أحوالنا ليست بأفضل الأحوال. البلاد التي تركتَها ذات عشية، يغمرها الظلام ويغزوها المجانين من خارجٍ لا يزال مصراً على استعمارنا كل يوم. التخلف والكراهية والحياة القاسية لم تحل دون تحوّل المواجهة إلى عملية قتل مستمرة. ربما كان لك مرادك، ولم تعش لترى بلاد الشام في حالها اليوم. فجأة، حُوِّل احتجاج على فقر وقهر إلى فرصة للانقضاض على موقع رئيسي للمقاومة. أولئك الذين قررتَ عدم مقاتلتهم وحصر رصاصك بوجه العدو، صاروا ينوبون عنه في مهماته الدموية. صار للعرب سيف بلون علم إسرائيل، يقتل فينا باسم الحرية والعدالة والكرامة. وصارت للعرب ألسِنة ترفع صوت الفتنة فوق صوت الجهاد بوجه إسرائيل. وصارت للعرب أيدٍ تمتد إلى حيث لم تنجح إسرائيل في الوصول، وإلى حيث فشلت أميركا في الوصول.

كان ينقصك مشهد هروب الأميركيين من العراق. ربما كانت قد تسنت لك زيارة البلد الذي أحببته وأحببت فيه أمكنة وأُناساً. وبذلت ما استطعت في دعم مقاوميه ضد الاحتلال الأميركي. لكن المحتل الفاجر الهارب، لا يريد للمشهد الجميل أن يظهر مرة واحدة. ترك خلفه ألغام الحروب الطائفية والمذهبية، وترك خلفه ألغام الحروب البديلة. الناعمة منها حيث يقدر، والخشنة حيث يفيده رجاله الذين نزعوا في لحظة واحدة كل الأقنعة وجاهروا بعدائهم لكل ما له صلة بالمقاومة. وهم الذين يعملون ليل نهار، لشق صف المقاومة نفسه، وأيضاً، باسم الحرية والعدالة والكرامة.

حالنا ليس بأفضل حال، وجمهورك الممتد من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، يعيش حالة ارتباك. لا يميز فيها بين مقاومة يريد العالم لها الموت، وحرية تقتصر على الصراخ قهراً دونما تغيير.

حالنا هنا ليست أيضاً بأحسن الأحوال. جرّنا لبنان إلى وحوله السوداء الكريهة. صارت المقاومة جزءاً من سلطة لا تقوى على معالجة حفرة في طريق. وصارت المقاومة غطاءً لجيش من الفاسدين الذين يتوالدون بأسرع من الطفيليات. وصارت المقاومة، حاجزاً، يمنع تناول أولئك الذين عاشوا على دماء المقاومين، تآمراً أو احتيالاً.

حالنا ليس بأفضل حال، عندما حشرونا في زاوية الاختيار، بين سلطة لا مجال لتقويمها مع جيش زعران الطوائف، وبين شارع أنهكته الحروب والزعبرات اللبنانية. وعندها وقعنا في فخ الطائفيين الذين يريدون للبلد أن يكون على شاكلتهم، لا إصلاح فيه ولا مكان آمناً للحياة.

حالنا ليست بأفضل حال، وحزبك الذي كبر مرات ومرات بعد انتصار تموز، يعاني ركوداً تنظيمياً. ليس معروفاً سبب عدم التجديد فيه. وليس معروفاً سبب انصراف البعض منه، أو من محيطه، أو من مريديه إلى لعبة الدنيا النتنة. فضرب الفساد بعضاً منه، وخرج من بيتنا عملاء لألد الأعداء في الكون.

حالنا ليست بأفضل حال، ونحن نحسب خطوات من هنا ومن هناك، لكي لا نغضب طائفياً هنا، أو لنتجنب مواجهة سارق أو مجرم هناك. أو نسير في الطريق كمن يسير في حقل ألغام الدنيا، ولا يحصل أن ينجو دائماً من فخاخها. فنصاب هنا أو نتعثر هناك، في مقابل مثابرة من أعداء يتلقون الخسائر، لكنهم يستمرون في معاندة التاريخ، وفي السير نحو المزيد من الجنون.

لكن، ثمة أمل كبير، بيد مجموعة من رفاقك الذين ما غادروا الساحة. وما التهوا عن قضيتنا الأساس، ولم يستفزهم ضعف بعض النفوس. هؤلاء الذين ما زالوا يتخذون من الليل رداءهم، يزيدون فيه من قوتهم وبأسهم، ويعدّون العدة ليوم آتٍ، هو اليوم الذي يريد فيه العدو أن يجرب حظه مرة جديدة، وحده أو بمساعدة الكون كله، وحتى بمساعدة أبناء جلدتنا، من أجل انتقام يراد لدويّه أن يصيب كل من يفكر بقول لا لأميركا أو لإسرائيل.

هؤلاء هم الرفاق والإخوة والأبناء الذين يحفظون وصيتك، بأن تبقى فلسطين قبلة الأحرار في كل العالم.

حاج عماد، ليس لدينا ما يعيننا على قهرنا، سوى صبرنا. أبطالنا هم شهداؤنا، أما أحياؤنا، فلهم غدهم الذي لا نعرفه.

  • فريق ماسة
  • 2012-02-13
  • 9143
  • من الأرشيف

لكي تبقى فلسطين قبلتنا ..

أحوالنا ليست بأفضل الأحوال. البلاد التي تركتَها ذات عشية، يغمرها الظلام ويغزوها المجانين من خارجٍ لا يزال مصراً على استعمارنا كل يوم. التخلف والكراهية والحياة القاسية لم تحل دون تحوّل المواجهة إلى عملية قتل مستمرة. ربما كان لك مرادك، ولم تعش لترى بلاد الشام في حالها اليوم. فجأة، حُوِّل احتجاج على فقر وقهر إلى فرصة للانقضاض على موقع رئيسي للمقاومة. أولئك الذين قررتَ عدم مقاتلتهم وحصر رصاصك بوجه العدو، صاروا ينوبون عنه في مهماته الدموية. صار للعرب سيف بلون علم إسرائيل، يقتل فينا باسم الحرية والعدالة والكرامة. وصارت للعرب ألسِنة ترفع صوت الفتنة فوق صوت الجهاد بوجه إسرائيل. وصارت للعرب أيدٍ تمتد إلى حيث لم تنجح إسرائيل في الوصول، وإلى حيث فشلت أميركا في الوصول. كان ينقصك مشهد هروب الأميركيين من العراق. ربما كانت قد تسنت لك زيارة البلد الذي أحببته وأحببت فيه أمكنة وأُناساً. وبذلت ما استطعت في دعم مقاوميه ضد الاحتلال الأميركي. لكن المحتل الفاجر الهارب، لا يريد للمشهد الجميل أن يظهر مرة واحدة. ترك خلفه ألغام الحروب الطائفية والمذهبية، وترك خلفه ألغام الحروب البديلة. الناعمة منها حيث يقدر، والخشنة حيث يفيده رجاله الذين نزعوا في لحظة واحدة كل الأقنعة وجاهروا بعدائهم لكل ما له صلة بالمقاومة. وهم الذين يعملون ليل نهار، لشق صف المقاومة نفسه، وأيضاً، باسم الحرية والعدالة والكرامة. حالنا ليس بأفضل حال، وجمهورك الممتد من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، يعيش حالة ارتباك. لا يميز فيها بين مقاومة يريد العالم لها الموت، وحرية تقتصر على الصراخ قهراً دونما تغيير. حالنا هنا ليست أيضاً بأحسن الأحوال. جرّنا لبنان إلى وحوله السوداء الكريهة. صارت المقاومة جزءاً من سلطة لا تقوى على معالجة حفرة في طريق. وصارت المقاومة غطاءً لجيش من الفاسدين الذين يتوالدون بأسرع من الطفيليات. وصارت المقاومة، حاجزاً، يمنع تناول أولئك الذين عاشوا على دماء المقاومين، تآمراً أو احتيالاً. حالنا ليس بأفضل حال، عندما حشرونا في زاوية الاختيار، بين سلطة لا مجال لتقويمها مع جيش زعران الطوائف، وبين شارع أنهكته الحروب والزعبرات اللبنانية. وعندها وقعنا في فخ الطائفيين الذين يريدون للبلد أن يكون على شاكلتهم، لا إصلاح فيه ولا مكان آمناً للحياة. حالنا ليست بأفضل حال، وحزبك الذي كبر مرات ومرات بعد انتصار تموز، يعاني ركوداً تنظيمياً. ليس معروفاً سبب عدم التجديد فيه. وليس معروفاً سبب انصراف البعض منه، أو من محيطه، أو من مريديه إلى لعبة الدنيا النتنة. فضرب الفساد بعضاً منه، وخرج من بيتنا عملاء لألد الأعداء في الكون. حالنا ليست بأفضل حال، ونحن نحسب خطوات من هنا ومن هناك، لكي لا نغضب طائفياً هنا، أو لنتجنب مواجهة سارق أو مجرم هناك. أو نسير في الطريق كمن يسير في حقل ألغام الدنيا، ولا يحصل أن ينجو دائماً من فخاخها. فنصاب هنا أو نتعثر هناك، في مقابل مثابرة من أعداء يتلقون الخسائر، لكنهم يستمرون في معاندة التاريخ، وفي السير نحو المزيد من الجنون. لكن، ثمة أمل كبير، بيد مجموعة من رفاقك الذين ما غادروا الساحة. وما التهوا عن قضيتنا الأساس، ولم يستفزهم ضعف بعض النفوس. هؤلاء الذين ما زالوا يتخذون من الليل رداءهم، يزيدون فيه من قوتهم وبأسهم، ويعدّون العدة ليوم آتٍ، هو اليوم الذي يريد فيه العدو أن يجرب حظه مرة جديدة، وحده أو بمساعدة الكون كله، وحتى بمساعدة أبناء جلدتنا، من أجل انتقام يراد لدويّه أن يصيب كل من يفكر بقول لا لأميركا أو لإسرائيل. هؤلاء هم الرفاق والإخوة والأبناء الذين يحفظون وصيتك، بأن تبقى فلسطين قبلة الأحرار في كل العالم. حاج عماد، ليس لدينا ما يعيننا على قهرنا، سوى صبرنا. أبطالنا هم شهداؤنا، أما أحياؤنا، فلهم غدهم الذي لا نعرفه.

المصدر : إبراهيم الأمين\ الاخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة