يواصل المشهد السوري إفراز المفارقات التي تعكس انقلابا حادا في الأدوار، ومن بينها على سبيل المثال ان الجامعة العربية تضغط في مجلس الامن لـ"استجرار" طاقة التدويل وتضييق الخناق على دمشق، في حين أن روسيا التي لا تربطها بسورية أواصر اللغة والجغرافيا والقربى الحضارية هي التي تتولى الدفاع الشرس عنها في مواجهة هذا الهجوم عليها من بعض العرب!

والمفارقة الأخرى، أن سوريا التي كانت غير متحمسة لاستقبال المراقبين العرب حرصا على سيادتها الوطنية أصبحت من مؤيدي عملهم ومن المتحسرين على رحيلهم، في حين ان الجامعة العربية التي كانت صاحبة الفكرة أصلا ومارست كل الضغوط المتاحة لتنفيذها، باتت ترى في هؤلاء المراقبين عبئا سياسيا وماليا عليها، ما دفعها الى سحبهم قبل ان تدخل مهمتهم في شهرها الثاني!

ومع بقاء الأزمة السورية مفتوحة على كل الاحتمالات، تستمر الساحة اللبنانية بالترنح على الحافة الرفيعة، فلا تسقط في الهاوية ولا تبتعد عنها.. بانتظار ما ستحمله الريح الآتية من خلف الحدود الشمالية والشرقية.

إنه الاستقرار الهش، الذي يعمل بـ"التعاقد" اليومي، ويحاول السير بين الألغام المستترة والظاهرة، في مرحلة لا تحتمل أي دعسة ناقصة، من النوع الذي يمكن ان يحصل لو صحت المعلومات القائلة بأن العديد من الشخصيات السياسية البارزة، هي في دائرة الخطر والاستهداف، إضافة الى ما تسرب عن جهاز "فرع المعلومات" حول خطة تم إحباطها في التوقيت المناسب لاغتيال رئيسه العميد وسام الحسن.

في كل الحالات، وبمعزل عن مدى دقة المعطيات المتداولة حول وجود لائحة اغتيالات سياسية وأمنية، فإن الأكيد ان هذا المناخ أعاد تسليط الضوء على حقيقة مرّة وهي أن الساحة اللبنانية سريعـة العـطب عضويا، وقابلة للاضطراب في أي لحظة، فكيف إذا كانت تحـيط بها منطـقة تغـلي فوق صفـائح ساخنة، كما هي الحال في الوقت الحاضر، وإن تكن المراجع المختصة تميل باستمرار الى ترويج أن الأمن ممسوك وتحت السيطرة، وهي مقولة تبدو مرشحة لمزيد من الاختبارات الصعبة، في ظل احتدام المواجهة الدولية والاقليمية في سوريا وما يمكن ان تتركه من تداعيات مباشرة على المحيط القريب والبعيد.

وليس خافيا على أحد أن هناك في لبنان من يتوقع ان تتدحرج حجارة "الدومينو" في المنطقة، الواحد تلو الآخر، إذا سقط الحجر المفصلي في سوريا تحت وطأة حرب أهلية محتملة او فوضى غير بنّاءة، يُخشى من ان يمتد حريقها أولا الى لبنان، لا سيما أنه يختزن كل المواد الملتهبة السريعة الاشتعال، بدءا من الخطاب التحريضي والاحتقان المذهبي مرورا بتنامي الحركات الأصولية التي تجد في لبنان إما ساحة نصرة وإما ساحة جهاد، وصولا الى الانكشاف المخيف للبلد امام جميع أنواع المخابرات الأجنبية التي تملك ما يكفي من الخلايا النائمة... والمستيقظة.

وإذا كان البعض يعتبر أن السلاح المنظم القادر على خوض صراع داخلي يتوافر فقط بحوزة حزب الله، إلا ان ما يغفله هذا البعض هو ان السلاح يمكن ان يتدفق بكميات كبرى الى كل الأطراف خلال وقت قصير، إذا تقرر إشعال حريق الفتنة في البلد، وسوريا القريبة هي المثال الحي والقريب، كما أن تجربة الحرب الأهلية على مدى 15 سنة ليست سوى المثل الصارخ على ان مسألة التسلح تصبح متيسرة ومتاحة للجميع، متى وُجد قرار سياسي بهذا المعنى محليا وخارجيا، تماما كما ان القرار السياسي الكبير يستطيع وحده تعطيل مفعول السلاح، وفق ما دلّ عليه اتفاق الطائف.

في المقابل، تشير أوساط بارزة في فريق 14 آذار الى ان لديها معلومات مستمدة من مراجع أمنية فاعلة تفيد بأن احتمال ترجمة ما يجري الآن وما قد يجري لاحقا في سوريا الى فتنة مكتملة العدة والعديد في لبنان، هو احتمال ضئيل، اقله حتى إشعار آخر للأسباب الآتية:

- ان السلاح المنظم موجود حصرا لدى  حزب الله  وفي المخيمات الفلسطينية، ورقصة الفتنة لا تتم إلا إذا شارك فيها طرفان.

- ان القوى الداعمة للمعارضة السورية، أي "تيار المستقبل" والحركات الأصولية السنية، ليست مسلحة بالمعنى الحقيقي للكلمة، وإذا وُجد سلاح فهو فردي وغير قادر على تحمل أعباء تحقيق التوازن في أي صراع داخلي.

- ان الدخول في حرب أهلية يحتاج الى خط إمداد مفتوح وإلى تدفق الاسلحة بكميات ضخمة، فمن أين سيأتي هذا الدعم للقوى اللبنانية المعارضة للنظام السوري وحلفائه في لبنان، وسط الأوضاع السائدة حاليا بحرا وبرا وجوا.

- ان هامش الحركة المتاح امام الخصوم اللبنانيين للنظام السوري، وخصوصا "تيار المستقبل"، ينحصر في إطار الخطاب الإعلامي والسياسي المرتفع السقف، ولا قدرة لهم في الوقت الحاضر على تجاوزه الى أبعد من ذلك.

- ان الأطراف التي تهرّب السلاح الى التجار لبيعه الى عناصر المعارضة السورية هي في معظمها حليفة للنظام السوري، لأنها هي التي تملك المخزون التجاري، ولدى الأجهزة الأمنية لائحة كاملة بأسماء الجهات التي تمارس هذه التجارة، إضافة الى ان هناك كميات كبرى من السلاح يتم الحصول عليها من الجيش السوري نفسه إما بفعل "الانشقاقات" وإما نتيجة الفساد.

  • فريق ماسة
  • 2012-01-29
  • 10571
  • من الأرشيف

تداعيات الأزمة السورية.... الفتنة الداخلية ستقع.. لن تقع!

يواصل المشهد السوري إفراز المفارقات التي تعكس انقلابا حادا في الأدوار، ومن بينها على سبيل المثال ان الجامعة العربية تضغط في مجلس الامن لـ"استجرار" طاقة التدويل وتضييق الخناق على دمشق، في حين أن روسيا التي لا تربطها بسورية أواصر اللغة والجغرافيا والقربى الحضارية هي التي تتولى الدفاع الشرس عنها في مواجهة هذا الهجوم عليها من بعض العرب! والمفارقة الأخرى، أن سوريا التي كانت غير متحمسة لاستقبال المراقبين العرب حرصا على سيادتها الوطنية أصبحت من مؤيدي عملهم ومن المتحسرين على رحيلهم، في حين ان الجامعة العربية التي كانت صاحبة الفكرة أصلا ومارست كل الضغوط المتاحة لتنفيذها، باتت ترى في هؤلاء المراقبين عبئا سياسيا وماليا عليها، ما دفعها الى سحبهم قبل ان تدخل مهمتهم في شهرها الثاني! ومع بقاء الأزمة السورية مفتوحة على كل الاحتمالات، تستمر الساحة اللبنانية بالترنح على الحافة الرفيعة، فلا تسقط في الهاوية ولا تبتعد عنها.. بانتظار ما ستحمله الريح الآتية من خلف الحدود الشمالية والشرقية. إنه الاستقرار الهش، الذي يعمل بـ"التعاقد" اليومي، ويحاول السير بين الألغام المستترة والظاهرة، في مرحلة لا تحتمل أي دعسة ناقصة، من النوع الذي يمكن ان يحصل لو صحت المعلومات القائلة بأن العديد من الشخصيات السياسية البارزة، هي في دائرة الخطر والاستهداف، إضافة الى ما تسرب عن جهاز "فرع المعلومات" حول خطة تم إحباطها في التوقيت المناسب لاغتيال رئيسه العميد وسام الحسن. في كل الحالات، وبمعزل عن مدى دقة المعطيات المتداولة حول وجود لائحة اغتيالات سياسية وأمنية، فإن الأكيد ان هذا المناخ أعاد تسليط الضوء على حقيقة مرّة وهي أن الساحة اللبنانية سريعـة العـطب عضويا، وقابلة للاضطراب في أي لحظة، فكيف إذا كانت تحـيط بها منطـقة تغـلي فوق صفـائح ساخنة، كما هي الحال في الوقت الحاضر، وإن تكن المراجع المختصة تميل باستمرار الى ترويج أن الأمن ممسوك وتحت السيطرة، وهي مقولة تبدو مرشحة لمزيد من الاختبارات الصعبة، في ظل احتدام المواجهة الدولية والاقليمية في سوريا وما يمكن ان تتركه من تداعيات مباشرة على المحيط القريب والبعيد. وليس خافيا على أحد أن هناك في لبنان من يتوقع ان تتدحرج حجارة "الدومينو" في المنطقة، الواحد تلو الآخر، إذا سقط الحجر المفصلي في سوريا تحت وطأة حرب أهلية محتملة او فوضى غير بنّاءة، يُخشى من ان يمتد حريقها أولا الى لبنان، لا سيما أنه يختزن كل المواد الملتهبة السريعة الاشتعال، بدءا من الخطاب التحريضي والاحتقان المذهبي مرورا بتنامي الحركات الأصولية التي تجد في لبنان إما ساحة نصرة وإما ساحة جهاد، وصولا الى الانكشاف المخيف للبلد امام جميع أنواع المخابرات الأجنبية التي تملك ما يكفي من الخلايا النائمة... والمستيقظة. وإذا كان البعض يعتبر أن السلاح المنظم القادر على خوض صراع داخلي يتوافر فقط بحوزة حزب الله، إلا ان ما يغفله هذا البعض هو ان السلاح يمكن ان يتدفق بكميات كبرى الى كل الأطراف خلال وقت قصير، إذا تقرر إشعال حريق الفتنة في البلد، وسوريا القريبة هي المثال الحي والقريب، كما أن تجربة الحرب الأهلية على مدى 15 سنة ليست سوى المثل الصارخ على ان مسألة التسلح تصبح متيسرة ومتاحة للجميع، متى وُجد قرار سياسي بهذا المعنى محليا وخارجيا، تماما كما ان القرار السياسي الكبير يستطيع وحده تعطيل مفعول السلاح، وفق ما دلّ عليه اتفاق الطائف. في المقابل، تشير أوساط بارزة في فريق 14 آذار الى ان لديها معلومات مستمدة من مراجع أمنية فاعلة تفيد بأن احتمال ترجمة ما يجري الآن وما قد يجري لاحقا في سوريا الى فتنة مكتملة العدة والعديد في لبنان، هو احتمال ضئيل، اقله حتى إشعار آخر للأسباب الآتية: - ان السلاح المنظم موجود حصرا لدى  حزب الله  وفي المخيمات الفلسطينية، ورقصة الفتنة لا تتم إلا إذا شارك فيها طرفان. - ان القوى الداعمة للمعارضة السورية، أي "تيار المستقبل" والحركات الأصولية السنية، ليست مسلحة بالمعنى الحقيقي للكلمة، وإذا وُجد سلاح فهو فردي وغير قادر على تحمل أعباء تحقيق التوازن في أي صراع داخلي. - ان الدخول في حرب أهلية يحتاج الى خط إمداد مفتوح وإلى تدفق الاسلحة بكميات ضخمة، فمن أين سيأتي هذا الدعم للقوى اللبنانية المعارضة للنظام السوري وحلفائه في لبنان، وسط الأوضاع السائدة حاليا بحرا وبرا وجوا. - ان هامش الحركة المتاح امام الخصوم اللبنانيين للنظام السوري، وخصوصا "تيار المستقبل"، ينحصر في إطار الخطاب الإعلامي والسياسي المرتفع السقف، ولا قدرة لهم في الوقت الحاضر على تجاوزه الى أبعد من ذلك. - ان الأطراف التي تهرّب السلاح الى التجار لبيعه الى عناصر المعارضة السورية هي في معظمها حليفة للنظام السوري، لأنها هي التي تملك المخزون التجاري، ولدى الأجهزة الأمنية لائحة كاملة بأسماء الجهات التي تمارس هذه التجارة، إضافة الى ان هناك كميات كبرى من السلاح يتم الحصول عليها من الجيش السوري نفسه إما بفعل "الانشقاقات" وإما نتيجة الفساد.

المصدر : عماد مرمل\ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة