دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
قال سعد الحريري كلمته في "البيال" ومشى على عكازيه، ولسان حال فريقه السياسي في بيروت، أن كل كلمة من كلمات خطاب مناسبة الرابع عشر من شباط 2012، كانت مدروسة بعناية شديدة، وهو أراد توجيه رسالة "شديدة الوضوح" مفادها "اللهم اشهد أني قد بلغت".
هل "الوضوح الشديد" يعني امتلاك هؤلاء اجابات دقيقة عن دوافع جزم زعيمهم بحتمية سقوط النظام السوري، بمعزل عن تمنياته وتمنياتهم بأن تتحقق هذه "النبوءة" اليوم قبل الغد، وهل يجد هؤلاء ممراً للعودة الى السلطة غير الرهان على "سقوط" نظام يسقط حلفاؤه في لبنان فوراً وبالتالي يتوفر للمعارضة جسر العودة الى السلطة؟
يقرأ خصوم الحريري خطابه، فيؤكد أحد أقطاب الأكثرية أنه لم يلمس جديداً في الكلام التطميني الذي توجه فيه الحريري إلى المسيحيين والشيعة في لبنان على اعتبار أن هذا الكلام تكرّر في خطابات سابقة للحريري، ولعل تقليب صفحات "الأرشيف الأزرق" يكشف أن الجمل والعبارات ذاتها باتت مكررة أكثر من مرة: الشراكة، الطائف، المناصفة، الوحدة الوطنية، العيش المشترك، لا فتنة "سنية شيعية"، السلاح لا مذهب له، حصرية السلاح بيد الدولة، إسرائيل عدونا جميعاً ونقاومه بالدولة، والشيعة اللبنانيون من ركائز الوطن وهم لم يقتلوا رفيق الحريري، "وهم مثلنا يريدون الحرية والسيادة والاستقلال".
القراءة نفسها تعتبر أن إعلان الحريري مدّ اليد إلى المجلس الوطني السوري (المعارضة السورية) "يُعدّ عملاً حربياً ضد النظام السوري"، ولو أن استحضار هذا "المجلس" إلى "البيال" لإعلان برنامج حكمه لسوريا ما بعد الرئيس بشار الأسد وترسيم علاقاته المستقبلية مع لبنان، جاءت مفاعيله عكسية، حيث انطوى على شيء من العمل المسرحي الذي أخفق في أن يجعل من المجلس الوطني "نجم المهرجان"، خاصة أن هذا الاستحضار قد عرض على المسرح اللبناني في وقت سابق وتحديداً قبل عشرين يوماً على شكل "رسالة مفتوحة إلى الشعب اللبناني الشقيق" وبالمضمون ذاته لرسالة "البيال" وبالتعابير ذاتها: إنهاء الدور الأمني المخابراتي السوري في لبنان، إقامة علاقة بين دولتين سيّدتين، ضرورة ترسيم الحدود بين البلدين بما في ذلك مزارع شبعا، وسوريا الديموقراطية خير دعم ودعامة لاستقلال لبنان.
على أن الأولوية التي انطلق منها خصوم الحريري في تشريح خطابه، ركّزت على محاولة فك لغز الرهان الحتمي "لسقوط" النظام السوري، وبالتالي محاولة العثور على ما استند اليه خطيب "البيال" المركزي من معطيات ومعلومات ووقائع في السياسة والأمن.
يستنتج خصوم الحريري من خلال ما يملكون من معطيات ووقائع أن فرضية الحتمية التاريخية لسقوط النظام السوري، هي فرضية نظرية للأسباب الآتية:
- إنها نظرية مُسقطة على خطاب الحريري، لاتخاذها عنواناً جاذباً في ذكرى والده بعد الشحّ الذي أصاب خزنة العناوين الكبرى، ولتقديم نفسه كمسؤول وحيد عن حماية الكوكب اللبناني بعد سقوط نظام الأسد.
ـ إنها نظرية تعبر عن موقف السعودية التي رفعت مؤخراً من وتيرة تصعيدها ودخلت مباشرة كرأس حربة ضد نظام الأسد، أكثر مما تعبر عن موقف الحريري نفسه.
- إنها نظرية معاكسة للمتغيرات الدولية بين قطبية غربية وبين قطبية شرقية روسية صينية تظلل النظام السوري.
- انها نظرية منسجمة مع الحرب العالمية التي تشنها الولايات المتحدة والغرب و"الاعتدال العربي" والجوار التركي على سوريا، منذ أحد عشر شهراً اعتقاد بعدم قدرة الرئيس بشار الأسد على الصمود أمام هذا الطوق العالمي الواسع وأمام العزلة العربية التي تخنقه..
- انها نظرية معاكسة كلياً لمجريات الميدان السياسي، فهذه الحرب تعطلت في مجلس الامن الدولي وما يزال "الفيتو" الروسي الصيني ساخناً، كما تعطلت عند افتقاد القدرة على تكتيل قوة تدخل عسكري خارجي، وآخرها سقوط الطلب العربي بإرسال قوة حفظ سلام عربية دولية الى سوريا.
- انها نظرية غير منسجمة أبداً مع الارباك الذي حل بجامعة الدول العربية، التي ذهبت الى أقصى ما تستطيعه واصطدمت بعدم قدرتها على تغيير الوقائع، وترنح العرب مؤخراً في قرارات مرفوضة من حلفائهم تارة بطلب ارسال قوات دولية الى سوريا، وهذا يعني العودة مجدداً الى مجلس الأمن والاصطدام بالفيتو الروسي مجدداً، وتارة أخرى بتعيين رئيس جديد للمراقبين وتسمية عبد الإله الخطيب الذي سارع بلا تردد الى رفض هذه المهمة.
- انها نظرية غافلة عن العجز الواضح عن اقامة ممرات انسانية آمنة يتخذها الغرب ممراً لتهريب السلاح والدعم للمعارضة السورية سواء عبر الحدود مع تركيا أم مع لبنان.
- إنها نظرية تتكئ الى معطيات الفضائيات العربية وليس للوقائع الامنية والعسكرية في سوريا التي بيّنت أن النظام يعتمد سياسة القضم الأمني في الآونة الاخيرة بهدف تقليص رقعة الجغرافيا المسلحة ضد النظام الى حدود أضيق بكثير مما كانت عليه.
بناء عليه يتكرر السؤال: علامَ استند الحريري في نظرية "السقوط" الحتمي للرئيس بشار الاسد؟
المصدر :
السفير \نبيل هيثم
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة