دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يحتفظ الكويتيون في ذاكرتهم بعبارة وجّهها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في العام 1981، خلال المؤتمر الصحافي للإعلان عن قيام «مجلس التعاون الخليجي»، إلى نائب الرئيس ووزير الخارجية الكويتي آنذاك الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح قائلاً: ذاكم هو أبو المشروع.
ويتحدث المتابعون للملفات الإقليمية بإسهاب عن دور الكويت الأول والفعّال في إنشاء «مجلس التعاون»، ففي منتصف السبعينيات دافع أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح عن إقامة قناة مشتركة للعمل الخليجي مع باقي دول المنطقة، وفي العام 1976 دعا لوحدة الخليج. وفي أواخر العام 1978، قام ولي عهد الكويت آنذاك سعد العبد الله السالم الصباح بزيارات رسمية لخمس دول خليجية بهدف معرفة مدى استعداد رؤسائها لمشروع التعاون، ثم أعاد أمير الكويت الطرح في القمة العربية العام 1980، حتى تمّ الإعلان النهائي عن ولادة المشروع العام 1981.
اليوم، ومع طرح الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز لفكرة الانتقال من «التعاون» إلى «الاتحاد»، والتي تتم مناقشتها بعد غد الاثنين (أنظر الإطار المرفق)، تجد الكويت نفسها ملزمة بتحديد موقفها من الصيغة الجديدة، بما يتلاءم مع معطياتها الداخلية ومصالحها الإقليمية والإستراتيجية.
ثمة عوامل عدة تلعب دوراً في تحديد موقع تمركز الكويت خليجياً، وفوق هذه العوامل تلقي ثلاث قوى إقليمية بثقلها على رسم أطر هذا الموقع: السعودية، إيران، العراق.
يشير مصدر مطلع لـ«السفير» إلى أن صيغة الاتحاد الخليجي تمثل مشكلة للكويت على عكس الصيغة الكونفدرالية التي طرحت في السابق. الكويت الرسمية تؤيد الكونفدرالية بانتظار أن تنضج الفكرة. وهي كانت طرحت في العام 1996 المشروع نفسه متضمنا ثلاثة ملفات: السياسة الخارجية والدفاع والأمن.
أما الاتحاد الكامل، أي الدخول في نظام اتحادي تحت مظلة مجلس رئاسة (سعودي حكماً) يقود الدول، فتعتبره الكويت بمثابة تنازل عن السيادة. ويستشهد المصدر بما أعلنته الكويت، وتحديداً على لسان رئيس مجلس أمتها أحمد السعدون، بأن من الصعب التوحد مع دول لديها معتقلين وتفتقر للنظام الديموقراطي... في إشارة إلى المملكة.
أما لجهة موقف الإسلاميين من الاتحاد، وهو قد يبدو بديهيا لما يحمله الطرح من تقارب مع السعودية، فيوضح المصدر بأن الإسلاميين يفضلون بالطبع التوحد مع السعودية ولكن في إطار الكونفدرالية وليس الاتحاد الكامل، فيما يشير في المقابل إلى أن الشيعة يرفضون الاتحاد رفضاً قاطعاً يبرّره خوفهم من أن ينتقل القمع السعودي إلى الداخل الكويتي، عندما يصبح رسمياً.
كلام المصدر يؤكده نائب «الإخوان المسلمين» في البرلمان محمد دلال بالقول، رداًَ على سؤال «السفير»، إن»الإسلاميين يرون في السعودية عمقهم الخليجي، ويحرصون على توثيق العلاقات معها». وعليه، يؤيد دلال طرح الكونفدرالية، فهي «الحلّ الأمثل لمواجهة العدو المخيف إيران»، أما الاتحاد فـ«كلام آخر له أوانه».
ما سبق من إشاعة لمناخ رافض للاتحاد، يقترن بكلام عن تميّز خليجي يسمح للكويت بالخروج من تحت الجناح السعودي، عكس دول الخليج الأخرى... وإن كان النظام الحاكم يصرّ على أن رفض اقتراح الاتحاد بشكل نهائي لم يتمّ بعد. وهذا ما أفاد به «السفير» نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح قائلاً إن الكويت لم تتخذ قراراً بعد، وهي بانتظار ما تنتجه اللجنة الخليجية المتخصصة التي أنشئت لدراسة مقترح الملك عبد الله الذي قدمــه في قمة الريــاض الماضية.
وفي المقلب الإقليمي للموضوع، يشير المسؤولون إلى أن مردّ الحديث عن الاتحاد هو «الغول» الإيراني الذي يهدّد الخليج فضلاً عن الفراغ الأمني الذي أحدثه انسحاب الأميركيين من العراق... فيما تخرج أصوات أخرى لتقول إن الاتحاد الخليجي سلاح تستخدمه السعودية الآن في وجه دعوة إيران العراق إلى الاتحاد خلال زيارة رئيس الوزراء نوري المالكي الأخيرة إلى طهران.
ولكن وإن اشتركت الكويت مع الخليجيين، وتحديداً مع السعودية، في المخاوف، يبقى لها ما تقول إنه يميّزها ويجعلها تبحث عن هامش أوسع، حتى في العلاقات مع إيران. في الواقع، هناك وجود شيعي كبير في الكويت يعزّزه عدد الجالية الإيرانية في البلاد والجوار الجغرافي بين البلدين. وفيما ظهرت مؤشرات عدة على توتر العلاقات بين البلدين مؤخراً بعد حرق العلم الإيراني في الكويت أو بعد كلام بعض النواب عن وجود شبكات تجسس إيرانية تحاول زعزعة استقرار الكويت، تبقى علاقات التعاون الثقافي والتجاري والدبلوماسي قائمة بين البلدين، يغلفها الحذر الدائم.
ولجهة الخوف العراقي، يتجه المسؤولون الكويتيون إلى تهدئة الجبهة العراقية، حيث زار وزير الخارجية الكويتي العراق قبل أسبوعين وتم التطرق إلى العديد من الملفات العالقة، وصفها الوزير لـ«السفير» بأنها في طور الحلّ.
من هنا، يبقى للكويت موقفاً تحاول إظهار تميّزه خليجياً، وإن كانت في النهاية المظلة السعودية (بقاعدتها الأميركية) أوسع من أن ينجح «البلد الصغير» في الخروج من كنفها.
المصدر :
السفير /هيفاء زعيتر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة