دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
منذ أربعين عاماً إلّا شهر واحد، دمّرت فضيحة "ووترغيت" الأميركية منصب الرئاسة آنذاك الذي كان يشغله الرئيس "ريتشارد نيكسون" ممّا أسفر عن تورّط 69 مسؤولاً حكومياً بجرائم مختلفة. وقد ثبتت التهم على 48 منهم وألقي 43 من هؤلاء في السجن. وكان "بوب إدوارد" مراسل صحيفة "واشنطن بوست"، الذي أوكل إليه وإلى زميله "كارل بيرنشتاين" المحرّر المسؤول عنهما والمصاب بفوبيا الرئيس "نيكسون" مهمّة "التحقيق في عملية سطو مثيرة للإهتمام يحتمل أن تكون قد حصلت في مكاتب ووترغيت التابعة للجنة الوطنية الديمقراطية" قد أخبراني أنهما لم يكونا متحمّسين بشأن تلك المهمة. وقد تبيّن لاحقاً أنّ ثمّة جناية خرق وتدخّل تتمثّل بمشروع أنشأته لجنة العام 1972 لإعادة إنتخاب الرئيس وقد تورّط فيه عملاء اللجنة نفسها وآخرون غيرهم أمثال "هوارد هانت، وتشارل كولسن، وجي.غوردان ليدي، وجون دين، وجايمس ماكورد، وجيب ماغرودر، وجون ميتشيل" وغيرهم من الذين شوّهوا سمعات عائلاتهم في أميركا وحول العالم.
وكانت فضيحة "ووترغيت" قد أصابت البلد وعدداً كبيراً من مؤسساته بحال من الذهول. ولكنّها أدّت أيضاً إلى تغييرات أفضل، وأسفرت عن مزيد من المساءلة داخل الحكومة الأميركية، على الأقل لفترة من الزمن. وبالإضافة إلى ذلك، أثارت الفضيحة استجواباً تاريخيّاً لكلّ من وكالة الإستخبارات المركزية (سي.آي.إيه) ومكتب التحقيق الفدرالي (أف.بي.آي) وغيرهما من الوكالات الفدرالية، فضلاً عن كشف جوانب متعدّدة من سوء الحال التي أصبحنا عليها كوطن. وبالمقابل، عمل كثيرون أمثال السيناتور عن ولاية إيداهو "فرانك تشيرش"، والسيناتور عن ولاية أوريغون "واين مورس"، وسيناتور داكوتا الجنوبية "جايمس أبو رزق"، وبين أمور أخرى، عملوا على إصلاح بلدهم.
وقد يكون هناك أمور مغفلة تتكشّف مع الأيام لتصنع نوعا من المقارنة بين "ووترغيت" وشحنة لطف الله (2) من الأسلحة إلى سوريا. ولكنّ ما نعرفه يوماً بعد يوم حول من، وماذا، ولماذا تذكّرنا لطف الله (2) بفضيحة "ووترغيت"، يشبه إلى حدّ ما طريقة "شيئاً فشيئاً، أو قطرة قطرة" في ما يخصّ المعطيات، والإستنكارات، وتسليم شباب طائشين وغير ذلك من الأمثلة الدالّة على عدم الكفاءة. ولا تزال المعطيات تتكشّف عن مغامرة لطف الله (2) الفاشلة للتسليح. وفي هذا الصدد، زعم سوريّ أنّه يمتلك السفينة وقد تمّ تسجيلها في سيراليون، أما المفارقة فهي أن العلم المصري يرفرف عليها، وقد تم احتجازها قبالة ميناء البترون اللبناني على أيدي قوات مشاة البحرية في الجيش اللبناني ربّما لأنها كانت تبحر عالياً جدّاً وقد بدت عليها علامات "الشبهة".
وفيما بعد، عثر على أكثر من 136 طنّاً من الأسلحة على متنها قد تنفجر من دون سابق إنذار مخلّفةً عواقب سياسية خطيرة في المنطقة. وبالمقابل، كان "صاحب الحنجرة العميقة"، وخلد مكتب التحقيق الفدرالي الذي التقى سرّاً بالمراسلين المذكورين وسرّب لهما معلومات سرّيّة تخصّ الحكومة الأميركية انتقاماً لنفسه من الرئيس "نيكسون" الذي رفض تعيينه خلفاً لمدير مكتب التحقيق الفدرالي الراحل "جيه.إدغار هوفر"، قد خرج للعلن عام 2005. فبعد ربع قرن من محاولة مئات رجال الشرطة السريّين العثور عليه، ومعرفة ما إذا كان موجوداً أم لا، تبيّن أن "صاحب الحنجرة العميقة" لم يكن سوى نائب مدير مكتب التحقيق الفدرالي "ويليام مارك فلت". وكان الأب "صاحب الحنجرة العميقة" قد كرّر نصيحته لمراسلي "واشنطن بوست" قائلاً لهما: "تتبّعوا المال"! وقد فعلا ذلك، أما الباقي فهو أحداث مؤرّخة.
أما في ليبيا أو قطر أو أي مكان آخر، فإذا ظهر "صاحب حنجرة عميقة" وأسدى نصائح للصحافيين الذين يتواجدون في بنغازي ومصراتة للتنقيب عن الأحداث، فربّما ستكون نصيحته: "تتبّعوا الأسلحة". فمن هذا المنطلق، ثمّة شاهد عيان يدعى حسن دياب، وهو باحث ليبي عمل مع مجموعة من المحامين الأميركيين والمحامين الدوليين الذين كانوا يحضّرون لرفع دعوىً على قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) على أن ترفع لمحكمة الجنايات الدولية. كان حسن قد رأى فعليّاً، وبرفقة ثلاثة من أصدقائه، سفينة لطف الله (2) وقد تمّ تحميلها في بنغازي بليبيا. ويزعم حسن أنّ ما هو معروف جيّداً في محيط الأحواض هو أن قطر والمملكة العربية السعودية تراقبان ما مجموعه خمسة مستودعات في كلّ من بنغازي ومصراتة وقد وفّرت السلاح والمال لإستئجار سفينة لطف الله (2) التي تحمل المستوعبات.
ويتناقل الليبيون في تلك المنطقة أحاديث تقول إن مصدر الأسلحة هو من مخزون الأسلحة الإحتياطي للقذافي الذي بقي من حملة (الناتو) على ليبيا، وبعضها من خطوط نقل السلاح القطري السعودي إلى ليبيا الذي امتدّ ستّة أشهر. فعندما أعلنت قوات (الناتو) وقف إطلاق النار ليلة عيد جميع القدّيسين في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، بدأ التدافع على جمع الأسلحة فخزّنت قطر واشترت جميع الأسلحة التي عثرت عليها من عدد من الميليشيات التي كانت مستعدّة لتنفيذ صفقات تجارية.
وكان عمّال الأحواض الليبيين والأجانب في ميناء بنغازي، الذين شاهدوا عمليّة تحميل سفينة لطف الله (2)، قد رأوا ثلاث حاويات تعبّأ بمئة وخمسين طنّاً من الأسلحة على متن هذه السفينة، بالرغم من أن الخطة الأولية بحسب مالك السفينة، كانت تقضي بشحن 15 حاوية. ومن المقدّر أنها قد حملت أكثر من ألفي طنّ من الأسلحة. وكان مصدر قضائي لبناني، وهو قاض في دار المحامين في بيروت، قد قدّم مشورة للحكومة اللبنانية بشأن القواعد الإجرائية التي يفترض بها اتبّاعها في مثل هذه الحال، كما وأكّد لي ولجريدة السفير اليومية، أنّ سفينة لطف الله (2) قد موّلها رجلا أعمال سوريّين يعيشان في المملكة العربية السعودية. بالإضافة إلى ذلك، فإن ربّان السفينة سوري الجنسية فضلا عن السيد الذي ادّعى ملكيّة الشحنة. وجميعهم ينتمون إلى المعارضة السورية ويسعون لتغيير النظام في سوريا.
ووفقاً لتقرير حديث الصدور، قد تمّ القبض على الجميع وسيبقون في السجن بالرغم من المزاعم أنهم ظنّوا أن السفينة كانت محمّلة بالبضائع المختلفة (وتجد الإشارة هنا إلى أن ليبيا لا تصدّر شيئاً غير نفطها الخام الخفيف، أما سفينة لطف الله (2) فكان من الواضح أنها ليست ناقلة نفط). ولذلك يواجه أفراد طاقم السفينة محاكمة لارتكابهم جرائم نقل سلاح بطريقة غير شرعية. وقد نقل عن مالك الشحنة أنه أخبر مستجوبيه، ومنهم قاضي التحقيق العسكري صقر صقر، أنه:"بالنسبة لي قد تتنافى المطالبة بتفتيش محتوى السفينة مع القانون اللبناني والقانون البحري الدولي".
وقد يجادل بعض المحامين الدوليين، ومنهم أنا، بالقول إن القانون هو عكس ذلك تماماً. فالقانون الدولي لا ينصّ فقط على حقّ المالك بتفتيش الشحنات المحمّلة على سفنه - منعاً لوجود بضائع خطرة أو بضائع مهرّبة- بل إن القانون البحري يشير بوضوح إلى تفويضه القيام بذلك. وكذلك تتمتّع شركة التأمين بهذا الحق.
الإستنكارات
لم يكن تيار المستقبل المدعوم أميركياً وسعودياً متورّطاً في شحنة الأسلحة تلك، وذلك بحسب ما قاله المسؤول في التيار النائب مصطفى علّوش. إلا أنه قال لاحقاً لقناة (أو تي في) اللبنانية:"إن للشّعب السوري الحق في إيجاد الطرق الملائمة للدفاع عن نفسه". وكان الجيش السوري الحر قد نفى أيّ علاقة له بشحنة الأسلحة.
ومن جهته، أثنى المسؤول في حزب الله عمّار الموسوي على الجيش اللبناني لإلقائه القبض على شحنة الأسلحة غير الشرعية المتوجّهة نحو سوريا، كما وحثّ السلطات على "حماية لبنان من أن يصبح بوّابة لتدمير جارته". وأضاف مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله بقوله: "من أجل استقرار لبنان، أدعو السلطة إلى بذل جهود مضاعفة لحماية لبنان من أن يتحوّل إلى ميدان لتمرير أدوات الجريمة إلى سوريا. كما وسيكون لتورّط بعض اللبنانيين في تأزيم الوضع في سوريا تداعيات سلبية على لبنان".
وفي 2 أيار/ مايو 2012، وبعد لقاء له مع وزير الخارجية اللبنانية عدنان منصور، إتّهم السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي دول الخليج ومنها قطر والمملكة العربية السعودية لوقوفها وراء شحنة الأسلحة المتّجهة نحو سوريا. "من المؤكّد أن الشحنة كانت متوجّهة للمعارضة السورية لأن القيادات السياسية والأمنية في قطر والسعودية وغيرهما من الدول تساند هذه الأفعال التي تقوّض استتباب الأمن في سوريا ولبنان والمنطقة".
ويبقى عدد كبير من الأسئلة بحاجة إلى أجوبة. فأي طالب حقوق في السنة الأولى من دراسته قد يسأل نفسه هذه الأسئلة التي ربّما سيسألها أيضا قضاة التحقيق اللبنانيين ووسائل الإعلام. ومن أكثر هذه الأسئلة حتميّةً:
• من الذي موّل الحمولة المكتشفة على متن باخرة لطف الله (2)؟
• لمن كانت الوصاية على الحاويات الأساسية الإثنتا عشرة المقرّر إرسالها، بحسب ما قاله المالك المعتقل، على أنها شحنة أكثر من مليوني طنّ من "البضائع المختلفة"؟
• من الذي أمّن الأسلحة، ومن أي مستودعات في ليبيا قد تمّ تحميلها؟ ومن يدير هذه المستودعات؟
• من الذي قرّر إيقاف العقد الأصلي الذي يقضي بإرسال 12 حاوية ولماذا؟ وأين أصبحت تلك الحاويات؟
• من الذي أعدّ بيانات السفينة؟
• بماذا تورّط صاحب سفينة لطف الله (2)، إن كان متورّطاً؟
• لماذا لم يتمّ تفتيش السفينة في كلّ من ميناء الإسكندرية والميناء التركي وهي قد رست فيهما؟
• لماذا أعطتها إسرائيل وقوات الطوارئ في الأمم المتحدة (اليونيفيل) "الضوء الأخضر للمرور"؟
• يزعم بعض شهود العيان أن السفينة قد شهدت بعض الأنشطة علناً حين رسوّها في تركيا. ما طبيعة تلك الأنشطة؟
• من هم السياسيون اللبنانيون والأحزاب اللبنانية المتورّطة في الحادثة، إن كانوا متورّطين؟
• من الذي كان من المفترض أن يتولّى شأن الحمولة في لبنان عندما ترسو في ميناء طرابلس؟
• أي طريق برّية إلى سوريا كانت ستسلك بعد تفريغ البضائع في ميناء طرابلس؟
لست في موقع من يعطي النصيحة للصحافيين المحقّقين، سواء كانوا مستقلّين أم موظّفين. ولكنني كمستشار طويل الباع في الكونغرس الأميركي بعد حقبة فضيحة "ووترغيت"، وعلماً أنني قد قرأت فعليّاً وقائع جلسات "ووترغيت" للسيناتور الأميركي "هوارد بايكر"، أظنّ أن صحافيّاً أو أكثر قد يحجزون للذهاب في رحلة إلى بنغازي في ليبيا، فوراً، بنيّة تتبّع المال وتتبّع السلاح!
ترجمة المنار
المصدر :
د. فرنكلين لامب
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة