فاجأ مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان، حسب مرجع لبناني بارز، من التقاهم من اللبنانيين، خلال زيارته الأخيرة الى بيروت، بإطلاق مواقف متشددة حيال ثلاثة مواقع أساسية في لبنان تعتبرها واشنطن بمثابة "خط أحمر" ممنوع المساس بها، وهي رئاسة الحكومة، قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان.

كما جرت العادة مع زيارات فيلتمان وغيره من المسؤولين الأميركيين، فإنها تترك صداها الداخلي، أكثر مما يريد لها "أهلها". في الملفات الاقليمية، كان فيلتمان يكرر ما صار معروفا في السياسة الأميركية.

بالنسبة للملف الايراني، يقول المرجع اللبناني ان فيلتمان أبلغ المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم ان واشنطن لا تزال على موقفها الرافض لتدخل ايران بشؤون الساحات السورية والفلسطينية واللبنانية، وهي ترفض أي دعم مالي وعسكري ايراني مباشر للنظام في سورية أو لـحزب الله في لبنان أو لحركتي حماس و"الجهاد الاسلامي" الفلسطينيتين.

في الوقت نفسه، تتفهم الولايات المتحدة دور ايران المحوري في الخليج والعراق وأفغانستان لكنها ترفض ان يكون هذا الدور على حساب دول المنطقة من جهة وعلى حساب النفوذ الأميركي من جهة ثانية. و"هذا الأمر هو الذي يعيق حتى الآن أي تفاهم بين واشنطن وطهران، خاصة ان واشنطن تشترط ايضاً على النظام الايراني، قبل القبول بأية تسوية مستقبلية معه، أن يعترف بحق قيادات المعارضة الايرانية في الداخل والخارج بممارسة دورها السياسي والاصلاحي داخل ايران".

بالنسبة للملف السوري، فإن فيلتمان حسب المرجع عينه، كان واضحاً لجهة التعبير عن انزعاج بلاده من الموقفين الروسي والصيني الداعمين للنظام السوري، وبرر "فرملة" الاندفاعة الأميركية في الملف السوري لأسباب عدة أبرزها:

1. نقزة واشنطن من التنامي السريع للقوى السلفية والاصولية المتطرفة في الدول التي شهدت سقوط أنظمة كمصر وتونس وليبيا والمغرب واليمن وسوريا، ما أوجد أرضية قوية لتسلل عناصر من تنظيم "القاعدة" الى هذه الدول، وهذا الأمر من شأنه التأثير سلباً على الوجود العسكري الأميركي في المنطقة وعلى المصالح الاقتصادية لأميركا وحلفائها فيها.

2. ضعف المعارضة السورية وتشتتها بين الداخل والخارج وعدم توحدها حول قيادة واحدة وبرنامج واحد.

3. تماسك الجيش السوري والأجهزة الأمنية والسلك الديبلوماسي والتفاف جزء لا يستهان به من الشعب السوري حول الرئيس بشار الأسد.

4. التأثير السلبي للدعم المالي والعسكري والاعلامي السعودي والقطري للمعارضة السورية، على الشارع السوري، خاصة مع تعاظم الأعمال الارهابية.

بالنسبة للملف اللبناني، فإن فيلتمان شدد على مسلّمتين أساسيتين هما: أولا، حرص واشنطن على التمسك بالقرار 1701 وثانيا، التزام بلاده المستمر بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

وقال فيلتمان لمحدثيه اللبنانيين إن واشنطن راضية عن أداء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.. ولذلك ممنوع إسقاطه وحكومته بأية وسيلة كانت، لأن هذا الرجل نفذ كل كلمة قالها والتزم بها أمام المجتمع الدولي، بما في ذلك أمام الادارة الأميركية.

أضاف فيلتمان أن ميقاتي ـثبت انه لا يترأس حكومة حزب الله وانه ليس تابعا لـحزب الله وليس ملتزماً أمام حزب الله بشيء. وقد تجلى ذلك بإسراع حكومته في دفع حصة لبنان من تمويل المحكمة وعدم تردد حكومته في الموافقة على تجديد بروتوكولها. وأشاد بسياسة النأي بالنفس في الموضوع السوري، متوقفاً عند انتقاد ميقاتي العلني لزيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الى جزيرة طنب الكبرى الامارتية قبل أسابيع "وهذه جرأة منه ودليل جديد منه على استقلاليته عن حزب الله وعدم خضوعه لأية إملاءات".

ونقل المرجع السياسي اللبناني عن فيلتمان قوله لمحدثيه ان واشنطن ترفض التطاول السياسي، من أي جهة أتى، على قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي وعلى باقي الأجهزة الأمنية قيادة وأفراداً "لأننا نعتقد ان الجيش اللبناني ومعه باقي الأجهزة الأمنية اللبنانية يقومون بدورهم في مكافحة الارهاب، وفي مواجهة العناصر المتطرفة وملاحقتهم، كي لا تتكرر تجربة مخيم نهر البارد في لبنان مجددا وهي التجربة التي عشتها بتفاصيلها، يوما بيوم، عندما كنت سفيرا لبلادي في لبنان".

وأضاف فيلتمان ان واشنطن مرتاحة للتنسيق الميداني القائم بين الجيش اللبناني من جهة، و"اليونيفيل" في الجنوب من جهة ثانية، تنفيذاً لمضمون القرار 1701، كما ان واشنطن راضية عن مستوى التعاون العسكري والامني الأميركي ـ اللبناني.

وأشاد فيلتمان بالسياسة النقدية الحكيمة التي ينفذها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والتي ساعدت لبنان في تخطي الكثير من الأزمات والاستحقاقات الخطيرة التي مر بها على مدى العقدين الأخيرين.

واستدرك فيلتمان انه عندما توجه جهات مالية أو نقدية أو قضائية أميركية بعض الأسئلة الى مصرف لبنان لاستيضاحه موقفه من العقوبات الدولية المفروضة على سوريا أو ايران أو من بعض المواضيع المتعــلقة بعمـليات تبييض الأموال، "فهذا لا يعني ان واشنــطن توجه نقدها الى مصرف لبنان أو الى القطاع المصرفي اللبـــناني، بل على العكس، فإن واشنطن تقدّر عمل حاكمية مصرف لبنان والقطاع المصرفي اللبناني".

وأوضح فيلتمان أن واشنطن مرتاحة لالتزام مصرف لبنان والقطاع المصرفي اللبــناني بالعقــوبات الدولية المفروضة على سوريا وايران، وان واشنطن راضية على التنســيق والتـعاون القائم بين مصرف لبنان وأجهزته الرقابية، من جهة، والاجهزة الرقابية والمالية الأميركية والدولية، من جهة ثانية.

  • فريق ماسة
  • 2012-05-11
  • 10060
  • من الأرشيف

فيلتمان يرسّم "خطه الأحمر"حول ميقاتي والجيش ومصرف لبنان

فاجأ مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان، حسب مرجع لبناني بارز، من التقاهم من اللبنانيين، خلال زيارته الأخيرة الى بيروت، بإطلاق مواقف متشددة حيال ثلاثة مواقع أساسية في لبنان تعتبرها واشنطن بمثابة "خط أحمر" ممنوع المساس بها، وهي رئاسة الحكومة، قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان. كما جرت العادة مع زيارات فيلتمان وغيره من المسؤولين الأميركيين، فإنها تترك صداها الداخلي، أكثر مما يريد لها "أهلها". في الملفات الاقليمية، كان فيلتمان يكرر ما صار معروفا في السياسة الأميركية. بالنسبة للملف الايراني، يقول المرجع اللبناني ان فيلتمان أبلغ المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم ان واشنطن لا تزال على موقفها الرافض لتدخل ايران بشؤون الساحات السورية والفلسطينية واللبنانية، وهي ترفض أي دعم مالي وعسكري ايراني مباشر للنظام في سورية أو لـحزب الله في لبنان أو لحركتي حماس و"الجهاد الاسلامي" الفلسطينيتين. في الوقت نفسه، تتفهم الولايات المتحدة دور ايران المحوري في الخليج والعراق وأفغانستان لكنها ترفض ان يكون هذا الدور على حساب دول المنطقة من جهة وعلى حساب النفوذ الأميركي من جهة ثانية. و"هذا الأمر هو الذي يعيق حتى الآن أي تفاهم بين واشنطن وطهران، خاصة ان واشنطن تشترط ايضاً على النظام الايراني، قبل القبول بأية تسوية مستقبلية معه، أن يعترف بحق قيادات المعارضة الايرانية في الداخل والخارج بممارسة دورها السياسي والاصلاحي داخل ايران". بالنسبة للملف السوري، فإن فيلتمان حسب المرجع عينه، كان واضحاً لجهة التعبير عن انزعاج بلاده من الموقفين الروسي والصيني الداعمين للنظام السوري، وبرر "فرملة" الاندفاعة الأميركية في الملف السوري لأسباب عدة أبرزها: 1. نقزة واشنطن من التنامي السريع للقوى السلفية والاصولية المتطرفة في الدول التي شهدت سقوط أنظمة كمصر وتونس وليبيا والمغرب واليمن وسوريا، ما أوجد أرضية قوية لتسلل عناصر من تنظيم "القاعدة" الى هذه الدول، وهذا الأمر من شأنه التأثير سلباً على الوجود العسكري الأميركي في المنطقة وعلى المصالح الاقتصادية لأميركا وحلفائها فيها. 2. ضعف المعارضة السورية وتشتتها بين الداخل والخارج وعدم توحدها حول قيادة واحدة وبرنامج واحد. 3. تماسك الجيش السوري والأجهزة الأمنية والسلك الديبلوماسي والتفاف جزء لا يستهان به من الشعب السوري حول الرئيس بشار الأسد. 4. التأثير السلبي للدعم المالي والعسكري والاعلامي السعودي والقطري للمعارضة السورية، على الشارع السوري، خاصة مع تعاظم الأعمال الارهابية. بالنسبة للملف اللبناني، فإن فيلتمان شدد على مسلّمتين أساسيتين هما: أولا، حرص واشنطن على التمسك بالقرار 1701 وثانيا، التزام بلاده المستمر بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وقال فيلتمان لمحدثيه اللبنانيين إن واشنطن راضية عن أداء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.. ولذلك ممنوع إسقاطه وحكومته بأية وسيلة كانت، لأن هذا الرجل نفذ كل كلمة قالها والتزم بها أمام المجتمع الدولي، بما في ذلك أمام الادارة الأميركية. أضاف فيلتمان أن ميقاتي ـثبت انه لا يترأس حكومة حزب الله وانه ليس تابعا لـحزب الله وليس ملتزماً أمام حزب الله بشيء. وقد تجلى ذلك بإسراع حكومته في دفع حصة لبنان من تمويل المحكمة وعدم تردد حكومته في الموافقة على تجديد بروتوكولها. وأشاد بسياسة النأي بالنفس في الموضوع السوري، متوقفاً عند انتقاد ميقاتي العلني لزيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الى جزيرة طنب الكبرى الامارتية قبل أسابيع "وهذه جرأة منه ودليل جديد منه على استقلاليته عن حزب الله وعدم خضوعه لأية إملاءات". ونقل المرجع السياسي اللبناني عن فيلتمان قوله لمحدثيه ان واشنطن ترفض التطاول السياسي، من أي جهة أتى، على قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي وعلى باقي الأجهزة الأمنية قيادة وأفراداً "لأننا نعتقد ان الجيش اللبناني ومعه باقي الأجهزة الأمنية اللبنانية يقومون بدورهم في مكافحة الارهاب، وفي مواجهة العناصر المتطرفة وملاحقتهم، كي لا تتكرر تجربة مخيم نهر البارد في لبنان مجددا وهي التجربة التي عشتها بتفاصيلها، يوما بيوم، عندما كنت سفيرا لبلادي في لبنان". وأضاف فيلتمان ان واشنطن مرتاحة للتنسيق الميداني القائم بين الجيش اللبناني من جهة، و"اليونيفيل" في الجنوب من جهة ثانية، تنفيذاً لمضمون القرار 1701، كما ان واشنطن راضية عن مستوى التعاون العسكري والامني الأميركي ـ اللبناني. وأشاد فيلتمان بالسياسة النقدية الحكيمة التي ينفذها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والتي ساعدت لبنان في تخطي الكثير من الأزمات والاستحقاقات الخطيرة التي مر بها على مدى العقدين الأخيرين. واستدرك فيلتمان انه عندما توجه جهات مالية أو نقدية أو قضائية أميركية بعض الأسئلة الى مصرف لبنان لاستيضاحه موقفه من العقوبات الدولية المفروضة على سوريا أو ايران أو من بعض المواضيع المتعــلقة بعمـليات تبييض الأموال، "فهذا لا يعني ان واشنــطن توجه نقدها الى مصرف لبنان أو الى القطاع المصرفي اللبـــناني، بل على العكس، فإن واشنطن تقدّر عمل حاكمية مصرف لبنان والقطاع المصرفي اللبناني". وأوضح فيلتمان أن واشنطن مرتاحة لالتزام مصرف لبنان والقطاع المصرفي اللبــناني بالعقــوبات الدولية المفروضة على سوريا وايران، وان واشنطن راضية على التنســيق والتـعاون القائم بين مصرف لبنان وأجهزته الرقابية، من جهة، والاجهزة الرقابية والمالية الأميركية والدولية، من جهة ثانية.

المصدر : السفير .. بقلم : داود رمال


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة