تستمر طرابلس ساحة مشرّعة على شتى أنواع الصراعات التي تختلط فيها تفاصيل الزواريب بتعقيدات الشرق الاوسط، لتغدو المدينة "حقل رماية" تتلاحق فيه المناورات بالذخيرة الحية، ولتتحول اسماء الأزقة الى اسماء حركية لمشاريع وخيارات سياسية متضاربة، تمتد من ساحة عبد الحميد كرامي الى ساحة الامويين في دمشق.

وانطلاقاً من هذا الواقع المركب، تقول مصادر رسمية واسعة الإطلاع لـ"السفير" ان ما يجري في طرابلس يتجاوز بكثير مسألة توقيف شادي المولوي وطريقة توقيفه، منبهة الى ان أبعاداً تتصل بالامن القومي للبنان تختبئ خلف "القشرة الخارجية" لملف المولوي، وبالتالي فإن جوهر القضية بات يرتبط بمنطق الدولة ككل، وهل سينتصر أم سيُهزم، في مواجهة محاولات فرض أمر واقع، يراد له ان يتجاوز بتأثيراته حدود المدينة وحتى حدود لبنان.

وتشير المصادر الى ان طرابلس كادت تسقط كلياً في يد المجموعات المسلحة التي تحمل أجندات خاصة، يرتبط بعضها بما يحصل في الداخل السوري، وربما يوجد من يتطلع الى ان يجعل من المدينة عمقاً حيوياً لمعارضي النظام، تربطه ممرات آمنة بالحدود الشمالية، ومن هنا فإن التحدي الذي يواجه الدولة هو استعادة طرابلس الى كنفها والحؤول دون تحويلها الى "بيئة حاضنة" لمغامرات غير محسوبة النتائج.

وتؤكد المصادر أن هناك متابعة أمنية دقيقة لخيوط متوافرة لدى الأجهزة المختصة حول تحركات مشبوهة لبعض المجموعات المتطرفة التي ربما كانت تستعدّ لتنفيذ عمليات تخريبية على الساحة اللبنانية، موضحة ان قيادات بارزة في 8 و14 آذار ومرجعيات رسمية تبلغت من الجهات الامنية الرسمية تفاصيل دقيقة حول هوية هذه المجموعات واستهدافاتها المحتملة.

وترى المصادر أن خطورة انكشاف لبنان أمام هذا النوع من المخاطر يجب أن يكون حافزاً لدى كل الأطراف لتجاوز الحسابات السياسية او المذهبية الضيقة، في معرض مقاربة أحداث طرابلس وما يحيط بها، ملاحظة في هذا السياق أن "تيار المستقبل" استشعر حساسية الوضع واستدرك مواقفه التي اتسمت بالتسرع في البدايات، بحيث قرر لاحقاً دعم انتشار الجيش ورفع الغطاء عن المخلين بالأمن، بعدما أيقن انه سيكون المتضرر الأكبر من تطور الأحداث وفقدان السيطرة عليها، لمصلحة توسع نفوذ القوى السلفية والمتطرفة التي باتت تملك حضوراً قوياً في طرابلس، وبالتالي فإن التيار الذي كان يحاول أن يستفيد من "الوزن السلفي" للضغط على خصومه وتظهير أهمية موقعه المعتدل، بدأ يتلمس أن الموسى قد يصل الى ذقنه.

ولكن المصادر تحذر من أن "تيار المستقبل" نفسه يبدو مخترقاً من داخله، لافتة الانتباه الى ان إحدى الشخصيات الشمالية البارزة فيه هي شريكة في أحداث طرابلس وتتولى إدارة مجموعات مسلحة على الأرض.

وتشدد المصادر على ان الجيش وجد نفسه في وضعية لا يُحسد عليها، لافتة الانتباه الى انه يتحرك داخل حقل الغام، محاولاً التوفيق بين مبدأ فرض الأمن وحرصه على عدم الانزلاق الى "فخ" أي مواجهة مسلحة، ربما يراد استدراجه إليها لتشويه صورته واستنزافه في زواريب طرابلس، مشيرة الى ان الجيش يأخذ في الحسبان ان بعض العناصر المتطرفة قد تذهب بعيداً في تهورها، لا سيما أن هناك من هو جاهز لإصدار الفتاوى المناسبة على هذا الصعيد.

وتحذر المصادر من أن أسوأ ما يمكن ان تتعرّض له الأجهزة الأمنية هو فرزها والتعامل معها على اساس تصنيف طائفي ومذهبي مفتعل، وكأن المطلوب ان يصبح كل جهاز معنياً بطائفة محددة، تبعاً للون قائده، بحيث تُحرّم عليه ملاحقة مشبوهين ومرتكبين ينتمون الى طوائف أخرى، موضحة ان المدير العام للأمن العام اضطر على سبيل المثال للتصريح علناً بان ملف اعتقال المولوي نُسق مع دولة عظمى، حتى لا يقال انه تحرك تحت تأثير انتماء مذهبي او بناء على طلب من "حزب الله" او سوريا، مع أن المجاهرة بالتنسيق مع دولة عظمى أفدح من أي اعتبار آخر بالمعنى الوطني الكامل.

وترى المصادر أن اعتقال المولوي في مكتب الوزير محمد الصفدي بعد استدراجه إليه، كان أفضل الممكن، قياساً الى الظروف الميدانية، متسائلة أيهما أجدى وأسلم: العملية النظيفة التي قادت الى إلقاء القبض على المولوي خارج منزله من دون ضربة كف، أم العملية الدموية التي نُفذت في شارع المئتين في طرابلس قبل سنوات قليلة وأدّت يومها الى سقوط إصابات في صفوف القوى الأمنية ومقتل المطلوبين الذين تمّت مهاجمتهم في أماكن سكنهم ومن ثم تسببت باندلاع معركة مخيم نهر البارد؟

وتشدّد المصادر على وجوب وقف المزايدات العبثية، والكفّ عن النظر الى الأحداث من نافذة الانتخابات النيابية المقبلة، لأن الإطلالة من هذه النافذة تجعل الرؤية مشوشة ومتأثرة بحسابات شخصية، في حين ان المرحلة الحالية تتطلب التحسس بالمسؤولية الوطنية.

ولما كانت طرابلس تتأثر بما يحصل في الجوار، تؤكد المصادر الواسعة الإطلاع أن أعداداً كبيرة من عناصر "القاعدة" تدفقت خلال الاشهر الماضية الى سوريا من العراق والشيشان، الى حد ان سوريا أصبحت تعج بعناصر هذا التنظيم، ولم يعد الأمر يتعلق ببؤر محدودة.

وتكشف المصادر عن أن حزب البعث نفسه تعرض للاختراق من جهات متطرفة، تمكنت من ان تجد موطأ قدم لها في جسمه التنظيمي، ما يؤشر الى حجم الانكشاف الذي تعاني منه الساحة السورية في هذه الفترة، الامر الذي يفسر تكاثر عمليات التفجير، وفق النمط العراقي، علماً أن أكثر المجموعات المسلحة تنظيماً في الأراضي التركية بحسب بعض العائدين من هناك هي المجموعات البعثية المعارضة الخارجة من رحم النظام.

وتلفت المصادر الانتباه إلى أن انتشار "القاعدة" في العمق السوري قد يكون دفع بمراكز قرار في الغرب الى مراجعة حساباتها وتخفيف اندفاعتها لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، بعدما لمست أن خطر "القاعدة" أصبح حقيقياً، ولم يعد "نظرياً" فقط.

  • فريق ماسة
  • 2012-05-16
  • 4308
  • من الأرشيف

تدفق كبير لعناصر "القاعدة" إلى سورية .. و"البعث" يتعرّض للاختراق

تستمر طرابلس ساحة مشرّعة على شتى أنواع الصراعات التي تختلط فيها تفاصيل الزواريب بتعقيدات الشرق الاوسط، لتغدو المدينة "حقل رماية" تتلاحق فيه المناورات بالذخيرة الحية، ولتتحول اسماء الأزقة الى اسماء حركية لمشاريع وخيارات سياسية متضاربة، تمتد من ساحة عبد الحميد كرامي الى ساحة الامويين في دمشق. وانطلاقاً من هذا الواقع المركب، تقول مصادر رسمية واسعة الإطلاع لـ"السفير" ان ما يجري في طرابلس يتجاوز بكثير مسألة توقيف شادي المولوي وطريقة توقيفه، منبهة الى ان أبعاداً تتصل بالامن القومي للبنان تختبئ خلف "القشرة الخارجية" لملف المولوي، وبالتالي فإن جوهر القضية بات يرتبط بمنطق الدولة ككل، وهل سينتصر أم سيُهزم، في مواجهة محاولات فرض أمر واقع، يراد له ان يتجاوز بتأثيراته حدود المدينة وحتى حدود لبنان. وتشير المصادر الى ان طرابلس كادت تسقط كلياً في يد المجموعات المسلحة التي تحمل أجندات خاصة، يرتبط بعضها بما يحصل في الداخل السوري، وربما يوجد من يتطلع الى ان يجعل من المدينة عمقاً حيوياً لمعارضي النظام، تربطه ممرات آمنة بالحدود الشمالية، ومن هنا فإن التحدي الذي يواجه الدولة هو استعادة طرابلس الى كنفها والحؤول دون تحويلها الى "بيئة حاضنة" لمغامرات غير محسوبة النتائج. وتؤكد المصادر أن هناك متابعة أمنية دقيقة لخيوط متوافرة لدى الأجهزة المختصة حول تحركات مشبوهة لبعض المجموعات المتطرفة التي ربما كانت تستعدّ لتنفيذ عمليات تخريبية على الساحة اللبنانية، موضحة ان قيادات بارزة في 8 و14 آذار ومرجعيات رسمية تبلغت من الجهات الامنية الرسمية تفاصيل دقيقة حول هوية هذه المجموعات واستهدافاتها المحتملة. وترى المصادر أن خطورة انكشاف لبنان أمام هذا النوع من المخاطر يجب أن يكون حافزاً لدى كل الأطراف لتجاوز الحسابات السياسية او المذهبية الضيقة، في معرض مقاربة أحداث طرابلس وما يحيط بها، ملاحظة في هذا السياق أن "تيار المستقبل" استشعر حساسية الوضع واستدرك مواقفه التي اتسمت بالتسرع في البدايات، بحيث قرر لاحقاً دعم انتشار الجيش ورفع الغطاء عن المخلين بالأمن، بعدما أيقن انه سيكون المتضرر الأكبر من تطور الأحداث وفقدان السيطرة عليها، لمصلحة توسع نفوذ القوى السلفية والمتطرفة التي باتت تملك حضوراً قوياً في طرابلس، وبالتالي فإن التيار الذي كان يحاول أن يستفيد من "الوزن السلفي" للضغط على خصومه وتظهير أهمية موقعه المعتدل، بدأ يتلمس أن الموسى قد يصل الى ذقنه. ولكن المصادر تحذر من أن "تيار المستقبل" نفسه يبدو مخترقاً من داخله، لافتة الانتباه الى ان إحدى الشخصيات الشمالية البارزة فيه هي شريكة في أحداث طرابلس وتتولى إدارة مجموعات مسلحة على الأرض. وتشدد المصادر على ان الجيش وجد نفسه في وضعية لا يُحسد عليها، لافتة الانتباه الى انه يتحرك داخل حقل الغام، محاولاً التوفيق بين مبدأ فرض الأمن وحرصه على عدم الانزلاق الى "فخ" أي مواجهة مسلحة، ربما يراد استدراجه إليها لتشويه صورته واستنزافه في زواريب طرابلس، مشيرة الى ان الجيش يأخذ في الحسبان ان بعض العناصر المتطرفة قد تذهب بعيداً في تهورها، لا سيما أن هناك من هو جاهز لإصدار الفتاوى المناسبة على هذا الصعيد. وتحذر المصادر من أن أسوأ ما يمكن ان تتعرّض له الأجهزة الأمنية هو فرزها والتعامل معها على اساس تصنيف طائفي ومذهبي مفتعل، وكأن المطلوب ان يصبح كل جهاز معنياً بطائفة محددة، تبعاً للون قائده، بحيث تُحرّم عليه ملاحقة مشبوهين ومرتكبين ينتمون الى طوائف أخرى، موضحة ان المدير العام للأمن العام اضطر على سبيل المثال للتصريح علناً بان ملف اعتقال المولوي نُسق مع دولة عظمى، حتى لا يقال انه تحرك تحت تأثير انتماء مذهبي او بناء على طلب من "حزب الله" او سوريا، مع أن المجاهرة بالتنسيق مع دولة عظمى أفدح من أي اعتبار آخر بالمعنى الوطني الكامل. وترى المصادر أن اعتقال المولوي في مكتب الوزير محمد الصفدي بعد استدراجه إليه، كان أفضل الممكن، قياساً الى الظروف الميدانية، متسائلة أيهما أجدى وأسلم: العملية النظيفة التي قادت الى إلقاء القبض على المولوي خارج منزله من دون ضربة كف، أم العملية الدموية التي نُفذت في شارع المئتين في طرابلس قبل سنوات قليلة وأدّت يومها الى سقوط إصابات في صفوف القوى الأمنية ومقتل المطلوبين الذين تمّت مهاجمتهم في أماكن سكنهم ومن ثم تسببت باندلاع معركة مخيم نهر البارد؟ وتشدّد المصادر على وجوب وقف المزايدات العبثية، والكفّ عن النظر الى الأحداث من نافذة الانتخابات النيابية المقبلة، لأن الإطلالة من هذه النافذة تجعل الرؤية مشوشة ومتأثرة بحسابات شخصية، في حين ان المرحلة الحالية تتطلب التحسس بالمسؤولية الوطنية. ولما كانت طرابلس تتأثر بما يحصل في الجوار، تؤكد المصادر الواسعة الإطلاع أن أعداداً كبيرة من عناصر "القاعدة" تدفقت خلال الاشهر الماضية الى سوريا من العراق والشيشان، الى حد ان سوريا أصبحت تعج بعناصر هذا التنظيم، ولم يعد الأمر يتعلق ببؤر محدودة. وتكشف المصادر عن أن حزب البعث نفسه تعرض للاختراق من جهات متطرفة، تمكنت من ان تجد موطأ قدم لها في جسمه التنظيمي، ما يؤشر الى حجم الانكشاف الذي تعاني منه الساحة السورية في هذه الفترة، الامر الذي يفسر تكاثر عمليات التفجير، وفق النمط العراقي، علماً أن أكثر المجموعات المسلحة تنظيماً في الأراضي التركية بحسب بعض العائدين من هناك هي المجموعات البعثية المعارضة الخارجة من رحم النظام. وتلفت المصادر الانتباه إلى أن انتشار "القاعدة" في العمق السوري قد يكون دفع بمراكز قرار في الغرب الى مراجعة حساباتها وتخفيف اندفاعتها لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، بعدما لمست أن خطر "القاعدة" أصبح حقيقياً، ولم يعد "نظرياً" فقط.

المصدر : عماد مرمل\ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة