دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
حفلت التقارير الغربية طوال الأشهر الأخيرة بتحليلات تحذيرية قرعت جرس الإنذار حول تحوّل الصراع في المنطقة إلى صراع سني ـ شيعي يُنبئ بويلات جديدة، لا سيّما في ظلّ ما شهدته الخريطة السياسية العربية من صحوة سنية يجد «الهلال الشيعي» نفسه مهدّداً «في حضرتها». ومع انسداد أفق الحلّ على مستوى الأزمة السورية، بات هناك ما يشبه الإجماع على أن الصراع أصبح مذهبياً بحتاً، وقد يجرّ سوريا إلى حرب أهليّة طاحنة.
ما سبق ليس إنكاراً لواقع أن معالم الصراع المذهبي ترتسم فعلاً، وخصوصاً إذا ما اقترنت بالمشهد الأمني المصحوب بخطاب طائفي ناري، إلا أن سؤال «من المستفيد» من إذكاء هذا الصراع، إلى درجة تغليبه حتى على الصراع العربي ـ الإسرائيلي، يبقى مشروعاً.
في التقرير الذي نشره الصحافي نيكولاس بلانفورد في صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» تأكيد واضح على أن «الصراع في سوريا لم يعد خافيا تحوّله إلى صراع طائفي مسلّح أكثر منه انتفاضة شعبيّة ضدّ دولة ديموقراطية علمانية».
ومن الحدود اللبنانية ـ السورية، ومن طرابلس تحديداً، يؤكد بلانفورد أن «خط النار الطائفي يرتسم بوضوح في سوريا بين النظام العلوي من جهة والجيش السوري الحرّ ذي الغالبيّة السنيّة من جهة أخرى». ويتعزّز هذا الانقسام، برأي بلانفورد، مع لجوء النظام إلى العلويين للدفاع عن نفسه مقابل توحّد الجيش السوري الحرّ حول دوافع مذهبية ودينية. وانطلاقاً من أن «نظام الأسد لم يظهر أي مؤشر على الرضوخ للضغوط المحليّة والعالميّة، فإن الصراع المذهبي المسلّح يبدو ماثلاً في الأفق بين السنة ضدّ العلويين وحلفائهم الشيعة: إيران وحزب الله».
وفيما يذكّر بلانفورد بما قاله «قائد الجيش السوري الحرّ» العقيد رياض الأسعد لصحيفة «ميلييت» التركية بأن هدفه أن «يخلق من سوريا نموذجاً لبلد مسلم بديموقراطية علمانية على شاكلة تركيا، معترفاً بأن جميع مقاتليه من السنة»، يضيف «لقد أصبحت المناطق السنية في لبنان ملاذاً آمناً لعناصر الجيش السوري الحرّ، وتحديدا في باب التبانة في طرابلس، حيث ما زالت تنتشر صور قديمة للرئيس العراقي صدام حسين ولرجال الدين المتشددين من السنة و«الشهداء» السنة».
وينقل بلانفورد عن الناطق الرسمي باسم المجلس الإسلامي الأعلى في سوريا الشيخ زهير عمر عباسي قوله «باب التبانة هو المكان الوحيد الذي نشعر فيه بالأمان»، ويقول «إن عباسي يقرّ بأنه يقدّم خدمات لوجستية للجيش الحرّ من دون أن يشارك في القتال، كما يقرّ بأن الجيش يضم كوادر دينية، كما أن الكتائب تتمتع باستقلالية القرار في مهاجمة بعض الأهداف في حال سنحت الفرصة، لكنها تحتاج في الهجمات المخططة مسبقاً إلى فتوى من رجال الدين المعارضين».
دليل آخر يسوقه بلانفورد لتأكيد مذهبية الصراع السوري، حيث يكشف أن «عناصر الجيش السوري الحرّ يتهمون كلا من حزب الله وحركة أمل والحرس الثوري الإيراني وزعيم التيار الشيعي في العراق مقتدى الصدر بمساعدة الأسد لقمع الانتفاضة، ويعتبرون أن حربهم باتت معهم أيضاً».
كما يذكّر بأن «الجيش الحرّ ادعى الجمعة أنه ألقى القبض على خمسة جنود إيرانيين في حمص، وأن حزب الله أطلق صواريخ كاتيوشا على الزبداني حيث كان الجيش الحرّ يحكم سيطرته»، وذلك كي يؤكد أنه «على الرغم من نفي حزب الله لهذه الاتهامات ولما يقال عن وجود كوادر له في سوريا، إلا أن ما يُتهم به الحزب يعكس عمق العداء السني للقوى الشيعية في المنطقة، وهو عداء يعزّزه بشكل أساسي الخوف السني وعقدة النقص التي تدفع هؤلاء للقبول بتدخل الأميركيين في سوريا إن كان ذلك يعني التخلص من الخطر الشيعي».
السعودية... واستعراض العضلات سراً
زاوية أخرى للدلالة على سير سوريا والمنطقة على إيقاع النزاع المذهبي، تطرحها رئيسة قسم الشرق الأوسط في صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية رولا خلف التي تسلّط الضوء على دور السعودية في الأزمة السورية وأبعاده. وتقول خلف «إن المملكة العربية السعودية تفضل العمل في الظل، وتستعرض عضلاتها الدبلوماسية من دون أن تلفت الكثير من الانتباه، ولذلك كان من المفاجئ ما أقدم عليه وزير خارجيتها المخضرم الأمير سعود الفيصل خلال اجتماع لجامعة الدول العربية قبل أسبوع».
وتشير خلف إلى أن العلاقات السعودية ـ السورية مرّت بالعديد من الصعوبات، كان أبرزها الأزمة الحادة التي شهدتها في الملف اللبناني فضلاً عما سببه تحالف دمشق الوثيق مع طهران من توتر في العلاقة. وتقول «قبل اندلاع الانتفاضة السورية في آذار الماضي، كانت السعودية تحاول جذب دمشق إلى ناحيتها بعيداً عن طهران. أما عن الموقف السعودي الحالي فهو واضح بشكل جلي: السعودية تأمل بسيطرة حكومة سنية على النظام السوري، الأمر الذي يساعدها في إضعاف إيران الشيعية».
وتؤكد خلف هذه الفرضية بالاستشهاد بما قاله الصحافي السعودي البارز جمال خاشقجي عن أن «سياسة السعودية الحالية إزاء سوريا هي في جزء كبير منها موجهة ضدّ طهران، لا سيما في موقع سوريا التي تقوم على توازن طائفي دقيق فضلاً عن الدور الاستراتيجي الذي تشغله في الصراع العربي الإسرائيلي وبين الدول السنية العربية».
«القاعدة» في إيران؟
أما في التقرير الذي نشرته مجلة «فورين أفيرز» تحت عنوان «ما سر تعاون طهران مع جماعة «القاعدة» الإرهابية؟»، فيقول سيث جونز إن «الأكثر إثارة للقلق في هذه المرحلة هو ما يظهر من محاولات للتعاون بين إيران وتنظيم «القاعدة»، وهو ما يأخذ الصراع السني ـ الشيعي إلى أبعاد مختلفة وأكثر خطورة».
يحرص جونز على التأكيد أن تعاون طهران و«القاعدة» غير مؤكد، وأن الأخير ليس دمية في يد إيران، ولكنه يلفت إلى أن التعاون بينهما يمكن أن يتمّ عبر مساعدة «حزب الله» على شنّ هجمات انتقامية من أميركا وإسرائيل، وكل ذلك انطـلاقاً من الكراهية المشــتركة لدى الطرفين ضدّ أميركا.
ويعيد جونز مجدداً تأكيد ضرورة أن يحرص المسؤولون الأميركيون على عدم المغالاة في ما يخص حجم وجود «القاعدة» على الأراضي الإيرانية، لا سيما أنه ما زال هناك رفض إيراني واسع لوجود التنظيم على أراضيه، ولكنه يوحي في المقابل بأن «إيران هي أرض آمنة لعناصر «القاعدة» أكثر من العراق وباكستان واليمن والدول الأخرى».
وبعد أن يعود الكاتب إلى الأعوام السابقة، وتحديداً إلى عامي 2002 و2003، ليتحدث عن المزاعم التي انتشرت عن وجود واسع لعناصر «القاعدة» على الأراضي الإيرانية وما جرى من إنشاء للمجلس الأعلى للتنظيم في إيران ثم إلقاء القبض على العديد من العناصر، يقول «إنه بعد العام 2010 باتت العلاقة ضبابيّة بين الطرفين. ففي العام 2009 و2010 بدأت إيران بالإفراج عن بعض المعتقلين من «القاعدة» وأفراد عائلاتهم، ومن ضمنهم عائلة أسامة بن لادن، كما بقي أعضاء مجلس الإدارة قيد الإقامة الجبرية». ثم يوضح «يبدو أن إيران قد رسمت خطوطاً حمراء للمجلس: الامتناع عن التخطيط لهجمات إرهابية انطلاقا من الأراضي الإيرانية، الامتناع عن استهداف الحكومة الإيرانية وعدم الظهور بشكل علني، في وقت سمحت لهم بالتنسيق مع التنظيم المركزي في باكستان ومحاربة المقاتلين الأجانب عبر إيران».
ويشير قد تبدو العلاقة بين القاعدة وإيران في الظاهر أمراً محيّراً، فمعتقداتهم الدينية تختلف اختلافا جذرياً، لكن الطرفين يتوحدان على الهدف ذاته: مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها، بما في ذلك إسرائيل والسعودية.
ويرى التقرير أن «إيران ربما تقبل وجود القاعدة على أرضها كفعل دفاع، فانطلاقاً من «احتضانها» لتنظيم «القاعدة» فسوف يمتنع الأخير عن شنّ هجمات إرهابيّة عليها. ولكن في الاستراتيجية بينهما هناك عنصر مهم هو الهجوم. في هذا الإطار، تستفيد طهران من «القاعدة» في الحفاظ على مصالحها في المنطقة في حال التعرّض لأي خطر، في إشارة إلى سوريا ولبنان»، مشيرا الى أن «طهران لطالما استخدمت وكلاء خارجيين لتحقيق مصالح سياستها الخارجية».
(«السفير»)
المصدر :
السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة