دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تكتظ الصحف الغربية وتحليلات المعاهد الاميركية والبريطانية بالاسئلة والاجوبة. بالافتراضات والتأكيدات، بالاتهامات والتبرئة، والموضوع واحد: ماذا يعني اغتيال عالم ايراني نووي جديد وسط التصعيد الاميركي - الايراني والايراني - الاسرائيلي؟ لا تنشغل الاقلام المستنفرة في تحليل معاني التوقيت، فلا أهمية لهذا العنصر في عملية اغتيال العالِم الايراني الشاب مصطفى احمدي روشن، بعد مقتل 3 علماء آخرين قبله خلال عام، بل الأهمّ في ما كتبه المراقبون الغربيون تمحور حول مدى صوابية اغتيال هؤلاء العلماء بهدف ضرب برنامج ايران النووي. اسرائيل المسؤولة؟ بدا تبني هذه الفرضية واضحاً، لينطلق التحليل بعدها الى مدى مصلحة تل ابيب في ذلك من جهة وعجز إيران عن ضبط التهديد المسلط فوق رؤوس علمائها من جهة اخرى.
يطرح جيفري غولدبرغ في مقاله «اغتيال عالم نووي ايراني جديد.. ماذا يعني ذلك»، والمنشور في مجلة «اتلانتيك» الاميركية، أسئلة عدة محيطة بعملية الاغتيال، شملت الرؤية الغربية لميزان القوى الايراني - الاسرائيلي. «أولاً، لماذا لا يسعى الايرانيون لقتل مسؤولي الدفاع الاسرائيليين؟ الجواب على ما أعتقد، مرتبط بالقيود «الفنية» الايرانية: فحيث لا مشكلة لدى النظام الإيراني في قتل المدنيين الإسرائيليين (من خلال وكلائه حزب الله وحماس)، أشك في أن يكون لديه تحفظات حول مهاجمة المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين. غير أن امراً واحداً ربما يحجم إيران عن القيام بذلك، هو خوفها من أن تدفع الهجمات على المسؤولين الإسرائيليين الى ضربة اسرائيلية جوية لموقع نتانز، وذلك قبل ان يتمكّن النظام من نقل اجهزة الطرد المركزي الى منشآته تحت الارض في فوردو».
ويتابع غولدبرغ متسائلاً: هل تؤمن اسرائيل، او من كان وراء اغتيال العلماء الايرانيين، بأن قتل هؤلاء قادر فعلاً على إبطاء البرنامج النووي الايراني؟ هل يعتقد من يقف وراء هذه الاغتيالات بأن المعرفة الايرانية النووية تتركز فقط في ادمغة بعض العلماء وبالتالي فإن قتلهم قادر على إعاقة البرنامج؟ هل الهدف من عمليات الاغتيال هو اقناع العلماء النوويين الايرانيين بأن يبحثوا عن مجالات مهنية اخرى؟ لماذا يظهر أن ايران غير قادرة على حماية علمائها النوويين؟ لماذا يبرع الموساد (لنفترض انه الموساد) في اغتيال اشخاص في طهران؟... علامات استفهام كانت أساس مقال غولدبرع الذي ختم قائلاً «لو كنت عضواً في النظام الإيراني، لكنت اغتنمت فرصة الاغتيالات للقول بأن الغرب غير معني تماماً في أي شكل من أشكال التفاوض، وانه عليّ عبور العتبة النووية بأسرع وقت ممكن. وعندها، أصبح كوريا الشمالية أو باكستان: بلد يستحيل المساس به».
حيرة غولدبرغ ازاء الأداء الاسرائيلي المفترض برأيه، لم تظهر بتاتاً في مقال الكاتب روبرت رايت الذي ردّ على زميله من المنبر ذاته على سؤال «لماذا تفعل اسرائيل ذلك؟»، مجيباً «ما نسي غولدبرغ ان يلفت اليه هو ان اسرائيل تحاول اشعال حرب مع ايران. فكلما قتل اشخاص من صفوف العلماء استُفزّت ايران للردّ. اما التصعيد فهو جليّ تماماً وقد يمهّد الطريق امام ضربات عسكرية ضد منشآت ايران النووية».
ويضيف رايت «في الواقع، ان اسرائيل قادرة على ضرب المنشآت حتى من دون تصعيد، غير ان الاخير يقدّم لها ميزتين: اولاً، تُلام اسرائيل اقل في مثل هذه الحالة على اعتبار انها ليست هي من بدأ، بالرغم من ان الامر سيكون العكس تماماً من وجهة النظر الايرانية، غير ان واشنطن تعترف دوماً بـ«الارهاب» عندما يكون من توقيع ايران وليس عندما تقوم به هي او اسرائيل. ثانياً، يزيد هذا السيناريو من احتمالات انجرار الولايات المتحدة إلى الحرب، خصوصاً ان اسرائيل تفضل ان يكون لأميركا حصة الاسد من ضرب المنشآت الايرانية اذ تتمتع بقدرات اوسع في هذا المجال»..
اذاً، اسرائيل المتهم رقم واحد. وقد لا تكون التهمة جديدة نظراً لقدرات الموساد الامنية المعروفة في ايران وسواها، والتي سبق ان صُوّبت نحوها اصابع الاتهام الايرانية في مناسبات ماضية، وذلك في اطار «العنف» الكلامي المتبادل على خط طهران - تل ابيب. ومع ذلك، يبقى الأهم في توصيف عملية الاغتيال ما قاله العميل القديم في وكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي ايه»، بول بيلر، في مقال بعنوان «الاغتيالات في ايران» في مجلة «ناشنال انترست». اذ رأى بيلر ان اغتيال روشن في شمال ايران يُصنّف في قائمة «اعمال الارهاب الدولية»، اقله بحسب القانون الاميركي، كما قال، «غير ان هذا النوع من الارهاب هو احد الاسباب التي جعلت ايران على لائحة الدولة الراعية للارهاب. فخلال الثمانينيات والتسعينيات قام النظام الايراني بعمليات اغتيال استهدفت سياسيين ايرانيين منفيين في اوروبا وشرق آسيا. ولكن طهران اوقفت هذا النهج منذ قرابة 15 عاماً بهدف تحسين العلاقة مع الاوروبيين، او ربما لأنها تخلصت من كل من كان على اللائحة.. اما اليوم، فإن ايران تواجه نوع الارهاب نفسه».
ويُكمل بيلر مقارباً الحدث الايراني من وجهة نظر اميركية «تخيلوا لو ان الامر حدث للاميركيين باستهداف عالم نووي واحد يعمل مثلاً في المختبرات الوطنية، لكان الصراخ قد علا ضد العمل الحربي واتجه الرئيس الاميركي للرد بالقوة! لنضع انفسنا مكان ايران التي لا تواجه الاغتيالات فحسب بل العداوة الغربية والعقوبات الاقتصادية. من هذا المنطلق، لن يكون مفاجئاً اذا ردّت ايران على ما يحدث لها وبالتالي تطوير برنامجها النووي».
وختم بيلر بتبرئة اميركا من الاغتيال واتهام إسرائيل بذلك دون ان يسميها، قائلا «لا اعرف طبعاً من يقف وراء هذا العمل ولا اعتقد ان اميركا وراء ذلك. فنحن نغتال اشخاصاً نكون مقتنعين بأنهم إرهابيون، وليس علماء او أحد آخر. كما نستخدم وسائل تخدمنا في ما نعتبره «حرباً»، وذلك من ارتفاع مقداره آلاف الأقدام في الهواء بحيث لا نقترب من الواقع الدموي على الارض. خالفنا ذلك لمرة واحدة في ايار الماضي، يوم قتلنا اخطر الارهابيين في العالم (اسامة بن لادن)... اتفق مع من يقول إن لاعباً اقليمياً قام بذلك لتحويل المواجهة مع ايران الى صراع
عسكري مباشر فيعيقها من الحصول على القنبلة النووية».
الاغتيالات التي تستهدف العلماء النوويين الإيرانيين «حرب سرية تحمل مخاطر جدية على منطقة الشرق الاوسط ككل»، كما قالت «الغارديان» البريطانية. أما الجديد في اغتيال روشن، فهو «الاستنكار الأميركي الكبير» بحسب وصف صحيفة «نيويورك تايمز»، وذلك في انعكاس «للقلق الأميركي الجدي من زيادة مثل هذه الاغتيالات في حين يرى بعض الخبراء أنها ستنعكس سلباً على أي مفاوضات مقبلة مع ايران التي من المتوقع في مثل هذه الحال أن تضاعف قدرتها النووية» اكثر من أي وقت مضى.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة