دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
قبل أيام، كان سعد الحريري مفلساً. اليوم عاد مليارديراً. فالملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز غيّر الأمر جذرياً بكلمات قليلة: «يُمنح سعد الحريري قرضاً حسناً بقيمة 7 مليارات ريال لمصلحة شركة سعودي أوجيه». يعني أن الحريري تلقّى دعماً قوياً تفوق قيمته المعنوية ملياري دولار
ما الذي يجري مالياً لسعد الحريري ومؤسساته؟ هل هناك أزمة حقيقية تعصف بالإمبراطورية المالية التي خلّفها رفيق الحريري قد تصل إلى حدّ الإفلاس، أم الأمر لا يتعدى كونه مجرد مرحلة انتقالية لا بد منها لتصحيح الكثير من الأخطاء التي شابت سنوات الماضي؟ هل فعلاً يقدر سعد الحريري على وضع نهاية لهذه الأزمة متى أراد ذلك، لكنه ينتظر تطوراً ما؟
أسئلة تدور على كثير من الألسن، بدءاً من مورّد الأجبان والألبان إلى قصور الحريري، وصولاً إلى الطبقة السياسية والمالية في لبنان وحول العالم. أسئلة لا تجد إجابات حتى لدى الحلقة المقرّبة من «الشيخ»، إلى درجة أن مطّلعين يقولون إن «دولتو» نفسه لم يعد يقدر أخيراً على الإجابة عنها.
في هذا الموضوع، تداخلت الأمور وتعقدت بنحو أصبح حلّها من الناحية النظرية صعباً جداً. وكانت تتعقّد أكثر يوماً بعد يوم. في علم مأسسة الشركات، نادراً ما يمكن العثور على ما وجده المدققون الذين استقدموا لتصحيح اعوجاجات شركات الحريري الكثيرة، لا سيما سعودي أوجيه وروافدها.
فبعض الخبراء الآتين من كبريات شركات التدقيق المالية الدولية، لم يجدوا تفسيراً مقبولاً لهذا الكم من التداخل ما بين السياسي والاقتصادي والمالي والشخصي والمهني والاجتماعي.
البنوك متخوّفة
قبل أسابيع، رشح عن مصادر مطّلعة في المملكة أن نحو ثلاثة مصارف سعودية كبيرة رأت أنه يمكن تصنيف سعد الحريري وشركاته في خانة الشركات المهددة مالياً. كيف ذلك؟
تشرح المصادر أنه منذ نحو عام تقريباً، تلكّأ أحد المصارف الكبرى في المملكة عن إقراض شركة سعودي أوجيه نحو 300 مليون دولار أميركي. وبعد تدخّل شخصي من الرئيس الحريري، جرى تجاوز التمنّع، إلا أن الأمر عُدّ إشارة إلى سابقة لم يكن أحد في السعودية يتوقع أن تحدث يوماً لابن رفيق الحريري.
وإثر عودته إلى المملكة بعد فرط عقد حكومته الأخيرة، جهد الحريري لمتابعة مسار التصحيح الذي كان قد بدأه في سعودي أوجيه منذ أكثر من سنتين. ومع اشتداد الأزمة المالية، راهن الحريري على أن سداد الدولة السعودية لمستحقات شركته المتأخرة بسبب تلكّئه عن تسليم عدد من المشاريع الإنشائية الكبرى، سيكون كفيلاً بمعالجة كل الأزمات المتراكمة. فـ«سعودي أوجيه» واحدة من أهم شركات المملكة، وهي «حاجة» للمشاريع أكثر منها مجرد شركة عاملة، وبالتالي كل ما في الأمر لا يتعدى كونه تأخيراً في السداد، على حدّ قول عدد من المقرّبين من الحريري. ويضيف هؤلاء: إن أي مشروع من المشاريع الجديدة التي تضمنتها موازنة السعودية الأخيرة الإنفاقية العملاقة كفيل بأن يعيد إطلاق الشركة بشكل صاروخي في عالم المال والأعمال.
لكن ما نُقِل عن مسؤولين مصرفيين سعوديين قبل مدة قصيرة أظهر وجود «فجوة» بين ديون الحريري، وبين المستحقات التي لشركته في ذمة الدولة، أو ما يتوقعه من عائدات من مشاريع جديدة، وخاصة في ظل اشتداد المنافسة في السوق السعودية، وكثرة الحاسدين والمتربصين بالحريري وأداء شركاته من العائلة الحاكمة والسعوديين ككل.
كان هذا الأمر يعني أنه على أفضل التوقعات، فإن العجز المالي للحريري بات يكبر بطريقة جعلت الرجل مفلساً دفترياً.
فك «الشيفرة السعودية»
يرى مطّلعون ممن عايشوا الرئيس رفيق الحريري في بدايات انطلاقته في المملكة أن الرجل نجح في «فّك شيفرة» العقلية السعودية في عالم المال والأعمال، الأمر الذي مهّد للنجاحات الكثيرة التي حققها في ظروف ومواقيت محددة قد لا تتكرر اليوم. أما الابن، فعلى الرغم من أنه نشأ في المملكة، لكنه لم ينجح في فهم العقل السعودي بالنحو الصحيح.
ويسوق أصحاب هذه النظرية الكثير من البراهين على كلامهم، لعل أقواها المشكلة غير المبررة التي أوجدها الشيخ سعد لنفسه، والتي لا يزال حتى اليوم يعيش تداعياتها على أكثر من صعيد، وهي استعداؤه «لملك السعودية الفعلي» الأمير نايف بن عبد العزيز، عبر انتقاده لولده محمد من دون مبرر، وفي لحظة تخلّ تظهر الفارق الكبير بين الحريري الأب وولده.
ويقال إن الشيخ سعد، بينما هو طريح الفراش جرّاء حادثة التزلج في جبال الألب، كان ينتظر مكالمة كانت لتريحه كثيراً في معاناته لو أنها حصلت. مكالمة من الأمير نايف أو من ينوب عنه، تحمل إشارة إلى طيّ صفحة لا يعرف الحريري كيف يمحوها من الوجود.
ما إن تولّى نايف ولاية العهد، حتى برز سؤال عمّا إذا كان هذا الأمر يحمل تهديداً لعلاقة الحريري بالمملكة؟ يقال في المملكة إن سعد الحريري لا يواجه فقط سوريا وإيران وحزب الله، بل هو يخوض معركة قوية داخل عرينه في السعودية حيث الحظوة التي تمتعت بها «سعودي أوجيه» لزمن طويل باتت تخبو شيئاً فشيئاً، مع كثرة الأسئلة والحاسدين.
لكن، منذ فترة طويلة، يتداول في أوساط الحريري وفلك المرتبطين بمؤسساته، سواء على نحو مباشر (كموظفين وعاملين ومنتفعين) أو بنحو غير مباشر (كمدينين ومورّدين)، أن الأيام المقبلة ستحمل الفرج. كان يقال للمطالبين بحقوقهم التي طال عليها الزمن «في الشهر المقبل ستسدّد كافة الديون، وستُفتح صفحة جديدة». إلا أن هذا الشهر لم يصل منذ أكثر من سنتين.
يقول مصدر متابع أن الرئيس الحريري بقي طوال تلك الفترة يتخبّط في إدارته لشؤونه المالية على نحو بات واضحاً جداً، خاصة لدى المقربين منه. وهو يرتجل العديد من قراراته، ليعود عنها لاحقاً. ويشير المصدر إلى أن الشيخ سعد لجأ إلى سياسة شراء الوقت، مراهناً على حل سيأتي «من فوق»، يعيد تعويم جميع شركاته ومؤسساته.
وبالفعل هذا ما حصل منذ أيام كما يؤكد مطّلعون. فمن دون أيّ مقدمات، قرر الملك عبد الله بن عبد العزيز منح الحريري وشركة سعودي أوجيه «قرضاً حسناً» بقيمة 7 مليارات ريال سعودي. وأتت الخطوة على شكل «مكرمة» طال انتظارها، وهي جاءت في توقيت يحمل الكثير من الدلالات في السياسة كما في الاقتصاد. فأزمة الحريري المالية بلغت مرحلة من التأزم بما يفوق القدرة على التحمّل. وذهب مصرفيّون في المملكة، ممن توقفوا عن توفير قروض للحريري، إلى درجة الحديث عن «عملية إفلاس حقيقية».
في السياسة، جاءت الخطوة على أعتاب مرحلة من التغيير في التعامل الخليجي مع ملف الأزمة السورية، ما يعني أن المكرمة الملكية أتت لإعادة بث الروح في الحريري ومؤسساته، وفي الدور المرتقب منه في الفترة المقبلة.
وفي هذا السياق، تسأل مصادر متابعة لشؤون «سعودي أوجيه» عن مصير صفقة بيع حصة من «أوجيه تيلكوم» لمصلحة شركة الاتصالات السعودية، والتي تمّت بأكثر من قيمتها الفعلية بتوجيهات من الملك. أين أصبحت المليارات الثلاثة التي كان يفترض بالحريري الحصول عليها؟ هل جرت فرملتها في الأروقة البيروقراطية ما دفع الملك إلى «الإقراض الحسن، الشخصي والمباشر»؟ سؤال كبير لا إجابة عنه عند الكثيرين، لكن الأكيد أن قرار الملك الأخير سيتخطّى قيمته المادية ليشير إلى الكثير من المعطيات التي ستتكشّف قريباً.
المصدر :
الاخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة