بما أن المعادلات السياسية تتأثر مباشرة بموازين القوى على الأرض، فإن النقاط التي سجلها النظام السوري في الميدان على خصومه، دفعت "الحلفاء الغربيين"، مع بداية العام الثاني للأزمة السورية، الى نوع من "إعادة الانتشار"، فتم استدعاء "قوة الاحتياط" الدبلوماسية المتمثلة بالأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان، بعدما احترق الكثير من الأوراق الأخرى، وصدر بيان رئاسي عن مجلس الأمن متضمناً مقاربة أكثر توازناً للوضع السوري، تحت تأثير المكابح الروسية ـ الصينية.

وتؤكد مصادر رسمية سورية بارزة أن دمشق ستحاول تأمين شروط النجاح لمهمة أنان، لأنها صاحبة مصلحة في التهدئة وإنتاج بيئة ملائمة للانتخابات التشريعية، "في حين أن المعارضة تعتبر ان الهدوء يكشف عوراتها ويُبين حجمها الحقيقي، كطرف لا وزن شعبياً له، وبالتالي فهي تستفيد من الغبار الذي تثيره الاضطرابات الأمنية لاستقطاب العطف وتشويه صورة النظام والتغطية على حقيقة الواقع، وصولاً الى الهروب من تسديد مستحقات أي حل سياسي موضوعي وواقعي، لأن مثل هذا الحل سيأخذ بالاعتبار استحالة "إسقاط" الرئيس بشار الأسد".

وترى المصادر أن أهمية مهمة أنان والبيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن تكمن في أنهما يطويان صفحة ما قبلهما، "وبهذا المعنى، فإن مبادرة الجامعة العربية التي تدعو الى تنحي الرئيس السوري من خلال تجيير صلاحياته الى نائبه أصبحت عملياً خارج الخدمة والتداول، ولم يعد لها مكان في أجندة المبعوث الدولي الى سوريا".

وإذ تقر المصادر بأن البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن، بموافقة روسيا والصين، يشكل في جانب منه ضغطاً معنوياً على القيادة السورية، تشير إلى أنه ضغط يندرج ضمن قواعد اللعبة وليس خارجها، "وما يجب التوقف عنده بشكل اساسي في البيان هو انه خفّض سقف المجموعة الغربية التي كانت تجنح في اتجاه طروحات متطرفة وآحادية النظرة، فإذا بها تعترف بأن المعارضة تمارس العنف ايضاً وليس النظام وحده، وان المطلوب وقفه من الطرفين وليس من طرف واحد فقط، الى جانب تغييب مطلب إزاحة الأسد عن منصبه في معرض الكلام حول العملية السياسية، وهنا يسجل للروس نجاحهم في «ترشيد» بعض أطراف مجلس الأمن ولجم اندفاعاتهم المتهورة".

وتشدّد المصادر السورية البارزة على وجود عنصرين ثابتين في الموقف الروسي، هما: لا للتدخل العسكري الخارجي في سوريا، ولا "لتنحية" الرئيس الأسد بالقوة، "وخارج هذه المعادلة تملك موسكو هامشاً واسعاً للحركة قد يصل الى حد انتقاد الرئيس الأسد وتحميله مسؤولية ارتكاب بعض الاخطاء أو التأخير في الإصلاحات، كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مؤخراً، ومثل هذا التكتيك يعزز استراتيجية موسكو في مقاربة الأزمة السورية، لأنه يمنحها المزيد من المصداقية الدولية والمرونة الدبلوماسية، بما يجعلها أشد تأثيراً وفعالية على الصعيد الدولي، ولذلك فإن سوريا تتفهم متطلبات الدور الروسي ولا تزعجها".

وتعتقد المصادر أن القيادة السورية تمكنت من ان تبدأ بإقناع الآخرين بروايتها حول مجرى الأحداث في سوريا، بعدما كانت هذه الرواية مصنفة في خانة الخيال البوليسي، "وبات أي طرح يأتي من الخارج يلحظ حقيقة وجود مجموعات مسلحة تمارس العنف"، مؤكدة أن النظام مستعدّ لإنهاء العمليات العسكرية فوراً إذا أوقفت تلك المجموعات أعمالها الإرهابية.

وتؤكد المصادر ان معركة بابا عمرو في حمص "كانت مفصلية وشكلت نقطة تحوّل في مسار التعاطي الدولي مع الواقع السوري"، مشيرة الى دمشق تعرف جيداً أن الحل الأمني، وحده، ليس كافياً لمعالجة الأزمة الراهنة، ولكنه يشكل في الوقت ذاته ممراً إلزامياً لتسهيل الحل السياسي ودفع الآخرين الى استعادة رشدهم، "وبالتالي فإن القيمة الاستراتيجية لهذه المعركة تتمثل في أنها فرضت شيئاً من الواقعية على مراكز القرار في الغرب وأتاحت ولادة فكرة إيفاد أنان الى دمشق مزوداً بطرح أكثر توازناً مما سبق أن عرض عليها في السابق".

وتشير المصادر السورية البارزة الى أن الوضع الميداني هو الذي يحدد اتجاهات المسار السياسي، ولولا الإنجازات التي حققها الجيش السوري على الأرض، ما كان الصقور في مجلس الأمن ليوافقوا على اعتماد لغة مخففة في البيان الرئاسي الأخير، مشيرة الى أن الأسد يدرك أن ما يحققه ميدانياً هو الذي يحدد وجهة المفاوضات أو المواجهات مع الخارج، "وهذا يعني أنه كلما كان قوياً بأوراقه الداخلية، سواء على المستويين العسكري أم الشعبي، استطاع أن يصمد في مواجهة الضغط الدولي، ويُلزم خصومه بتقديم تنازلات في موازاة التنازلات التي بات مقتنعاً بأن لا مفر من أن يقدّمها في نهاية المطاف، لإنجاز تسوية تتماشى مع المستجدات الحاصلة في سوريا والتي أصبح من المستحيل معها العودة الى ما قبل 15 آذار2011".

وتعتبر المصادر السورية أن التحدي الحقيقي الذي يواجه أنان ليس في دمشق، وإنما في أمكنة أخرى، متسائلة: كيف تستقيم التسوية السياسية مع دعوة البعض العلنية والصريحة الى تسليح المعارضة؟ وكيف تستقيم التسوية مع مواصلة القتال العبثي "لإسقاط" نظام لن تكون فرصة إسقاطه متاحة إلا في صناديق الاقتراع وليس عبر صناديق السلاح، "وبالتالي فإن جهد أنان يجب أن يتركز على معالجة هذه المعضلة بالتحديد، وإقناع المعارضة ورعاتها الإقليميين بالانخراط في حل سياسي ينطلق من ثابتة عدم إمكانية تغييرالرئيس بشار الاسد سوى بالانتخابات الرئاسية في حين أن النظام كهيكل سياسي- دستوري تغير فعلاً وهو قابل لمزيد من التطور".

وتلفت المصادر البارزة الانتباه الى أن لا قيمة لـ"مؤتمر أصدقاء سوريا -2" في اسطنبول، لأنه يأتـي خارج النص، ويتعارض مع السياق العام للأحداث، ما يجعله يبدو مسبقاً من دون أفق سياسي، ملاحظة أنه لا ينسجم في توقيته وطروحات معظم أعضائه مع مهمة كوفي أنان الذي يتحرك على موجة أخرى، وبتغطية عربية غربية.

  • فريق ماسة
  • 2012-03-26
  • 8584
  • من الأرشيف

معادلة الرئيس الأسد: الحل الأمني لا يكفي .. لكنه ممر إلزامي للتسويات

بما أن المعادلات السياسية تتأثر مباشرة بموازين القوى على الأرض، فإن النقاط التي سجلها النظام السوري في الميدان على خصومه، دفعت "الحلفاء الغربيين"، مع بداية العام الثاني للأزمة السورية، الى نوع من "إعادة الانتشار"، فتم استدعاء "قوة الاحتياط" الدبلوماسية المتمثلة بالأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان، بعدما احترق الكثير من الأوراق الأخرى، وصدر بيان رئاسي عن مجلس الأمن متضمناً مقاربة أكثر توازناً للوضع السوري، تحت تأثير المكابح الروسية ـ الصينية. وتؤكد مصادر رسمية سورية بارزة أن دمشق ستحاول تأمين شروط النجاح لمهمة أنان، لأنها صاحبة مصلحة في التهدئة وإنتاج بيئة ملائمة للانتخابات التشريعية، "في حين أن المعارضة تعتبر ان الهدوء يكشف عوراتها ويُبين حجمها الحقيقي، كطرف لا وزن شعبياً له، وبالتالي فهي تستفيد من الغبار الذي تثيره الاضطرابات الأمنية لاستقطاب العطف وتشويه صورة النظام والتغطية على حقيقة الواقع، وصولاً الى الهروب من تسديد مستحقات أي حل سياسي موضوعي وواقعي، لأن مثل هذا الحل سيأخذ بالاعتبار استحالة "إسقاط" الرئيس بشار الأسد". وترى المصادر أن أهمية مهمة أنان والبيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن تكمن في أنهما يطويان صفحة ما قبلهما، "وبهذا المعنى، فإن مبادرة الجامعة العربية التي تدعو الى تنحي الرئيس السوري من خلال تجيير صلاحياته الى نائبه أصبحت عملياً خارج الخدمة والتداول، ولم يعد لها مكان في أجندة المبعوث الدولي الى سوريا". وإذ تقر المصادر بأن البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن، بموافقة روسيا والصين، يشكل في جانب منه ضغطاً معنوياً على القيادة السورية، تشير إلى أنه ضغط يندرج ضمن قواعد اللعبة وليس خارجها، "وما يجب التوقف عنده بشكل اساسي في البيان هو انه خفّض سقف المجموعة الغربية التي كانت تجنح في اتجاه طروحات متطرفة وآحادية النظرة، فإذا بها تعترف بأن المعارضة تمارس العنف ايضاً وليس النظام وحده، وان المطلوب وقفه من الطرفين وليس من طرف واحد فقط، الى جانب تغييب مطلب إزاحة الأسد عن منصبه في معرض الكلام حول العملية السياسية، وهنا يسجل للروس نجاحهم في «ترشيد» بعض أطراف مجلس الأمن ولجم اندفاعاتهم المتهورة". وتشدّد المصادر السورية البارزة على وجود عنصرين ثابتين في الموقف الروسي، هما: لا للتدخل العسكري الخارجي في سوريا، ولا "لتنحية" الرئيس الأسد بالقوة، "وخارج هذه المعادلة تملك موسكو هامشاً واسعاً للحركة قد يصل الى حد انتقاد الرئيس الأسد وتحميله مسؤولية ارتكاب بعض الاخطاء أو التأخير في الإصلاحات، كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مؤخراً، ومثل هذا التكتيك يعزز استراتيجية موسكو في مقاربة الأزمة السورية، لأنه يمنحها المزيد من المصداقية الدولية والمرونة الدبلوماسية، بما يجعلها أشد تأثيراً وفعالية على الصعيد الدولي، ولذلك فإن سوريا تتفهم متطلبات الدور الروسي ولا تزعجها". وتعتقد المصادر أن القيادة السورية تمكنت من ان تبدأ بإقناع الآخرين بروايتها حول مجرى الأحداث في سوريا، بعدما كانت هذه الرواية مصنفة في خانة الخيال البوليسي، "وبات أي طرح يأتي من الخارج يلحظ حقيقة وجود مجموعات مسلحة تمارس العنف"، مؤكدة أن النظام مستعدّ لإنهاء العمليات العسكرية فوراً إذا أوقفت تلك المجموعات أعمالها الإرهابية. وتؤكد المصادر ان معركة بابا عمرو في حمص "كانت مفصلية وشكلت نقطة تحوّل في مسار التعاطي الدولي مع الواقع السوري"، مشيرة الى دمشق تعرف جيداً أن الحل الأمني، وحده، ليس كافياً لمعالجة الأزمة الراهنة، ولكنه يشكل في الوقت ذاته ممراً إلزامياً لتسهيل الحل السياسي ودفع الآخرين الى استعادة رشدهم، "وبالتالي فإن القيمة الاستراتيجية لهذه المعركة تتمثل في أنها فرضت شيئاً من الواقعية على مراكز القرار في الغرب وأتاحت ولادة فكرة إيفاد أنان الى دمشق مزوداً بطرح أكثر توازناً مما سبق أن عرض عليها في السابق". وتشير المصادر السورية البارزة الى أن الوضع الميداني هو الذي يحدد اتجاهات المسار السياسي، ولولا الإنجازات التي حققها الجيش السوري على الأرض، ما كان الصقور في مجلس الأمن ليوافقوا على اعتماد لغة مخففة في البيان الرئاسي الأخير، مشيرة الى أن الأسد يدرك أن ما يحققه ميدانياً هو الذي يحدد وجهة المفاوضات أو المواجهات مع الخارج، "وهذا يعني أنه كلما كان قوياً بأوراقه الداخلية، سواء على المستويين العسكري أم الشعبي، استطاع أن يصمد في مواجهة الضغط الدولي، ويُلزم خصومه بتقديم تنازلات في موازاة التنازلات التي بات مقتنعاً بأن لا مفر من أن يقدّمها في نهاية المطاف، لإنجاز تسوية تتماشى مع المستجدات الحاصلة في سوريا والتي أصبح من المستحيل معها العودة الى ما قبل 15 آذار2011". وتعتبر المصادر السورية أن التحدي الحقيقي الذي يواجه أنان ليس في دمشق، وإنما في أمكنة أخرى، متسائلة: كيف تستقيم التسوية السياسية مع دعوة البعض العلنية والصريحة الى تسليح المعارضة؟ وكيف تستقيم التسوية مع مواصلة القتال العبثي "لإسقاط" نظام لن تكون فرصة إسقاطه متاحة إلا في صناديق الاقتراع وليس عبر صناديق السلاح، "وبالتالي فإن جهد أنان يجب أن يتركز على معالجة هذه المعضلة بالتحديد، وإقناع المعارضة ورعاتها الإقليميين بالانخراط في حل سياسي ينطلق من ثابتة عدم إمكانية تغييرالرئيس بشار الاسد سوى بالانتخابات الرئاسية في حين أن النظام كهيكل سياسي- دستوري تغير فعلاً وهو قابل لمزيد من التطور". وتلفت المصادر البارزة الانتباه الى أن لا قيمة لـ"مؤتمر أصدقاء سوريا -2" في اسطنبول، لأنه يأتـي خارج النص، ويتعارض مع السياق العام للأحداث، ما يجعله يبدو مسبقاً من دون أفق سياسي، ملاحظة أنه لا ينسجم في توقيته وطروحات معظم أعضائه مع مهمة كوفي أنان الذي يتحرك على موجة أخرى، وبتغطية عربية غربية.

المصدر : عماد مرمل\ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة