاسد خسروا كل شيء في الشرق الاوسط، لا بل إن نظام آيات الله يغدو في خطر، إذ أن فاعلية هذا النظام تستند، وإلى حد بعيد، إلى الدور الجيوبوليتيكي الذي يضطلع به، حتى إذا ما انكفأ هذا الدور، أو اضمحل، لا يعود بالإمكان ضبط الوضع الداخلي في حال من الاحوال..

اذاً، ترويض آيات الله من خلال الانهاك التدريجي للنظام السوري، فها إن تركيا التي كادت تصبح في قلب دمشق، وليس فقط في قلب حلب، تخفف حتى من لهجتها التي اعتاد اصدقاء هذا النظام او اتباعه على وصفها باللهجة العثمانية، وها ان الاردن يرفض اغراءات هائلة، وبما تعنيه الكلمة، لاقامة منطقة عازلة على مقربة من حدوده. كل هذا يحدث بحركة من الاصابع الاميركية...

الديبلوماسي الذي يوضح انه لا يستسيغ اسلوب الاستنتاج يلفت الى انه يحاول تحليل المعطيات التي بين يديه، او بالاحرى بين يدي حكومته، ليقول ان النظام السوري وضع في غرفة العناية المكثفة، واذ كان الكثيرون يعتبرون ان الاسطول الروسي الذي طالما اختال في ميناء طرطوس هو الذي حال دون حصول الوفاة، فإن الاميركيين هم من يمسكون بجهاز الاوكسيجين، وهم يلعبون ببراعة الآن، ودون ان يكون صحيحا ان «التذبذب» الاميركي ناجم عن المناخ الانتخابي الذي تضيع خلاله الادارة عادة، او عن تفاهم ( او..لا تفاهم) مع موسكو...

ويسأل الديبلوماسي الاوروبي: «ايهما افضل لايران البرنامج النووي ام النظام السوري؟». السؤال حساس للغاية، لكن الاميركيين تمكنوا، وبفعل الضغط المبرمج على دمشق، من ان يضعوا طهران امام هذا الخيار الدراماتيكي.والاعتقاد هو ان الايرانيين يعتبرون ان القنبلة الجيوبوليتيكية التي تمتد الى « حزب الله» في لبنان اكثر فاعلية من القنبلة النووية التي ثبت انهم لا يريدون حيازتها، لاسباب فقهية واخرى تكتيكية، وانما يبغون امتلاك المنظومة التقنية الكاملة لصناعتها اذا ما اقتضت الظروف ذلك...

الديبلوماسي يعتبر ان الايرانيين اكثر عقلانية من ان يخسروا كل شيء، فإذا ما انهار النظام السوري فقد «حزب الله» العمق الاستراتيجي الشديد الحيوية بالنسبة اليه، وهو الذي يدرك حقيقة، وخلفيات، وآفاق البلبلة الراهنة في لبنان، هذا دون ان يربحوا القنبلة، اذ ان آيات الله على بينة تامة بأن حكومة بنيامين نتنياهو لم تبلغ الادارة الاميركية وحدها، بل ابلغت الروس والاوروبيين والصينيين والهنود، بأنها ستمنع الايرانيين من حيازة السلاح النووي حتى ولو اقتضى الامر حربا نووية..

اذاً، على حائكي السجاد ان يضعوا خيوطهم جانبا. لم يعد بالمستطاع الذهاب اكثر في لعبة الاعصاب. بالتالي لا بد من تسوية ما، صفقة ما، مع واشنطن التي تعنيها ايران كثيرا في استراتيجيتها الجديدة، وحيث الهاجس الآسيوي حل كليا محل الهاجس الاوروبي، فالقارة العجوز اصبحت عجوزا فعلا، وها ان افلاطون نفسه يتسكع امام البنوك المركزية في القارة بحثا عمن ينقذ الارث الاغريقي من الغرق...

الديبلوماسي الذي يعتقد ان الشرق الاوسط سيكون قريبا امام مشهدية اخرى، يعتبر ان الرئيس باراك اوباما لن يكتفي بأن يحمل جثة اسامة بن لادن الى صناديق الاقتراع. انه يريد ان يحمل ايضا القنبلة الايرانية ولكن داخل العمامة، دون ان يعني ذلك الاستئثار الكامل بالشرق الاوسط الكبير، فالرئيس الاميركي ابدى رغبة واضحة في ابرام اتفاق ما مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يدرك انه لا يستطيع ان يلعب كثيرا على نقاط الضعف الاميركية لان لديه نقاط ضعفه الكثيرة، ولا بد من الوصول مع البيت الابيض الى نقطة التقاء في وقت من الاوقات...

حين زار الصحافي الاميركي البارز تيد كوبل بيروت، وحاضر فيها، قال انه عندما تتحرك الحيوانات الكبيرة، الحيوانات الصغيرة تتعذب. كل الدول، والمجتمعات، الصغيرة تتعذب، ليقول كوبل في وقت لاحق ان الاهتزازات الدولية الكبرى، على المستوى الاستراتيجي، لا يمكن ان تتوقف الا بحرب كبرى او بصفقة كبرى. لا بأس ان يكون الشرق الاوسط هو نقطة الانطلاق...

الواضح ان اللعبة وصلت، على المستوى التكتيكي كما على المستوى الاستراتيجي، الى نقطة دقيقة جدا. لا بد ان يحدث شيء ما لكي يتراجع الاحتقان قليلا، والا فالانفجار يبدو حتميا، ودون ان يكون لمصلحة اي من اطراف الصراع...

العرب يتابعون التطورات الدولية والاقليمية باهتمام شديد، على احدى القنوات الغنائية التي باتت مهمتها معروفة للخاصة والعامة!

  • فريق ماسة
  • 2012-05-24
  • 6449
  • من الأرشيف

الصفقة الأميركية: البرنامج النووي أم النظام السوري؟

يكاد ذلك الديبلوماسي الاوروبي أن يقول، أو هو قال فعلاً، أن أميركا، لا روسيا، هي التي حالت دون سقوط النظام في سورية. واذ يؤكد « ان ثمة معلومات حساسة لدينا في هذا الخصوص»، يشير إلى أن الاميركيين يدمجون عادة بين العملية الديبلوماسية والعملية الاستخباراتية، مضيفا أن الأزمة السورية تدار، وإلى حد بعيد، بالأزرار الاميركية... الديبلوماسي يقول إن واشنطن تعلمت من طهران ديبلوماسية حياكة السجاد. الأصابع السحرية، لا الأصابع الغليظة، هي التي تعمل الآن، فالايرانيون اذا ما خسروا نظام الرئيس بشار الاسد خسروا كل شيء في الشرق الاوسط، لا بل إن نظام آيات الله يغدو في خطر، إذ أن فاعلية هذا النظام تستند، وإلى حد بعيد، إلى الدور الجيوبوليتيكي الذي يضطلع به، حتى إذا ما انكفأ هذا الدور، أو اضمحل، لا يعود بالإمكان ضبط الوضع الداخلي في حال من الاحوال.. اذاً، ترويض آيات الله من خلال الانهاك التدريجي للنظام السوري، فها إن تركيا التي كادت تصبح في قلب دمشق، وليس فقط في قلب حلب، تخفف حتى من لهجتها التي اعتاد اصدقاء هذا النظام او اتباعه على وصفها باللهجة العثمانية، وها ان الاردن يرفض اغراءات هائلة، وبما تعنيه الكلمة، لاقامة منطقة عازلة على مقربة من حدوده. كل هذا يحدث بحركة من الاصابع الاميركية... الديبلوماسي الذي يوضح انه لا يستسيغ اسلوب الاستنتاج يلفت الى انه يحاول تحليل المعطيات التي بين يديه، او بالاحرى بين يدي حكومته، ليقول ان النظام السوري وضع في غرفة العناية المكثفة، واذ كان الكثيرون يعتبرون ان الاسطول الروسي الذي طالما اختال في ميناء طرطوس هو الذي حال دون حصول الوفاة، فإن الاميركيين هم من يمسكون بجهاز الاوكسيجين، وهم يلعبون ببراعة الآن، ودون ان يكون صحيحا ان «التذبذب» الاميركي ناجم عن المناخ الانتخابي الذي تضيع خلاله الادارة عادة، او عن تفاهم ( او..لا تفاهم) مع موسكو... ويسأل الديبلوماسي الاوروبي: «ايهما افضل لايران البرنامج النووي ام النظام السوري؟». السؤال حساس للغاية، لكن الاميركيين تمكنوا، وبفعل الضغط المبرمج على دمشق، من ان يضعوا طهران امام هذا الخيار الدراماتيكي.والاعتقاد هو ان الايرانيين يعتبرون ان القنبلة الجيوبوليتيكية التي تمتد الى « حزب الله» في لبنان اكثر فاعلية من القنبلة النووية التي ثبت انهم لا يريدون حيازتها، لاسباب فقهية واخرى تكتيكية، وانما يبغون امتلاك المنظومة التقنية الكاملة لصناعتها اذا ما اقتضت الظروف ذلك... الديبلوماسي يعتبر ان الايرانيين اكثر عقلانية من ان يخسروا كل شيء، فإذا ما انهار النظام السوري فقد «حزب الله» العمق الاستراتيجي الشديد الحيوية بالنسبة اليه، وهو الذي يدرك حقيقة، وخلفيات، وآفاق البلبلة الراهنة في لبنان، هذا دون ان يربحوا القنبلة، اذ ان آيات الله على بينة تامة بأن حكومة بنيامين نتنياهو لم تبلغ الادارة الاميركية وحدها، بل ابلغت الروس والاوروبيين والصينيين والهنود، بأنها ستمنع الايرانيين من حيازة السلاح النووي حتى ولو اقتضى الامر حربا نووية.. اذاً، على حائكي السجاد ان يضعوا خيوطهم جانبا. لم يعد بالمستطاع الذهاب اكثر في لعبة الاعصاب. بالتالي لا بد من تسوية ما، صفقة ما، مع واشنطن التي تعنيها ايران كثيرا في استراتيجيتها الجديدة، وحيث الهاجس الآسيوي حل كليا محل الهاجس الاوروبي، فالقارة العجوز اصبحت عجوزا فعلا، وها ان افلاطون نفسه يتسكع امام البنوك المركزية في القارة بحثا عمن ينقذ الارث الاغريقي من الغرق... الديبلوماسي الذي يعتقد ان الشرق الاوسط سيكون قريبا امام مشهدية اخرى، يعتبر ان الرئيس باراك اوباما لن يكتفي بأن يحمل جثة اسامة بن لادن الى صناديق الاقتراع. انه يريد ان يحمل ايضا القنبلة الايرانية ولكن داخل العمامة، دون ان يعني ذلك الاستئثار الكامل بالشرق الاوسط الكبير، فالرئيس الاميركي ابدى رغبة واضحة في ابرام اتفاق ما مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يدرك انه لا يستطيع ان يلعب كثيرا على نقاط الضعف الاميركية لان لديه نقاط ضعفه الكثيرة، ولا بد من الوصول مع البيت الابيض الى نقطة التقاء في وقت من الاوقات... حين زار الصحافي الاميركي البارز تيد كوبل بيروت، وحاضر فيها، قال انه عندما تتحرك الحيوانات الكبيرة، الحيوانات الصغيرة تتعذب. كل الدول، والمجتمعات، الصغيرة تتعذب، ليقول كوبل في وقت لاحق ان الاهتزازات الدولية الكبرى، على المستوى الاستراتيجي، لا يمكن ان تتوقف الا بحرب كبرى او بصفقة كبرى. لا بأس ان يكون الشرق الاوسط هو نقطة الانطلاق... الواضح ان اللعبة وصلت، على المستوى التكتيكي كما على المستوى الاستراتيجي، الى نقطة دقيقة جدا. لا بد ان يحدث شيء ما لكي يتراجع الاحتقان قليلا، والا فالانفجار يبدو حتميا، ودون ان يكون لمصلحة اي من اطراف الصراع... العرب يتابعون التطورات الدولية والاقليمية باهتمام شديد، على احدى القنوات الغنائية التي باتت مهمتها معروفة للخاصة والعامة!

المصدر : نبيه البرجي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة