دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
شهدت إسرائيل في اليومين الماضيين أوسع تظاهرات كراهية ضد الأجانب من الأفارقة في عدد من المناطق، وخصوصا في تل أبيب.
ويبدو أن تطور الأمور ارتبط إلى درجة كبيرة مؤخرا بالاندفاع نحو الانتخابات المبكرة، التي توقفت إثر تشكيل حكومة الوحدة الوطنية مع حزب «كديما». وليس صدفة أن تتعمق مظاهر الكراهية ذات الطبيعة العنصرية، في الوقت الذي يعلن فيه المستشار القضائي للحكومة عن عدم وجود ما يبرر تقديم صاحب كتاب «توراة الملك»، الذي يبرر قتل الأغيار، إلى المحاكمة.
وكانت حدة التحريض المتزايدة منذ شهور قد ولدت أشكالا مختلفة من الكراهية، تجلت في اليومين الأخيرين في تظاهرات عارمة انزلقت في جنوب تل أبيب نحو ممارسة العنف تجاه الأفارقة. وبلغت الأمور ذروتها بمشاركة أعضاء كنيست من «الليكود» ومن «الاتحاد الوطني» في التظاهرة الشعبية ضد الأفارقة ممن يوصفون بـ«المتسللين» أو مهاجري العمل. واندفعت عضو الكنيست، المتحدثة السابقة باسم الجيش الإسرائيلي ميري ريغف لوصفهم بـ«السرطان» الذي يتفشى في الجسد الإسرائيلي.
والواقع أن الأمر كان قد اتخذ بعدا سياسيا عندما اتجه رئيس الحكومة الإسرائيلية زعيم «الليكود» بنيامين نتنياهو إلى اعتبار مواجهة التسلل الأفريقي عملا استراتيجيا. وقال، قبل سنوات، ان إسرائيل هي المكان الوحيد «في الغرب» أو في «العالم الأول» الذي يمكن الوصول إليه «من العالم الثالث» سيرا على الأقدام. واعتبر أن إقامة الجدار الأمني الفاصل على طول «الحدود» مع مصر مهمة استراتيجية لمواجهة هذا «الخطر الوجودي».
وبعد أن اتخذت كراهية الأفارقة في إسرائيل بعدا جديدا حاول نتنياهو التنصل من دوره، معلنا معارضته استخدام العنف ضدهم ووجوب إيجاد حل لمشكلتهم. وقال، أمس، «يجب إيجاد حل لمشكلة ونحن سنحلها، إذ سنكمل بناء الجدار خلال شهور قليلة، وفي القريب سنبدأ إعادة المتسللين إلى بلادهم الأصلية. ومع ذلك أريد التوضيح أنه لا مكان لا للتصريحات ولا للأفعال التي رأيناها أمس».
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن نتنياهو هو من أعلن قبل أيام أن المتسللين يشكلون خطرا، وأن عددهم الحالي هو 60 ألفا، ويمكن أن يكبر بسرعة ليصل إلى 600 ألف. وقد أشيع مؤخرا أن عدد اللاجئين الأفارقة إلى إسرائيل بلغ ألفين في كل شهر، وهو مرشح للزيادة. وتقيم الغالبية الساحقة من هؤلاء في أحياء فقيرة قريبة من مناطق صناعية أو تجارية مركزية، حيث يطمحون للحصول على عمل.
ومن حيث تركيبة اللاجئين الأفارقة في إسرائيل، فإن غالبيتهم الساحقة تأتي من جنوب السودان ودارفور ومن أريتريا. ورغم ذلك هناك أعداد لا بأس بها من ساحل العاج ونيجيريا. وترفض إسرائيل التعامل معهم على أساس أنهم لاجئون، وتصر على اعتبارهم «مهاجري عمل»، أي أن دوافعهم للهجرة اقتصادية، وليس طلبا لملجأ أو خوفا من حرب.
وشكلت إعادة اللاجئين إلى جنوب السودان عنصرا مركزيا في الاتصالات الأخيرة مع حكومة جنوب السودان. غير أن هذه الحكومة طلبت من حكومة إسرائيل مساعدتها في تأهيل هؤلاء، ومن ثم إعادتهم لاحقا لمساعدة الدولة الوليدة. والحال مختلفة مع السودانيين من دارفور، الذين لا يمكن اعتبارهم مهاجري عمل، ولا تمكن إعادتهم إلى ديارهم نظرا لانعدام العلاقات مع الحكومة السودانية.
غير أن المشكلة الأساس تتلخص حاليا في ما يشار إلى أن غالبية اللاجئين الأفارقة في إسرائيل هم فعليا من أريتريا. ويقال ان عدد هؤلاء يصل إلى 40 ألفا، وإنهم يرغبون إما في البقاء في إسرائيل أو الذهاب منها إلى أوروبا. وهناك علاقات فعلــية قائــمة بين إسرائيل وأريتريا. لكن قوانــين الأمم المتحدة تفرض قيودا على إسرائيل في كل ما يتعلق بإعادة لاجئين إلى بلدانــهم الأصلية.
ومؤخرا، جرى النقاش بتوسع حول إيجاد حلول لظاهرة الهجرة غير الشرعية من أفريقيا إلى إسرائيل. ورأى البعض أن ازدياد القلاقل في المنطقة العربية قد يدفع أعدادا من العرب للتسلل إلى إسرائيل، من الشمال والجنوب والشرق على حد سواء. لذلك تحاول جهات مختلفة في إسرائيل قطع دابر التسلل عبر جعل الدولة العبرية مكانا لا يسهل العيش فيه للاجئين. وفي هذا السياق تنوي إسرائيل، فضلا عن تشديد مراقبة «الحدود» وإنشاء الحواجز الفعلية على طولها، إنشاء معسكرات اعتقال قرب «الحدود». والأهم أن إسرائيل تحاول العثور على دولة ثالثة في أفريقيا تقبل استقبال المهاجرين الأفارقة على أراضيها، عبر تقديم مساعدات إسرائيلية لها.
وفي كل حال، ورغم أن القضية في أحد جوانبها إنسانية، إلا أن إثارتها والتحريض عليها لا يخلوان من دوافع سياسية. فاليمين في كل الدول يعتقد أن كراهية الأجانب تشكل ورقة رابحة في أي انتخابات، خصوصا لكسب تأييد الجهات الأفقر في المجتمع، التي تعتبر المهاجرين منافسين لها في سوق العمل.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة