أحمد البغدادي فلسطيني مقدسي، كان في منزله نائماً في حي الصوانة في مدينة القدس المحتلة، حين داهمته قوات معززة من جيش الاحتلال وأمهلته 20 دقيقة ليقوم بإخلاء المنزل، قبل أن تقوم بهدمه. خلال ثلث ساعة اصبح البغدادي في العراء بلا مأوى، يبكي مثل الأطفال، يريد على الأقل سقفاً يحميه مع ابنه الوحيد من برد القدس، بعد أن وضع «تحويشة العمر» من أجل بناء هذا المنزل الذي أصبح في لحظات مجرد ذكرى وحلت محله الخيمة الشهيرة التي يعرفها كل اللاجئين.

يقول البغدادي لـ«السفير»: «في ساعات الفجر فوجئت بوجود 30 جندياً داخل منزلي الذي تبلغ مساحته 110 أمتار يطلبون مني الخروج منه على الفور، حاولت المقاومة دون جدوى، حملوني وألقوا بي خارج المنزل، ثم عاد أحدهم وقال لي إن امامي 20 دقيقة لإخراج ما في منزلي من أغراض، وبعدها قاموا بهدمه».

خلال لحظات أصبح البغدادي في الشارع، وكل ما يملكه أصبح ركاماً بلا قيمة. المصيبة الأكبر بالنسبة له الآن، هو أين سيعيش. ليس أمامه سوى الخيمة. يقول وصوته متحشرج ومخنوق «ليس هناك مكان لي الآن في هذه الدنيا، ليس أمامي سوى العيش في الخيمة. لقد أحضر الصليب الأحمر خيمة لي، سأعيش فيها وأدفن فيها، أو ربما أهاجر إلى مكان لا أعلمه».

ويواجه المقدسيون معضلات في عمليات البناء، إذ تمتنع إسرائيل عن منحهم تراخيص بناء، فيما تبني في المقابل أحياء استيطانية فارهة ومتعددة في المدينة، فيضطر المقدسيون إلى البناء من دون ترخيص في ظل أزمة السكن التي يعيشونها.

منذ بداية العام الحالي هدمت قوات الاحتلال أكثر من 50 منزلاً ومنشأة في القدس الشرقية وفي محيط القدس وفي الضفة الغربية، وشردت حوالى 50 مواطناً فلسطينياً، وادعت أن ما هدمته بني بدون ترخيص.

البغدادي بنى البيت قبل 4 سنوات على أرض مملوكة له ولأجداده، وبيت والده مقام إلى جانبه منذ سنوات طويلة جداً، يتأسف البغدادي لعدم امتلاكه وثيقة قانونية تثبت ملكية أرضه، لكنه ولد هناك وقبله أبوه، وقبله جده. اسرائيل لم تعترف بملكيته لتلك الأرض وأخبرته أنه بنى بيتاً «علــى أرض توراتية مملوكة للدولة، وعليه أن يرحل عنها فوراً».

يقول «هكذا يرحل الفلسطينيون من القدس. يهدم منزلك، ليس أمامك إلا أن تستأجر بمبلغ شهري خيالي، أو تعيش في خيمة مظلمة، أو تشتري في مكان آخر شقة ثمنها لا يقل عن ربع مليون دولار. هذا ناهيك عن الضرائب الباهظة، فتضطر في النهاية إلى الابتعاد إلى مكان أرخص وهذا ليس موجوداً إلا خارج القدس. خارج الجدار».

وكان البغدادي دفع نحو 70 ألف دولار من أجل بناء منزله الذي تبلغ مساحته 110 أمتار فقط. وبعد إتمام عملية البناء تمّ تغريمه من المحاكم الإسرائيلية بمبلغ 50 ألف دولار لأنه بنى منزله دون رخصة. وخلال أيام سيتلقى البغدادي فاتورة مماثلة تطالبه بدفع تكاليف الهدم على الأرجح. يقول الرجل «ليس هناك أحد أشكو إليه مصيبتي، ولا أحد في فلسطين أو خارجها مكترث لما جرى ويجري في القدس».

حالة القدس اليوم يرثى لها، بلدة صار شقها العربي «أشبه بخرابة. لا مجال للبناء. لا مجال للتوسع. فيما الأحياء الاستيطانية تزدهر»، كما يقول محمد عبد ربه، وهو صحافي فلسطيني يقيم في القدس، وحين تحدثت إليه «السفير» لتعرف مزيداً من التفاصيل عن حالة البغدادي، بدأ الرجل يسرد مأساته. مستغرباً كيف تحول من راصد يتابع قضايا الناس، إلى ضحية جديدة تبحث عمن يساعدها.

قال لـ«السفير»: «قبل أيام طلب مني صاحب المنزل الذي استأجرته المغادرة، والآن انا ابحث عن منزل، وليس عندي القدرة على تغطية أجرته، حيث يطلبون مني 15 ألف دولار كأجرة سنوية، ويستحيل أن أقدر على دفع هذا المبلغ. اليوم ليس امامي إلا أن اغادر إلى مكـــان أرخص، خارج القدس، وبهذه الطريقة تفرغ المدينة من أهلها العرب».

وتشير المعطيات الفلسطينية إلى أن هناك 20 ألف منزل في القدس يسكنها 60 ألف مقدسي تعتبرها اسرائيل منازل غير قانونية وتنوي هدمها، وسيضطر سكانها إما العيش في خيام، أو الهجرة خارج المدينة.

ويرى عبد ربه أن هذا الهدم يتم ببطء ومنهجية، وبالتالي التفريغ. مؤكداً أن القدس اليوم صارت مثل «المقبرة، إن عشت فيها تختنق، وإن غادرتها تنساها».

تقديرات غير رسمية تشير أيضاً إلى أن أكثر العقارات التي تبنى خارج حدود القدس تباع لمقدسيين، هربوا من سخط الضرائب والابتزاز والملاحقة، ليتمكنوا من العيش ضمن إمكاناتهم خارج حدود المدينة.

وفي الوقت نفسه، يقوم المستوطنون بالاعتداء على الأملاك والمقدسات العربية داخل المدينة المحتلة. بل وصل الأمر بالمستوطنين الاسرائيليين إلى حد كتابة شعارات معادية للعرب بالعبرية على جدران مدرسة يهودية وعربية مختلطة في القدس للمرة الثانية في اسبوع واحد، بحسب الشرطة الاسرائيلية. وقالت المتحدثة باسم الشرطة الاسرائيلية لوبا المسري إن كتابات «الموت للعرب» و«كاهانا كان على حق» في اشارة الى الحاخام الاميركي المتطرف مئير كاهانا مؤسس حركة كاخ المعادية للعرب، خطت على جدران مدرسة «يد بيد» التي يدرس فيها طلاب عرب ويهود في حي بيت صفافا في القدس الشرقية.

وينتهج المستوطنون المتطرفون سياسة انتقامية تعرف باسم «تدفيع الثمن» يهاجمون بمقتضاها فلسطينيين واملاكهم رداً على اجراءات الحكومة الاسرائيلية ضد المستوطنات. وهم يهاجمون في بعض الاحيان الجيش الاسرائيلي او ناشطين معروفين بأنهم ضد الاستيطان عند اتخاذ اجراءات مماثلة.

 

  • فريق ماسة
  • 2012-02-13
  • 6298
  • من الأرشيف

هكذا تفرغ إسرائيل القدس من فلسطينييها

  أحمد البغدادي فلسطيني مقدسي، كان في منزله نائماً في حي الصوانة في مدينة القدس المحتلة، حين داهمته قوات معززة من جيش الاحتلال وأمهلته 20 دقيقة ليقوم بإخلاء المنزل، قبل أن تقوم بهدمه. خلال ثلث ساعة اصبح البغدادي في العراء بلا مأوى، يبكي مثل الأطفال، يريد على الأقل سقفاً يحميه مع ابنه الوحيد من برد القدس، بعد أن وضع «تحويشة العمر» من أجل بناء هذا المنزل الذي أصبح في لحظات مجرد ذكرى وحلت محله الخيمة الشهيرة التي يعرفها كل اللاجئين. يقول البغدادي لـ«السفير»: «في ساعات الفجر فوجئت بوجود 30 جندياً داخل منزلي الذي تبلغ مساحته 110 أمتار يطلبون مني الخروج منه على الفور، حاولت المقاومة دون جدوى، حملوني وألقوا بي خارج المنزل، ثم عاد أحدهم وقال لي إن امامي 20 دقيقة لإخراج ما في منزلي من أغراض، وبعدها قاموا بهدمه». خلال لحظات أصبح البغدادي في الشارع، وكل ما يملكه أصبح ركاماً بلا قيمة. المصيبة الأكبر بالنسبة له الآن، هو أين سيعيش. ليس أمامه سوى الخيمة. يقول وصوته متحشرج ومخنوق «ليس هناك مكان لي الآن في هذه الدنيا، ليس أمامي سوى العيش في الخيمة. لقد أحضر الصليب الأحمر خيمة لي، سأعيش فيها وأدفن فيها، أو ربما أهاجر إلى مكان لا أعلمه». ويواجه المقدسيون معضلات في عمليات البناء، إذ تمتنع إسرائيل عن منحهم تراخيص بناء، فيما تبني في المقابل أحياء استيطانية فارهة ومتعددة في المدينة، فيضطر المقدسيون إلى البناء من دون ترخيص في ظل أزمة السكن التي يعيشونها. منذ بداية العام الحالي هدمت قوات الاحتلال أكثر من 50 منزلاً ومنشأة في القدس الشرقية وفي محيط القدس وفي الضفة الغربية، وشردت حوالى 50 مواطناً فلسطينياً، وادعت أن ما هدمته بني بدون ترخيص. البغدادي بنى البيت قبل 4 سنوات على أرض مملوكة له ولأجداده، وبيت والده مقام إلى جانبه منذ سنوات طويلة جداً، يتأسف البغدادي لعدم امتلاكه وثيقة قانونية تثبت ملكية أرضه، لكنه ولد هناك وقبله أبوه، وقبله جده. اسرائيل لم تعترف بملكيته لتلك الأرض وأخبرته أنه بنى بيتاً «علــى أرض توراتية مملوكة للدولة، وعليه أن يرحل عنها فوراً». يقول «هكذا يرحل الفلسطينيون من القدس. يهدم منزلك، ليس أمامك إلا أن تستأجر بمبلغ شهري خيالي، أو تعيش في خيمة مظلمة، أو تشتري في مكان آخر شقة ثمنها لا يقل عن ربع مليون دولار. هذا ناهيك عن الضرائب الباهظة، فتضطر في النهاية إلى الابتعاد إلى مكان أرخص وهذا ليس موجوداً إلا خارج القدس. خارج الجدار». وكان البغدادي دفع نحو 70 ألف دولار من أجل بناء منزله الذي تبلغ مساحته 110 أمتار فقط. وبعد إتمام عملية البناء تمّ تغريمه من المحاكم الإسرائيلية بمبلغ 50 ألف دولار لأنه بنى منزله دون رخصة. وخلال أيام سيتلقى البغدادي فاتورة مماثلة تطالبه بدفع تكاليف الهدم على الأرجح. يقول الرجل «ليس هناك أحد أشكو إليه مصيبتي، ولا أحد في فلسطين أو خارجها مكترث لما جرى ويجري في القدس». حالة القدس اليوم يرثى لها، بلدة صار شقها العربي «أشبه بخرابة. لا مجال للبناء. لا مجال للتوسع. فيما الأحياء الاستيطانية تزدهر»، كما يقول محمد عبد ربه، وهو صحافي فلسطيني يقيم في القدس، وحين تحدثت إليه «السفير» لتعرف مزيداً من التفاصيل عن حالة البغدادي، بدأ الرجل يسرد مأساته. مستغرباً كيف تحول من راصد يتابع قضايا الناس، إلى ضحية جديدة تبحث عمن يساعدها. قال لـ«السفير»: «قبل أيام طلب مني صاحب المنزل الذي استأجرته المغادرة، والآن انا ابحث عن منزل، وليس عندي القدرة على تغطية أجرته، حيث يطلبون مني 15 ألف دولار كأجرة سنوية، ويستحيل أن أقدر على دفع هذا المبلغ. اليوم ليس امامي إلا أن اغادر إلى مكـــان أرخص، خارج القدس، وبهذه الطريقة تفرغ المدينة من أهلها العرب». وتشير المعطيات الفلسطينية إلى أن هناك 20 ألف منزل في القدس يسكنها 60 ألف مقدسي تعتبرها اسرائيل منازل غير قانونية وتنوي هدمها، وسيضطر سكانها إما العيش في خيام، أو الهجرة خارج المدينة. ويرى عبد ربه أن هذا الهدم يتم ببطء ومنهجية، وبالتالي التفريغ. مؤكداً أن القدس اليوم صارت مثل «المقبرة، إن عشت فيها تختنق، وإن غادرتها تنساها». تقديرات غير رسمية تشير أيضاً إلى أن أكثر العقارات التي تبنى خارج حدود القدس تباع لمقدسيين، هربوا من سخط الضرائب والابتزاز والملاحقة، ليتمكنوا من العيش ضمن إمكاناتهم خارج حدود المدينة. وفي الوقت نفسه، يقوم المستوطنون بالاعتداء على الأملاك والمقدسات العربية داخل المدينة المحتلة. بل وصل الأمر بالمستوطنين الاسرائيليين إلى حد كتابة شعارات معادية للعرب بالعبرية على جدران مدرسة يهودية وعربية مختلطة في القدس للمرة الثانية في اسبوع واحد، بحسب الشرطة الاسرائيلية. وقالت المتحدثة باسم الشرطة الاسرائيلية لوبا المسري إن كتابات «الموت للعرب» و«كاهانا كان على حق» في اشارة الى الحاخام الاميركي المتطرف مئير كاهانا مؤسس حركة كاخ المعادية للعرب، خطت على جدران مدرسة «يد بيد» التي يدرس فيها طلاب عرب ويهود في حي بيت صفافا في القدس الشرقية. وينتهج المستوطنون المتطرفون سياسة انتقامية تعرف باسم «تدفيع الثمن» يهاجمون بمقتضاها فلسطينيين واملاكهم رداً على اجراءات الحكومة الاسرائيلية ضد المستوطنات. وهم يهاجمون في بعض الاحيان الجيش الاسرائيلي او ناشطين معروفين بأنهم ضد الاستيطان عند اتخاذ اجراءات مماثلة.  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة