خاض حزب كديما الاسرائيلي المعارض يوم أمس معركته الأخيرة في المنافسة على زعامته بين وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني ووزير الدفاع الأسبق شاؤول موفاز. وتميزت المنافسة بنوع من الفتور على صعيد التصويت، حيث لم ترتفع نسبة المشاركة حتى ساعات المساء لأكثر من 20 في المئة، ما دفع المتنافسين لإطلاق نداءات يائسة للحث على الاقتراع. غير أن المفارقة الأكبر تمثلت في قلة الاهتمام الإعلامي بتغطية المنافسة على زعامة الحزب الذي لا يزال من الوجهة الرسمية الأكبر في الكنيست بين أحزاب إسرائيل.

والواقع أن حزب كديما الذي أنتج رئيس حكومة ونصفاً منذ تشكيله قبل ست سنوات ونصف تقريباً يعيش اليوم على مفترق طرق مهم. فالمتنافسان على زعامته، ليفني وموفاز، يعرضان طريقين مختلفين لهوية الحزب الذي بني على أساس شخصي أكثر مما بني على أساس أيديولوجي. فكديما نشأ حول شخصية أرييل شارون الذي أراد انتهاج خط وسطي فخرج من الليكود وشق عملياً حزب العمل أيضاً، ما عنى تحطيم الوسط السياسي في إسرائيل على أمل تغيير النظام السياسي. وقبل أن يكمل شارون مهمته سقط في حالة «كوما» لم يخرج منها حتى الآن فخلفه إيهود أولمرت. وقد حاول أولمرت عبثاً مواصلة فكرة شارون، التي بدأت بخطة الفصل عن غزة، بالعمل على حل سياسي مع الفلسطينيين في الضفة الغربية. غير أنه لم يفلح لاعتبارات مختلفة، فراوح حزب كديما في مكانه إلى أن خسر أولمرت بسبب قضايا الفساد زعامة الحزب لليفني، وخسر الحزب رئاسة الحكومة لبنيامين نتنياهو.

وخلال السنوات الثلاث الماضية، عجز حزب كديما برئاسة ليفني عن إظهار نفسه كبديل لحكومة نتنياهو. كما عجز عن المشاركة في الحكم إلى جانب الليكود، ما جعله بشكل متواصل يزداد هامشية في الحياة العامة رغم احتفاظه حتى الآن بثقل برلماني كبير. وخلال هذه السنوات بدأت في الظهور بدائل لكديما، كحزب وسط، تمثلت أساساً في عودة حزب العمل إلى محاولة تجديد نفسه بعد طرد إيهود باراك منه. وازدادت أزمة كديما بدخول الإعلامي يائير لبيد إلى الحلبة السياسية داعياً لتشكيل حزب وسط جديد.

كما أن نجاح بنيامين نتنياهو في ترسيخ استقرار حكومته أضعف من قدرات كديما التنافسية كبديل لحكومته وجعل من هذا الحزب مجرد واحد من مجموعة أحزاب تتنافس، ليس على قيادة الدولة العبرية وإنما على المشاركة في إدارة عملها البرلماني. وباللغة السياسية المعهودة في إسرائيل فقد كديما جاذبيته كحزب يتنافس على القيادة التي باتت من دون منازع محصورة باليمين وحتى إشعار آخر.

وربما لهذه الأسباب تشهد الحلبة السياسية هذه الأيام عمليات إعادة تموضع للأصوات، وفي الغالب فإنها تأخذ من كديما في كل الاتجاهات تقريباً. فجزء من أصوات اليمين العقلاني التي ذهبت مع شارون من الليكود تفكر بالعودة إليه. وجزء من ناخبي حزب العمل التقليديين الذين ذهبوا مع حاييم رامون وشمعون بيريز سيعودون إليه. كما أن جزءاً حتى من أنصار اليسار الذين ظنوا أن كديما يمكنه أن ينشئ أسس الحل التاريخي مع الفلسطينيين سيعودون حتى لحزب ميرتس اليساري.

ولهذه الأسباب مجتمعة، يرى كثر النتيجة من الآن: حزب كديما خاسر. فكديما لم يعد حزباً يتطلع إلى القيادة، وبالتالي فإن التنافس على زعامته لا تعني أن الرابح مرشح لرئاسة الحكومة الإسرائيلية. صحيح أن موفاز وليفني لا يزالان يعلنان نفسيهما مرشحين لرئاسة الحكومة، ولكن الفارق كبير بين نظرتهما لنفسيهما ونظرة المجتمع الإسرائيلي لهما. واستطلاعات الرأي تبين أن أياً من الاثنين لن يحقق لكديما، في أحسن الأحوال، مقاعد في الكنيست المقبلة تزيد كثيراً عن نصف ما يمتلكه الحزب الآن.

وفي كل الأحوال ربما أن كاريكاتير صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من حكومة نتنياهو عبر عن رؤية شائعة للمنافسة في كديما بذلك الرسم الذي عرض ليفني وموفاز يحملان صنارتين لاصطياد السمك من دلو ماء متعدد الثقوب. وربما أيضاً أن نسبة التصويت التي لم تزد كثيراً عن 20 في المئة من بين 95 ألف منتسب في انتخابات شهدت صراعات حادة، خصوصاً في المراكز العربية بين من لا يعنيهم موفاز ولا ليفني أكدت تلك الرؤية.

لقد كانت استطلاعات الرأي تمنح ليفني تفوقاً واضحاً على موفاز في الانتخابات التمهيدية. ولكن ليس مستبعداً أن المؤامرات الانتخابية وربما تدني نسبة التصويت قد يخلقان مفاجأة ويفوز موفاز. ولكن كما سبق لم تعد القصة من سيفوز وإنما ما هو مستقبل كديما؟ واليوم أكثر من أي وقت مضى تثار علامة استفهام كبيرة حول مستقبل هذا الحزب، وهل يقترب من نهايته. ففوز ليفني قد يعني انشقاق موفاز وتشكيله كتلة جديدة تناور من أجل الانضمام في الانتخابات المقبلة لليكود. وفوز موفاز لا يغير كثيراً من التقدير السابق لأنه في نظر الكثيرين يريد كديما أقرب إلى «ليكود ب».

وفي كل الأحوال من المنطقي الافتراض أن نتائج انتخابات كديما لن تحمل بشارة لخصوم نتنياهو. فكديما الذي أثبت خلال عهد رئيس الحكومة عجزه عن استغلال «كراهية نتنياهو» يصعب عليه إقناع أحد بأن بضاعته يمكن تسويقها الآن بشكل أفضل.

  • فريق ماسة
  • 2012-03-27
  • 9443
  • من الأرشيف

مشاركة متواضعة في انتخابات كديما: بين ليفني وموفاز الحزب هو الخاسر

خاض حزب كديما الاسرائيلي المعارض يوم أمس معركته الأخيرة في المنافسة على زعامته بين وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني ووزير الدفاع الأسبق شاؤول موفاز. وتميزت المنافسة بنوع من الفتور على صعيد التصويت، حيث لم ترتفع نسبة المشاركة حتى ساعات المساء لأكثر من 20 في المئة، ما دفع المتنافسين لإطلاق نداءات يائسة للحث على الاقتراع. غير أن المفارقة الأكبر تمثلت في قلة الاهتمام الإعلامي بتغطية المنافسة على زعامة الحزب الذي لا يزال من الوجهة الرسمية الأكبر في الكنيست بين أحزاب إسرائيل. والواقع أن حزب كديما الذي أنتج رئيس حكومة ونصفاً منذ تشكيله قبل ست سنوات ونصف تقريباً يعيش اليوم على مفترق طرق مهم. فالمتنافسان على زعامته، ليفني وموفاز، يعرضان طريقين مختلفين لهوية الحزب الذي بني على أساس شخصي أكثر مما بني على أساس أيديولوجي. فكديما نشأ حول شخصية أرييل شارون الذي أراد انتهاج خط وسطي فخرج من الليكود وشق عملياً حزب العمل أيضاً، ما عنى تحطيم الوسط السياسي في إسرائيل على أمل تغيير النظام السياسي. وقبل أن يكمل شارون مهمته سقط في حالة «كوما» لم يخرج منها حتى الآن فخلفه إيهود أولمرت. وقد حاول أولمرت عبثاً مواصلة فكرة شارون، التي بدأت بخطة الفصل عن غزة، بالعمل على حل سياسي مع الفلسطينيين في الضفة الغربية. غير أنه لم يفلح لاعتبارات مختلفة، فراوح حزب كديما في مكانه إلى أن خسر أولمرت بسبب قضايا الفساد زعامة الحزب لليفني، وخسر الحزب رئاسة الحكومة لبنيامين نتنياهو. وخلال السنوات الثلاث الماضية، عجز حزب كديما برئاسة ليفني عن إظهار نفسه كبديل لحكومة نتنياهو. كما عجز عن المشاركة في الحكم إلى جانب الليكود، ما جعله بشكل متواصل يزداد هامشية في الحياة العامة رغم احتفاظه حتى الآن بثقل برلماني كبير. وخلال هذه السنوات بدأت في الظهور بدائل لكديما، كحزب وسط، تمثلت أساساً في عودة حزب العمل إلى محاولة تجديد نفسه بعد طرد إيهود باراك منه. وازدادت أزمة كديما بدخول الإعلامي يائير لبيد إلى الحلبة السياسية داعياً لتشكيل حزب وسط جديد. كما أن نجاح بنيامين نتنياهو في ترسيخ استقرار حكومته أضعف من قدرات كديما التنافسية كبديل لحكومته وجعل من هذا الحزب مجرد واحد من مجموعة أحزاب تتنافس، ليس على قيادة الدولة العبرية وإنما على المشاركة في إدارة عملها البرلماني. وباللغة السياسية المعهودة في إسرائيل فقد كديما جاذبيته كحزب يتنافس على القيادة التي باتت من دون منازع محصورة باليمين وحتى إشعار آخر. وربما لهذه الأسباب تشهد الحلبة السياسية هذه الأيام عمليات إعادة تموضع للأصوات، وفي الغالب فإنها تأخذ من كديما في كل الاتجاهات تقريباً. فجزء من أصوات اليمين العقلاني التي ذهبت مع شارون من الليكود تفكر بالعودة إليه. وجزء من ناخبي حزب العمل التقليديين الذين ذهبوا مع حاييم رامون وشمعون بيريز سيعودون إليه. كما أن جزءاً حتى من أنصار اليسار الذين ظنوا أن كديما يمكنه أن ينشئ أسس الحل التاريخي مع الفلسطينيين سيعودون حتى لحزب ميرتس اليساري. ولهذه الأسباب مجتمعة، يرى كثر النتيجة من الآن: حزب كديما خاسر. فكديما لم يعد حزباً يتطلع إلى القيادة، وبالتالي فإن التنافس على زعامته لا تعني أن الرابح مرشح لرئاسة الحكومة الإسرائيلية. صحيح أن موفاز وليفني لا يزالان يعلنان نفسيهما مرشحين لرئاسة الحكومة، ولكن الفارق كبير بين نظرتهما لنفسيهما ونظرة المجتمع الإسرائيلي لهما. واستطلاعات الرأي تبين أن أياً من الاثنين لن يحقق لكديما، في أحسن الأحوال، مقاعد في الكنيست المقبلة تزيد كثيراً عن نصف ما يمتلكه الحزب الآن. وفي كل الأحوال ربما أن كاريكاتير صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من حكومة نتنياهو عبر عن رؤية شائعة للمنافسة في كديما بذلك الرسم الذي عرض ليفني وموفاز يحملان صنارتين لاصطياد السمك من دلو ماء متعدد الثقوب. وربما أيضاً أن نسبة التصويت التي لم تزد كثيراً عن 20 في المئة من بين 95 ألف منتسب في انتخابات شهدت صراعات حادة، خصوصاً في المراكز العربية بين من لا يعنيهم موفاز ولا ليفني أكدت تلك الرؤية. لقد كانت استطلاعات الرأي تمنح ليفني تفوقاً واضحاً على موفاز في الانتخابات التمهيدية. ولكن ليس مستبعداً أن المؤامرات الانتخابية وربما تدني نسبة التصويت قد يخلقان مفاجأة ويفوز موفاز. ولكن كما سبق لم تعد القصة من سيفوز وإنما ما هو مستقبل كديما؟ واليوم أكثر من أي وقت مضى تثار علامة استفهام كبيرة حول مستقبل هذا الحزب، وهل يقترب من نهايته. ففوز ليفني قد يعني انشقاق موفاز وتشكيله كتلة جديدة تناور من أجل الانضمام في الانتخابات المقبلة لليكود. وفوز موفاز لا يغير كثيراً من التقدير السابق لأنه في نظر الكثيرين يريد كديما أقرب إلى «ليكود ب». وفي كل الأحوال من المنطقي الافتراض أن نتائج انتخابات كديما لن تحمل بشارة لخصوم نتنياهو. فكديما الذي أثبت خلال عهد رئيس الحكومة عجزه عن استغلال «كراهية نتنياهو» يصعب عليه إقناع أحد بأن بضاعته يمكن تسويقها الآن بشكل أفضل.

المصدر : السفير /حلمي موسى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة