دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
انتهى الكلام المعسول، لم يعد مصطلح «الربيع العربي» يؤتي ثماره، وعنوان نشر الحرية والديموقراطية لم يعد بضاعة يسهل تسويقها بعد ان صمد النظام السوري قرابة سنة امام هذه «المزحة السمجة» التي لم تنطل الا على السذج، فالرسالة باتت واضحة اليوم بعد قرارات الجامعة العربية الاخيرة، لن يقف احد امام حركة التاريخ فالتغيير في المنطقة لن يقف عند حدود، «التسونامي» سيجتاح كل السدود تحت عنوان «الاسلام السني المعتدل»، وبمباركة اميركية، من يقبل به صاغرا سينال العفو، كما حصل في تونس واليمن، اما من يعاند فرياح التغيير ستقتلعه كما حصل في ليبيا.
دخول دول الخليج على الملف السوري بقوة، اوانتقال دورها وتدخلها من السرية الى العلنية، يعتبر ترجمة حرفية لهذه المعادلة، وما ارادت قوله صراحة ان الزمن الان هو زمن دول الخليج العربي، «المستقرة سياسيا واقتصاديا وامنيا»، وما يحصل الان فرصة تاريخية لن تتكرر لرسم صورة المشهد العربي لسنوات مقبلة، فالمراكز العربية الثلاثة التي صاغت تاريخ المنطقة على مدى عشرات القرون تعيش حالة من فقدان التوازن، فسورية تواجه ازمة غير مسبوقة، والعراق يعيش صراع مفتوحا لا احد يتكهن بنتائجه، اما مصر فتعيش مرحلة انتقالية صعبة ومشغولة بهمومها الداخلية، ابعدتها عن كل دوائر التأثير في المنطقة.
هذا التطور اثلج صدور قادة قوى 14 اذار في لبنان، ولم يفاجئهم، فموقف وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في الجامعة العربية هو برأي اوساط سياسية مطلعة، ترجمة حرفية لما سمعوه في الايام والاسابيع الماضية في الرياض والدوحة من كلام واضح لا يقبل اي التباس حول نهائية الموقف من نظام الرئيس السوري بشار الاسد وعدم القبول بأي تسوية حول بقاء الرئيس السوري في منصبه، في المقابل لم يفاجىء قادة قوى الاكثرية وحلفاء سوريا بما حدث ولا يعيشون حالة صدمة مما الت اليه الامورفهم يدركون ان «اللعبة» لم تنته فصولا بعد، والخطوة الخليجية كانت متوقعة وهي ليست معزولة عما يحصل في المنطقة وليس من قبيل الصدفة ان تتزامن ضغوط الجامعة العربية على النظام السوري مع اقرار وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي حظرا نفطيا شاملا على ايران، ودخول حاملة طائرات اميركية جديدة الى الخليج العربي عبر مضيق هرمز، في استفزاز واضح للأخيرة.
عدم دهشة قوى الاكثرية والاقلية في لبنان من سياق تطور الاحداث، ليس الامر الوحيد الذي يجمعهما في سياق قراءة المشهد المتوتر في المنطقة، فالنقطة الاخرى التي يتقفقان عليها ضمنيا ان الطريق المسدود سيؤدي حتما الى هروب احد اطراف النزاع الى الامام لقلب كل المعادلات في المنطقة، فالحرب الاقليمية حقيقة واقعة لا محالة، وهي اقرب من اي وقت مضى، هما يعرفان ذلك لكنهما يختلفان على النتائج كما يختلفان في كيفية مواكبة هذا الحدث الذي ينتظره الطرفان ويراهنان على تداعياته. فما الذي يجعل حتمية الحرب امراً مفروغ منه؟ وهل من تقدير واضح لتداعياتها على المنطقة ولبنان؟
هذه القناعة الراسخة لدى الاقلية تعكسها تصريحات قادة تيارالمستقبل المتفائلة بقرب سقوط النظام السوري، كما تعكسها نبرة التحدي المرتفعة في كلام النائب وليد جنبلاط العائد من قطر بمعلومات حاسمة عن استعداد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة للذهاب الى نهاية الطريق في الصراع مع معسكر المقاومة في المنطقة، فالتخلص من النظام السوري بات امرا محسوما واذا لم يحصل من الداخل فلا ضير من تدخل عسكري ينهي النظام حتى لو كانت التكلفة عالية وباهظة، لان هذا الثمن سيكون اقل تكلفة من بقاء هذا النظام الذي يشكل «العامود الفقري» للهلال الشيعي في المنطقة والذي لن يقبل احد بأن يتحول الى «بدر» في زمن صعود «الاسلام السني». وهذا الكلام سمعه ايضا رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع وهو لذلك يعرض على حزب الله التفاوض الان لتسليم سلاحه قبل ان ينتزع منه بالقوة.
وبرأي الاوساط نفسها فأن الدور المطلوب من قوى الاقلية في هذه المرحلة، هو انتظار ساعة الصفر، وقد يكون لها دور في المستقبل بأفتعال شرارة استدراج التدخل الدولي عبر المناطق الحدودية مع سوريا، لكن الاحتكاك الداخلي مع حزب الله ممنوع في هذه المرحلة لان النتائج ستكون «كارثية» نتيجة توازن القوى المفقود، ولذلك عليها الاكتفاء بالحملة الاعلامية ضد سوريا، وتهشيم صورة ايران وشيطنتها، ومن هنا يمكن فهم التهليل بتصريحات قائد فيلق القدس قاسم سليماني «الملفقة»، ويمكن ايضا فهم «الغبطة» بتصريحات ميخائيل مارغيلوف واعتبارها بداية نهاية الدعم الروسي للنظام السوري، وضوء اخضر لاي حملة عسكرية قد تحصل في المستقبل.
اما على الضفة الاخرى فحتمية الحرب لم تعد مجرد تحليل وانما قناعة راسخة خصوصا لدى حزب الله، لكن هذه القناعة لم تفض الى دخول الحزب في حالة من الانتظار فهو على عكس قوى 14 اذار لاعب اساسي في المنطقة وهو سيكون رأس حربة في اي حرب جديدة، ولذلك فأن الاوساط نفسها ترجح وجود تحضيرات مكثفة لدى الحزب لما بات يعرف «بيوم القيامة»، حيث لن يترك اي شيء للصدفة والدروس المستفادة من حرب تموز كثيرة، ولذلك فأن الحزب لا يكترث كثيرا لما يحكى عبر الاعلام عن صعوبات اميركية وغربية اقتصادية وعسكرية تمنعها من خوض حرب جديدة، ولا يكترث بالكلام عن خشية اسرائيلية من تداعيات الحرب، وعدم رغبة دول الخليج في هز امنها الحيوي، فكل هذه التحليلات لا مكان لها في العقلية الاستراتيجية التي تفكر بها قيادة الحزب ولذلك فان التحضيرات تقوم على اساس ان الحرب واقعة غدا مع قناعة راسخة بان النتائج ستغير هذه المرة وجه المنطقة.
وبحسب الاوساط نفسها فان ما يجعل وقوع هذه «المعركة الفاصلة» امرا لا ريب فيه ان طرفي النزاع لديهما فائض قوى ولديهما يقين بان المعركة ستحسم لصالحه اذا ما وقعت، فتكرارالولايات المتحدة «لخطيئة» الجيش الروسي في افغانستان، وحربها الفاشلة في العراق رغم تجربتها المريرة في فيتنام، وكذلك تكرار اسرائيل لسلسلة اخفاقاتها في لبنان عبر حروب مستنسخة ادت الى نتائج كارثية على مدى الاعوام الماضية، كانت تنيجة شعور هذا المعسكر بغطرسة القوة وقدرته على انزال هزيمة «قاصمة» بأعدائه، وهذه العقلية لم تتغير حتى الان، وفي المقابل يملك معسكر المقاومة الكثير من المقومات والاوراق والتجارب التي تجعله متيقنا من ربح المعركة وعدم الخوف من خوضها، ولذلك فأن شرارة الحرب قد تندلع في اللحظة التي يشعر بها اي طرف بانه بات بحاجة ماسة اليها للخروج من عنق الزجاجة.
اذا عنوان المعركة بات واضحا، يكون نظام الرئيس الاسد او لا يكون، جميع الاطراف مستعدة للذهاب الى النهاية ولم تحصل «عجيبة» تخرج الجميع من المأزق، فالمسألة مسألة وقت ليس الا، لا احد يعرف على وجه التحديد متى يندلع الحريق، البعض يجزم بأن الموعد لن يتجاوز الربيع المقبل، لان الادارة الاميركية محشورة بموعد الانتخابات الرئاسية وهي في الصيف المقبل لن تكون قادرة على المجازفة بحرب لن تستطيع تدارك تداعياتها في صناديق الاقتراع، والمعسكر الاخر غير معني بالحرب طالما استمر صمود النظام في سوريا، ولكن قد تكون الحرب ضرورية لاخراج الصراع من قوقعته المذهبية والطائفية واعادته الى المربع الاول، وقد تكون ضرورية لاستغلال لحظات ضعف لدى المعسكرالاخر،وحتى يحين الوقت تبقى الاجوبة معلقة حول التداعيات المرتقبة على الساحة اللبنانية، لكن ما لا يختلف عليه اثنان هو ان الطرف الاقوى الذي يشارك في صناعة الحدث سيقطف ثمار النجاح ويستطيع التعامل مع نتائج الفشل بينما من يشارك في لعبة الانتظار ودوره ثانوي لن يكون في المشهد النهائي وهذا مصير من يقبل بلعب دور «الكومبارس».
المصدر :
الديار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة