في أول زيارة تاريخية لرئيس حكومة إسرائيلي إلى جزيرة قبرص، وفي إشارة إلى تطور العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين، وقّع بنيامين نتنياهو اتفاقاً عسكرياً يسمح بإدخال قوات عسكرية في حالات الكوارث. وتقع زيارة نتنياهو إلى قبرص في إطار السعي الإسرائيلي المحموم لتوطيد العلاقات مع دول أوروبية تعويضاً عن العلاقات الاستراتيجية التي خسرتها مع تركيا. ومن الجلي أن العلاقات بين إسرائيل وقبرص اتخذت بعداً جديداً في أعقاب اكتشاف مخزونات غازية ونفطية على جانبي حدود المنطقة الاقتصادية البحرية للدولتين واستثمار هذه المخزونات من جانب شركات إسرائيلية وأميركية أبرزها شركة «نوبل إنرجي».

وفور وصول نتنياهو إلى نيقوسيا تمّ التوقيع على اتفاقية إنقاذ بين الدولتين تسمح في حالات الطوارئ بدخول موضعي لقوات جوية وبحرية إسرائيلية إلى قبرص وبالعكس. غير أن الكثير من الخبراء يجزمون بأن هذه الاتفاقية ليست سوى طرف جبل الجليد من تفاهمات ذات طبيعة أمنية وعسكرية بين الدولتين، خصوصاً في مجال حماية منصات استخراج الغاز والنفط في عرض البحر. ولا يخفي المراقبون تقديرهم بأن هذا الاتفاق ما كان ليتم لولا التوتر في العلاقات الإسرائيلية التركية ولولا ارتقاء العلاقات الاستراتيجية الإسرائيلية مع اليونان. ويشير هؤلاء إلى أن في الاتفاق مع قبرص التي باتت عضواً في الاتحاد الأوروبي نوعاً من الرسالة إلى إيران. وقد أعلن نتنياهو هناك أن «العقوبات على إيران ليست فعالة»، ووصف طهران بأنها «القوة الأكثر انعداماً للمسؤولية في العالم». وأضاف «آمل أن تنفع العقوبات، لكنها حتى الآن غير مجدية... إننا نتعامل مع نظام ينتهك كل القرارات ولا يبدي أي احترام للمعايير الدولية». وأشار نتنياهو إلى أن «على الولايات المتحدة وكل دولة أخرى أن تشعر بالقلق من سباق إيران نحو السلاح النووي. فوجود هذا السلاح بيد نظام كهذا أمر مقلق جداً للولايات المتحدة ولإسرائيل».

وكان نتنياهو وزوجته قد هبطا في نيقوسيا في زيارة ليوم واحد. وهذه هي أول زيارة لرئيس حكومة إسرائيلي إلى قبرص منذ الإعلان عن الدولة العبرية في العام 1948 واستقلال قبرص. واجتمع نتنياهو على الفور مع الرئيس القبرصي ديمتري خريستوفياس على أن يلتقي مع زعيم المعارضة نيكوس أناستسيدس ووزراء في الحكومة القبرصية بغرض تعزيز العلاقات.

وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد أوضحت أن بين أهداف زيارة نتنياهو لقبرص تعزيز التعاون بين الدولتين في مجال تطوير منشآت الغاز الطبيعي وأمن الطاقة في الدولتين. كذلك بحثت قضايا اقتصادية مشتركة بينها تعزيز العلاقات السياحية والتجارية بين الدولتين والتعاون في ميادين الزراعة، الصحة وأبحاث البحر المتوسط.

وسبق لوسائل الإعلام الإسرائيلية أن أشارت إلى أن بين أهداف الزيارة أيضاً البحث في إمكانية نشر طائرات إسرائيلية بشكل دائم في قواعد عسكرية قبرصية. ولكن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية نفى أن تكون هذه فكرة مدرجة على جدول الأعمال في المباحثات بين الدولتين وأكدت أنها لم تكن بين الاتفاقيات التي وقعت أمس.

ويلاحظ مراقبون إسرائيليون أنه بعد تعزيز التعاون الاستراتيجي بين إسرائيل واليونان صار التعاون الإسرائيلي القبرصي أمراً غير نادر. وقالوا إن لليونان تأثيراً كبيراً على السياسة القبرصية، ولكن العنصر الأهم هو أن لقبرص وإسرائيل خصماً مشتركاً حالياً هو تركيا ورئيس حكومتها رجب طيب أردوغان، خصوصاً بعد تهديداته إثر مجزرة سفينة مرمرة واكتشافات الغاز البحرية.

وقال نتنياهو إن زيارته لقبرص أتت لتعزيز «العلاقة الطبيعية» بين الطرفين، وأضاف «أتيت هنا لتطوير علاقاتنا الثنائية، روابطنا الاقتصادية وعلاقاتنا في مجال الطاقة»، وأضاف «نحن مهتمون بتطوير العلاقات السلمية لمصلحة البلدين والمنطقة ككل. ليست لدينا أية دوافع إضافية أو مخفية».

وقالت وزارة الخارجية التركية إن خمسة من المربعات الـ12 في الحقول الغازية التي تؤكد قبرص اليونانية أحقيتها بها، تتداخل مع الرصيف القاري لتركيا. وقالت الوزارة إن تركيا «ستتخذ كل التدابير الضرورية لحماية حقوقها في المناطق البحرية التي تقع في نطاق رصيفها القاري»، فيما قال خريستوفياس «لسنا نحن الذين نهدّد تركيا وإنما تركيا هي التي تهددنا». وأضاف «هذه هي المشكلة، تركيا هي مصدر المشكلات وليس التعاون بين إسرائيل وقبرص».

ويرى كثيرون أن مسألة أمن المنشآت الغازية البحرية كانت على رأس سلم أولويات زيارة نتنياهو لقبرص. ويشاع أن بين الاتفاقيات المبرمة اتفاقاً يتعلق بحماية المنشآت البحرية. وفي الأسابيع الأخيرة نشرت وسائل إعلام قبرصية أن إسرائيل ستطلب من قبرص إنشاء محطة للطائرات الحربية الإسرائيلية ضمن أحد المطارات الحربية القبرصية. وقالت هذه الصحف إن هذا الطلب قدّم ليس فقط في إطار التحضير لزيارة نتنياهو الحالية وإنما أيضاً أثناء زيارة وزير الدفاع القبرصي لإسرائيل قبل حوالى شهرين. ومع ذلك لم تشر الصحف القبرصية إلى أن المحطة المطلوبة ستكون دائمة أم تستخدم عند الحاجة.

ومن الواضح أن العلاقات الاقتصادية والأمنية والعسكرية بين إسرائيل وقبرص توطدت في العامين الأخيرين بشكل كبير. وتعاظمت أهمية العلاقات في ضوء الاكتشافات الغازية التي فرضت أنماطاً من التعاون الأمني لحماية المنشآت البحرية وخلقت مصالح مشتركة لعلاقات اقتصادية مستقبلية. ومن الجائز أن أهم مشروع يجري التباحث بشأنه بين كل من قبرص وإسرائيل واليونان هو مشروع مد خطوط مشتركة لنقل الغاز والكهرباء بين هذه الدول ومن ثم إلى أوروبا على أمل إنجاز مشروع لإنتاج الكهرباء باستخدام الغاز.

 

  • فريق ماسة
  • 2012-02-16
  • 11954
  • من الأرشيف

«عسكرة» قبرصية إسرائيلية ... لـغـاز شــرق المتـوسـط

  في أول زيارة تاريخية لرئيس حكومة إسرائيلي إلى جزيرة قبرص، وفي إشارة إلى تطور العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين، وقّع بنيامين نتنياهو اتفاقاً عسكرياً يسمح بإدخال قوات عسكرية في حالات الكوارث. وتقع زيارة نتنياهو إلى قبرص في إطار السعي الإسرائيلي المحموم لتوطيد العلاقات مع دول أوروبية تعويضاً عن العلاقات الاستراتيجية التي خسرتها مع تركيا. ومن الجلي أن العلاقات بين إسرائيل وقبرص اتخذت بعداً جديداً في أعقاب اكتشاف مخزونات غازية ونفطية على جانبي حدود المنطقة الاقتصادية البحرية للدولتين واستثمار هذه المخزونات من جانب شركات إسرائيلية وأميركية أبرزها شركة «نوبل إنرجي». وفور وصول نتنياهو إلى نيقوسيا تمّ التوقيع على اتفاقية إنقاذ بين الدولتين تسمح في حالات الطوارئ بدخول موضعي لقوات جوية وبحرية إسرائيلية إلى قبرص وبالعكس. غير أن الكثير من الخبراء يجزمون بأن هذه الاتفاقية ليست سوى طرف جبل الجليد من تفاهمات ذات طبيعة أمنية وعسكرية بين الدولتين، خصوصاً في مجال حماية منصات استخراج الغاز والنفط في عرض البحر. ولا يخفي المراقبون تقديرهم بأن هذا الاتفاق ما كان ليتم لولا التوتر في العلاقات الإسرائيلية التركية ولولا ارتقاء العلاقات الاستراتيجية الإسرائيلية مع اليونان. ويشير هؤلاء إلى أن في الاتفاق مع قبرص التي باتت عضواً في الاتحاد الأوروبي نوعاً من الرسالة إلى إيران. وقد أعلن نتنياهو هناك أن «العقوبات على إيران ليست فعالة»، ووصف طهران بأنها «القوة الأكثر انعداماً للمسؤولية في العالم». وأضاف «آمل أن تنفع العقوبات، لكنها حتى الآن غير مجدية... إننا نتعامل مع نظام ينتهك كل القرارات ولا يبدي أي احترام للمعايير الدولية». وأشار نتنياهو إلى أن «على الولايات المتحدة وكل دولة أخرى أن تشعر بالقلق من سباق إيران نحو السلاح النووي. فوجود هذا السلاح بيد نظام كهذا أمر مقلق جداً للولايات المتحدة ولإسرائيل». وكان نتنياهو وزوجته قد هبطا في نيقوسيا في زيارة ليوم واحد. وهذه هي أول زيارة لرئيس حكومة إسرائيلي إلى قبرص منذ الإعلان عن الدولة العبرية في العام 1948 واستقلال قبرص. واجتمع نتنياهو على الفور مع الرئيس القبرصي ديمتري خريستوفياس على أن يلتقي مع زعيم المعارضة نيكوس أناستسيدس ووزراء في الحكومة القبرصية بغرض تعزيز العلاقات. وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد أوضحت أن بين أهداف زيارة نتنياهو لقبرص تعزيز التعاون بين الدولتين في مجال تطوير منشآت الغاز الطبيعي وأمن الطاقة في الدولتين. كذلك بحثت قضايا اقتصادية مشتركة بينها تعزيز العلاقات السياحية والتجارية بين الدولتين والتعاون في ميادين الزراعة، الصحة وأبحاث البحر المتوسط. وسبق لوسائل الإعلام الإسرائيلية أن أشارت إلى أن بين أهداف الزيارة أيضاً البحث في إمكانية نشر طائرات إسرائيلية بشكل دائم في قواعد عسكرية قبرصية. ولكن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية نفى أن تكون هذه فكرة مدرجة على جدول الأعمال في المباحثات بين الدولتين وأكدت أنها لم تكن بين الاتفاقيات التي وقعت أمس. ويلاحظ مراقبون إسرائيليون أنه بعد تعزيز التعاون الاستراتيجي بين إسرائيل واليونان صار التعاون الإسرائيلي القبرصي أمراً غير نادر. وقالوا إن لليونان تأثيراً كبيراً على السياسة القبرصية، ولكن العنصر الأهم هو أن لقبرص وإسرائيل خصماً مشتركاً حالياً هو تركيا ورئيس حكومتها رجب طيب أردوغان، خصوصاً بعد تهديداته إثر مجزرة سفينة مرمرة واكتشافات الغاز البحرية. وقال نتنياهو إن زيارته لقبرص أتت لتعزيز «العلاقة الطبيعية» بين الطرفين، وأضاف «أتيت هنا لتطوير علاقاتنا الثنائية، روابطنا الاقتصادية وعلاقاتنا في مجال الطاقة»، وأضاف «نحن مهتمون بتطوير العلاقات السلمية لمصلحة البلدين والمنطقة ككل. ليست لدينا أية دوافع إضافية أو مخفية». وقالت وزارة الخارجية التركية إن خمسة من المربعات الـ12 في الحقول الغازية التي تؤكد قبرص اليونانية أحقيتها بها، تتداخل مع الرصيف القاري لتركيا. وقالت الوزارة إن تركيا «ستتخذ كل التدابير الضرورية لحماية حقوقها في المناطق البحرية التي تقع في نطاق رصيفها القاري»، فيما قال خريستوفياس «لسنا نحن الذين نهدّد تركيا وإنما تركيا هي التي تهددنا». وأضاف «هذه هي المشكلة، تركيا هي مصدر المشكلات وليس التعاون بين إسرائيل وقبرص». ويرى كثيرون أن مسألة أمن المنشآت الغازية البحرية كانت على رأس سلم أولويات زيارة نتنياهو لقبرص. ويشاع أن بين الاتفاقيات المبرمة اتفاقاً يتعلق بحماية المنشآت البحرية. وفي الأسابيع الأخيرة نشرت وسائل إعلام قبرصية أن إسرائيل ستطلب من قبرص إنشاء محطة للطائرات الحربية الإسرائيلية ضمن أحد المطارات الحربية القبرصية. وقالت هذه الصحف إن هذا الطلب قدّم ليس فقط في إطار التحضير لزيارة نتنياهو الحالية وإنما أيضاً أثناء زيارة وزير الدفاع القبرصي لإسرائيل قبل حوالى شهرين. ومع ذلك لم تشر الصحف القبرصية إلى أن المحطة المطلوبة ستكون دائمة أم تستخدم عند الحاجة. ومن الواضح أن العلاقات الاقتصادية والأمنية والعسكرية بين إسرائيل وقبرص توطدت في العامين الأخيرين بشكل كبير. وتعاظمت أهمية العلاقات في ضوء الاكتشافات الغازية التي فرضت أنماطاً من التعاون الأمني لحماية المنشآت البحرية وخلقت مصالح مشتركة لعلاقات اقتصادية مستقبلية. ومن الجائز أن أهم مشروع يجري التباحث بشأنه بين كل من قبرص وإسرائيل واليونان هو مشروع مد خطوط مشتركة لنقل الغاز والكهرباء بين هذه الدول ومن ثم إلى أوروبا على أمل إنجاز مشروع لإنتاج الكهرباء باستخدام الغاز.  

المصدر : السفير /حلمي موسى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة