دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في ظل الحالة الصحية لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وعدم قدرته على ركوب الطائرة والقيام بجولات خارجية، والصلاحيات المحدودة لرئيس الجمهورية عبد الله غول في السياسة الخارجية، تحول وزير الخارجية أحمد داود اوغلو إلى "زعيم مؤقت" لتركيا وبات الناطق الحصري باسم بلاده في المحافل الدولية.
اهتمت الولايات المتحدة بزيارة الوزير التركي الحالية إلى واشنطن كما لم تهتم من قبل. مسؤولون وسياسيون أميركيون كبار التقوه الأسبوع الماضي على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ أصروا على لقائه مجددا في واشنطن.
وتنقل الصحف التركية أن أبواب الكونغرس الأميركي وممراته وقاعاته فتحت لـ"الضيف الكبير" فجالوا معه في أرجائه، وهو المعقل الأقوى للنفوذ اليهودي في الولايات المتحدة.
لم يتم التطرق لا من بعيد ولا من قريب في محادثات داود اوغلو إلى إسرائيل. قبل أكثر من سنة كانت احتجاجات من أعضاء في الكونغرس على سياسة أنقرة تجاه إسرائيل، ووجه أحدهم كلاما قاسيا بحق الوزير التركي. لكن الحرص على نجاح الزيارة واستمرار تركيا على موقفها من إسرائيل ومسألة سفينة "مرمرة" تحديدا كان وراء تجاهل الموضوع الإسرائيلي.
تنقل الصحافة التركية أن شهر العسل التركي - الأميركي مستمر، بل إن العلاقات بين الدولتين هي الأقوى منذ 60 عاما أي منذ التحاق تركيا بالمشروع الغربي في الشرق الأوسط.
سببان رئيسيان للعلامة المرتفعة التي يعطيها الأميركيون لتركيا: الأول هو موافقة أنقرة على نشر الدرع الصاروخية على أراضيها، وهذه مصلحة استراتيجية جدا للغرب وتاليا لإسرائيل، والثاني هو موقف تركيا من "الربيع العربي" ولا سيما مشاركتها بغزوة حلف شمال الأطلسي لليبيا.
تعددت الموضوعات التي بحثها داود اوغلو مع المسؤولين الأميركيين وكلهم من العيار الثقيل، من وزير الخارجية إلى وزير الدفاع إلى كبير مستشاري الأمن القومي.
كان موقف تركيا واضحاً لجهة معارضة أي ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران لأنها ستقلب الوضع في المنطقة رأسا على عقب.
لكن عندما يتعلق الأمر بالمسألة السورية تتبدل الصورة وتظهر تفاصيل عدم انسجام بين الموقفين التركي والأميركي. تقول أصلي أين طاش باش في "ميللييت" والمرافقة لداود اوغلو في زيارته إن المبدأ في الماضي كان ممارسة الولايات المتحدة ضغوطات على تركيا بشأن سوريا وغير سوريا، لكن الصورة انقلبت اليوم حيث جاء داود اوغلو ليمارس هو ضغوطاً على واشنطن بشأن الأزمة السورية.
تقول الكاتبة إن موقف المسؤولين الأميركيين بعد الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن هو انه لا يمكن إقامة منطقة عازلة ولا ممرات إنسانية ولا التدخل العسكري من دون قرار من مجلس الأمن الدولي، وبالتالي "ليس من سيناريوهات سهلة مع الأسف". حتى تسليح "الجيش السوري الحر" هو عمل خطير والمعارضة السورية لم تثبت حضورها.
وتضيف الكاتبة انه من الواضح أن الموقف الأميركي لا يخرج عن كونه عبارة عن تصريحات حادة ودبلوماسية ناعمة. وبتعبير مسؤولين أميركيين انه ليس هناك حلول سحرية للوضع في سوريا.
في المقابل يهدف داود اوغلو من زيارته إلى الضغط على واشنطن لتغير موقفها بعدما كانت واشنطن هي التي تضغط على تركيا في السنوات القليلة الماضية في العديد من الملفات. فهو يرى أن "الجيش السوري الحر" يتحول إلى قوة مؤثرة على الأرض وعديده وصل إلى 40 ألف جندي منشق، وأن إقامة ممرات إنسانية أمر ممكن، وان تركيا ليست ضد إقامة منطقة عازلة على الحدود مع سوريا قريبا من ادلب وإنطاكية كما على الحدود الأردنية، لكن بغياب قرار عن مجلس الأمن يمكن البحث في ذلك بالشراكة مع جامعة الدول العربية مع دعم أميركي.
كما أن داود اوغلو هو الذي يقترح تأسيس "تحالف طوعي" لأصدقاء سوريا شبيه بما جرى في ليبيا، وهو يقول للأميركيين إن سياسة اللاحل ليست حلا بل يجب الانتقال إلى التحرك الفاعل.
وقالت الكاتبة إن داود اوغلو نقل مطلباً محدداً إلى الأميركيين "لا تسمحوا بتحويل سوريا إلى بوسنة ثانية. لا نريد أن نرى على حدودنا سراييفو ثانية في حمص".
وبخلاف ما يظهر في وسائل الإعلام عن إمكانية تراجع الحدة في الدور التركي فإن أنقرة لم تتخل عن كل الوسائل الممكنة لمواصلة الضغط على سوريا من أجل عدم تمكين النظام السوري من "أخذ نفس" وصولا إلى لحظة يمكن أن تتغير فيها موازين القوى. وفي هذا الإطار كانت قرارات جامعة الدول العربية في إنهاء مهمة المراقبين وطرد السفراء السوريين والدخول في مؤتمر "أصدقاء سوريا" الذي هو مقترح تركي في الأساس.
وفي ظل توتر العلاقات مع قبرص وفرنسا يبدو أن تركيا، وفقا لمعظم التحليلات، عادت بالكامل إلى المربع الأميركي الذي كانت فيه قبل وصول حزب العدالة والتنمية.
دبلوماسية تركية لا تهدأ في ظل عاملين، الأول أن صورة تركيا ودورها الإقليمي على المحك بسبب الأزمة في سوريا، والثاني أن داود اوغلو الذي يحتفي به الجمهوريون والديموقراطيون على حد سواء يحفر الطريق بخطى وئيدة نحو الزعامة التركية في أي لحظة قد تسنح، ولأكثر من سبب.
المصدر :
السفير /محمد نور الدين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة