إذا كانت سياسة النأي بالنفس المعتمدة من الحكومة قد نجحت حتى الآن في تجنيب لبنان تبعات الأزمة السورية، فإن هذه الأزمة ألقت بثقلها على هذا البلد منذ اندلاع شرارتها الأولى وأخضعته لانقسام عمودي حاد، استكمالاً للواقع المستمر منذ تاريخ 14 شباط 2005.

وجاءت تصريحات السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيللي، الداعية لانخراط لبنان في المشروع الدولي ـ الإقليمي الهادف الى "إسقاط "النظام السوري، ليس بالتعبئة السياسية والإعلامية التي لا فضل لها فيها لبنانياً، ولا بالتباكي الإنساني، بل من خلال دعوتها الحكومة اللبنانية الى حماية من أسمتهم "أفراد الجيش السوري الحر"، لتثير هواجس كثيرة.

وما يزيد الطين بلة أن دعوة كونيللي وجدت صداها لدى جمهور المتحمسين لكل الطلبات الأميركية، وهم أنفسهم الذين تبنوا قبل سنوات المعاهدة الأمنية اللبنانية الأميركية، وسمعناهم قبل أيام قليلة يهاجمون وثيقة التفاهم العسكرية الموقعة بين لبنان وإيران، بطلب من السفارة الأميركية.

وإذا كانت الاستجابة لتعطيل الاتفاقية العسكرية مع إيران، لم تترك آثاراً أو عوارض جانبية فورية، فإن الأمر يختلف كلياً مع طلب كونيللي حماية عناصر "الجيش السوري الحر"، فهذه الدعوة "أخطر ما فيها أنها تسقط على واقع لبناني هش في كل مفاصله تقريباً، وفيه من الانقسام والتوتر ما يجعله قابلاً للاشتعال على وهج ما يجري في سوريا وبأقل من شرارة صغيرة أو عود كبريت"، على حد تعبير رئيس كتلة نيابية بارزة في الأكثرية.

وتطرح الدعوة الأميركية المسمومة بتوقيتها ومضمونها أسئلة عدة:

ـ إلامَ ترمي السفيرة الأميركية في طلب حماية افراد "الجيش السوري الحر" وكيف تجيز السفيرة الأميركية لنفسها أن تدعو دولة يفترض أنها ذات سيادة أن تستقبل مسلحين قاتلوا نظاماً تجمعه علاقة خاصة ووثيقة مع لبنان؟

- هل إن القصد من الطلب الأميركي إقامة ما يشبه "بنغازي أمنية" تشكل ملاذاً آمنا للقوى المناوئة لنظام الرئيس بشار الأسد إلى أن يحين موعد استخدامها من جديد ضد النظام؟

- إن "الجيش الحر"، ليس كياناً قائماً بذاته. بل مجرد عنوان فضفاض واختزال لكل من يحمل السلاح ضد النظام في سوريا، والأميركيون أنفسهم تحدثوا عن اختراقات لتنظيم "القاعدة" لصفوف المعارضة السورية، فماذا لو كان أفراد من "القاعدة" جزءًا من الذين يختزلون تحت عنوان "الجيش الحر"، فهل في مقدور أي كان ان ينفي ذلك او يثبت العكس؟ وماذا لو تبين أن بعض افراد هذا الجيش ينتمون الى"القاعدة" أو أخواتها؟

- لنفترض احتضان لبنان لهؤلاء المسلحين، ألا يعتبر هؤلاء بمثابة عبوات ناسفة وقنابل موقوتة داخل الجسم اللبناني، وهل للبنان القدرة على تحمل انفجارها، وقبل ذلك هل يستطيع لبنان ان يتحمل ان تلقى عليه كرة نار بهذا الحجم وإلى أين يمكن أن تأخذ لبنان؟

- ماذا عن احتمال أن يكون بين هؤلاء المسلحين الهاربين، من سبق للبنان ان عاش بسببهم تجربة مريرة في مخيم نهر البارد وقدم فيها الجيش اللبناني تضحيات كبرى بما يزيد عن 170 شهيداً وأكثر من 1500 جريح ومعوق، وماذا لو كانوا فعلاً كذلك؟

- هل يستطيع لبنان ان يتحرك فعلياً على وقع "اجندة" اميركية تحدد له متى يكون هؤلاء المسلحون هم من "القاعدة" ومتى يكونون "ثواراً" من "الجيش الحر"؟

- ألا يمكن أن تعتبر دعوة السفيرة الاميركية الى حماية "الجيش السوري الحر" وإقامة ملاذ آمن لأفراده الفارين، وصفة لسقوط الاستقرار السياسي والأمني الذي لطالما تغنى به الأميركيون وسفيرتهم في بيروت، وألا يستبطن ذلك نية لنسف سياسة "النأي بالنفس" المعتمدة من قبل الحكومة اللبنانية، وهل يمكن أن يقرر الأميركيون المغامرة بالاستقرار اللبناني الهش أصلاً، في سبيل زيادة الضغط على النظام السوري؟ وماذا لو انكسرت كل الضوابط؟ ومن يستطيع أن يقدر الارتدادات الممكنة لخطوة أميركية كهذه؟

- اذا كانت نيات واشنطن تصب في هذا الاتجاه فعلاً، هل للبنان مصلحة في أن يزج بنفسه في ازمة خطيرة لا حصر لارتداداتها وسلبياتها على أمنه واستقراره؟ ولنفترض ان جهات لبنانية قررت التجاوب مع الضغط الأميركي، كيف ستترجم "تجاوبها"؟

- هل هناك موقف موحد للدولة اللبنانية وتحديداً على مستوى الرئاسات الثلاث، من الدعوة التي اطلقتها كونيللي، ومن دخول المسلحين (بلا سلاح على حد تعبير كونيللي) وتحت عنوان منشقين او افراد من "الجيش الحر"؟ وماذا عن موقف الحكومة، وخاصة في التعامل مع قضية النازحين من سوريا، وكيف سيتم التفريق بين الانساني وغير الانساني؟

- هل تعكس دعوة السفيرة الاميركية إقراراً غير مباشر بالوقائع السورية الجديدة ما بعد معركة بابا عمرو في حمص، وهي الوقائع التي ستترك بصماتها على كل التعاطي الدولي والإقليمي وأيضا اللبناني مع الأزمة السورية المفتوحة منذ سنة؟

  • فريق ماسة
  • 2012-03-07
  • 9540
  • من الأرشيف

كونيللي تطلب الملاذ الآمن لـ"الجيش الحر" أم لـ"القاعدة"؟ .

    إذا كانت سياسة النأي بالنفس المعتمدة من الحكومة قد نجحت حتى الآن في تجنيب لبنان تبعات الأزمة السورية، فإن هذه الأزمة ألقت بثقلها على هذا البلد منذ اندلاع شرارتها الأولى وأخضعته لانقسام عمودي حاد، استكمالاً للواقع المستمر منذ تاريخ 14 شباط 2005. وجاءت تصريحات السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيللي، الداعية لانخراط لبنان في المشروع الدولي ـ الإقليمي الهادف الى "إسقاط "النظام السوري، ليس بالتعبئة السياسية والإعلامية التي لا فضل لها فيها لبنانياً، ولا بالتباكي الإنساني، بل من خلال دعوتها الحكومة اللبنانية الى حماية من أسمتهم "أفراد الجيش السوري الحر"، لتثير هواجس كثيرة. وما يزيد الطين بلة أن دعوة كونيللي وجدت صداها لدى جمهور المتحمسين لكل الطلبات الأميركية، وهم أنفسهم الذين تبنوا قبل سنوات المعاهدة الأمنية اللبنانية الأميركية، وسمعناهم قبل أيام قليلة يهاجمون وثيقة التفاهم العسكرية الموقعة بين لبنان وإيران، بطلب من السفارة الأميركية. وإذا كانت الاستجابة لتعطيل الاتفاقية العسكرية مع إيران، لم تترك آثاراً أو عوارض جانبية فورية، فإن الأمر يختلف كلياً مع طلب كونيللي حماية عناصر "الجيش السوري الحر"، فهذه الدعوة "أخطر ما فيها أنها تسقط على واقع لبناني هش في كل مفاصله تقريباً، وفيه من الانقسام والتوتر ما يجعله قابلاً للاشتعال على وهج ما يجري في سوريا وبأقل من شرارة صغيرة أو عود كبريت"، على حد تعبير رئيس كتلة نيابية بارزة في الأكثرية. وتطرح الدعوة الأميركية المسمومة بتوقيتها ومضمونها أسئلة عدة: ـ إلامَ ترمي السفيرة الأميركية في طلب حماية افراد "الجيش السوري الحر" وكيف تجيز السفيرة الأميركية لنفسها أن تدعو دولة يفترض أنها ذات سيادة أن تستقبل مسلحين قاتلوا نظاماً تجمعه علاقة خاصة ووثيقة مع لبنان؟ - هل إن القصد من الطلب الأميركي إقامة ما يشبه "بنغازي أمنية" تشكل ملاذاً آمنا للقوى المناوئة لنظام الرئيس بشار الأسد إلى أن يحين موعد استخدامها من جديد ضد النظام؟ - إن "الجيش الحر"، ليس كياناً قائماً بذاته. بل مجرد عنوان فضفاض واختزال لكل من يحمل السلاح ضد النظام في سوريا، والأميركيون أنفسهم تحدثوا عن اختراقات لتنظيم "القاعدة" لصفوف المعارضة السورية، فماذا لو كان أفراد من "القاعدة" جزءًا من الذين يختزلون تحت عنوان "الجيش الحر"، فهل في مقدور أي كان ان ينفي ذلك او يثبت العكس؟ وماذا لو تبين أن بعض افراد هذا الجيش ينتمون الى"القاعدة" أو أخواتها؟ - لنفترض احتضان لبنان لهؤلاء المسلحين، ألا يعتبر هؤلاء بمثابة عبوات ناسفة وقنابل موقوتة داخل الجسم اللبناني، وهل للبنان القدرة على تحمل انفجارها، وقبل ذلك هل يستطيع لبنان ان يتحمل ان تلقى عليه كرة نار بهذا الحجم وإلى أين يمكن أن تأخذ لبنان؟ - ماذا عن احتمال أن يكون بين هؤلاء المسلحين الهاربين، من سبق للبنان ان عاش بسببهم تجربة مريرة في مخيم نهر البارد وقدم فيها الجيش اللبناني تضحيات كبرى بما يزيد عن 170 شهيداً وأكثر من 1500 جريح ومعوق، وماذا لو كانوا فعلاً كذلك؟ - هل يستطيع لبنان ان يتحرك فعلياً على وقع "اجندة" اميركية تحدد له متى يكون هؤلاء المسلحون هم من "القاعدة" ومتى يكونون "ثواراً" من "الجيش الحر"؟ - ألا يمكن أن تعتبر دعوة السفيرة الاميركية الى حماية "الجيش السوري الحر" وإقامة ملاذ آمن لأفراده الفارين، وصفة لسقوط الاستقرار السياسي والأمني الذي لطالما تغنى به الأميركيون وسفيرتهم في بيروت، وألا يستبطن ذلك نية لنسف سياسة "النأي بالنفس" المعتمدة من قبل الحكومة اللبنانية، وهل يمكن أن يقرر الأميركيون المغامرة بالاستقرار اللبناني الهش أصلاً، في سبيل زيادة الضغط على النظام السوري؟ وماذا لو انكسرت كل الضوابط؟ ومن يستطيع أن يقدر الارتدادات الممكنة لخطوة أميركية كهذه؟ - اذا كانت نيات واشنطن تصب في هذا الاتجاه فعلاً، هل للبنان مصلحة في أن يزج بنفسه في ازمة خطيرة لا حصر لارتداداتها وسلبياتها على أمنه واستقراره؟ ولنفترض ان جهات لبنانية قررت التجاوب مع الضغط الأميركي، كيف ستترجم "تجاوبها"؟ - هل هناك موقف موحد للدولة اللبنانية وتحديداً على مستوى الرئاسات الثلاث، من الدعوة التي اطلقتها كونيللي، ومن دخول المسلحين (بلا سلاح على حد تعبير كونيللي) وتحت عنوان منشقين او افراد من "الجيش الحر"؟ وماذا عن موقف الحكومة، وخاصة في التعامل مع قضية النازحين من سوريا، وكيف سيتم التفريق بين الانساني وغير الانساني؟ - هل تعكس دعوة السفيرة الاميركية إقراراً غير مباشر بالوقائع السورية الجديدة ما بعد معركة بابا عمرو في حمص، وهي الوقائع التي ستترك بصماتها على كل التعاطي الدولي والإقليمي وأيضا اللبناني مع الأزمة السورية المفتوحة منذ سنة؟

المصدر : السفير\ نبيل هيثم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة