يحمل قرار الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي تعليق عمل بعثة المراقبين العرب في سورية في مضمونه هدفا أساسيا "هو تعطيل مفاعيل تقرير البعثة "المتوازن" الذي أثار زوبعة في الاجتماع الوزاري العربي الذي انعقد منذ أسبوع في القاهرة، وللحيلولة دون إمكان طلب رئيس البعثة المذكورة الفريق أول محمد مصطفى الدابي الإدلاء بدلوه في مجلس الأمن الدولي الذي سينعقد غدا بناء على طلب قطر والأمانة العامة لجامعة الدول العربية".

هذا التقدير الدبلوماسي يربط بين تجميد عمل البعثة قبل اجتماع لجنة مبادرة السلام العربية في القاهرة يوم السبت والذي سيليه اجتماع للجامعة العربية يوم الأحد على المستوى الوزاري، وبين تزامنه مع اعلان "المجلس الوطني السوري" توجه وفد منه أمس برئاسة برهان غليون الى نيويورك لمطالبة مجلس الأمن الدولي بتأمين "حماية دولية" للمدنيين السوريين، "وكل ذلك يشير الى أن هناك من يسعى الى جعل "كماشة" العزل الدولية تضيق الخناق على عنق سوريا.. مقدمة لفرض خيار التدويل الذي كانت بعض الدول العربية والغربية تطمح اليه منذ اليوم الأول للأزمة السورية" على حد تعبير أوساط دبلوماســية في العاصمة اللبنانية.

هذا المسلسل لمست تفاصيله الدبلوماسية اللبنانية منذ اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول الماضي، وفي الاجتماعات الوزارية العربية المتتالية سواء في قطر أو القاهرة. وقد حاول لبنان جاهدا في الكواليس دفع الجامعة العربية الى "مساعدة سوريا دون التدخل في شؤونها الداخلية". إلا أن السيناريو الدولي "كان كبيرا ومدبرا" بحسب الدبلوماسية اللبنانية التي وإن نأت بنفسها "نظريا" حماية للبنان ومنعا لانقسام عمودي فيه، لكنها لم تتردد في الدفاع عن سوريا من "منطلق المصلحة اللبنانية قبل أي شيء".

آمن لبنان الدبلوماسي أنه ليس المطلوب الإصلاح في سوريا بل ثمة خطة مهيأة "لفكفكة" النظام السوري حيث تنتهي معه المقاومة في لبنان وغزة، ويتحقق الهدف الغربي الذي لم يستطع ضرب إيران مباشرة فقرر ضرب "حامياتها" ودمشق في مقدمة هذه "الحاميات". من هنا ينبري السؤال مجددا اذا تنازل النظام السوري عن علاقته بايران والمقاومة في لبنان وفلسطين، هل يبقى سؤال الاصلاح مطروحا عند الغرب؟

اكتشف لبنان الدبلوماسي هذه الخطة التي استهلت "بتنازل" الفلسطينيين عن رئاسة الدورة الحالية لجامعة الدول العربية لصالح دولة قطر، فشارك لبنان في الجلسات العربية وشهد النقاشات غير المتوازنة ولم يته عن موقفه المبدئي المزدوج المتمثل بحماية الداخل اللبناني وإنصاف سوريا البلد الجار.

اختار لبنان الدبلوماسي النأي بالنفس نظريا، لكنّه عمليا شاكس ودافع منطلقا من مصالحه الوطنية. وهو مستمر بهذه السياسة مهما انهالت عليه الانتقادات، أما حججه فليست قليلة ولا مفتعلة: 90 في المئة من الصادرات اللبنانية نحو دول الخليج تمرّ عبر البوابة السورية، إذا أقر حظر جوي فكيف تتجه طائرات "الميدل إيست"، وإذا افترضنا أن لبنان طبّق الحظر الجوي فمن يمكنه منع التواصل الأرضي بين لبنان وسوريا؟

إلا أن لبنان الدبلوماسي واع تماما لما يحدق به من مخاطر في حال تم اللجوء الى عقوبات ضد سوريا، وهو سيستمر بسياسة "الحماية المزدوجة" فإذا صدر قرار دولي ضد سوريا فسيلتزم به لبنان ولو مرغما والسبب أن "لكل بلد مواضع ضعف يمكن إمساكه منها والتسبب بالألم، والدول الكبرى تدرك أن القطاع المصرفي هو نقطة الارتكاز اللبنانية، وهي لا تتردد في التلميح الى هزّ هذا القطاع مدركة أن لا بديل له اليوم كركيزة للاقتصاد اللبناني الهش نظرا لضآلة الصادرات».

عبارة النأي بالنفس "لا تعبر في كل الأحوال عن واقع الحال، بمعنى آخر لا يمكن للبنان أن يقول أن لا علاقة لي بما يجري في سوريا مثلما ليس بمقدور سوريا أن تقول أن لا علاقة لها بما يجري في لبنان. هذه اليونان الدولة المتوسطية القريبة منا تتأثر بما يجري في البرتغال وهذه مالطا التي نصف أحرفها عربية تتأثر بما يجري في أسكتلندا.. لبنان معني بما يجري في سوريا. ثورة العام 1860 بدأت أحداثها في سوريا وامتدت لاحقا الى لبنان. ثورة الاستقلال (في منتصف الأربعينيات) ضد الانتداب الفرنسي بدأت في دمشق ولبنان قطفها في بيروت... اذا اعتقد البعض أن بمقدور لبنان أن يتفرج على سوريا اذا انزلقت الى الحرب الأهلية، يكون واهما، فالنار ستلتهم لبنان ومن يظن عكس ذلك عليه أن يعيد النظر في حساباته".

ماذا سيحصل في حال انتقل الملف السوري الى مجلس الأمن؟ الجميع يطرح السؤال. يدرك لبنان الدبلوماسي أن الغرب يريد أن تأتي سوريا الى المجلس لتصفية الحسابات معها، توقع هذا الغرب أن النظام السوري سيتفكك في حزيران الماضي مراهنا على انقسام الجيش والشرخ الطائفي، لم يصدق التوقع. وها هي المواعيد تتكرر وها هو النظام بمؤسساته العسكرية والأمنية والدبلوماسية ما زال صامدا.

لذا يبادر الغرب ومعه بعض العواصم العربية التي بدأ التحضير لدورها منذ مطلع التسعينيات (بعد حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي)، "الى محاولة جرّ سوريا الى مجلس الأمن الدولي عبر جامعة الدول العربية، وهذا ما يحمل في طياته رسالة واضحة بأن الجامعة لا يمكن أن تقدم نموذجا لحل عربي ـ عربي".

يعتبر لبنان الدبلوماسي أن القرار الأخير الذي صدر عن المجلس الوزاري العربي منذ أسبوع في القاهرة "هو الأخطر، وأخطر ما فيه يكمن في طلب المساعدة من مجلس الأمن الدولي ما يعني أنه أقام ربط نزاع مع هذا المجلس. وهنا يبرز الموقف الروسي "الذي سيبقى متشبثا بسوريا حكما". ويتوقع لبنان الدبلوماسي أن يسلك الغرب مسلك العقوبات كما هي الحال مع إيران.

يراهن من يدعم سوريا اليوم.. ولبنان في مقدمة هؤلاء "على التشبث الروسي بعدم افساح المجال أمام أي تدخل خارجي (عسكري أو انساني) في الشأن السوري، وعلى دعم إيران لسوريا، وثمة تعويل على موقف إيجابي من المجلس العسكري المصري ستبدأ ملامحه بالتبلور تدريجيا، وعلى قرار لدول مثل البرازيل والصين وروسيا وجنوب إفريقيا بعدم السماح لأميركا باتخاذ القرار الذي تريد إنفاذه غصبا عن رأي الدول الأخرى في مجلس الأمن الدولي".

لا يبدو لبنان الدبلوماسي راضيا على مسيرة العمل العربي المشترك، خاصة عندما تتبدى صورة عجز بعض الدول العربية التي تأتمر بأوامر الولايات المتحدة، الى حد أنها باتت تسابق الدول الغربية في حملتها على سوريا ويسأل "عن بعض الخجل" من التدخل الصريح في الشأن السوري من حيث توزيع أسلحة "حرارية وخارقة للدروع" تحدث عنها تقرير بعثة المراقبين الذين جمّد عملهم قبل أن يفصل التدويل الخيط العربي عن الخيط السوري.

 

  • فريق ماسة
  • 2012-01-29
  • 9699
  • من الأرشيف

تجميد عمل المراقبين هدفه تعطيل إمكان طلب الدابي للشهادة في مجلس الأمن

يحمل قرار الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي تعليق عمل بعثة المراقبين العرب في سورية في مضمونه هدفا أساسيا "هو تعطيل مفاعيل تقرير البعثة "المتوازن" الذي أثار زوبعة في الاجتماع الوزاري العربي الذي انعقد منذ أسبوع في القاهرة، وللحيلولة دون إمكان طلب رئيس البعثة المذكورة الفريق أول محمد مصطفى الدابي الإدلاء بدلوه في مجلس الأمن الدولي الذي سينعقد غدا بناء على طلب قطر والأمانة العامة لجامعة الدول العربية". هذا التقدير الدبلوماسي يربط بين تجميد عمل البعثة قبل اجتماع لجنة مبادرة السلام العربية في القاهرة يوم السبت والذي سيليه اجتماع للجامعة العربية يوم الأحد على المستوى الوزاري، وبين تزامنه مع اعلان "المجلس الوطني السوري" توجه وفد منه أمس برئاسة برهان غليون الى نيويورك لمطالبة مجلس الأمن الدولي بتأمين "حماية دولية" للمدنيين السوريين، "وكل ذلك يشير الى أن هناك من يسعى الى جعل "كماشة" العزل الدولية تضيق الخناق على عنق سوريا.. مقدمة لفرض خيار التدويل الذي كانت بعض الدول العربية والغربية تطمح اليه منذ اليوم الأول للأزمة السورية" على حد تعبير أوساط دبلوماســية في العاصمة اللبنانية. هذا المسلسل لمست تفاصيله الدبلوماسية اللبنانية منذ اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول الماضي، وفي الاجتماعات الوزارية العربية المتتالية سواء في قطر أو القاهرة. وقد حاول لبنان جاهدا في الكواليس دفع الجامعة العربية الى "مساعدة سوريا دون التدخل في شؤونها الداخلية". إلا أن السيناريو الدولي "كان كبيرا ومدبرا" بحسب الدبلوماسية اللبنانية التي وإن نأت بنفسها "نظريا" حماية للبنان ومنعا لانقسام عمودي فيه، لكنها لم تتردد في الدفاع عن سوريا من "منطلق المصلحة اللبنانية قبل أي شيء". آمن لبنان الدبلوماسي أنه ليس المطلوب الإصلاح في سوريا بل ثمة خطة مهيأة "لفكفكة" النظام السوري حيث تنتهي معه المقاومة في لبنان وغزة، ويتحقق الهدف الغربي الذي لم يستطع ضرب إيران مباشرة فقرر ضرب "حامياتها" ودمشق في مقدمة هذه "الحاميات". من هنا ينبري السؤال مجددا اذا تنازل النظام السوري عن علاقته بايران والمقاومة في لبنان وفلسطين، هل يبقى سؤال الاصلاح مطروحا عند الغرب؟ اكتشف لبنان الدبلوماسي هذه الخطة التي استهلت "بتنازل" الفلسطينيين عن رئاسة الدورة الحالية لجامعة الدول العربية لصالح دولة قطر، فشارك لبنان في الجلسات العربية وشهد النقاشات غير المتوازنة ولم يته عن موقفه المبدئي المزدوج المتمثل بحماية الداخل اللبناني وإنصاف سوريا البلد الجار. اختار لبنان الدبلوماسي النأي بالنفس نظريا، لكنّه عمليا شاكس ودافع منطلقا من مصالحه الوطنية. وهو مستمر بهذه السياسة مهما انهالت عليه الانتقادات، أما حججه فليست قليلة ولا مفتعلة: 90 في المئة من الصادرات اللبنانية نحو دول الخليج تمرّ عبر البوابة السورية، إذا أقر حظر جوي فكيف تتجه طائرات "الميدل إيست"، وإذا افترضنا أن لبنان طبّق الحظر الجوي فمن يمكنه منع التواصل الأرضي بين لبنان وسوريا؟ إلا أن لبنان الدبلوماسي واع تماما لما يحدق به من مخاطر في حال تم اللجوء الى عقوبات ضد سوريا، وهو سيستمر بسياسة "الحماية المزدوجة" فإذا صدر قرار دولي ضد سوريا فسيلتزم به لبنان ولو مرغما والسبب أن "لكل بلد مواضع ضعف يمكن إمساكه منها والتسبب بالألم، والدول الكبرى تدرك أن القطاع المصرفي هو نقطة الارتكاز اللبنانية، وهي لا تتردد في التلميح الى هزّ هذا القطاع مدركة أن لا بديل له اليوم كركيزة للاقتصاد اللبناني الهش نظرا لضآلة الصادرات». عبارة النأي بالنفس "لا تعبر في كل الأحوال عن واقع الحال، بمعنى آخر لا يمكن للبنان أن يقول أن لا علاقة لي بما يجري في سوريا مثلما ليس بمقدور سوريا أن تقول أن لا علاقة لها بما يجري في لبنان. هذه اليونان الدولة المتوسطية القريبة منا تتأثر بما يجري في البرتغال وهذه مالطا التي نصف أحرفها عربية تتأثر بما يجري في أسكتلندا.. لبنان معني بما يجري في سوريا. ثورة العام 1860 بدأت أحداثها في سوريا وامتدت لاحقا الى لبنان. ثورة الاستقلال (في منتصف الأربعينيات) ضد الانتداب الفرنسي بدأت في دمشق ولبنان قطفها في بيروت... اذا اعتقد البعض أن بمقدور لبنان أن يتفرج على سوريا اذا انزلقت الى الحرب الأهلية، يكون واهما، فالنار ستلتهم لبنان ومن يظن عكس ذلك عليه أن يعيد النظر في حساباته". ماذا سيحصل في حال انتقل الملف السوري الى مجلس الأمن؟ الجميع يطرح السؤال. يدرك لبنان الدبلوماسي أن الغرب يريد أن تأتي سوريا الى المجلس لتصفية الحسابات معها، توقع هذا الغرب أن النظام السوري سيتفكك في حزيران الماضي مراهنا على انقسام الجيش والشرخ الطائفي، لم يصدق التوقع. وها هي المواعيد تتكرر وها هو النظام بمؤسساته العسكرية والأمنية والدبلوماسية ما زال صامدا. لذا يبادر الغرب ومعه بعض العواصم العربية التي بدأ التحضير لدورها منذ مطلع التسعينيات (بعد حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي)، "الى محاولة جرّ سوريا الى مجلس الأمن الدولي عبر جامعة الدول العربية، وهذا ما يحمل في طياته رسالة واضحة بأن الجامعة لا يمكن أن تقدم نموذجا لحل عربي ـ عربي". يعتبر لبنان الدبلوماسي أن القرار الأخير الذي صدر عن المجلس الوزاري العربي منذ أسبوع في القاهرة "هو الأخطر، وأخطر ما فيه يكمن في طلب المساعدة من مجلس الأمن الدولي ما يعني أنه أقام ربط نزاع مع هذا المجلس. وهنا يبرز الموقف الروسي "الذي سيبقى متشبثا بسوريا حكما". ويتوقع لبنان الدبلوماسي أن يسلك الغرب مسلك العقوبات كما هي الحال مع إيران. يراهن من يدعم سوريا اليوم.. ولبنان في مقدمة هؤلاء "على التشبث الروسي بعدم افساح المجال أمام أي تدخل خارجي (عسكري أو انساني) في الشأن السوري، وعلى دعم إيران لسوريا، وثمة تعويل على موقف إيجابي من المجلس العسكري المصري ستبدأ ملامحه بالتبلور تدريجيا، وعلى قرار لدول مثل البرازيل والصين وروسيا وجنوب إفريقيا بعدم السماح لأميركا باتخاذ القرار الذي تريد إنفاذه غصبا عن رأي الدول الأخرى في مجلس الأمن الدولي". لا يبدو لبنان الدبلوماسي راضيا على مسيرة العمل العربي المشترك، خاصة عندما تتبدى صورة عجز بعض الدول العربية التي تأتمر بأوامر الولايات المتحدة، الى حد أنها باتت تسابق الدول الغربية في حملتها على سوريا ويسأل "عن بعض الخجل" من التدخل الصريح في الشأن السوري من حيث توزيع أسلحة "حرارية وخارقة للدروع" تحدث عنها تقرير بعثة المراقبين الذين جمّد عملهم قبل أن يفصل التدويل الخيط العربي عن الخيط السوري.  

المصدر : مارلين خليفة\ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة