لن يحسم الصراع على سورية في مجلس الأمن، ولن يقاس النفوذ الدولي لروسيا في الأمم المتحدة التي يبدو أن اللجوء إليها هو بمثابة عملية مراوغة متبادلة، سيكون السوريون، موالين ومعارضين، ذخيرتها ثم ضحيتها.

كان مجلس الأمن ولا يزال مكانا مثاليا لخوض معارك العلاقات العامة، عندما تفشل المعارك الفعلية في إنهاء الأزمات الدولية التي لا تندرج فيها الأزمة السورية حتى الآن باعتبارها صراعا داخليا بحتا، يحتمل ان يتوسع الى خارج الحدود السورية، على نطاق ضيق لا يتعدى الجانب اللبناني الذي يفتقر الى المناعة الداخلية.

فرص التسوية بين الأعضاء في مجلس الأمن ضئيلة جداً تحجبها الرغبة في خوض المواجهة الدبلوماسية حتى النهاية. الإصرار العربي والغربي على طرح مشروع القرار المبني على المبادرة العربية الأخيرة يسمح بالاشتباه ان الهدف الفعلي ليس إنقاذ سوريا بقدر ما هو إحراج روسيا واستدراجها الى استخدام الفيتو من اجل تعرية موقفها المناهض لمطالب الشعوب العربية وحركتها الديموقراطية.

كان وما زال يمكن تفادي الفيتو الروسي بصفقة ما توقعها الكرملين واستعد لها، والاكتفاء بالفيتو الصيني الذي لم يحسب له حساب كاف حتى الآن مع أنه الأقوى والأفعل والأقدر على حماية النظام السوري وعلى تقويض النظام (الاقتصادي) الأميركي والأوروبي، بل العالمي. لكن الأزمة السورية صارت جزءا من حملة رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين الانتخابية التي تزداد صعوبة يوما بعد يوم، وتتخذ من النفوذ الخارجي لروسيا معيارا جديدا للادارة الناجحة التي يمثلها الرجل الذي يريد ان يستأثر بحكم الروس لأكثر من عقدين.

لكن استخدام الذريعة السورية سواء من قبل الغرب الذي استنفد جميع أدوات الضغط او من قبل روسيا التي استغرقت في التحدي، لن يصمد أكثر من دقائق بعد جلسة التصويت المقررة للمجلس على النص العربي والغربي الذي يدعو الرئيس السوري بشار الأسد الى الخروج من السلطة، والذي ينتظره الفيتو الروسي الصيني المزدوج. عندها تعود الأزمة السورية الى سياقها الداخلي الدامي، وإلى إطارها العربي الطبيعي الذي لا بديل له، ويعود الموقف الروسي الى التركيز على مراكز الاقتراع التي ستفتح في الرابع من آذار المقبل، وتشكل اول اختبار جدي لمدى ضيق الناخبين الروس من بوتين وشخصيته المركبة.. كما يعود الموقف الأميركي والفرنسي الى الأولويات الاقتصادية والانتخابية التي يخضع لها الرئيسان باراك أوباما ونيكولا ساركوزي.

يكاد مجلس الأمن يبدو مثل محطة عابرة بين هذه المعارك الانتخابية في روسيا وأميركا وفرنسا، أكثر مما هو منصة لقياس مدى الاستعداد للتدخل الدولي في سوريا الذي لم يكن في الأصل يتطلع الى غطاء الأمم المتحدة، ولا الى استنفاد سبيلها، بل كان ولا يزال يعتمد على تكتلات وآليات عربية وغربية، أطلسية تحديدا، لا يمكن لموسكو أن تعطلها او حتى أن تقاومها... برغم انها تقع ضمن موازين القوى الجغرافية ـ السياسية التي تحدث عنها وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف.

 

  • فريق ماسة
  • 2012-01-31
  • 11910
  • من الأرشيف

معارك انتخابية دولية

لن يحسم الصراع على سورية في مجلس الأمن، ولن يقاس النفوذ الدولي لروسيا في الأمم المتحدة التي يبدو أن اللجوء إليها هو بمثابة عملية مراوغة متبادلة، سيكون السوريون، موالين ومعارضين، ذخيرتها ثم ضحيتها. كان مجلس الأمن ولا يزال مكانا مثاليا لخوض معارك العلاقات العامة، عندما تفشل المعارك الفعلية في إنهاء الأزمات الدولية التي لا تندرج فيها الأزمة السورية حتى الآن باعتبارها صراعا داخليا بحتا، يحتمل ان يتوسع الى خارج الحدود السورية، على نطاق ضيق لا يتعدى الجانب اللبناني الذي يفتقر الى المناعة الداخلية. فرص التسوية بين الأعضاء في مجلس الأمن ضئيلة جداً تحجبها الرغبة في خوض المواجهة الدبلوماسية حتى النهاية. الإصرار العربي والغربي على طرح مشروع القرار المبني على المبادرة العربية الأخيرة يسمح بالاشتباه ان الهدف الفعلي ليس إنقاذ سوريا بقدر ما هو إحراج روسيا واستدراجها الى استخدام الفيتو من اجل تعرية موقفها المناهض لمطالب الشعوب العربية وحركتها الديموقراطية. كان وما زال يمكن تفادي الفيتو الروسي بصفقة ما توقعها الكرملين واستعد لها، والاكتفاء بالفيتو الصيني الذي لم يحسب له حساب كاف حتى الآن مع أنه الأقوى والأفعل والأقدر على حماية النظام السوري وعلى تقويض النظام (الاقتصادي) الأميركي والأوروبي، بل العالمي. لكن الأزمة السورية صارت جزءا من حملة رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين الانتخابية التي تزداد صعوبة يوما بعد يوم، وتتخذ من النفوذ الخارجي لروسيا معيارا جديدا للادارة الناجحة التي يمثلها الرجل الذي يريد ان يستأثر بحكم الروس لأكثر من عقدين. لكن استخدام الذريعة السورية سواء من قبل الغرب الذي استنفد جميع أدوات الضغط او من قبل روسيا التي استغرقت في التحدي، لن يصمد أكثر من دقائق بعد جلسة التصويت المقررة للمجلس على النص العربي والغربي الذي يدعو الرئيس السوري بشار الأسد الى الخروج من السلطة، والذي ينتظره الفيتو الروسي الصيني المزدوج. عندها تعود الأزمة السورية الى سياقها الداخلي الدامي، وإلى إطارها العربي الطبيعي الذي لا بديل له، ويعود الموقف الروسي الى التركيز على مراكز الاقتراع التي ستفتح في الرابع من آذار المقبل، وتشكل اول اختبار جدي لمدى ضيق الناخبين الروس من بوتين وشخصيته المركبة.. كما يعود الموقف الأميركي والفرنسي الى الأولويات الاقتصادية والانتخابية التي يخضع لها الرئيسان باراك أوباما ونيكولا ساركوزي. يكاد مجلس الأمن يبدو مثل محطة عابرة بين هذه المعارك الانتخابية في روسيا وأميركا وفرنسا، أكثر مما هو منصة لقياس مدى الاستعداد للتدخل الدولي في سوريا الذي لم يكن في الأصل يتطلع الى غطاء الأمم المتحدة، ولا الى استنفاد سبيلها، بل كان ولا يزال يعتمد على تكتلات وآليات عربية وغربية، أطلسية تحديدا، لا يمكن لموسكو أن تعطلها او حتى أن تقاومها... برغم انها تقع ضمن موازين القوى الجغرافية ـ السياسية التي تحدث عنها وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف.  

المصدر : السفير /ساطع نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة